< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات


(مسألة 747): الإعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيته (1) نعم إذا سبق إليه من تملكه ملكه و إلا فهو يبقى على ملك مالكه فإذا مات فهو لوارثه و لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه.

1- قلنا بأن الحكم في صحيحة عبد الله بن سنان بجواز الأخذ وجواز التملك مع افتراض بقاء المال على ملك مالكه لا بد أن يكون حكماً تعبدياً اذا لم نجد له وجهاً يجعله موافقاً للقواعد

وقلنا بأن حمله على التعبدية بعيد، ويؤيد ذلك في خصوص المقام التعليل المذكور في ذيلها (وإنّما هي مثل الشيء المباح) للمنافاة بين التعليل وبين كون الحكم تعبدياً فإن الحكم التعبدي لا يلتمس له تعليلاً وانما غاية التعليل تقريب الحكم الى ذهن السامع

وأما احتمال أن يكون الحكم في الرواية بتملكها بعد فرض الاعراض في مقابل ما انفقه عليها لا يمكن قبوله بهذا الشكل، باعتبار انه في حالات من هذا القبيل لا يحكم بانها له من باب التعويض بل يحكم بالزام المالك أن يدفع الى المنفق ما أنفقه

مضافاً الى أن هذا ينافي قوله في ذيل الرواية (وإنّما هي مثل الشيء المباح) تعليلاً لجواز الأخذ وجواز التملك

ومن الواضح عدم توقف هذا التعليل على الانفاق وعدمه، فلا دخل لمسألة الانفاق عليها في كون الدابة كالشيء المباح فلا يكون الحكم المعلل مختصاً بصورة الانفاق عليها

فاحتمال كون الحكم بجواز تملكها من باب التعويض مستبعد جداً

الرواية الرابعة: موثقة السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ((إنَّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قضى في رجل ترك دابّته من جهد، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له ، يأخذها حيث أصابها ، وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ ، فهي لمن أصابها))[1]

 

وسندها في الكافي فيه كلام بعبد الله بن محمد فان المراد به هنا ابن عيسى المعروف ببنان، أخو احمد بن محمد بن عيسى ولا نص على وثاقته

ولكن سندها بالطريق الثاني للتهذيب تام، فقد نقلها باسناده عن السكوني وسنده اليه تام

وتقريب الاستدلال بها ما قالوه من أن ترك الدابة من جهد مع الخوف عليها من السباع وعلى غير ماء وكلأ يساوق الإعراض عنها، بخلاف ما إذا تركها من جهد في ماء وكلأ وأمن من السباع

فكأن الرواية تفصل بين ما اذا أعرض عنها صاحبها وبين ما اذا لم يعرض عنها، والرواية ظاهرة في جواز تملك هذه الدابة المعرض عنها

نعم، الظاهر أن مورد الرواية هو أن اعراض المالك عن الدابة لعجزه عن الاحتفاظ بها واصطحابها معه

فيأتي الكلام السابق وهو أن الحكم بجواز أخذها وتملكها لمن وجدها لا ينسجم الا بافتراض خروج الدابة عن ملك مالكها فيكون الحكم على طبق القواعد، واما اذا التزمنا ببقاء المال على ملك مالكه وإن أعرض عنه فالحكم بجواز تملكها لا بد من توجيهه بأحد أمرين: إما أن نقول بأنه مبني على استفادة الاذن المالكي والاباحة المالكية من نفس الاعراض او أن نلتزم بالتعبد الصرف

فاذا لم نلتزم بالتعبد ولم نلتزم باستفادة الاذن المالكي لأن المورد من موارد الاعراض مع العجز ولا يستفاد منه الاذن والاباحة المالكية بالتصرف، فيتعين تفسيره بأن المال يخرج عن ملك مالكه بالاعراض

لا نريد أن نقول بأن الحكم التعبدي غير ممكن، فإنه ممكن بل هو واقع في بعض الاحيان، ولكنه يحتاج الى دليل يدل عليه وإن كان هو تعذر توجيه الحكم على طبق القواعد، ولكن عندما يمكن توجيه الحكم على طبق القواعد فالظاهر انه لا يكون هذا دليلاً على الالتزام بالتعبد،

والتوجيه الذي التزمنا به وهو أن الاعراض يوجب خروج المال عن ملك مالكه هو ما جرت عليه سيرة العقلاء، ودلت عليه الروايات السابقة، وقصده المالك بالاعراض فإنه حين أعرض عن المال قصد قطع علاقته بالمال وإخراجه عن ملكه

فمع وجود ما يرجح هذا التفسير من جهة، ومن جهة أخرى هو يجعل الحكم على طبق القواعد فلا مجال للالتزام بالتعبد

وقد يقال بأنه يمكن الالتزام ببقاء المال على ملك مالكه وأن الاعراض لا يوجب الخروج عن الملك، نعم اذا اباح تملكه للآخرين فسبق اليه من تملكه ملكه، والا فهو يبقى على ملك مالكه[2]

ولكن بناء على تمامية ما ذكرناه في الروايات المتقدمة لا يتم هذا الكلام، فإنها ظاهرة في جواز التملك بعد الاعراض مع افتراض عدم الاباحة من قبل المالك، لأن موردها الاعراض عن عجز ونحن نرى أنه لا يستفاد منه الاذن والاباحة المالكية

وبعبارة أخرى لا كلام في جواز الأخذ مع فرض صدور الاباحة من قبل المالك، وخرجوه على أنه هبة ولذا اعتبر بعضهم فيه القبض

وكلامنا فيما إذا لم تصدر الاباحة من المالك، فالروايات تقول يجوز الأخذ في صورة عدم استفادة الاباحة من إعراض المالك، لأن الاعراض صدر في صورة العجز

ثم إن الاستدلال بهذه الروايات يتوقف على أمرين:

الاول: الالتزام بأن الاعراض بسبب العجز لا يستفاد منه الاذن والاباحة المالكية والا فلا يمكن القول بأن الحكم المذكور في الروايات ينحصر توجيهه بالخروج عن الملك،

الثاني: إقصاء احتمال التعبد، والا فلا مشكلة في أن يبقى المال على ملك مالكه ويحكم الشارع بجواز أخذه بعد إعراضه،

ونفس الكلام نقوله في السيرة فإنها قائمة على التصرف في المال المعرض عنه من قبل مالكه، وقد استبعدنا التعبد في بناء العقلاء.

وقد استبعدنا إحتمال أنهم فهموا من الاعراض الاباحة والإذن في التملك من قبل المالك فإن السيرة ليست مختصة بالاعراض لا بسبب العجز بل هي منعقدة حتى في الاعراض بسبب العجز

ومن هنا نقول بأن الظاهر أن الاعراض بسبب العجز -من دون فرق بين أن يكون العجز في الوصول الى المال وأخذه كما في مثال السفينة او في الاحتفاظ بالشيء ورعايته كما في الدابة- ليس فيه دلالة على الاباحة المالكية والاذن المالكي

كما أننا نستبعد التعبد فهو خلاف الظاهر، وهو وإن كان ممكناً ولكن، إذا أمكن توجيه الحكم على مقتضى القواعد فلا مجال للالتزام بالتعبد

مضافاً الى ما ذكرناه من أن الحكم التعبدي لا ينسجم على الأقل مع صحيحة عبد الله بن سنان التي ذكر فيها التعليل

حيث قال انه مثل الشيء المباح والشيء المباح له خصوصيتان: الاولى: إنه يجوز لكل أحد تملكه، والثانية: إنه باق بلا مالك


[2] منهاج الصالحين (المرجع السيد علي الحسيني السيستاني، ج2، ص315.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo