< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/

الظاهر من كلمات الأعلام أنَّ هناك ثلاثة علوم إجمالية كبير ومتوسط وأصغر، وانحلال العلم الإجمالي الكبير - الذي أطرافه جميع الشبهات سواءً قامت عليها الأمارة أم لا وقام عليها خبر الواحد أم لا - بالمتوسط مما لا إشكال فيه وإنما تركز الكلام على إنحلال العلم الإجمالي المتوسط - الذي أطرافه جميع الأمارات - بالعلم الإجمالي الصغير الذي أطرافه أخبار الآحاد، وأما العلم الإجمالي الكبير فمدركه العلم بوجود شريعة إلهية تشتمل على أحكام واقعية إلزامية وعلى المكلف التصدي لإمتثالها، ولا إشكال عندهم في إنحلال هذا العلم الإجمالي الكبير بالمتوسط بمعنى أنَّ الأحكام الشرعية الإلهية في ضمن جميع الأمارات لا تقل عن المعلوم في العلم الإجمالي في ضمن جميع الشبهات فينحل العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي المتوسط، ولو بقينا وهذا العلم الإجمالي المتوسط لوجب الإحتياط بلحاظ جميع أطرافه بحسب قوانين العلم الإجمالي.

وإنما الكلام في أنَّ العلم الإجمالي المتوسط هل ينحل بالعلم الإجمالي الصغير أم لا ؟

فعلى القول بالإنحلال يبقى العلم الإجمالي في دائرة الأخبار ومع عدم إمكان تشخيص الصادر منها يقيناً نتنزل الى تشخيصه ظناً، وهو المطلوب في المقام، وينتج حجية الخبر مظنون الصدور عقلاً، وهذا هو الوجه الذي ذكره الشيخ الأنصاري قده ثم عدل عنه.

وعلى القول بعدم الإنحلال كما عليه الشيخ قده فإذا كان المقصود هو إثبات حجية الخبر مظنون الصدور إستناداً الى العلم الإجمالي فلابد من الإلتزام بما هو أوسع من ذلك وهو إثبات الحجية لكل أمارة يُظن بصدورها وهذا ما لا يلتزمون به.

ودعوى الشيخ قده بعدم الإنحلال تتوقف على أنَّ المعلوم بالعلم الإجمالي المتوسط يزيد على المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير، وإثبات ذلك - أي زيادة المعلوم بالعلم الإجمالي في دائرة جميع الأمارات على المعلوم بالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار - بأحد طريقين:

الطريق الأول: أن يدعى القطع بوجود أحكام واقعية في موارد باقي الأمارات وهذا يعني أنَّ المعلوم بالعلم الإجمالي المتوسط يزيد عن المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير.

الطريق الثاني: أن يقال إنَّ سائر الأمارات وإن لم تكن بنفسها مورداً للعلم الإجمالي إلا أنها بانضمامها الى الأخبار تكون موجبة لزيادة المعلوم بالإجمال، ونظيره ما إذا عُلم بوجود سبعة شياه محرمة في القطيع وعلمنا بوجود خمسة محرمة في السود مع التردد في الباقي - أي الإثنين - فلعلها في البيض أو في السود ولكن ضم البيض الى السود يوجب زيادة المعلوم بالإجمال الى سبعة، وفي محل الكلام يقال إنَّ ما نعلمه من الأحكام الواقعية في ضمن الأخبار له مقدار معلوم، ولا علم بوجود أحكام واقعية في سائر الأمارات منفردة، ولكن إنضمامها الى الأخبار يوجب زيادة المعلوم بالعلم الإجمالي من الأحكام الواقعية.

فعلى كِلا التقديرين تتم دعوى عدم الإنحلال، أما على الأول فواضح لأنَّ المفروض أنَّ الأمارات الأخرى وحدها يُعلم بوجود أحكام واقعية في مواردها، وكذلك الأخبار وحدها، إذن ما يُعلم إجمالاً في المجموع منهما يزيد على المعلوم بالإجمال في أحدهما.

وأما على الثاني فلأننا لو عزلنا من الأخبار بمقدار المعلوم بالإجمال وضممنا الباقي منها الى سائر الأمارات فسوف نجد أنَّ العلم الإجمالي بوجود أحكام واقعية في مواردها موجوداً، كما هو الحال في المثال المتقدم فإنَّ عزل خمسة من الشياه السود وضم الباقي من السود الى البيض يوجب العلم بوجود محرم فيها.

أما الدعوى الأولى فالدليل عليها هو ما تقدم من دعوى عدم إحتمال كذب جميع هذه الأمارات على كثرتها، وذلك بحساب الإحتمالات فهي تشتمل على أحكام واقعية - ولو حكم واقعي واحد على الأقل - فيتشكل العلم الإجمالي.

وجوابها: إنّ ما يدخل في الحساب من الأمارات الأخرى ويكون مؤثراً في زيادة المعلوم بالإجمال وبالتالي عدم الإنحلال إنما هو الأمارات المثبتة للتكليف في الموارد الخالية من الأخبار المثبتة للتكليف بحيث يكون إثبات التكليف منحصراً بها، وأما غير ذلك من الأمارات المثبتة للتكليف في الموارد التي قامت الأخبار على ثبوت التكليف فيها فإنه لا أثر لها في زيادة المعلوم بالإجمال لأنها داخلة في العلم الإجمالي الصغير ومن أطرافه وليست زائدة عليه، ومن الواضح أننا إذا لاحظنا القسم الأول من الأمارات المؤثرة في الحساب فسنجد أنها موارد قليلة لا علم بمطابقة بعضها للواقع وبالتالي لا علم بوجود أحكام واقعية في مواردها.

ويضاف إليه إنَّ هذا الإحتمال يلزمه الإحتياط بلحاظ هذه الأمارات إما كُلاً أو بعضاً على تقدير لزوم العسر أو الحرج ونحوه، فننتهي الى تشخيص الأمارة المطابقة للواقع ظناً، فينتج كل أمارة مظنونة الصدور فهي حجة، وهذا ما لا يلتزمون به.

وأما الدعوى الثانية فالمنقول عن المحقق النائيني قده الإستدلال عليها بتراكم الظنون - أي بحساب الإحتمالات - باعتبار أنَّ السبب في حصول العلم الإجمالي المتوسط هو نفس الأمارات الظنية من الأخبار وسائر الأمارات فإنّ إجتماعها يكون سبباً في نمو القيمة الإحتمالية لمطابقة الواقع حتى يصل الى درجة القطع بمطابقة الكثير منها للواقع، ولا منشأ للعلم الإجمالي إلا هذه الأمارات الظنية، فتكون كل واحدة منها من أطراف العلم الإجمالي، ولازم ذلك أن تكون زيادة تلك الأطراف موجبة لزيادة المعلوم بالإجمال، فإذا كان المعلوم بالإجمال من التكاليف في خصوص الأخبار بمقدار ألف تكليف مثلاً كان إضافة الأمارات الأخرى إليها موجباً لزيادة المعلوم بالإجمال على الألف لا محالة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo