< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

45/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة/قاعدة لا تعاد/المقام الثاني: في حدود القاعدة - الجهة الاولى: في اختصاص القاعدة بالصلاة

(مسألة 23): إذا نوى الاقتداء بمن يصلي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهوا أو جهلا، كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلا، فإن تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد وصحت، وكذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد وإلا بطلت

 

قاعدة لا تعاد

إذا بنينا على ما ذكرناه فلا بد من الالتزام بأنّ قاعدة (لا تعاد) لا تجري الا مع احراز كون الشيء فريضة وكونه سنة ولا نحرز ذلك الا من خلال النصوص، وقد عرفت أنّ كون الشيء فريضة قد يعلم من الكتاب وقد يعلم من النصوص، ولكن هذا لا يكفي لجريان القاعدة ما لم يرد ما يدل على أنّ ما يحتمل كونه ناقضاً لها سنة

ونحرز ذلك في موارد:

المورد الأول: الصلاة؛ لأن الروايات دلّت على تعيين ما هو فريضة فيها وما هو سنة كما في صحيحة زرارة الاولى حيث نصّت على أنّ الخمسة فريضة وأنّ ما عداها سنّة ولذا لا تعاد الصلاة منها

وكذلك يستفاد من صحيحته الاخرى التي أضيف فيها الى الخمسة التوجه والدعاء، فقد صرح فيها بأنّ ما عدا هذه السبعة سنّة

المورد الثاني: الحج؛ فهناك رواية تدل على بيان ما هي فرائض الحج وما هي سننه وهي رواية الأعمش المروية في الخصال ((وفرائض الحجّ الإِحرام والتلبيات الأَربع ، وهي : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، والطواف بالبيت للعمرة فريضة ، وركعتان عند مقام إبراهيم فريضة ، والسعي بين الصفا والمروة فريضة ، وطواف النساء فريضة ، وركعتاه عند المقام فريضة ، ولا سعي بعده بين الصفا والمروة ، والوقوف بالمشعر فريضة، والهدي للمتمتع فريضة ، فأمّا الوقوف بعرفة فهو سنّة واجبة ، والحلق سنّة ، ورمي الجمار سنّة))[1]

ولو كانت الرواية تامة لطبقنا القاعدة على باب الحج كما طبقناها على الصلاة ولكنها غير تامة سنداً، كمرسلة الصدوق

نعم، يمكن الاعتماد على صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين الواردتين في الحج فقد تعرضت احداهما لطواف النساء مع الرمي، وتعرضت الأخرى للسعي مع الرمي، وهي روايات معتبرة ونعمل بها بهذا المقدار، وبناء على هذا يقتصر في تطبيق القاعدة على ذلك فيقال بأنّ الإخلال بالرمي سهواً لا ينقض الطواف والسعي فيصح الحج إذا جاء بباقي الاعمال، ولا يمكن التعدي الى ما عداه كالحلق؛ لأننا لا نحرز أنّ الحلق سنّة

وأمّا ما عدا الصلاة والحج من الموارد التي قد يدعى تطبيق القاعدة فيها كالذبح فقد عرفت عدم صحة تطبيق القاعدة فيها؛ لأنّه لا دليل على تحديد ما هو سنّة في هذه الموارد

واما مع الشك في شيء بين كونه سنّة او أنّه فريضة، فالظاهر أنّه ينبغي الأخذ بالقاعدة الاولية التي أسّسناها في هذا الباب من أنّ الاخلال بما هو معتبر في الواجب المركب يكون موجباً لبطلانه من دون فرق بين كون الاخلال عمداً او سهواً

ثم انه يظهر من صحيحة اخرى لزرارة تطبيق قاعدة أنّ السنة لا تنقض الفريضة بنحو آخر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام): الرجل يقلم أظفاره، ويجز شاربه، ويأخذ من شعر لحيته، ورأسه، هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال : ((يا زرارة ، كل هذا سنّة ، والوضوء فريضة ، وليس شيء من السنة ينقض الفريضة ، وإن ذلك ليزيده تطهيرا))[2]

وما ذكر في الرواية تطبيق جديد للقاعدة فقد طبقها على عملين مستقلين منفصلين، بينما كانت التطبيقات في الروايات السابقة على عمل واحد يكون كل من الفريضة والسنة جزء له او شرط فيه

وإذا لم نحمل هذه الرواية على محامل أخرى يمكن إضافتها الى الأدلة المتقدمة التي تقتضي عدم اختصاص القاعدة بالصلاة

والفرق بين التطبيقين واضح، وهو الذي الجأنا في التطبيق السابق الى تقدير الاخلال في صحيحة زرارة الأولى، ففي السابق كان عمل واحد وهنا يأتي توهم نقض العمل عندما يخل بالسنة، فيجاب بأنّ الاخلال بالسنّة لا يؤثر على الفريضة ولذا لا بد من تقدير الإخلال فيها، لأنّ مورد توهم النقض وارد فيما لو كان مركب من اجزاء تشكل السنة بعضها، لأنّ هذه الاجزاء ارتباطية والاخلال ببعضها يؤثر على الآخر فيوجد مجال لتوهم النقض، بل القاعدة تقتضي النقض بقطع النظر عن دليل لا تعاد

بينما في هذه الرواية لا تقدير للإخلال لأنه لا يوجد في موردها اجزاء ارتباطية حتى يتوهم أنّ الاخلال ببعضها يؤثر على الباقي، بل هي أمور مستقلة لا ارتباط فيما بينها، ومع ذلك تصدى الامام (عليه السلام) لبيان أنّ تقليم الاظفار لا ينقض الوضوء وأنّ السنّة لا تنقض الفريضة

فلا بد أن يكون في جوّ الرواية ما يوجب احتمال النقض، والا فالأفعال مستقلة ولا معنى لاحتمال أن يكون فعل مستقل ناقضاً لفعل آخر، فلم جاء احتمال النقض في هذه الأفعال دون غيرها كالقيام مثلاً؟

والظاهر أنّ ما يوجب هذا الاحتمال هو ذهاب بعض المدارس الفقهية الى أنّ هذا ينقض الوضوء كما أشير الى هذا في بعض الروايات، فلذا تصدى الامام لبيان أنّه ليس ناقضاً للوضوء بأن طبق عليه هذه القاعدة

ومن هنا لا بد من التوسعة في التطبيق إذا لم نحمل الرواية على التقية وامثالها، فالرواية صحيحة، بمعنى إنّ تطبيق القاعدة لا يختص بباب المركبات التي تكون السنّة والفريضة جزءاً منها او شرطاً لها

بل نطبقها في الافعال المستقلة إذا كان بعضها سنّة وبعضها فريضة بشرط أن يثبت أنّ هذا سنّة وهذا فريضة ويأتي احتمال النقض فنتمسك بالقاعدة لإثبات أنّ الاتيان بالسنّة لا يكون ناقضاً


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo