< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/

 

الوجه الثالث ما ينقل عن المحقق الأصفهاني قده وحاصله إنّ ظواهر الآيات الناهية عن العمل بالظن لا دليل على حجيتها فلا تكون رادعة عن السيرة ، والسر فيه هو أنه لا دليل على حجية ظواهر الكتاب إلا السيرة ومن الواضح أنه مع فرض إنعقاد السيرة على العمل بخبر الثقة لا يعقل أن تقوم السيرة على العمل بالظواهر التي تمنع من العمل بخبر الواحد ، وحيث أنه لا إشكال في ثبوت السيرة على العمل بخبر الواحد فنقول لا توجد سيرة على العمل بالآيات الناهية عن العمل بالظن ، ومعه لا تصلح للرادعية.

ولوحظ عليه: بعدم منافاة بين وجود سيرتين للعقلاء أحداهما قائمة على العمل بخبر الواحد الظني إذا كان راويه ثقة وبين سيرتهم على العمل بالظواهر لأنَّ السيرة الثانية لا تعني بناءهم على حجية ظواهر هذه الآيات وإنما تعني البناء على قضية كلية حاصلها أنَّ مراد المتكلم يستكشف من خلال ظاهر كلامه وهذا لا ينافي السيرة القائمة على العمل بخبر الواحد.

الوجه الرابع: ما نُقل عن السيد الخوئي قده من دعوى أنَّ السيرة واردة على العمومات ورافعة لموضوع الآيات الناهية عن العمل بالظن حقيقة وذلك باعتبار أنَّ النهي في الآيات له ظهور في الإرشاد الى ما إستقل به العقل من لزوم تحصيل المؤمِّن من العقاب المحتمل في مقام الإمتثال وأنَّ الظن بما هو ظنٌ ليس مؤمناً ، وهذا الحكم العقلي غير قابل للتخصيص فينتفي إحتمال تخصيصه بالسيرة لأنه ليس حكماً شرعياً تعبدياً يقبل التخصيص، فالصحيح أن نقول أنّ السيرة رافعة لموضوع الآيات الناهية عن العمل بالظن حقيقة وواردة عليها ، وأما بيان الرفع فلأنَّ السيرة بعد فرض قيامها على حجية خبر الواحد الثقة تعتبره مؤمناً فيرتفع ذلك موضوع الآيات وهو عدم المؤمن الذي عُبر عنه بالظن ، وخبر الواحد بجعل الحجية له يكون مؤمناً حقيقة وهو معنى الورود.

وجوابه: بعد فرض تسليم كون الآيات ترشد الى حكم العقل المذكور نقول إنَّ الورود إنما يتم بعد فرض حجية خبر الثقة بالسيرة الممضاة فأنه حينئذٍ يخرج عن موضوع الآيات حقيقة ، ومن الواضح أنَّ الكلام فعلاً في نفس هذه الحجية وأنه هل يمكن إثباتها بالسيرة أو لا ، فلا معنى لإفتراض الحجية في المقام والإستدلال بها على الورود وعدم لردع فإنه مصادرة.

الوجه الخامس: دعوى أنَّ إرتكازية حجية خبر الثقة في أذهان العقلاء يجعل الآيات غير صالحة للردع وذلك باعتبار المنع من ظهورها في الإطلاق والعموم على نحو تكون شاملة لخبر الثقة ، وهذا من قبيل القرينة اللُبية الإرتكازية التي تمنع من إنعقاد الظهور في الإطلاق وحينئذٍ لا تصلح أن تكون رادعة عن هذه السيرة.

وإذا أضفنا الى هذا الوجه ما ذكرناه من أنَّ الإطلاق لو كان تاماً في الأدلة فهي لا تصلح للردع وذلك لقيام سيرة من قبل المتشرعة على العمل بهذه الأخبار الظنية وبها نحرز عدم الردع وإلا لا يمكن الجمع بين ردع الآيات وبين إنعقاد هذه السيرة.

ويضم الى ذلك أيضاً ما ذكرناه أخيراً من أنَّ السيرة إذا كانت بهذا الحجم والرسوخ فلا يكفي في الردع عنها إطلاق أو عموم دليل كما لاحظنا ذلك بالنسبة الى القياس ، وعليه فهذه الآيات لا تصلح أن تكون رادعة عن هذه السيرة ، وبهذا يتم الإستدلال على حجية خبر الواحد الثقة بالبيان الذي اخترناه.

وبهذا يتم الكلام عن دليل الإجماع بمعنى سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة.

الدليل الرابع: العقل

والمقصود به في المقام تطبيق قواعد العلم الإجمالي فإنها تقتضي حجية خبر الواحد الظني ، وذُكرت لهذا الإستدلال وجوه عديدة ذكرها الشيخ في الرسائل:

الوجه الأول: ما إختاره الشيخ ثم عدل عنه كما صرح بذلك ، وحاصله دعوى العلم الإجمالي بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار ، وإستدل على حصول هذا العلم بأمور خلاصتها هو إهتمام العلماء بتدوين الأخبار وتنقيحها في زمان الأئمة المتأخرين عليهم السلام ، ومع حصول هذا العلم الإجمالي يجب بحكم العقل العمل بكل خبر نظن بصدوره باعتبار اشتمال هذه الأخبار على أحكام شرعية واقعية إلهية وحيث لا طريق علمي لتمييز هذه الأخبار فيُصار الى مرتبة الظن ونعمل بكل مظنون الصدور فيكون كل خبر مظنون الصدور حجة وبه يثبت المطلوب ، قال قده:

(فيجب العمل بكل خبر مظنون الصور لأنَّ تحصيل الواقع الذي يجب العمل به إذا لم يمكن على وجه العلم تعيَّن المصير الى الظن في تعيينه توصلاً الى العمل بالخبار الصادرة)[1] وبذلك يجب العمل بالأخبار المظنونة الصدور.

ويلاحظ عليه: أنَّ هذا الوجه أهمل وجوب الإحتياط في أطراف العلم الإجمالي وهو مقتضى القاعدة في باب العلم الإجمالي ، ومع العمل بجميع الأخبار بمقتضى الإحتياط فسندرك الواقع المعلوم بالإجمال في ضمن هذه الأخبار قطعاً.

وحاول بعضم الدفاع عنه بأنَّ الإحتياط المذكور متعذر أو متعسر ويلزم منه الحرج ، فكأن عدم إمكان الإحتياط التام مفروض في الدليل ولذا تنزَّل الى مرتبة الظن.

ولكن هذا الجواب غير تام بشاهد عملنا بجميع الأخبار لقيام الدليل على حجيتها من دون تعذر أو تعسر أو لزوم الحرج.

وعلى كل حال فقد أورد الشيخ على هذه الوجه عدة إيرادات:

الإيراد الأول: إنّ وجوب العمل بالأخبار الصادرة إنما هو لأجل اشتمالها على الأحكام الواقعية التي يجب إمتثالها فالعمل بها من جهة كشفها عن حكم الله الواقعي لا بما هي أخبار، وحاصل هذا الوجه هو إنحلال العلم الإجمالي بعلم إجمالي صغير فإنَّ العلم بصدور كثير من الأخبار يستلزم العلم الإجمالي بوجود أحكام واقعية في ضمن هذه الأخبار والتأثير لهذا الأخير ، وحينئذٍ نقول هذا العلم الإجمالي بصدور أحكام واقعية لا يختص بالأخبار وإنما يشمل سائر الأمارات ومقتضى هذا العلم الإجمالي هو الإحتياط في تمام الأطراف مع الإمكان وإلا تنزلنا الى مرتبة الظن فنعمل بكل ما هو مظنون الصدور وهذه النتيجة شاملة لجميع الأمارات المظنونة الصدور ، وهذا ما لا يمكن الإلتزام به ، فيكون هذا نقضاً على هذا الوجه.

وقد يدعى أنَّ هذا العلم الإجمالي الشامل لجميع الأمارات منحل بعلم إجمالي أصغر منه .. ويأتي بيانه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo