< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد / حجية الخبر مع الواسطة

ذكرنا أنَّ هناك شروط معتبرة في الخبر حتى يكون مشمولاً لأدلة حجية الخبر منها:

    1. تحقق موضوع الحجية وجداناً أو تعبداً ، أما الأول فواضح وأما الثاني فكما لو أخبر الثقة بخبر ثقة آخر فالخبر الثاني يثبت عندي بواسطة التعبد.

    2. أن يكون الإخبار عن حس.

    3. أن يكون مضمون الخبر مما له أثر شرعي إما بنفسه كالإخبار عن الحكم الشرعي أو كان موضوعاً يترتب عليه الحكم الشرعي.

وفي مقام تقريب المحاذير والإشكالات من شمول أدلة الحجية للخبر مع الواسطة يقال أنَّ هذه الشروط الثلاثة متحققة في الخبر بلا واسطة فيكون مشمولاً لأدلة الحجية أما الأول فكما لو فُرض إخبار الراوي المباشر لنا بأن قال لنا زرارة سمعتُ الإمام عليه السلام يقول (الفقاع خمر إستصغره الناس) فهذا الخبر واجد للشروط الثلاثة فهو خبر ثابت بالوجدان والمخبر أخبر عن حس ومضمون الخبر يترتب عليه الأثر الشرعي وهو الحرمة ، فتشمله أدلة الحجية بلا إشكال.

وأما الخبر مع الواسطة فلا تتوفر فيه هذه الشروط فمثلاً لو أخبرنا الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم أنه سمع الإمام عليه السلام يقول كذا ، فهذا خبر مع الواسطة ويُستشكل في شمول أدلة الحجية له من جهتين:

الجهة الأولى: أنَّ خبر الكليني الثابت وجداناً مضمونه هو إخبار علي بن إبراهيم له ، وخبر علي بن إبراهيم مضمونه هو إخبار أبيه له ، نعم خبر إبراهيم بن هاشم مضمونه هو كلام الإمام عليه السلام المشتمل على الحكم الشرعي ، فخبر الشيخ الكليني مضمونه ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي وإنما مضمونه موضوع خارجي وهو إخبار أبيه له وهو موضوع خارجي لا يترتب عليه الأثر الشرعي - أي أحد الأحكام الخمسة - ، وليس لخبر الكليني أي أثر شرعي إلا الحجية ولكن يلزم من حجية خبره أخذ الحكم في موضوعه لأنَّ موضوع الحجية هو الإخبار الذي يترتب عليه الأثر الشرعي ولا يعقل أن يكون هذا الأثر هو نفس الحجية وإلا لزم الخلف ، فالأثر الذي أخذ في موضوع الحجية لا بد أن يكون ثابتاً بقطع النظر عنها ، وبعبارة أوضح الأثر الشرعي المترتب على جعل الحجية للخبر لا بد أن يكون غير الحجية كالإخبار بأنَّ هذا خمر الذي له أثر شرعي هو الحرمة ، والحرمة غير الحجية ، وأما إذا كان الأثر هو نفس الحجية فيلزم منه الخلف.

وهذه المشكلة لا ترد في الإخبار بلا واسطة لأنَّ الأثر فيه غير الحجية فتثبت الحجية للخبر بلحاظ أثره الشرعي ، وأما في الخبر مع الواسطة فالمشكلة واردة لأنَّ مضمونه ليس حكماً شرعياً ولا موضوع يترتب عليه الحكم الشرعي وإنما مضمونه موضوع ليس له أي أثر سوى الحجية.

الجهة الثانية: من الواضح أنَّ موضوع الحكم متقدم على الحكم رتبة كتقدم العلة على معلولها فيقال يستحيل أن يكون الحكم علة وموجداً لموضوعه لأنَّ ما فُرض تقدمه على الحكم لزم تأخره عنه وهذا خلف ، فخبر الكليني مضمونه خبر علي بن إبراهيم الذي يراد إثبات الحجية له وثبوت الحجية له يكون بواسطة جعل الحجية لخبر الكليني وهو الثبوت التعبدي للخبر ، فالحجية علة لخبر علي بن إبراهيم فتكون متقدمة عليه تقدم العلة على معلولها فكيف تثبت له الحجية الذي يقتضي أن يتقدم هو عليها تقدم كل موضوع على حكمه ، فما فُرض متقدماً - وهو موضوع الحجية - صار متأخراً لتولده عن الحجية نتيجة شمولها لخبر الكليني ، وهذا خلف.

فالإشكال من الجهة الثانية هو أنَّ الخبر الثابت لنا بالوجدان وبلا واسطة هو خبر الكليني وأما خبر علي بن إبراهيم وخبر أبيه وخبر الإمام عليه السلام فلم يثبت لنا بالوجدان كما هو واضح ، نعم ثبت خبر الواسطة بعد شمول الحجية لخبر الكليني وحينئذٍ ثبت لنا تعبداً خبر علي بن ابراهيم وهذا معناه أنَّ الحكم بحجية خبر الكليني خلق وأوجد خبر علي بن إبراهيم تعبداً فكيف يُعقل أن يقع موضوعاً للحجية !

والحاصل أنَّ الموضوع متقدم على الحكم رتبة فلا يُعقل أن يكون متأخراً عنه وإلا لزم الخلف ، وفي المقام الحكم هو الحجية وبثبوت الحجية لخبر الكليني يحصل ويتولد خبر جديد وهو خبر علي بن إبراهيم وهذا يعني أنَّ هذا الموضوع الجديد تولَّد وحصل من الحجية فهي علته ومتقدمة عليه فإذا أريد جعل الحجية له كانت متأخرة عنه تأخر الحكم عن موضوعه.

والجواب عن كِلا الجهتين هو ما ذكروه من أنَّ هذا الإشكال مبني على إفتراض أنَّ الحكم بالحجية حكم واحد شخصي لا تعدد فيه حتى إذا تعددت مصاديق موضوعه وهو الحكم الكلي بالحجية ، فيقال في مقام الإشكال أنَّ الحجية الثابتة لخبر الكليني إنما تثبت له بلحاظ الأثر المترتب على مفاده وليس هو إلا الحجية فيلزم المحذور الأول وهو إتحاد الحكم مع موضوعه أي أخذ الحكم في موضوع نفسه.

كما يلزم أن تكون الحجية الثابتة لخبر الكليني موجدة لخبر علي بن إبراهيم فتكون متقدمة عليه رتبة فكيف يقع خبر علي بن إبراهيم موضوعاً لها ، فيلزم أن يكون خبر علي بن إبراهيم متأخراً عن الحجية تأخر كل معلول عن علته ومتقدماً عليها تقدم كل موضوع على حكمه هذا خلف ، وما ذلك إلا لأنَّ الحكم - وهو الحجية - فُرض واحداً شخصياً ، وأما إذا قلنا أنّ الحجية ليست حكماً شخصياً وإنما هي حكم إنحلالي كسائر الأحكام في القضايا الحقيقية فيثبت لكل موضوع حجية مغايرة لما يثبت لمصداق آخر فلا يلزم هذا المحذور لأنَّ ما يفرض متقدماً غير ما يفرض متأخراً أي الحجية الثابتة لخبر الكليني غير الحجية الثابتة لخبر علي بن ابراهيم ومع تعدد الحكم لا يلزم إتحاد الأثر مع موضوعه ولا يلزم تقدم ما فُرض متأخراً ، وهذا هو شأن القضايا الإنحلالية كلها فوجوب الإكرام في (أكرم العلماء) يثبت لكل فرد من أفراد العلماء فإذا سقط أحدها لوجود معارض مثلاً يبقى الآخر على حاله ، فالحكم - وهو حجية - منحل بعدد مصاديق موضوعه فلا يلزم الإشكال بكلا جهتيه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo