< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية السيرة / إستكشاف الحكم الشرعي من السيرة

قلنا أنَّ إستكشاف الحكم الشرعي من السيرة العقلائية يحتاج الى ضم مقدمتين شرطيتين:

الأولى أنَّ الشارع لو لم يمضِ السيرة لردع عنها.

الثانية لو ردع الشارع عن السيرة لوصل الردع إلينا.

ومن هاتين الشرطيتين يقال حيث لم يصل إلينا الردع إذن لا ردع ، وحيث لا ردع فيثبت الإمضاء ، أما عدم الوصول فنثبته بالوجدان ونستكشف منه عدم الردع ومن عدم الردع نستكشف الإمضاء وهو المطلوب.

وكان الكلام في المقدمة الأولى فتارة نستدل عليها بدلالة عقلية ، وأخرى نستدل عليها بدلالة عرفية وهي أنَّ ظاهر حال المعصوم عندما أمامه تجري سيرة ما ولا يرضى عنها لردع عنها ، وهذا ظاهر حال كل مسؤول عن مبدأ أو عقيدة أو أفكار معينة إذا جرت سيرة تتعلق بأغراضه وسكتَ عنها مع حفظ الشروط الأخرى أنه يرضى بها وأنه لو لم يرضَ لردع عنها ، والظهور الحالي حجة بلا إشكال بنفس أدلة حجية الظهور اللفظي ، نعم لابد من إثبات أنَّ حجية هذا الظهور لا تثبت بالسيرة وإلا لزم الدور.

وأما الشرطية الثانية التي مفادها الملازمة بين صدور الردع وبين وصوله فقد يناقش في هذه الملازمة بأنَّ المعصوم عليه السلام قد يردع ولا يصل ردعه إلينا لأسباب كثيرة أوجبت ضياع كثير من الروايات والأحاديث ، ومع عدم الملازمة لا يمكن إستكشاف عدم صدور الردع من عدم الوصول.

ويمكن الجواب عنه بأنَّ هذه السيرة ليست أمراً شخصياً محدوداً حتى يقال لعل المعصوم عليه السلام ردعَ ولم يصل إلينا ردعه وإنما الحديث عن سيرة عقلائية ناشئة من نكات مستحكمة يدركها جميع العقلاء ويعملون بها وهي بحسب الفرض ممتدة الى المجال الشرعي أو في معرض الإمتداد إليه فمثل هذه السيرة ينبغي أن يتناسب الردع عنها مع حجمها واستحكامها ، وفرق بين عمل يصدر من شخص ولا يرضى عنه المعصوم عليه السلام فيكون الردع متناسباً معه وبين الردع عن سيرة مستحكمة الذي غرضه هو تصحيح هذا المسار ومنع العقلاء من العمل بما تقتضيه النكات العقلائية المرتكزة في أذهانهم وكيف يردع الشارع عن هذه السيرة العقلائية المستحكمة بردع محدود بمرة أو مرتين أو ثلاثة بل ينبغي أن يتناسب هذا الردع مع حجم هذه السيرة ومدى استحكامها في نفوس العقلاء ، ومن الواضح أنه لا يكفي في تحقق الردع صدور نواهي محددة بل لابد من صدور نواهي متعددة حتى تمنع أو تُنبه العقلاء على أنَّ الشرع لا يرضى أن يُتعامل مع أحكامه بهذه الطريقة ، فلابد من إفتراض أنَّ صدور الردع يكون بمستوى عال جداً ، ومن الواضح أنَّ الشرطية الثانية ودعوى الملازمة فيها تصح في مثل هذه الحالة فإذا افترض صدور نواهي عديدة من أئمة متعددين فلابد أن يصل إلينا شيء من ذلك مع توفر دواعي النقل وعدم المانع منه ، فالملازمة محفوظة في هذا الفرض ، ويشهد لذلك ما ورد في القياس فإنَّ الشارع حينما لاحظ خطورة القياس على أغراضه الشرعية (..يا أبان إنَّك أخذتني بالقياس، والسُّنة إذا قيسَتْ مُحق الدين.) شنَّ حملة شعواء على العمل بالقياس صدرت من عدة أئمة والحال أنَّ القياس ليس سيرة عقلائية ولعل دواعي عدم النقل متوفرة باعتباره يُشكل اتجاهاً عند الآخر فبالرغم من ذلك وصل إلينا الكثير من النواهي على العمل بالقياس ، وهذا ما يؤكد تمامية هذه الشرطية وأنّ هناك ملازمة بين صدور الردع من العصوم عليه السلام وبين وصوله إلينا ، فالملازمة ثابتة ويثبت بها الإمضاء.

وينبغي التنبيه على أمور:

الأول: أنَّ المقصود من الوصول المراد إثباته هنا وهو مطلق الوصول لا خصوص الوصول بالأدلة المعتبرة وأخبار الثقات ، فعدم مطلق الوصول وهو الذي نستكشف منه عدم الردع وأما لو وصل الردع بأخبار ضعيفة فلا يمكن إثبات عدم الردع ويكون ذلك مانعاً من إستكشاف الإمضاء.

الثاني: أنَّ إستكشاف الحكم الشرعي من هذه السيرة وحجيتها يتوقف على إحراز عدم الردع ولا يكفي مجرد عدم إحراز الردع وهذا هو الذي تقتضيه المقدمة الثانية لانها تقول حيث لم يصل الردع إلينا فستكشف عدم صدور الردع واقعاً باعتبار أنَّ الملازمة واقعية بين صدور الردع وبين وصوله فإذا أحرزنا بالوجدان عدم الوصول بمطلق النقل فنستكشف منه عدم الردع واقعاً وبذلك نحرز عدم الردع ويثبت الإمضاء ، وأما ولو اكتفينا بمجرد عدم إحراز الردع الذي يجتمع مع الشك فيه فلا حاجة الى المقدمة الثانية بل نكتفي بالشرطية الأولى فإنها تقول إنَّ الشارع لو لم يرضَ عن العمل بالسيرة لردع عنها فهذه ملازمة بين عدم الإمضاء وبين الردع ومع عدم إحراز الردع والشك فيه يُكتفى به في إستكشاف الإمضاء ، لكن الشرطية الثانية تؤكد على إحراز عدم الردع وإحرازه واقعاً إنما يتم بوجود الملازمة بين صدور الردع واقعاً وبين وصوله إلينا ، ومع عدم وصول الردع ولو بأخبار ضعيفة نحرز عدم الردع.

ولكن يبدو أنَّ هذه القضية محل خلاف فهناك من ذهب الى كفاية عدم إحراز الردع أي عدم إشتراط إحراز عدم الردع ويظهر ذلك من المحقق الأصفهاني في حاشيته على الكفاية وينقله عن أستاذه المحقق الخراساني، وما حاصل ما ذكره:

قد تقدم في مسألة التحسين والتقبيح العقليين أنه يوافق الفلاسفة في أنَّ الشارع هو أحد العقلاء بل رئيسهم فينبغي أن يكون متحد المسلك معهم فأي مسلك يسلكه العقلاء فلابد أن يكون الشارع يسلكه أيضاً ، فإذا إنعقدت سيرة العقلاء على شيء فلابد أن يكون الشارع منهم وهذا أصل أولي يُرجع إليه في فرض الشك ، فإذا أراد الشارع بيان أنه يختلف في هذا المسلك عن العقلاء فلابد أن يصدر منه ما يُبين أنه بما هو شارع لا يتفق معهم في مسلكهم وإن إتفق معهم بما هو عاقل ، وبعبارة أخرى لابد أن يردع الشارع العقلاء عن هذه السيرة ولكن هذا الردع يصدر منه بما هو الشارع لا بما هو عاقل، وهذا الردع الذي يُبين فيه اختلافه معهم بما هو شارع ليس هو الردع بوجوده الواقعي لأنه لا يصل الى العقلاء حتى يعرفون أنه مختلف معهم ، وإنما يُبين اختلافه معهم بما هو شارع عندما يكون هذا الردع منه واصلاً إليهم وأما الردع بوجوده الواقعي فلا يؤثر فيهم ، فإذا لم يصل الردع وشككنا فيه فيكفي لأثبات أنَّ الشارع متحد المسلك مع العقلاء الأصل المتقدم فيثبت به الإمضاء ولا نخرج عن هذا الأصل إلا إذا وصل إلينا الردع عن تلك السيرة والذي يُبين فيه أنه يختلف معهم في المسلك بما هو شارع ، وعليه يكفي في الإمضاء وحجية السيرة عدم إحراز الردع ولا نشترط إحراز عدم الردع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo