< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجماعة

(مسألة2): لا تشرع الجماعة في شئ من النوافل الأصلية (1) وإن وجبت بالعارض بنذر أو نحوه حتى صلاة الغدير على الأقوى إلا في صلاة الاستسقاء، نعم لا بأس بها فيما صار نفلا بالعارض، كصلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب، والصلاة المعادة جماعة، والفريضة المتبرع بها عن الغير، والمأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي

1-كان الكلام في رواية عيون الاخبار

ودلالتها على عدم مشروعية الجماعة في النوافل مطلقاً واضحة لأنها تقول ((لا يجوز أن يصلّى تطوّع في جماعة لأنّ ذلك بدعة))

وقلنا أنّ سندها ليس فيه من يتأمل فيه الا علي بن محمد بن قتيبة من جهة أنّه لم ينصّ على وثاقته

ولكن الظاهر أنّه يمكن اثبات وثاقته باعتبار اعتماد الكشي عليه في كتابه كما في شهادة النجاشي بذلك في ترجمته (عليه اعتمد ابو عمرو المشي في كتاب الرجال)[1] ، كما يمكن اثبات ذلك من ملاحظة كتاب الكشي فقد اعتمد عليه كثيراً

والظاهر أنّ الاعتماد يكفي في وثاقته لأنّ الاعتماد على شخص غير الرواية عنه، فالاعتماد لا يكون الا إذا كان الشخص ثقة، والاعتماد على شخص لم تثبت وثاقته بعيد

وقد يقال بأنّ الاعتماد على الراوي بمعنى الأخذ برواياته وترتيب الأثر عليها قد يصدر من شخص غير متسامح فهو كاشف عن كونه ثقة عنده، وقد يصدر عن شخص متسامح فيعتمد على شخص من دون أن تكون وثاقته ثابتة عنده

ولعل الكشّيّ من قبيل الثاني أي إنه متسامح ويعتمد على شخص من دون أن تكون وثاقته ثابتة عنده، ويؤيد ذلك بأنّه روى عن أشخاص ثبت غلوهم مثل نصر بن الصباح

ويمكن ردّ هذه المناقشة باعتبار أنّ هذا بحاجة الى إثبات كونه متسامحاً، وأمّا مجرد احتمال كونه متسامحاً فلا يمكن تتميم المناقشة به؛ لأنّ هذا الاحتمال يجري في حق الجميع

فالصحيح أن نقول أنّ كل شخص من قبيل الكشّيّ وأمثاله من العلماء إذا اعتمدوا على شخص، فاعتماده يثبت وثاقته الا أن يثبت التسامح

وما ذكر لإثبات كونه متسامحاً لا يصلح لذلك؛ لأنّه لم يثبت أنّه اعتمد على نصر بن الصباح وإنما هو روى عنه

ومن جهة اخرى لم يثبت عدم وثاقة نصر بن الصباح عند الكشي، فمجرد كونه مغالي لا يعني عدم الوثاقة إذ لا ملازمة بينهما، خصوصاً وأن الغلو درجات

ويؤيد ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي[2] في رجاله حيث عبر أنّه فاضل، وعبارة الشيخ النجاشي في حقه (ابو الحسن صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه) فلم يقل يكنى بأبي الحسن بل ذكره بالكنية، ولم يقل تلميذ الفضل بل قال صاحب الفضل، وهذا لا يخلو من مدح

الطائفة الثانية: الروايات الدالة على مشروعية الجماعة في مطلق النوافل

الرواية الأولى: صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة، فاني أفعله))[3]

وفهموا منها الاختصاص بنوافل شهر رمضان فلا يمكن الالتزام بظاهرها لأنه ثبت نصّاً وفتوى عدم جواز الجماعة في نافلة شهر رمضان فالرواية معارضة للأدلة والفتاوى فإما أن نطرحها او نؤولها

ولكن يمكن أن يقال بأنّ الرواية مطلقة وغير مختصة بنوافل شهر رمضان فكما أنّ الفريضة مطلقة كذلك النافلة، نعم هي تختص بشهر رمضان، ولا اختصاص لها بنوافل شهر رمضان

وحينئذ يتم الاستدلال بالرواية على مشروعية الجماعة في مطلق النوافل

وإذا استطعنا الغاء خصوصية شهر رمضان باعتبار أنّنا لا نحتمل أن تكون له خصوصية في مشروعية الجماعة في النوافل يتم الاستدلال بها على مشروعية الجماعة في مطلق النوافل

ولعل خصوصيته من جهة أخرى، كمراعاة الصائم لأهله حتى لا يبقون في حالة انتظار

ولعله لأجل أن يبعده عن المسجد باعتبار اقامة النافلة جماعة فيه

فاذا تعدينا تدلّ الرواية على الجواز مطلقاً، غاية الأمر أنّ الادلة دلّت على عدم مشروعية الجماعة في نافلة شهر رمضان فيكون هذا الدليل مقيداً لإطلاق الرواية

وبهذا البيان -إذا تم- يظهر أنّه لا يرد على الاستدلال بالرواية للجواز ما ذكر من أنّ موردها نوافل شهر رمضان ولا يمكن الالتزام بمشروعية الجماعة فيها لوضوح عدم المشروعية نصاً وفتوى

لأنّ هذا مبني على أن يكون موردها هو نوافل شهر رمضان دون ما إذا كان موردها مطلق النافلة

ولكن هذا لعله خلاف ما فهمه كثير من الفقهاء، فقد اعتبروا أنّ قوله في رمضان قرينة على أنّ موردها نوافل شهر رمضان

وقد يناقش في الرواية بأنّه لا ظهور لها في الصلاة جماعة لاحتمال[4] أن يكون المقصود بقوله ((صلّ باهلك)) صلّ مع أهلك أو صلّ في أهلك أي صلّ في البيت، ولا ظهور في هذه العبارة في الصلاة جماعة، وبهذا لا يصح الاستدلال بها على المطلوب

ولكن الانصاف أنّ هذا خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر قوله (صلّ بهم) أي صلّ بهم جماعة

الرواية الثانية: صحيحة هشام بن سالم، أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: ((تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، ولا تتقدمهنّ ولكن تقوم وسطهنّ))[5]

الرواية الثالثة: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((تؤمّ المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطاً منهنّ ويقمن عن يمينها وشمالها، تؤمّهنّ في النافلة ولا تؤمّهنّ في المكتوبة))[6]

الرواية الرابعة: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تؤم النساء؟ فقال : إذا كنّ جميعاً أمّتهن في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا ، ولا تتقدّمهنّ ولكن تقوم وسطاً منهنّ))[7]

ودلالة الروايات الثلاث الاخيرة على مشروعية الجماعة في مطلق النافلة واضحة، وإن كانت مختصة بالنساء، ويمكن التعدي للرجال بإلغاء الخصوصية

وأورد على الاستدلال بهذه الروايات بأنّها لا تدلّ على المشروعية في النوافل مطلقاً وإنّما تدلّ على المشروعية في النافلة في الجملة، ولا إطلاق في هذه الروايات حتى يتمسك به لإثبات العموم لأنّ الرواية في مقام بيان جواز أنّ تؤمّ النساء امرأة منهن كما هو مورد السؤال فقال تؤمّهن في النافلة ولا تؤمّهن في المكتوبة

وبعبارة أخرى يكفي لتصحيح الروايات أن تكون الجماعة مشروعة في بعض النوافل كما في صلاة الاستسقاء والعيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب

والذي يتبين من جميع ما تقدم هو: أنّ روايات المنع فيها ما يدلّ على المنع مطلقاً وهو رواية الفضل بن شاذان ويضاف اليها رواية سليم بن قيس الهلالي إذا تجاوزنا مشكلة الارسال فيها

وأما روايات الجواز فالثلاثة الاخيرة منها لا يمكن التمسك بإطلاقها كما بينّا


[1] فهرست النجاشي، ج1، ص259.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo