< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ تمهيد / الفارق بين الأمارات والأصول العملية

 

الرأي الثالث: دعوى أنَّ الفرق بين الأمارات والأصول يكمن في أخذ الشك في لسان دليل الأصل وعدم أخذه في لسان دليل الأمارة، فالفارق بينهما إثباتي والمدار فيه على الدليل.

تقييم هذه الآراء:

أما الرأي الثالث فجوابه: لا يمكن الإلتزام بأن الفارق بين الأمارات والأصول العملية في مقام الإثبات فقط لأنه يؤدي الى نتائج لا يمكن الإلتزام بها، فخبر الواحد مثلاً تدل عليه أدلة بعضها أُخِذ الشك في لسانها وبعضها لم يؤخذ الشك فيها، فتارة نستدل على حجيته بآية النبأ التي لم يؤخذ الشك فيها، وأخرى نستدل على حجيته بآية الذكر وقد أُخِذ الشك في لسانها ﴿فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ فكيف يُصنف خبر الواحد؟! هذا الفارق ليس حقيقياً.

وأما الرأي الثاني ففيه: أنَّ دعوى عدم أخذ الشك في موضوع الأمارة ثبوتاً لازمه هو أن تكون مطلقة لحالة العلم بالواقع، بمعنى أنَّ موضوعها لا يختص بحالة الشك بالواقع بل تكون ثابتة حتى في حالة العلم بالواقع وهذا ما لا يمكن الإلتزام به، إذ لا إشكال في أنَّ حجية الأمارة تختص بالشاك أو لا تشمل العالم على الأقل.

وهذا الإشكال لا يرد على الرأي الثالث لأنه يعترف بأنَّ الشك مأخوذ في موضوع كل منهما ثبوتاً ويجعل الفارق بينهما إثباتياً.

نعم يمكن الإستفادة من هذا الفارق في مسألة أخرى وهي تقديم الأمارة على الأصل بناءً على أنَّ بعض الأصول - وهو الإستصحاب - مجعول على نحو الطريقية أيضاً، فتخريج هذا التقديم بأن يقال إنَّ دليل الأمارة يتقدم على دليل الأصل العملي لأنه يكون رافعاً لموضوعه، فإن موضوع الأصل بحسب الفرض هو الشك وحيث أنَّ الشارع إعتبر الأمارة علماً فبقيامها ينتفي الشك ويرتفع موضوع الأصل، فيكون دليل الأمارة حاكماً على دليل الأصل العملي، فتتقدم الأمارة على الأصل على هذا الأساس، وأما العكس فغير صحيح، أي لا يمكن لديل الأصل العملي أن يرفع موضوع دليل الأمارة لأنَّ الأخير لم يؤخذ فيه الشك فلا يكون دليل الإستصحاب رافعاً لموضوعه وحاكماً عليه وإن كان مجعولاً على نحو الطريقية كما على بعض الآراء، وأما إذا لم يكن مجعولاً كذلك فتقديم الأمارة يكون واضحاً.

وهذا الكلام يتوقف على أن نقول أنَّ الشك المأخوذ في دليل الإستصحاب يراد به الشك الأعم من الشك الوجداني والشك التعبدي، أي أنَّ المقصود بالشك المأخوذ في موضوع دليل الإستصحاب هو عدم العلم الأعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي، فتأتي فكرة الحكومة وذلك لأنَّ الشارع إذا اعتبر الأمارة علماً فستكون علماً تعبداً وترفع موضوع الأصل العملي وإن كان الشك الوجداني باقياً، وأما إذا فسَّرنا الشك في دليل الإستصحاب بعدم العلم الوجداني فقط فلا يمكن تقديم دليل الأمارة على دليل الأصل لأنه لا يرفع موضوعه على هذا التقدير، فلا يتم التقديم بالحكومة، فالتقديم يتوقف على أمرين:

الأول: أنَّ المجعول في الإستصحاب هو الطريقية.

الثاني: أنَّ الشك المأخوذ في دليل الإستصحاب يراد به عدم العلم الأعم من العلم الوجداني والتعبدي.

فتبين مما تقدم عدم تمامية الرأيين الثاني والثالث.

وأما الرأي الأول الذي ذهبت اليه مدرسة المحقق النائيني قده فيلاحظ عليه:

أولاً: إنَّ أدلة حجية الأمارات - ومنها خبر الواحد - لا يُستفاد منها جعل الطريقية والعلمية، فإنَّ العمدة في أدلتها هي السيرة العقلائية والمتشرعية، وهي سلوك عملي خارجي على العمل بالظواهر والعمل بخبر الثقة وذلك لكشفها عن الواقع بدرجة معينة، والشارع أمضى هذا السلوك كما هو، فمن أين يمكن إستفادة جعل العلمية والطريقية؟ نعم هو إحتمال ثبوتي لا أكثر وأما أن يُلتزم به فمن الصعب إثباته بالدليل.

وأما الأدلة اللفظية الدالة على حجية الأمارات فهي على ما قالوا إما إمضائية أو إرشادية فتتحدد بحدود ما عليه السيرة ولا تؤسس شيئاً جديداً.

وثانياً: إنَّ المحقق النائيني قده إنما ذكر هذا الوجه لتفسير حجية لوازم الأمارة دون لوازم الأصول العملية، هذا الأمر الواضح والمركوز في الأذهان، وغاية ما يثبت بهذا المسلك هو أنَّ الشارع إعتبر الأمارة علماً وكاشفاً تاماً، ولكن كيف نُثبت أنه جعلها علماً بالنسبة الى كِلا المدلولين المطابقي والالتزامي، إلا يُحتمل أنه إعتبرها علماً بالنسبة الى المدلول المطابقي فقط؟ فإنَّ التعبد بيد الشارع ولا ندرك ملاكاته، فلابد من نفي هذا الإحتمال حتى تثبت حجية لوازم الأمارة، وأما مجرد جعل الطريقية في باب الأمارات فلا تكفي في تفسير هذه الظاهرة المسلَّمة.

والعمدة في المقام هو الملاحظة الأولى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo