< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: صلاة الجماعة/قاعدة لا تعاد/ في اختصاص الحديث بالناسي

(مسألة 23): إذا نوى الاقتداء بمن يصلي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهوا أو جهلا، كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلا، فإن تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد وصحت، وكذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد وإلا بطلت

قاعدة لا تعاد

ذكرنا وجهاً لتصحيح ما ذكروه من أنّ الحكم بعدم الاعادة في الصحيحة يلازم بمعنى من المعاني عدم الجزئية

توضيح ذلك، إنّ الظاهر من الرواية بقرينة ذيلها أنّ الحكم بالإعادة في عقد المستثنى وبعدم الاعادة في عقد المستثنى منه من جهة أهمية الامور الخمسة في قبال سائر الاجزاء والشرائط

ولهذا ذكر الحديث أنّه عند الاخلال بالخمسة لا تصح الصلاة وتجب إعادتها بينما الاخلال بغير الخمسة لا يكون مضراً بالصلاة، ولذا حكمت الرواية بصحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها

وهذا يمكن تفسيره بأن الاجزاء ما عدا الخمسة هي أجزاء في حال وجودها لكنها لا تكون أجزاء في حال عدمها

وقد ثبت هذا في بحث الصحيح والأعم فقد قال المحقق القمي (قده) بأنّ ألفاظ العبادات موضوعة للأركان، ولو زاد على الاركان بأن جاء بغيرها معها فهي جزء من الصلاة لكن إذا تركها فلا يؤثر في صدق الصلاة وهذا معناه أنّها جزء في حال وجودها وليست جزءاً في حال عدمها

وهذا له نظائر في العرف كما في الماهيات المركبة التي لا ترابط حقيقي بين أجزائها وانما ما يربطها الاعتبار والصلاة منها فإنها مؤلفة من أجزاء مختلفة ماهية وما يوحدها هو اعتبار المعتبر، فالمعتبر تارة يحددها من طرف القلة والكثرة بأن يأخذها بشرط لا من حيث النقيصة وبشرط لا من حيث الزيادة ويمثل لذلك بالأعداد فإنّ الخمسة بشرط لا من حيث الزيادة وبشرط لا من حيث النقيصة

وهذا معناه أنّ الاجزاء الخمسة دخيلة في حال وجودها وفي حال عدمها ولذا يمنع من صدق المركب في حال عدم أحد الاجزاء الخمسة

وتارة يعتبر المركب بأن يلحظ فيه جانب النقيصة وهو لا بشرط من جانب الزيادة كقول النحويين أنّ الكلام ما يتألف من كلمتين فصاعداً

فلو أضاف كلمة ثالثة فلا اشكال في كونها جزءاً من الكلام في حال وجودها وأمّا في حال عدمها فلا يمنع من صدق الكلام على الباقي إذا جاء بكلمتين. نعم، إذا جاء بأقل منهما فلا يصدق عليه الكلام لأنه حدده من جانب القلة

ونفس الكلام في الكلمة فهي ما تألّف من حرفين فصاعداً وهذا معناه أنّ الحرف الثالث يكون جزءاً من الكلمة عند وجوده ولا يكون كذلك عند عدمه

ويمثلون بالدار فإنها تطلق على أشياء أساسية فيها كالغرفة والساحة والجدار وهناك أشياء إضافية كالسرداب وهي تكون جزءاً في حال وجودها ولا تكون جزءاً في حال عدمها ولذا تصدق الدار في حال عدمها على الموجود في الخارج إذا حفظت فيه الأركان

ولذا يمكن أن يقال بأنّ الجزء في المركبات الاعتبارية يمكن أن يكون جزءاً في حال وجوده ولا يكون جزءاً في حال عدمه

والصلاة ماهية اعتبارية فلا يوجد رابط حقيقي بين أجزائها والرابط فيما بينها هو الاعتبار، ولا مانع من افتراض أنّ الاعتبار يكون بهذا الشكل كما هو ظاهر الروايات وأنّ المقوم للصلاة هو الاركان الخمسة ولكن هذا لا يمنع من أن يكون الباقي جزءاً في حال وجوده ولا يكون جزءاً في حال عدمه

فعندما تأتي الرواية وتقول بأنّ الاخلال بالسورة لا يضر بالصلاة معناه أنّ السورة ليست جزءاً من الصلاة عند عدمها ولكنها تكون جزءاً من الصلاة في حال وجودها

ويؤيد هذا بما يلي:

اولاً: إنّه يمكن أن نقول بأنّ معظم المحققين الذين تعرضوا لهذه المسألة اتفقوا على أنّ حديث لا تعاد حاكم على أدلة الاجزاء والشرائط، ومعنى الحكومة أنّه ناظر اليها ومضيق لها

والدليل الحاكم يخرج مما تدل عليه أدلة الاجزاء والشرائط من الجزئية -فإنّ وجوب الاعادة لازم للجزئية- مورد النسيان والجهل، ومعناه أنّه لا يكون جزءاً في مورد الجهل والنسيان، فإنّ معنى الحكومة أنّ الدليل الحاكم يكون حاكماً بلحاظ مدلول الدليل المحكوم.

وقد فرضنا أنّ الدليل الحاكم شامل لحالة الجهل وحالة النسيان فهو يمنع من جزئية الجزء في حالة النسيان، وعليه تختص الجزئية بحال العلم والعمد

 

ثانيا إننا وإن احتملنا سابقاً إنّ قول الامام (عليه السلام) في الروايات المتقدمة ((تمت صلاتك)) من باب الاكتفاء بالناقص، الا أنّ الإنصاف إنّ هذا خلاف الظاهر فمعنى ((تمت صلاتك)) أنّ صلاتك ليس فيها نقص وهذا لا ينسجم الا إذا قلنا بعدم الجزئية

ومن هنا فنحن نوافق الكثير من المحققين الذين يرون أنّ نفي الاعادة في حديث لا تعاد يلازم نفي الجزئية في الحالات التي يحكم فيها الحديث بعدم الاعادة

والان نرجع الى أصل المطلب -بناء على أنّ أدلة الاجزاء والشرائط مطلقة، وأنّ حديث لا تعاد يدل على عدم الجزئية في المورد الذي يحكم فيه الحديث بعدم الإعادة- في مقام علاج التعارض بين الدليلين، وقلنا إنّه لا بد من تقديم الحديث على تلك الأدلة بالأخصية وهذا التقديم لا يلزم منه أي محذور في مورد النسيان لا محذور الغاء الدليل الآخر ولا محذور اختصاص دليل الجزئية بالعالمين

نعم، في صورة الجهل يلزم اختصاص أدلة الجزئية بالعالمين ولكن ثبت في محله أنّه ليس محذوراً لأنه بالإمكان تفسيره على أساس التفرقة بين الجعل والمجعول، بمعنى أنّ الجعل ليس مختصاً بالعالمين والذي يختص بهم هو الحكم الفعلي، فلا مانع من الالتزام بذلك

من هنا يظهر أنّ الدليل الثاني لاختصاص الحديث بالناسي غير تام

الدليل الثالث: ما ذكره جملة من الأعلام من وجود ما يدل على وجوب الاعادة على الجاهل، وهذا معناه اختصاص حديث لا تعاد بالناسي، والادلة التي ذكروها لوجوب الاعادة على الجاهل هي:

صحيحة زرارة ((إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة، ومن نسي فلا شيء عليه))[1]

فإنّ قوله (عليه السلام) ((فمن ترك القراءة متعمدا)) شامل للجاهل لأنه يتعمد الفعل، فهو يجهل أنّ القراءة جزء من الصلاة، فهي تدل على وجوب الاعادة على الجاهل، ويؤيده المقابلة بين النسيان والعمد فيدخل الجاهل في العامد، وبها يخصص حديث لا تعاد بالناسي

صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني صليت المكتوبة فنسيت أن اقرأ في صلاتي كلها، فقال: ((أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت بلى، فقال: قد تمت صلاتك، إذا كان نسياناً))[2]

ومفهومها إذا لم يكن نسياناً فتجب عليك الإعادة، والجاهل ليس ناسياً فتجب عليه الإعادة، فتدل على وجوب الاعادة على الجاهل وهذا يقتضي تخصيص حديث لا تعاد بالناسي


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo