< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/المقدمة/إمكان التعبد بالظن/الملاحظة على الوجه السابع

توضيح الوجه السابع للمحقق العراقي قده:

يمكن إفتراض جهات عديدة للوجود الواحد بعدد مقدماته ، ويمكن أن تتبعض المبادئ - كالإرادة والطلب - بعدد هذه المقدمات ـ فقد تتعلق إرادة المولى بذلك الوجود من ناحية هذه المقدمة ولا تتعلق إرادته بنفس ذلك الوجود من ناحية مقدمة أخرى ، ولا تنافي بين إرادة هذا الوجود وعدم إرادته لتعدد الحيثيات.

ثم يقول إنَّ حصول أي واجب من الواجبات الشرعية خارجاً له مقدمات ترتبط بالمولى ومن جملتها إبراز المولى طلبه لذلك الشيء بالخطاب الواقعي ولولاه لما جاء المكلف بهذا الواجب ولما تحقق في الخارج.

وله مقدمة أخرى وهي الخطاب الظاهري بالإحتياط فإنه يوجب تحقق الفعل في الخارج أيضاً ، ولا مانع من أن نفترض أنَّ الإرادة المولوية والطلب المولوي يتعلق بوجود هذا الواجب خارجاً لكن من ناحية الخطاب الواقعي ولا تتعلق الإرادة ولا الطلب بنفس ذلك الوجود من ناحية الخطاب الظاهري ، وذلك لأنَّ الشارع لا يريد من المكلف أن يأتي بالفعل إحتياطاً وإنما يريد تحقق الفعل خارجاً من قبل العبد ولكن محرَّكاً من قِبل الخطاب الواقعي لا من قِبل الخطاب الظاهري بالإحتياط ، بل قد يجعل المولى البراءة ويُطلق العنان للمكلف ولا يوجد أي تنافٍ بينهما بإعتبار تعدد الحيثيات ، وبهذا يرتفع محذور التضاد والتنافي بين الأحكام الواقعية وبين الأحكام الظاهرية.

ولوحظ عليه:

أولاً: أنه هذا الوجه بحاجة الى تعديل وإن كان المنقول عن المحقق العراقي في تقريراته هو ما ذُكر ، أما التعديل فبإعتبار أن هذا الوجه يعني أنَّ الوجود الواحد الذي له مقدمات متعددة تكون له حيثيات وجودية متعددة بعدد المقدمات وهو غير معقول في جانب الوجود ، فلا يمكن أن يكتسب الشيء الواحد حظاً من الوجود من ناحية مقدمة وحظاً آخر من الوجود من ناحية مقدمة أخرى لأنَّ الوجود الواحد يدور أمره بين أن تتحقق جميع مقدماته فيوجد وبين أن تنعدم ولو إحدى مقدماته فينعدم فأمره دائرٌ بين الوجود والعدم.

والتعديل عليه هو أنَّ هذا المعنى يمكن تصوره في جانب العدم لا الوجود وذلك بأن نقول إنَّ الشيء الواحد ينعدم بعدم تحقق هذه المقدمة من مقدماته وهذا نحو من العدم ، وأيضاً ينعدم هذا الشيء من ناحية عدم تحقق المقدمة الأخرى فيمكن للذهن أن يتصور نحوان من العدم بإعتبار عدم المقدمات المتعددة ، وهذا بخلاف جانب الوجود فلا يُتصور أن يكون للشيء أنحاء متعددة من الوجود بعدد مقدماته بل للشيء وجود واحد إما يتحقق إذا تحققت جميع مقدماته أو لا يتحقق إذا إنتفت واحدة من مقدماته.

لكن الشيخ حسين الحلي قده ذكر هذا الوجه عن اُستاذه المحقق العراقي قده بنحو يَسلم عن هذا الإعتراض فجعل التعدد في جانب العدم لافي جانب الوجود وهو الصحيح[1] .

وثانياً: لو تنزلنا عن الملاحظة السابقة وسلَّمنا أنَّ الشيء الواحد له أنحاء متعددة من الوجود بعدد مقدماته فنقول:

لا يصح القول بأنَّ لهذا الوجود الواحد مقدمتان - وهو الواجب الواقعي - هما الخطاب الواقعي والخطاب الظاهري بالإحتياط ، إذ لا يمكن تصور إجتماع هاتين المقدمتين في آن واحد لأنَّ المكلف لا يخلو إما أن يصل إليه الخطاب الواقعي أو لا ، فإذا كان عالماً بالخطاب الواقعي فهو المحرِّك له ووجود الواجب في الخارج يتوقف عليه ، فيكون الفعل مطلوباً للمولى من ناحية الخطاب الواقعي ، فالمحرِّك للمكلف واحد.

وأما إذا كان جاهلاً بالخطاب الواقعي كما هو المفروض في محل الكلام فوجود الواجب في الخارج له مقدمة واحدة أيضاً وهي الخطاب الظاهري بالإحتياط ، فكلٌ من الخطابين يكون محركاً للعبد للإتيان بالفعل في الخارج في زمان غير زمان الخطاب الآخر فلا تجتمع المقدمتان في حال من الأحوال حتى نقول بأنَّ هذا الوجود الواحد له مقدمتان ويكتسب حظاً من الوجود من كل واحدة من المقدمتين ، ففي أي حال فُرض الشيء الواحد يكتسب وجوده من إحدى المقدمتين وهي التي تؤثر في تحقق الفعل في الخارج.

والحاصل إذا لم يصل الخطاب الواقعي الى المكلف في حال الشك فلا يمكن أن يقال أنَّ الواجب له مقدمتان فيكون له حصتان من الوجود لكي يقال أنَّ الحصة الأولى تحت الطلب دون الثانية.

الوجه الثامن: التفصيل بين الأحكام الظاهرية المثبتة للتكليف وبين الأحكام الظاهرية النافية له ، فالمثبتة للتكليف كالإحتياط واستصحاب التكليف والأمارة المثبتة التكليف ، والنافية كالبراءة واستصحاب عدم التكليف والأمارة النافية للتكليف.

أما الأحكام الظاهرية المثبتة للتكليف فدفع إشكال التضاد فيها بالإلتزام بالطريقية ، وليست الطريقية هنا باصطلاح المحقق النائيني قده وإنما بمعنى أنَّ هذه التكاليف غير حقيقية فليس لها ملاكات ومبادئ خاصة بها وإنما هي واقعة في طريق إحراز الواقع ، فالشارع في حال جهل المكلف يريد أن يوصله الى الواقع فيأمره بهذه الأحكام لغرض إيصاله الى الواقع وإدراك مبادئ الأحكام الواقعية ، وهذا نظير أوامر الفحص والتعلم والسؤال التي يُراد منها الوصول الى الواقع فكلها أوامر طريقية بهذا المعنى.

وهذا يعني أنَّ ملاكات هذه الأحكام الطريقية والعلل الباعثة لإنشائها ولجعلها هو إدراك مبادئ الأحكام الواقعية ، ويمثل له بما إذا أمر المولى العرفي عبده بالكون في مكان معين ثم أمره بالتوصُّل الى ذلك بركوب السيارة ، ومن الواضح أنَّ الأمر بالركوب ليس فيه ملاك خاص به وأنَّ الغرض منه هو الوصول الى المكان الخاص ، فلو فرضنا أنَّ السيارة أخطأت وأوصلته الى مكان آخر فالمطلوب على حاله ولا يتغير.

وبعبارة أخرى أنَّ الأمر بركوب السيارة لا يستلزم الأمر بالكون في هذا المكان الذي أوصلته إليه إشتباهاً فلا يكون مأموراً به بل المأمور به على حاله لم يتغير وأنَّ أخطأ الطريق ، والغرض من الأمر بالطريق هو الوصول الى الواقع وليس له ملاك خاص به وإنما الملاك موجود في المكان الذي أمر المولى عبده بالكون فيه.

والأحكام الظاهرية المثبتة للتكليف طريقية والغرض منها الإيصال الى الواقع ، نعم قد تصيب الواقع وقد تخطئه فأن أصابت الواقع نجزَّته على العبد وإن أخطأته كانت معذِّرة له أمام مولاه ، وبناءً عليه ترتفع شبهة التضاد إذ لا يوجد مبادئ متعددة ليقع التضاد فيما بينهما وليس هناك إلا مبادئ الحكم الواقعي المهم بنظر الشارع والذي يريد إيصال المكلف إليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo