< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

45/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: صلاة الجماعة


(مسألة 8): أقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان، أحدهما الإمام، سواء كان المأموم رجلا أو امرأة، بل وصبيا مميزا على الأقوى (2)، وأما في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام (3).

(مسألة 9): لا يشترط في انعقاد الجماعة في غير الجمعة والعيدين نية الإمام الجماعة والإمامة (1)، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحققت الجماعة، سواء كان الإمام ملتفتا لاقتداء الغير به أم لا، نعم حصول الثواب في حقه موقوف على نية الإمامة وأما المأموم فلا بد له من نية الائتمام، فلو لم ينوه لم تتحقق الجماعة في حقه. وإن تابعه في الأقوال والأفعال، وحينئذ فإن أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحت صلاته، وإلا فلا، وكذا يجب وحدة الإمام، فلو نوى الاقتداء باثنين ولو كانا متقارنين في الأقوال والأفعال لم تصح جماعة، وتصح فرادى إن أتى بما يجب على المنفرد ولم يقصد التشريع، ويجب عليه تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية، فيكفي التعيين الاجمالي كنية الاقتداء بهذا الحاضر، أو بمن يجهر في صلاته مثلا من الأئمة الموجودين أو نحو ذلك، ولو نوى الاقتداء بأحد هذين أو أحد هذه الجماعة لم تصح جماعة، وإن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك في الأثناء أو بعد الفراغ.

 

2-تقدم الكلام في الروايات التي يمكن أن يستدل بها على انعقاد الجماعة ولو كان المأموم صبياً مميزاً، وكانت الرواية الثانية هي رواية ابراهيم بن ميمون ولم يسلم دليل على توثيقه

الا أن هناك رواية تامة سندا قد يستدل بها على وثاقته وهي ما رواه في الكافي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ ((قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الْحَجُّ أَفْضَلُ أَمْ يُعْتِقُ رَقَبَةً فَقَالَ لَا بَلْ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَذَبَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمَ لَحَجَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَ رَقَبَةٍ وَ رَقَبَةٍ حَتَّى عَدَّ عَشْراً ثُمَّ قَالَ وَيْحَهُ فِي أَيِّ رَقَبَةٍ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ وَ سَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَ حَلْقُ الرَّأْسِ وَ رَمْيُ الْجِمَارِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَعَطَّلَ النَّاسُ الْحَجَّ وَ لَوْ فَعَلُوا كَانَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ‌عَلَى الْحَجِّ إِنْ شَاءُوا وَ إِنْ أَبَوْا فَإِنَّ هَذَا الْبَيْتَ إِنَّمَا وُضِعَ لِلْحَجِّ))[1]

ورواها الشيخ في التهذيب[2] بطريقه الى الحسين بن سعيد

وتقريب الاستدلال بها هو انها ظاهرة في أنه رتب الأثر على نقل ابراهيم بن ميمون وهو انه نسب الى ابي حنيفة الكذب والاثم، وهذا ظاهر في الاعتماد على كلامه

ويحتمل أن تكون القضية تعليقية أي على تقدير صحة نقله فكذب أبو حنيفة وأثم

ويحتمل أن الامام لا يريد أن ينسب هذا الشيء لنفسه بل نسبه الى قول ابراهيم بن ميمون من دون ان يعتمد على كلامه، بل هو يعلم بالقضية مسبقاً

ولكن الانصاف أنّ هذين الاحتمالين خلاف الظاهر، فظاهر القضية أنّه رتب الأثر على قول ابراهيم بن ميمون، فيبدو انه لا بأس بالاستدلال بالرواية على وثاقة ابراهيم بن ميمون

مضافاً الى أنّه يمكن اثبات الواثقة بمجموع ما تقدم خصوصاً رواية عبد الله بن مسكان فظاهرها انه يعتمد عليه في نقل الرسائل شفهياً، وكذا رواية الكشي، ورواية الاجلاء عنه، بالإضافة الى هذه الرواية، وما رواه في الكافي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ نفسه قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنِّي أَحُجُّ سَنَةً وَ شَرِيكِي سَنَةً قَالَ ((مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْحَجِّ يَا إِبْرَاهِيمُ قُلْتُ لَا أَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَتَصَدَّقُ بِخَمْسِمِائَةٍ مَكَانَ ذَلِكَ قَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ قُلْتُ أَلْفٍ قَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ قُلْتُ فَأَلْفٍ وَ خَمْسِمِائَةٍ قَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ قُلْتُ أَلْفَيْنِ قَالَ أَ فِي أَلْفَيْكَ طَوَافُ الْبَيْتِ قُلْتُ لَا قَالَ أَ فِي أَلْفَيْكَ سَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ قُلْتُ لَا قَالَ أَ فِي أَلْفَيْكَ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ قُلْتُ لَا قَالَ أَ فِي أَلْفَيْكَ رَمْيُ الْجِمَارِ قُلْتُ لَا قَالَ أَ فِي أَلْفَيْكَ الْمَنَاسِكُ قُلْتُ لَا قَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ))[3]

 

فمجموع هذا يولد الاطمئنان بكونه ثقة

فالرواية الثانية تامة سنداً الا أن دلالتها غير تامة كما بينا، لاحتمال أنّه يضم الصبي الى غيره ممن يأتم به فلا يمكن الاستدلال بها في محل الكلام

1-الظاهر أنّ هذا لا خلاف فيه، ذكر في التذكرة (لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا)

وفي مجمع البرهان (كأنّه اجماع) وفي الرياض (لم أجد فيه خلافاً)، وهو مقتضى إطلاق كلمات من لم يشترط في الجماعة نية الامام الجماعة، خصوصاً من يشترط في نية المأموم الإئتمام

واستدل على ذلك بوجوه

الوجه الأول: إطلاق ادلة الجماعة، فليس فيها اشارة الى اشتراط ذلك بنية الامام الامامة

ويمكن التأمل فيه على ضوء ما تقدم اذ لا دليل واضح يمكن التمسك بإطلاقه لنفي هذا الاشتراط

فتقدم ان الروايات الدالة على انعقاد الجماعة بشخصين أحدهما الامام لا إطلاق فيها من الجهة التي يراد التمسك به من ناحيتها فهي في مقام بيان أنّ الجماعة تنعقد باثنين، وليست في مقام بيان جميع ما يشترط في انعقاد الجماعة

ونفس الكلام يقال بما ورد بلسان ((لا تصل الا خلف من تثق بدينه)) إذا تم سنداً

فهي في مقام اشتراط العدالة في الامام وليست ناظرة الى أنّ الجماعة بمن تنعقد

الوجه الثاني: ما ذكروه من أنّ الامامة وظيفة المأموم لا الامام لأن المأموم هو الذي يجعل الامام اماماً بأن ينوي الاقتداء به لا أن الامام هو الذي يجعل الامامة لنفسه، فكأن اشتراط نية الامامة على الامام تكليفاً له بوظيفة غيره

ويلاحظ عليه أن الشرط ليس هو أن يجعل الامام نفسه اماماً حتى يقال بأن هذا ليس فعله حتى يكون مسلطاً عليه، وانما الشرط هو أن ينوي الامامة وهو أمر ممكن بأن يقصد الحصة الخاصة من الصلاة، ولا ضير في القول بأن انعقاد الجماعة وكون الامام اماماً لا يكون الا بنية المأموم الاقتداء فقبل نية المأموم الاقتداء لا يوجد جماعة، ولكن الاقتداء من قبل المأموم لا بد أن يكون بإمام قد نوى الامامة

وهذا وإن كان لا دليل عليه ولا نلتزم به، ولكن يمكن تقريبه لإثبات أن ما ذكر ليس محالاً

الوجه الثالث: ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من أنّ الامامة والمأمومية امران متضايفان فلا يعقل تحقق أحدهما دون الآخر، وحيث أن المأمومية لا تتحقق الا بعد أن ينوي المأموم الإئتمام، فالإمامة لا تتحقق قبل ذلك،

يعني أن الامامة لا تتحقق بنية الامام الامامة وانما تنعقد الجماعة إذا ائتم به المأموم فحينئذ يكون الامام اماماً والمأموم مأموماً فالشرط هو نية الاقتداء من قبل المأموم وان لم ينوي الامام الامامة

ويمكن أن يناقش فيه بأن ما ذكره من ان عنوان الامامة لا يتحقق قبل اقتداء المأموم أمر مسلّم، ولكنّ المدعى هو أنّ انعقاد الجماعة كما هو مشروط بنية الائتمام من المأموم كذلك هو مشروط بنية الامام الامامة بالمعنى الذي ذكرناه أي أنّ المأموم لا بد أن ينوي الائتمام بإمام نوى الجماعة

الدليل الرابع: انه لا دليل على هذا الاشتراط،

وهو صحيح مضافاً الى الاتفاق على ذلك

هذا كله في غير الجمعة والعيدين، وخصوصيتهما أن الجماعة فيهما واجبة ويمكننا أن نلحق كل ما كان مشروطاً بالجماعة كالصلاة المعادة جماعة

والمعروف اشتراط نية الامامة من الامام، وهو المحكي عن الدروس والبيان والجعفرية وحاشية الارشاد والمصابيح.

وحكي عن نهاية الاحكام والتذكرة والروضة التوقف، وعن المدارك عدم الاشتراط وتبعه المحقق الاردبيلي واستحسنه في الذخيرة وقال في الرياض (وفي وجوب نية القدوة للإمام هنا (صلاة الجمعة) نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدي به، ومن وجوب نية كل واجب)[4]

ويمكن أن يقرر الاشتراط ببيان انه بناء على اعتبار الجماعة في هذه الصلوات ووجوبها يجب على كل من الامام والمأموم ايقاعها جماعة لأنه إذا لم يصلها جماعة تقع فرادى والمفروض انه غير جائز فيها

فكيف يأتي بها الامام جماعة قبل نية المأموم الإئتمام فلا طريق لذلك الا بأن ينوي الامام، ومن هنا يكون الاشتراط هو الاقرب


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo