< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: المشتركات

 

(مسألة 754): إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس استراحة و نحوها بطل حقه، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي العود بطل حقه أيضا فلو جلس في محله غيره لم يكن له منعه وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه و كان ناويا للعود فعندئذ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه.و إن لم يبق منه شي‌ء فبقاء حقه لا يخلو عن إشكال و الاحتياط لا يترك (1) فيما إذا كان في يوم واحد،و أما إذا كان في يوم آخر فالظاهر أنه لا إشكال في أن الثاني أحق به من الأول

1- والظاهر أن هذا احتياط وجوبي، وقلنا بأن مستنده روايات ظاهرها المناقشة في ما ذهب اليه الاصحاب وتابعناهم عليه من أن المعيار في بقاء الحق وعدمه هو بقاء الرحل وعدمه، فاذا لم يترك رحله فالمشهور على أنه يسقط حقه وإن كان ناوياً العود

وهذه الروايات تخالف ذلك فإن مقتضى اطلاق قول الرواية ((سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فيه فهو أحق به الى الليل)) إنه أحق به الى الليل سواء ترك رحله او لا، نوى العود او لا، بل حتى اذا نوى عدم العود

وهناك رواية اخرى بنفس المضمون

واعترض على هذه الروايات باعتراضات

الاول: الاشكال السندي فذكر جملة من الاصحاب أنها ضعيفة سنداً، فالاولى مرسلة والاخرى أيضاً مرسلة واما رواية طلحة بن زيد فلا مشكلة فيها الا في طلحة بن زيد حيث انه لم يوثق وعلى هذا الاساس قالوا بانها غير معتبرة سنداً ولذا لم يعيروا أهمية لهذه الروايات والتزموا بما ذكرناه

وصرح أكثر من واحد بأن الروايات غير تامة سنداً ولكن الظاهر أن هذه الرواية معتبرة باعتبار إمكان توثيق طلحة بن زيد، أولاً: بما ذكره الشيخ وابن شهر آشوب في معالم العلماء من أنه كان عامياً لكن كتابه معتمد

وثانياً: برواية صفوان عنه فقد روى عنه في التهذيب: ٦/٢٥٥، والكافي: ٧/٢٤٥ بسند صحيح ويكفي هذا عندنا لإثبات وثاقته، فالرواية معتبرة عندنا

الاشكال الثاني: أن يقال بأنه لا يمكن الالتزام بإطلاق الرواية لأنها تشمل حتى صورة عدم نية العود

الاشكال الثالث: اذا فرضنا أن بقاء الحق في المسجد مشروط ببقاء الرحل فمقتضى الرواية أن يثبت ذلك في محل الكلام يعني إن بقاء الحق في المكان في السوق الى الليل مشروط ببقاء الرحل وبناء على هذا فالرواية لا تنافي ما تقدم، لأنها تقول إن سوق المسلمين كمسجدهم ثم ذكرت الحكم أن من سبق الى مكان فيه فهو أحق به الى الليل ويظهر منها أن ثبوت هذا الحكم في المسجد واضح

الاعتراض الآخر: إن الاصحاب أعرضوا عن اطلاق هذه الروايات فتسقط عن الاعتبار، فلا تنافي ما تقدم سابقاً

وعدم عملهم بظاهر الرواية من الاطلاق له تفسيرات

أحدها: إنهم عثروا على ما يوجب التقييد ببقاء الرحل

الثاني: إنهم حملوها على افتراض ترك الرحل، والمقصود ترك علامة تدل على أنه يريد العود

الثالث: إنهم اعرضوا عنها لضعف السند.

والاعتراض الاول مدفوع لأننا قلنا بانها معتبرة سنداً

واما الاعتراض الثاني بعدم إمكان الأخذ بإطلاق الرواية

فقد يقال بأنه يمكن دفعه بأن الاطلاق الذي لا يمكن الالتزام به وهو إطلاقها لصورة قصد عدم العود نقيده، للاتفاق على أن الاعراض يوجب سقوط الحق، واما اطلاقها بلحاظ الجهات الاخرى فلم تقم ضرورة على عدم الأخذ به، فلا ضرورة على تقييد بقاء الحق ببقاء الرحل إذ لا نص ولا اجماع على هذا، نعم المشهور يرى أن الحق لا يبقى مطلقاً بل لا بد من تقييده بصورة ما اذا أبقى رحله

فقد يقال بأنه لا مانع من الأخذ بهذا الاطلاق فيمكن دفع الاشكال الثاني بالقول بالالتزام بالتقييد حيث يوجد دليل يدل على التقييد ولا مشكلة في الأخذ بالاطلاق حيث لا دليل على التقييد

واما الاشكال الثالث فنجد أنهم ذكروا في احكام المسجد أن الحق يبقى ما دام الرحل باقياً بل صرحوا حتى اذا قام لضرورة كتجديد الطهارة يسقط حقه اذا لم يترك رحله، ومقتضى التشبيه أن يكون سوق المسلمين كالمسجد من هذه الناحية فيثبت أن بقاء الحق مرهون ببقاء الرحل في المكان

وجوابه إن الظاهر أن هذا في المسجد محل كلام ايضاً فهناك من ذهب الى أن الحق يبقى وإن لم يترك رحله فالقضية ليست اتفاقية

قال في الشرائع (وإن قام ناويا للعود فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به و إلا كان مع غيره سواء و قيل إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة و ما أشبهه لم يبطل حقه)[1] ، فالحق يسقط عنده وإن قام لضرورة

وقال في المبسوط: (فمن سبق الى مكان في المسجد كان احق به فان قام وترك رحله فيه فحقه باق وان حول رحله منه انقطع حقه منه ولا خلاف في ذلك وفيه نص لنا عن الائمة) ونحن لم نعثر على هذا النص فهو مرسل

وصرح العلامة في التحرير والارشاد والشهيد في الدروس واللمعة والشهيد الثاني في الروضة بأنه يسقط حقه اذا قام وإن كان لضرورة، وفي جامع المقاصد هذا هو المشهور

وفي الجواهر بلا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرحل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة من تجديد طهارة

وهذه الكلمات تدل على أن المشهور يذهب الى الالتزام بما تقدم عدم الأخذ باطلاق هذه الروايات، فلا يحكم ببقاء الحق وإن لم يترك رحله

ولكن الظاهر أن هناك من ذهب الى العكس كما اشار اليه المحقق في الشرائع بعنوان القيل وإن ذكره بعنوان التمريض

وفي المسالك عبر عن الرأي الاول بالمشهور ومعناه أن في مقابله من يرى اطلاق الرواية

والنتيجة إن اطلاق الرواية بلحاظ ترك الرحل وعدم تركه ليس في مقابله نص ولا اجماع فلا مانع من الأخذ به

وهذا الاعتراض أوجب أن يتوقف جماعة عن الحكم ببقاء الحق في صورة عدم ترك الرحل مع نية العود

وينبغي الالتفات الى ما اشار اليه في جامع المقاصد من أن من الغريب انه لم يذكر في الرواية المفارقة والقيام فالموجود في الرواية (من سبق الى مكان فهو احق به)، ولم تفرض القيام والمفارقة

وهذا يثير تساؤلاً فيقال ألا يمكن حمل الرواية على معنى آخر بأن تكون الرواية ناظرة الى أن حق البقاء في المكان في المسجد او السوق يمتد الى الليل وأنه يسقط بحلول الليل

خصوصاً اذا لاحظنا أن الاسواق المتعارفة انذاك مبنية على أن الحق يزول بحلول الليل كما صرح به بعضهم

فيمكن أن يكون معنى الرواية أن الحق الذي يكتسبه الشخص بالسبق الى المكان في السوق او المسجد يمتد الى الليل

ولكن يبقى في المقابل أن يقال بأن الاطلاق يشمل المفارقة، والمفارقة مطلقة بلحاظ أنه ترك رحله او لم يتركه

مضافاً الى ما ذكره بعض المحققين ممن يعتمد على آرائهم بأنه يحتمل في هذه الرواية حمل التحديد المذكور فيها على أن الغالب عدم تعلق غرض الانسان بالبقاء فيهما أكثر من يوم الى الليل فتحمل الرواية على الغالب

فالرواية لبيان استيعاب الحق لتمام الوقت الذي يراد البقاء فيه وإن كان مقيداً بالاشغال او نحوه، لا للتحديد الحقيقي حتى ينافي ما عليه الاصحاب

وهذا تقريباً يرجع الى ما يمكن أن يستفاد من المحقق الكركي (قده) من أن الرواية لم يذكر فيها المفارقة وانما تريد أن تبين أن من حق الانسان أن يبقى في هذا المكان ولا يحق لأحد أن يزاحمه الى الليل،

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo