< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / الإستدلال على الحجية بالسيرة العقلائية

تقدم أنه لا مانع من قيام سيرة من قبل العقلاء على العمل بالظواهر من باب التعبد أي العمل بها في إثبات التنجيز والتعذير فيما بينهم ، لكن ليس المقصود به هو أنَّ كل عاقل من العقلاء يجعل ظهور كلام أي مولى حجة على عبده لأنها حجية تعبدية تتبع جعل المولى نفسه ولا معنى لتدخل عاقل آخر في جعل الحجية لكلام هذا المولى على عبده ، ومن هنا قلنا أنَّ المقصود هو أنَّ كل عاقل - سواءً كان آمراً أو مأموراً - لو تنسى له أن يكون مولى لكان يجعل ظاهر كلامه حجة على عبده ، فالبناء على هذه القضية الشرطية كتفسير لبناء العقلاء على حجية الظهور ، وأما البناء على غير ذلك كأن يقال أنَّ الموالي من العقلاء يبنون على حجية ظواهر كلامهم على عبيدهم فلا تكون هذه سيرة عقلائية وإنما سيرة شريحة من العقلاء وهم الذين يمارسون المولوية فعلاً فهو وإن صح لكنه لا يُشكِّل سيرة عقلائية ، فلابد من تفسير هذا البناء بحسب القضية الشرطية المتقدمة، هذا هو التفسير الأول.

التفسير الثاني: أن يقال أنَّ هذه المولويات بين العقلاء مولويات جعلية - وأما المولوية الذاتية فتختص بمولانا عز وجل - و يفترض أنَّ هذه المولوية المجعولة من قبل العقلاء محددة بظاهر كلام المولى من البداية وأما الإحتمالات الأخرى خارج ظاهر كلامه فليس هو مولى بلحاظها فلا يجب على العبد أن يحتاط بلحاظها ولا يثبت فيها التنجيز والتعذير. وهذا التفسير يُثبت إنعقاد سيرة عقلائية على حجية ظاهر كلام المولى في مقام التنجيز والتعذير.

ولا يرد على هذا التفسير الإشكال الذي أوردناه على التفسير الأول - وهو أنه لا معنى لبناء كل عاقل على أنَّ ظاهر كلام المولى حجة على عبده لأنه من شؤون نفس المولى - لأنَّ المجعول هنا ليس هو حجية الظهور وإنما المجعول هو أصل المولوية وأنها محددة بحدود ظواهر كلامه وأما ما عدا ذلك فليس هو مولى بلحاظه، وحينئذٍ نقول:

هل يمكن الإعتماد على هذه السيرة العقلائية في مجال التنجيز والتعذير عند العقلاء لإثبات حجية الظواهر عند الشارع؟

وبعبارة أخرى هل يمكن إستكشاف رضا الشارع وإمضاءه لهذه السيرة العقلائية بالبناء على حجية الظاهر في مجال أغراضه التشريعية ، فكما يقول العقلاء أنَّ ظاهر كلام المولى العرفي حجة على عبده نقول أنَّ ظاهر كلام الشارع حجة في مقام التنجيز والعذير ، فهل يمكن ذلك أو لا ؟

الجواب: يمكن ذلك لكن بشرطين:

الأول أن نُثبت عدم الردع عن هذه السيرة.

الثاني أن نستكشف الإمضاء من عدم الردع.

فإن تم هذان الأمران فيثبت أنَّ العمل بالظهور حجة عند الشارع في مقام التنجيز والتعذير كما هو حجة عند العقلاء فيما بينهم.

أما بالنسبة الى الأمر الأول - وهو عدم الردع - فيبرز الإشكال المعروف ويدعى وجود الردع ويقال يكفيه عمومات النهي عن العمل بالظن وهي كثيرة ، بل إطلاق أدلة الأصول كافٍ في الردع عن العمل بهذه السيرة لأنّ إطلاق أدلة البراءة يعني أنّ الوظيفة هي الرجوع الى البراءة حتى إذا كان ظاهر كلام المولى هو الوجوب.

لا يقال إنَّ الظهور مقدم على الأصول العملية لأنه دليل محرز.

إذ يقال إنَّ ذلك فرع ثبوت حجيته والكلام فيها.

فتكون أدلة الأصول العملية من جملة ما يستفاد منه الردع عن العمل بالظاهر.

وهذا إشكال عام يرد في كل مورد يُستدل فيه على الحجية بالسيرة كالاستدلال على حجية الخبر بالسيرة فيقال أنه فرع عدم الردع عن السيرة ويكفي فيها الآيات الناهية عن العمل بغير علم ، ومع الردع لا يصح الإستدلال بالسيرة على حجية خبر الثقة ولا على حجية الظواهر في محل الكلام.

واُجيب عنه بأجوبة:

الجواب الأول: دعوى أنَّ العمومات والمطلقات لا تصلح للردع عن العمل بالسيرة المنعقدة من قبل العقلاء لما قيل من أنَّ الردع ينبغي أن يتناسب مع حجم السيرة فإذا كانت راسخة ومستحكمة فلا يكفي في الردع عنها إطلاق أو عموم دليل ، ومثال ذلك الردع عن القياس وهو أقل رسوخاً من السيرة المنعقدة على العمل بالظواهر فمع ذلك لم يكتفي الشارع بالأدلة الناهية عن العمل بالظن وردع ردعاً واضحاً صريحاً ، فإطلاق هذه الأدلة لا يكفي للردع عن مثل هذه السيرة.

الجواب الثاني: أنَّ هذه المطلقات هي بنفسها من جملة الظهورات فكيف تردع عن العمل بالظهور إذ يلزم من ذلك أن لا تكون حجة أو قل يلزم من حجيتها عدم حجيتها وكل ما يلزم من وجوده عدمه محال.

وأُجيب عنه : بأنَّ المحال هو أن تكون هذه المطلقات رادعة عن نفسها ، وأما أن تكون رادعة عن باقي الظهورات فليس محالاً وهذا يكفي في الردع.

وأجابوا عن هذا الجواب بأننا نقطع بعدم الفرق بين باقي الظهورات وبين ظهور هذه العمومات والمطلقات ـ فإما أن تكون جميع الظهورات حجة وإما أن لا تكون حجة، بل إنَّ هذا يعني أنَّ حجية هذه الظهورات في باقي الظهورات يكون دليلاً على حجيتها في نفسها للقطع بعد الفرق بين ظهورها وبين ظهور غيرها.

وبهذا يثبت أنَّ هذه الآيات لا تصلح للردع ، هذا كله في الشرط الأول وهو إثبات عدم الردع.

أما الشرط الثاني وهو إستكشاف الإمضاء من عدم الردع فقد تقدم إنَّ إستكشاف الإمضاء إما أن يكون عن طريق الدلالة العقلية أو عن طريق الدلالة العرفية والظهور الحالي ، وقلنا أنَّ الإستدلال بالظهور العرفي باعتبار أنَّ ظاهر حال المتكلم عندما يسكت عن شيء وهو رضاه به وإمضاؤه ، وأما الدلالة العقلية فبأن يقال أن سكوت المولى عن شيء إمضاء له وإلا لزم منه نقض الغرض.

أما الظهور الحالي فالتمسك به مشكل لأنَّ الكلام فعلاً في حجية الظهور وكيف يُستدل على حجة الظهور بظهور مثله والحال أنه لا فرق بين الظهور اللفظي والظهور الحالي في الحجية ، فالكلام في حجية الظهور الأعم من اللفظي والحالي.

نعم إذا فرضنا أننا فرغنا عن حجية هذا الظهور الحالي في مرتبة سابقة فيكمن الإستدلال به على حجية باقي الظهورات ، وأما دعوى أنه أنَّ حجيته ثابتة بلا إشكال لأنه القدر المتيقن من السيرة الممضاة شرعاً فنستدل به على حجية باقي الظهورات التي لا تدخل في القدر المتيقن فهي متوقفة على تصور أنه القدر المتيقن مما ثبت حجيته من الظهورات فنستدل به على غيره من الظهورات غير الداخلة في القدر المتيقن ، ولكنه فرض لا أكثر.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo