< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 


(مسألة 747): الإعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيته (1) نعم إذا سبق إليه من تملكه ملكه و إلا فهو يبقى على ملك مالكه فإذا مات فهو لوارثه و لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه.

1- كان الكلام في الدليل الثالث على أن الاعراض يوجب الخروج عن الملك وهو الروايات

الرواية الاولى: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ((وإذا غرقت السفينة وما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم))[1]

بينا كيفية الاستدلال بالرواية وكانت الملاحظة ان الرواية لم يفرض فيها الاعراض وانما فرض فيها الترك والترك غير الاعراض

قد يقال بأن جواز التصرف اذا ثبت في الترك فثبوته في الاعراض من باب اولى لأن الاعراض ترك وزيادة

وجوابه إن الكلام ليس في جواز التصرف والتملك بالأخذ وانما الكلام في أن الاعراض هل يوجب خروج الشيء عن الملك او لا؟

والا فإن الجميع -من قال بانه يوجب الخروج عن الملك ومن قال بانه لا يوجب الخروج عن الملك- يتفقون على جواز أخذ المال المعرض عنه وتملكه بالأخذ

فنقول من الواضح أن الرواية لا تدل على ذلك بالترك، والاولوية انما تصح لو دلت الرواية على أن ما يترتب على الترك الخروج عن الملك، فنقول إن الخروج عن الملك لا بد أن يترتب على الاعراض من باب اولى، وانما هي تقول (فهو لهم) فهي تدل على جواز الأخذ والتملك بالأخذ وهذا متفق عليه بين الجميع، بل حتى اذا دلت على ذلك في الترك فلا يمكن الالتزام به فلا يمكن القول إن مجرد الترك يوجب الخروج عن الملكية

نعم، يمكن أن يقال بأن المراد بالترك في المقام هو الاعراض بقرينة الحكم في الرواية (فهو هم) فإن الحكم بأن المال لأخذه لا يتناسب ترتيبه على مجرد الترك لأي سبب كان

فواضح أن الترك لا يمكن أن يترتب عليه هذا الشيء اذا لم نفسر الترك بالاعراض، فإن للترك وجوه عديدة

والذي يدعم هذا التفسير هو أن الترك في الرواية ذكر مطلقاً ولم يقيد بزمان، والترك المطلق يناسب الاعراض عن الشيء لأن كل الامور التي يفترض فيها الترك لا للاعراض يكون الترك فيها مؤقتاً عادة كما لو تركه حتى يهيء المقدمات لإخراجه من البحر او لاحتمال أن يقذف به البحر على الساحل، فالترك فيه مؤقت

وهذا يؤيد ارادة الاعراض من الترك في الرواية، وحينئذ يمكن الاستدلال بالرواية في محل الكلام بالتقريب المتقدم

فيترتب على الاعراض جواز الأخذ والتملك بالأخذ، والحكم بجواز الأخذ والتملك بالأخذ لا يتلائم مع بقاء المال على ملك مالكه

وبعبارة اخرى اذا قلنا بأن الاعراض يوجب الخروج عن الملك يكون هذا الحكم على مقتضى القاعدة

واما اذا قلنا ببقاء المال على ملك مالكه بالرغم من اعراضه عنه فهذا الحكم يحتاج الى توجيه

والوجوه المحتملة في المقام لتفسير الحكم بأخذ ما يملكه الغير، أن نقول بأن هذا حكم تعبدي صرف على خلاف القواعد او نقول بأننا نستفيد من الاعراض الاذن والاباحة المالكية

وكل من الوجهين لا نلتزم به اما التعبد فهو بعيد جداً وهو خلاف الظاهر

واما استفادة الاذن المالكي والاباحة المالكية فتقدم أن افتراض استفادتهما إنما تصح في الاعراض الذي لا يكون ناشئاً من العجز، واما الاعراض الناشيء من العجز فليس فيه دلالة على الاذن والاباحة المالكية، ومحل كلامنا من هذا القبيل

ومن هنا نقول بأن الحكم في الرواية بجواز الأخذ والتملك بالأخذ ينسجم مع القول الاول بأن الاعراض يكون موجباً للخروج عن الملك فتكون الرواية دالة على محل الكلام

وبهذا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على المطلوب

 

الرواية الثانية: رواية السكوني قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن سفينة انكسرت في البحر ، فأخرج بعضها بالغوص ، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : ((أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم ، وهم أحقّ به))[2]

وتقدم أنها ضعيفة سنداً، وأما من جهة الدلالة فقد يقال بأنها وإن لم يذكر فيها الاعراض لكن يبدو أن الاعراض مفروض فيها بقرينة الحكم بأن ما أخرج بالغوص فهو لمن أخذه وهو أحق به من مالكه

واما القول بأن المقصود به الترك من دون اعراض فيأتي فيه الكلام السابق فإنه لا ينسجم مع هذا الحكم، فهو لا يترتب على مطلق الترك من دون اعراض، فمن هذه الجهة يقال بأن الاعراض مفروض في هذه الرواية

وتقريب الاستدلال فيها كتقريب الاستدلال بالرواية الاولى بعد فرض حمل الترك على الاعراض

الرواية الثالثة: صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ((من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض ، قد كلت وقامت وسيّبها صاحبها مما لم يتبعه ، فأخذها غيره ، فأقام عليها ، وأنفق نفقتة حتّى أحياها من الكلال ومن الموت ، فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشيء المباح))[3]

وواضح أنها ظاهرة في جواز أخذ ما يتركه صاحبه ويسيبه وان آخذه يملكه لأنها تقول (هي له)، بل لا سبيل لمالكها عليها وأنها مثل الشيء المباح أي انه لا يكون مملوكاً لأحد ويجوز لكل أحد أخذه، وهو معنى الخروج عن الملك بالترك

فاذا استطعنا أن نفسر (سيبها صاحبها) بالاعراض تكون دليلاً على خروج الملك عن صاحبه بالاعراض، ويؤيده قوله انه لا سبيل له عليه

وقد يقال بأن الظاهر من الرواية أن المراد ب(سيبها صاحبها) الاعراض لا مجرد الترك، ونستعين بما تقدم من أن الحكم بأنها لآخذها لا يترتب على الترك لأي سبب كان، فلا بد أن نفسر الترك بترك خاص وهو الاعراض ويؤكد ذلك ذيل الروية (انما هي مثل الشيء المباح)

فواضح أن خروج الشيء عن الملك وصيرورته من المباحات الاصلية بحيث تنقطع صلة المالك به لا يترتب على مجرد الترك من دون اعراض، فلا بد أن يكون هذا من جهة أن الترك لأجل الاعراض

وحينئذ يكون الاعراض دالاً على الخروج عن الملك

نعم، قد يعترض على هذا الاستدلال -كما ذكره بعض المحققين- بأن المقصود بقوله (عليه السلام) (انها مثل الشيء المباح) انما هو المثلية في جواز الأخذ والتملك بالأخذ لا أنها مثله من جميع الجهات حتى في مسألة الخروج عن الملك فلا دلالة فيها على أن الاعراض يكون موجباً للخروج عن الملك

أقول على ضوء ما تقدم يمكن الاستدلال بهذه الرواية على المطلوب حتى لو تم هذا الكلام وأن المنظور في المثلية الجهة الخاصة، بأن نستعين بما تقدم سابقاً من أن الحكم بأنها لآخذها ولا سبيل لمالكها عليها

لا يتناسب الا مع فرض الخروج عن ملك مالكها، والا فهذه الاحكام بحاجة الى توجيه، فنعود الى ما قلناه سابقاً بأن هذه الاحكام المذكورة في الرواية تتلائم مع القول بأن الاعراض يوجب الخروج عن الملك


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo