< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع/العلم الإجمالي/الإمتثال الإجمالي في العبادات/ الجهة الثانية والثالثة

كان الكلام في جواز الإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي الوجداني ، وكان الوجه الثالث الذي إستُدل به لعدم كفايته هو أنَّ الإمتثال الإجمالي بالتكرار يكون لهواً ولعباً بأوامر المولى وهو قبيح فلا يكون مقرباً.

وإعترض صاحب الكفاية ثانياً أنَّ اللهو واللعب ليس في أوامر المولى حتى يقال أنه قبيح ولا يمكن التقرب به فتبطل العبادة وإنما هو لعب في كيفية الإمتثال والطاعة وهذا لا علاقة له بما يتحقق به الإمتثال ، فكأنّ اللعب تحقق بشيء خارج عما تحققت به الطاعة والإمتثال.

ولكنَّ عبارته لا تخلو من إجمال[1] [2] فماذا يقصد بـأنَّ اللعب في كيفية الطاعة لا في نفس الأمر الشرعي ؟

الظاهر أنَّ مقصوده هو أنَّ اللعب إنما يكون في الإتيان بغير المأمور به ، أي في تطبيق المأمور به على الفرد غير المأمور به ، وأما الإتيان بالمأمور به في الواقع فليس لعباً ، فالمكلف يأتي بفردين إحتياطاً كالصلاة قصراً والصلاة تماماً وأحدهما هو المأمور به في الواقع بلا إشكال ولا لعب في هذا الفرد وهو إطاعة حقيقية للمأمور به الواقعي وإن لم يتميز لديه ، وإنما يصدق اللعب - لو صدق - في الإتيان بغير المأمور به الواقعي وهو الفرد الآخر ، وضم اللعب الى الفرد المأمور به الواقعي لا يؤثر فيه ولا في تحقق الطاعة به ، هذا هو إعتراضه الثاني.

وثالثاً: النقض بالتوصليات ، فإن التكرار فيها يصدق عليه – لو صدق - أنه لعب بأمر المولى مع التمكن من الإمتثال التفصيلي الوجداني.

الوجه الرابع: ما ذكره بعض المحققين ، وحاصله: أنَّ المحتاط بتكرار العبادة يأتي بهذين العَملين بداعيين الأول قُربي وهو تحصيل الموافقة وإمتثال الأمر ، والثاني هو التخلص من صعوبة تحصيل العلم وهو داعي غير إلهي ، ففي كل فرد داعيان الأول قُربي إلهي والثاني غير قُربي ، ولا يمكن القول أنَّ الداعي القُربي يختص بالمأمور به الواقعي لأنَّ نسبة كِلا الطرفين الى هذين الداعيين نسبةً واحدة ، فكل طرف فيه هذان الداعيان الإلهي وغير الإلهي ، ثم يقول وانضمام غير الإلهي الى الداعي الإلهي يوجب بطلان العمل ، أما ما قيل من عدم تأثير الداعي المباح في الداعي الإلهي إذا إنضم له فإنه إذا كان متعلقاً بالخصوصية ، كما لو فرضنا أنه إختار الصلاة في مكان خاص لبرودته فهو داعٍ مباح متعلق بالخصوصية وليس هو المحرك لأصل الصلاة فانضمامه الى الداعي الإلهي لا يؤثر في عبادة العبادة وتقع صحيحة ، ولكنه في محل الكلام غير متحقق لأنَّ الداعي هنا ليس متعلقاً الخصوصية بل في أصل الإتيان بالفعل فالمحتاط يأتي بصلاة القصر بداعيين إلهي وهو موافقة الأمر وغير إلهي وهو التخلص من صعوبة تحصيل العلم ، وهكذا بالنسبة الى الطرف الآخر - التمام - ، وانضمام مثل هذا الداعي غير الإلهي الى الداعي الإلهي يوجب عدم خلوص الفعل وعدم صدق التقرب به ومن ثَم يوجب بطلانه ، ومع التمكن من الإمتثال التفصيلي الوجداني بحسب الفرض كيف يجوز هذا الإمتثال! وعليه فلا يكفي الإمتثال الإجمالي.

ويلاحظ عليه أنَّ التخلُّص من تعب تحصيل العلم - وهو الداعي غير إلهي - في حقيقته داعٍ لاختيار الإمتثال الإجمالي وترجيحه على الإمتثال التفصيلي ، فيكون معنى الإمتثال الإجمالي هو الإتيان بكِلا الطرفين بقصد القربة ، فالإتيان بالصلاة قصراً يكون بداعٍ إلهي وهو التقرب الى المولى سبحانه وامتثال أمره وكذا الإتيان بالصلاة تماماً ، نعم الداعي للجمع بين الطرفين – أي الإمتثال الإجمالي – هو التخلص من تعب تحصيل العلم ، ففرق بين الداعي للجمع بين الطرفين وبين الداعي للإتيان بهذا الطرف وبذاك الطرف الذي هو التقرب إليه سبحانه وموافقة الأمر وإحتمال إنطباق المأمور به عليه ، وهو داعي إلهي بلا إشكال.

وبعبارة أخرى أنَّ الداعي للجمع بين الفعلين لا يعني بالضرورة أن يكون نفسه داعياً لكل منهما ، فإذا فرضنا أنَّ شخصاً يبحث عن ولده وكان مفقوداً في مكان مردداً بين مكانين ، وكان يتمكن من مراجعة الدوائر الرسمية لمعرفة أين يوجد ولده ، لكنه لأجل صعوبة المراجعة سافر الى كُلٍّ من المكانين للبحث عنه ، ومن الواضح أنّ سفره الى هذا المكان ليس له داعٍ غير البحث عن ولده وكذا سفره الى المكان الثاني ، نعم هو إختار الجمع بين السَفرين مع تمكنه من تحصيل العلم التفصيلي لصعوبة تحصيل العلم ، فالداعي غير الإلهي هو داعٍ للجمع بين الطرفين وليس داعياً لكل طرف من الطرفين ، ولذا لا يجتمع داعٍ إلهي وغير إلهي في الإتيان بهذه الصلاة حتى يُستشكل في صحتها ويقال أنه يؤثر في عبادية هذه العبادة ، وهذا هو الوجه الأخير لعدم كفاية الإمتثال الإجمالي في المقام.

ومن هنا يتبين عدم تمامية شيء من الوجوه المستدل بها على عدم كفاية الإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي ، وبعبارة أخرى لم يتم دليل على الطولية بين الإمتثالين ، بمعنى أنَّ الواجب أولاً هو الإمتثال التفصيلي وإن لم يتمكن منه يجب عليه الإمتثال الإجمالي ، بل حتى إذا تمكن من الإمتثال التفصيلي يجوز له الإمتثال الإجمالي.

ومن هنا يتبين الحال في الجهة الثانية وهي كفاية الإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي التعبدي كما لو كان هناك دليل معتبر لو راجعه لعيَّن له القصر فإذا أتى بالقصر فقد إمتثال إمتثالاً تفصيلياً تعبدياً ظنياً ، ويأتي فيه نفس الكلام السابق فمع التمكن من الإمتثال التفصيلي التعبدي هل يجوز له الإمتثال الإجمالي أو لا ، فإذا بنينا على جواز الإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي الوجداني فمن الأولى أن نقول هنا بالجواز.

نعم إذا اعترفنا بالطولية هناك فينفتح المجال للبحث عن الإمتثال التفصيلي التعبدي وهل هو كالامتثال التفصيلي الوجداني يتقدم رتبة على الإمتثال الإجمالي أو لا ، وحيث أننا بنينا على عدم الطولية بين الإمتثالين هناك فمن الأولى البناء على عدم الطولية هنا.

إلا أنهم بحثوا هذا الفرض على تقدير الطولية في البحث السابق فهل هناك طولية بين الإمتثال التفصيلي التعبدي وبين الإمتثال الإجمالي ، وبعبارة أخرى المتمكن من الإمتثال التفصيلي التعبدي الظني هل يجوز له الإمتثال الإجمالي أو لا ؟

وعلى هذا الفرض نقول:

إنَّ جواز الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي التعبدي تابع لما نختاره في الجهة الأولى وعلى أي وجه نبني في إثبات الطولية ، مثلاً إذا بنينا على إعتبار قصد الوجه وقصد التمييز – أي الوجه الأول – فيجري في المقام فعلى تقدير منعه هناك فإنه يمنع هنا ، لأنه يتمكن من الإتيان بقصد الوجه وقصد التمييز في الإمتثال التفصيلي التعبدي كما إذا دلَّ الخبر على وجوب القصر بعينه .

وإذا إستندنا في الجهة الأولى لإثبات الطولية الى الوجه الثاني وهو الطولية بين الإتيان بالفعل لنفس الأمر وبين الإتيان به لإحتمال الأمر وأنَّ العقل يحكم بعدم حُسن الثاني مع التمكن من الأول ، وهو يؤثر في عبادية العبادة ولا تصح عبادةً ، فعليه نقول هنا الظاهر أنَّ هذه الطولية تختص بالإمتثال التفصيلي الوجداني ولا تشمل الإمتثال التعبدي فإنّ النكتة هناك كانت هي أنَّ الإنبعاث عن نفس الأمر غير الإنبعاث عن إحتمال الأمر ، وهذا لا ينطبق في المقام لأن الامتثال التفصيلي التعبدي يكون عن طريق الأمارة المعتبرة ولا تكون إلا منجزة للإحتمال ولا توجب حصول العلم بأنَّ هذا هو المأمور به واقعاً ، فلا يحصل العلم بالأمر حتى يتحقق الإنبعاث عن نفس الأمر ويتقدم رتبة على الإنبعاث عن إحتمال الأمر فتتحقق الطولية بينهما كما في الوجه الأول ، فالإنبعاث في الإمتثال التفصيلي التعبدي عن إحتمال الأمر أيضاً ، فلا طولية ، فلو تم هذا الوجه فهو يتم في الجهة الأولى ولا يتم هنا.

وأما إذا بنينا على الوجه الثالث فالظاهر أنه يجري في محل الكلام ويثبت الطولية ، فيكرر العمل هنا ولو إعتماداً على الرواية المعتبرة.

الجهة الثالثة: وهي إذا لم يتمكن لا من الإمتثال التفصيلي الوجداني ولا من الإمتثال التفصيلي التعبدي ، فلا إشكال هنا في كفاية الإمتثال الإجمالي لانسداد باب العلم والعلمي عليه بل يتعين عليه ، والسر فيه هو عدم جريان جميع الوجوه السابقة - لو تمت - في المقام ، ففي الوجه الثاني الطولية والانبعاث عن شخص الأمر يختص بما إذا كان أمراً ممكناً والمفروض هنا عدم إمكان تحصيله.

وكذا لا يتمكن من قصد الوجه وقصد التمييز هنا - الوجه الأول – لانسداد باب العلم والعلمي بحسب الفرض ، فالظاهر أنَّ الوجوه السابقة لا تجري في محل الكلام ، مضافاً الى وضوح الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي عند عدم التمكن من الإمتثال التفصيلي الوجداني والتعبدي.

 


[2] وهذه عبارته: (..إنما يضر إذا كان لعباً بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo