< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: صلاة الجماعة/قاعدة لا تعاد/ في اختصاص الحديث بالناسي

(مسألة 23): إذا نوى الاقتداء بمن يصلي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهوا أو جهلا، كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلا، فإن تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد وصحت، وكذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد وإلا بطلت

قاعدة لا تعاد

تقدم أنّ عمدة الأدلة على اختصاص الحديث بالإخلال السهوي هو صحيحة زرارة وموثقة منصور بن حازم

وقلنا بأنّ الموثقة ليس فيها دلالة واضحة على التعليق وانما هي تحكم بتمامية الصلاة عند النسيان فلا دلالة فيها على التعليق

وقد فرقوا في اللغة بين أدوات الشرط فمنها ما هو متمحض في الشرط ومنها ما ليس كذلك وقد ذكر بعض اللغويين أنّ الغالب في إذا استعمالها في الظرفية، فلا يستفاد من الرواية المفهوم لأنّ الاستدلال بالرواية مبني على أن تكون هذه الجملة دالة على التعليق والمفهوم

وأمّا صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليه‌السلام) قال: ((إن الله تبارك وتعالى فرض الركوع؟ والسجود والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه))[1]

وبمضمونها صحيحة محمد بن مسلم بإضافة ((ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولاشيء عليه))[2]

فواضح أنّ الاستدلال بها على اختصاص الحديث بالناسي يتوقف على الجزم بدخول الجاهل في المتعمد او استظهار ذلك على الأقل من الرواية

أمّا لو لم نجزم بدخوله في المتعمد ولا استظهرنا ذلك من الرواية بل كانت القضية مجملة فلا يصح الاستدلال بالرواية على اختصاص الحديث بالناسي

ومن هنا قد يقال بأنّه لا جزم بدخول لجاهل في المتعمد بل ولا استظهار من نفس الرواية في هذا الدخول

والسر في هذه الدعوة هو أنّ العمد كما يستعمل في مقابل النسيان فيشمل الجاهل كذلك يستعمل في مقابل الخطأ فلا يشمل الجاهل، كما ذكر السيد الخوئي (قده) ذلك واستنتج منه أنّ الرواية مجملة، وقد تقدم ذكر أمثلة على كلا الاستعمالين

يضاف الى هذا إنّ الجهل جعل في مقابل العمد في بعض النصوص، كما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه‌السلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: ((أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته))[3]

ويفهم منه انه ليس داخلاً في التعمد

والآية الشريفة التي تتحدث عن جزاء القتل، فإنّ العذاب الشديد الذي ذكر فيها لا يشمل الجاهل لقرينتين:

الاولى إنّ هذا العذاب الشديد عندما يقتل مؤمناً متعمداً لا يناسب الجاهل القاصر لأنّ الجاهل معذور فلا يناسبه العذاب الشديد المأخوذ في الآية الشريفة

والثانية إنّ هذه الآية جعلت في قبال آية قتل المؤمن خطأ ويصدق على الجاهل أنّه قتله خطأ

وبعبارة اخرى إنّ المراد بالمتعمد من لا يكون معذوراً في ارتكابه لهذا الفعل أي العالم العامد وفي قباله الذي يكون معذوراً إمّا لنسيان أو لجهل فيدخل في آية قتل المؤمن خطأ

ومن هنا يكون ما ذكره جملة من الإعلام من أنّ المراد من النسيان في صحيحة زرارة مطلق العذر وانما ذكر النسيان في الصحيحة باعتبار أنّه الحالة الشائعة للعذر وأمّا الجهل بالحكم فهي حالة نادرة للعذر أمراً محتملاً ومن الصعب استبعاده بالمرة

وهذا يمنع من استظهار دخول الجاهل في العامد في هذه الرواية فضلاً عن الجزم بذلك فلا يصح الاستدلال بالصحيحة على الاختصاص

والى هنا أتممنا البحث حول شمول الحديث للإخلال العمدي وكانت النتيجة إنّ شمول الحديث له أمر ممكن لا استحالة فيه

وحينئذ فالدليل الاول المستدل به على عدم شمول الحديث للإخلال العمدي وهو مسألة الخلف إذا كان ناظراً الى مقام الثبوت فجوابه انه لا استحالة في ذلك كما تقدم،

واما إذا كان نظره الى مقام الاثبات بمعنى أنّ شمول الحديث للإخلال العمدي يلزم منه الغاء أدلة الاجزاء والشرائط لما تقدم من أنّه لو دخل الاخلال العمدي في الحديث شمل الحديث كل الحالات لأنّ الحديث عندما يدل على عدم الاعادة عند الاخلال بالجزء ينفي الجزئية فلو نفاها في كل الحالات فهو ينفي أدلة الاجزاء والشرائط، فهذا أمر صحيح

بينما شمول الحديث للإخلال السهوي لا مشكلة فيه

فالصحيح في هذه المسألة هو عدم شمول الحديث للإخلال العمدي

وبهذا نكون قد فرغنا من شيئين في هذه الجهة وهما عدم اختصاص الحديث بالناسي وعدم شموله للإخلال العمدي

الامر الثالث: هل يشمل الحديث الجاهل بالحكم او لا؟

وهي مسألة عملية فكثير من الناس يستمر على الصلاة غير التامة جهلاً بحكمها فإن شمله الحديث أمكن الحكم بعدم الإعادة والا فالأمر مشكل

والكلام في الجاهل القاصر لأنّ المقصر بحكم العامد، واستدل على عدم الشمول بوجوه

الأول: ما تقدم عن المحقق النائيني (قده) وهو ما استدل به على اختصاص الحديث بالناسي من أنّ الظاهر من الحديث أنّه في مقام بيان حكم الشخص الذي يصح الحكم عليه بالإعادة أو عدم الاعادة وأمّا الشخص الذي لا يصح أن يخاطب ب(أعد) الصلاة فلا يكون داخلاً في الحديث

والناسي يصح أن يخاطب بهذا الخطاب لأنّ الناسي يسقط عنه التكليف لاستحالة تكليف الناسي بالحكم الاولي بالصلاة التامة بما فيها الجزء المنسي فيسقط الامر الاول بحقه فهو يحتاج لكي يأتي بالفعل بعد ذلك الى خطاب أعد

وأمّا الجاهل فلا يصح أن يخاطب بهذا الخطاب لأن التكليف الاولي لا يسقط عنه فنفس الأمر الاول باق ويدعوه الى الاتيان بالتام بل لا يصح أن يقال بأنّ هذا أعاد الصلاة وانما هو مخاطب بالأمر الاول

ومن الواضح أنّ الخطاب بالصلاة انما يسقط عن الناسي للعجز وعدم القدرة وإذا سقط صح خطابه بالإعادة وأمّا الجاهل بجميع أقسامه فلا يسقط عنه الخطاب بأصل الصلاة وإن كان لا يتنجز عليه فلا يصح خطابه بالإعادة لأنّ الخطاب الاول باق في حقه ولا يحتاج الى تحريكه بخطاب آخر

وهذا دليل على الاختصاص بالناسي وهو في نفس الوقت دليل على خروج الجاهل عن الحديث

وتقدم الجواب عنه بما حاصله إنّ الناسي والجاهل لا يختلفان بلحاظ الحكم في عالم الجعل فلا يرتفع الحكم عن الناسي بالنسيان، ولا عن الجاهل بالجهل

ولكن يختلفان في مرحلة الفعلية فالناسي لا يصل التكليف في حقه الى مرحل الفعلية لأنّه غير قادر على الاتيان بالمأمور به بينما الجاهل قاد على الاتيان بالجزء الذي يجهل حكمه فلا مانع في أن يصل التكليف الى مرحلة الفعلية بحقه

ولكن الاختلاف بينهما في مرحلة الفعلية والمحركية لا يؤثر شيئا في محل الكلام باعتبار أنّ المفروض أنّهما يشتركان في التكليف الواقعي في عالم الجعل ويختلفان في الفعلية

ولكن الناسي وإن لم يصر هذا التكليف في حقه فعلياً في حال النسيان لعجزه ولكنه يصير فعلياً بعد ارتفاع النسيان وعليه فهو أيضاً ليس بحاجة الى خطاب أعد الصلاة كالجاهل فاذا منع من شمول خطاب الأمر بالإعادة للجاهل لوجود الأمر الاول فلا بد من منع شموله للناسي لنفس السبب، وإذا قبلنا شموله للناسي فلا بد من قبول شموله للجاهل أيضاً

الدليل الثاني: ما قيل من أنّه لا إطلاق في قوله لا تعاد في الحديث لأنه ليس في مقام بيان من جهة عقد المستثنى منه وانما هو في مقام بيان من جهة عقد المستثنى، فالحديث في مقام بيان أهمية الاركان الخمسة لا في مقام بيان عدم أهمية ما سواها وأنّ حكمها وهو عدم الاعادة يثبت مطلقاً أو في بعض الحالات، والقدر المتيقن منه هو شموله للإخلال عن سهو للإجماع والنصوص

والأنصاف إنّ هذا الدليل خلاف الظاهر جداً لأنّ المقصود الأصلي في الجمل الاستثنائية هو بيان المستثنى منه، فدعوى أنّ الحديث ليس في مقام بيان من جهة المستثنى منه غير مقبولة


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo