< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/

 

كان الكلام في الإعتراضات على الإستدلال بصحيحة الحميري بفقرتها الأولى ، وحاصل الإعتراض الأول هو أنَّ التعليل بقوله عليه السلام (فإنه الثقة المأمون) متفرع على قوله (العمري ثقتي) فيكون التعليل لدرجة خاصة من الوثاقة لا لمطلق الثقة وهذا لا ينفع في إثبات المطلوب.

وقد يؤيد هذا بأنَّ الألف واللام في قوله (الثقة المأمون) هي للكمال كما تقول فلان هو الإنسان أو هو العالم وتريد الكامل في الإنسانية أو العلم فيكون قوله (الثقة المأمون) يعني الدرجة عالية من الوثاقة والمأمونية.

وأجيب عنه: إنَّ ما ذكر من التفريع لا ينافي عموم التعليل وشموله لمطلق الثقة ولا مانع من أن يخص العَمري بالذكر لأنه في مرتبة عالية من الوثاقة ثم يذكر التعليل بمطلق الوثاقة ، ويؤيده أنَّ التعليل في الروايات عادة ما يكون بأمر ارتكازي عرفي يفهمه السائل ويكون الغرض منه هو إقناع المخاطب بالحكم ، والأمر الإرتكازي هنا هو التعليل بمطلق الوثاقة ولا يناسبه التعليل أنه بدرجة عالية من الوثاقة لأنه ليس هو المرتكز في أذهان العقلاء.

وأما كون الألف واللام تفيد الكمال فهو غير وأضح وإنما هو إجتهاد من أهل اللغة، والظاهر أنهم قالوا ذلك باعتبار أنّ الألف واللام تفيد العهد وفي مثل هذا المقام لا معهود سوى الجنس كقولك هو الإنسان ولذا تنصرف الى الدرجة العليا من الإنسانية أو الوثاقة أو المأمونية ، ولكن يمكن القول أنّها للمعهودية غير أنَّ المعهود هو الوثاقة المرتكزة دون جنس الوثاقة حتى يدعى الأكملية.

الإعتراض الثاني: التمسك بقوله (وأطع) بدعوى أنَّ الأمر بالإطاعة قرينة على أنَّ الإرجاع الى المجتهد لأخذ الفتوى منه لا الى الراوي إذ لا معنى للأمر بإطاعة الراوي لأنه مخبر بما سمعه فقط، وعليه تكون الرواية أجنبية عن محل الكلام.

وأجيب عنه: بأنَّ الإطاعة هنا لا يراد بها معناها الحقيقي وإلا لما صحت الإطاعة حتى في الفتوى لأنَّ المجتهد مخبر أيضاً ولكن مع إعمال النظر ولا معنى لإطاعته بالمعنى الحقيقي للإطاعة ، فلابد من تفسيرها بمعنى آخر ينسجم مع كونه راوياً وهو أخذ الرواية العمل بما تقتضيه ، فمعنى (أطعه) هو إعمل بخبره وهو يعني أنّ خبره حجة يجب العمل به، فيندفع بذلك الإعتراض الثاني وتبقى الرواية دالة على حجية الخبر.

والذي يؤيد كون الإرجاع الى المخبر لا الى المجتهد هو إرجاع شخص بمنزلة أحمد بن إسحاق الى العَمري وهو قطعاً لا يقل عنه في العلمية إن لم يكن أكثر منه درجة فيصعب في مثله إفتراض إرجاعه الى المجتهد.

ويحتمل ثالثاً أن تكون الرواية ناظرة الى شيء آخر - لا الإرجاع لأخذ الرواية ولا لأخذ الفتوى - وهو الإرجاع الى العَمري لأخذ توجيهات الإمام عليه السلام وما يقرره في تلك الفترة العصيبة لتنظيم أمور الشيعة في ذلك الزمان الذي وصل فيه الحال الى تحريم ذكر إسمه الشريف وإلا فإنه الذبح كما قال ، فبطبيعة الحال يجعل الإمام وسائط لترتيب شؤون الشيعة ومنهم العَمري فيكون واسطة بين الإمام عليه السلام وبين أحمد بن إسحاق ويقول له إذا أمرك بشيء كدفع الحق الشرعي مثلاً فأطعه ، فبقرينة منزلة أحمد بن إسحاق وجلالته أولاً والأمر بالإطاعة ثانياً نحمل الإرجاع على ما تقدم ، وبعبارة أخرى إنّ العَمري يُصدر هذه التوجيهات بلسان الأمر والنهي فيقال يجب إطاعته بلحاظه هذه التوجيهات ، وبناءً على هذه الإحتمال لا تكون الرواية دالة على حجية خبر مطلق الثقة ، وأما مع إلغائه فتكون دالة على حجية خبر الواحد ، هذا كله بلحاظ الفقرة الأولى.

الفقرة الثانية وهي قول الإمام العسكري عليه السلام: (العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان).

فقد يقال إنَّ الإستدلال بهذه الفقرة على حجية خبر الواحد أظهر من الإستدلال بالفقرة الأولى، والوجه فيه:

أولاً بإعتبار عدم تفريع التعليل على ما يفيد أنّ العَمري وابنه ثقتاه كما قيل في الفقرة الأولى.

وثانياً أنَّ الإرجاع في هذه الفقرة لا يحتمل فيه الإرجاع الى نائب الإمام الخاص لأنَّ إبن العَمري لم يكن نائباً للإمام العسكري عليه السلام فلابد أن يكون الإرجاع الى الثقة المأمون لأخذ الرواية ، هكذا قيل.

أقول: يمكن الإستدلال بصدر هذه الفقرة وبقطع النظر عن التعليل أي بقوله (فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان) والذي فيه دلالة واضحة على أنَّ ملاك القبول والطاعة إنما هو مطلق الثقة وبقطع النظر عن التعليل أي قوله (فإنهما الثقتان المأمونان) وهذا بنفسه دال على حجية خبر الواحد الثقة.

ومن هنا يظهر أنَّ القول بأنَّ التعليل فيه إشارة الى أنهما في أعلى درجات الوثاقة والمأمونية غير مانع من الإستدلال لأنه لا يبتني على التعليل كما أشرنا ، وهذا من قبيل تعليل حرمة النبيذ مثلاً بشدة الإسكار الذي لا ينافي كون علة التحريم الخمر هو مطلق الإسكار ، وفي المقام إذا كان التعليل يفيد أنهما في أعلى المراتب الوثاقة ولكن ذلك لا ينافي ما في صدر الرواية من كون التعليل بمطلق الوثاقة لا بهذه الدرجة الخاصة من الوثاقة.

نعم الإحتمال الثالث المتقدم يأتي في هذه الفقرة أيضاً بمعنى أنَّ الإرجاع الى العَمري وإبنه إنما هو لأخذ وصايا وتوجيهات الإمام عليه السلام وليست ناظرة الى الإرجاع إليهما لأخذ الرواية وعليه تكون أجنبية عن محل الكلام.

وقد يقال أنّ الرواية وإن كانت ناظرة الى الإرجاع في الوصايا والتوجيهات لكن الشخص المؤتمن على نقل توجيهات الإمام في تلك الظروف العصيبة والذي يأمر بإطاعته إذا كان كلامه حجة في الوصايا والتوجيهات فمن الأولى أن يكون كلامه حجة في نقل الأحكام الشرعية أو مساوياً على الأقل ولا نحتمل الفرق بين حجية قوله في نقل الوصايا والتوجيهات وعدم حجية قوله في نقل خبر سمعه في باب الأحكام الشرعية ، والوجدان يساعد على ذلك ، ومع عدم إحتمال الفرق يمكن إثبات حجية الخبر بهذه الرواية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo