< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 747): الإعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيته (1) نعم إذا سبق إليه من تملكه ملكه و إلا فهو يبقى على ملك مالكه فإذا مات فهو لوارثه و لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه.

1- كان الكلام حول الاعراض عن الملك وهل أنه يوجب خروج المال عن ملك مالكه

وذكرنا أن في المسألة قولان رئيسيان:

القول الاول: انه يوجب زوال الملكية

القول الثاني: إنه لا يخرج عن ملكه بمجرد الاعراض

وذكرنا أن القول الاول يتوقف على الالتزام بأن الملك يخرج عن ملك مالكه بمجرد الاعراض ويصبح المال بلا مالك، وقلنا إن هذا قد يتنافى مع ما هو المعروف من أن الدخول في الملك والخروج عنه يحتاج الى أسباب خاصة شرعية ليس الاعراض منها او لا أقل من أنه محل الكلام

فاما أن ننكر هذه القاعدة، فيكون للانسان أن ينهي علاقته الخاصة المسماة بالملكية بالاعراض

او نقول بأن الاعراض من الاسباب الشرعية التي جعلها الشارع للخروج عن الملك، وعلى هذا فاصحاب القول الاول مطالبون باقامة دليل على أن الاعراض من اسباب الخروج عن الملك، بعد فرض الايمان بأن في الخروج عن الملك لا بد من اسباب معينة اعتبرها الشارع

واما القول الثاني فليس مطالباً باقامة دليل على ما يدعيه، هذا من ناحية

ومن ناحية اخرى نجد أن الفقهاء من الطرفين يؤمنون أنه يجوز للغير التصرف في المال وأن يتملكه اذا اعرض عنه صاحبه بلا خلاف فيما بينهم

وهذا يحتاج الى دليل أيضاً، فكيف يجوز للغير التصرف بالشيء بالرغم من كونه مملوكاً لشخص آخر

وبعبارة اخرى: ما هو المسوغ لجواز تصرف الغير بهذا المال بالرغم من كونه مملوكاً لشخص آخر؟

ومن هنا جائت فكرة الاذن والاباحة، فقالوا بأنه يستفاد من الاعراض اباحة التصرف للغير والاذن في التملك

وكأن الاباحة والإذن مالكية، فمعنى إعراض المالك عن ماله أنه أباح لغيره أن يتصرف فيه وأن يتملكه

واستدل للقول الاول بأمور:

الوجه الاول: السيرة العقلائية، بدعوى أن السيرة قائمة على أن الاعراض يوجب الخروج عن الملك ولذا يتصرف العقلاء في ما أعرض عنه المالك تصرفهم في المباحات الاصلية أي انهم يتصرفون فيه من دون مراعاة الاذن من المالك

مع أن المفروض أن المال لو كان باقياً على ملك المالك فالعقلاء يحتاجون الى إحراز الاذن، مع افتراض أن مسألة عدم جواز التصرف في ملك الغير الا بإذنه مركوزة في اذهان العقلاء جميعاً بما فيهم المتشرعة، وبالرغم من هذا يتصرفون في المال الذي اعرض عنه مالكه من دون مراعاة الاذن والاباحة في التصرف

ولا يمكن تفسير هذا الا بافتراض أن الاعراض بنظر العقلاء يوجب خروج الشيء عن ملك مالكه بحيث يصبح من المباحات العامة

ولوحظ عليه بأن السيرة لم تنعقد على أن الاعراض عن المال يوجب خروجه عن الملك وانما السيرة العملية منعقدة على التصرف في المال الذي أعرض عنه مالكه، ويحتمل أن يكون الوجه في التصرف شيئاً آخر غير مسألة الخروج عن الملك، وهو أنهم استفادوا من الاعراض الاباحة في التصرف والاذن في التملك

فلا يمكن القول بأن السيرة كاشفة عن أن العقلاء يرون أن الاعراض عن الشيء يوجب الخروج عن الملك

والذي نقوله في المقام إن المدعى في الدليل هو قيام السيرة على التصرف في المال المعرض عنه مع ضميمة من دون مراعاة مسألة الاذن، ومعناه أن العقلاء لا يرون اعتبار الاذن في هذا التصرف، وهذا لا يتناسب مع القول الثاني، فهو لا ينسجم مع افتراض بقاء المال على ملك مالكه

فالتصرف في المال المعرض عنه من قبل العقلاء من دون مراعاة مسألة الاذن والاباحة يناسب القول الاول

وقد يقال بأنهم تصرفوا على أساس استفادة الاباحة المالكية والاذن المالكي من الاعراض وهو ينسجم مع القول الثاني اقول إن هذا اذا صح في بعض موارد الاعراض وأمكن دعوى اننا نستفيد من الاعراض اباحة مالكية واذن مالكي في التصرف فيها، فهو لا يصح في موارد الاعراض التي تحصل بسبب العجز عن أخذ المال والاحتفاظ به كالمال الذي يسقط في البحر او الدابة التي تتعب في الطريق فيعرض عنه لأنه عاجز عن حمله

فالاعراض عندما ينشأ من العجز لا يمكن أن يستفاد منه إباحة التصرف والاذن في التملك

فكيف نقول بأن تصرف العقلاء في المال المعرض عنه من دون ملاحظة مسألة الاذن او الاباحة من المالك معناه أنهم فهموا من الاعراض الاباحة المالكية والاذن المالكي

ولذا لا بد من افتراض أن المنشأ لهذه السيرة هو أنهم يرون الخروج عن الملك بالاعراض فتدل على القول الاول

توضيح ذلك إن هذا الدليل وهو السيرة يتوقف على أن يتم أمران

الأمر الاول: التسليم بأن سيرة العقلاء على التصرف في المال المعرض عنه عامة، بمعنى انها تشمل كل اعراض، فهم يتصرفون فيه من دون التفات الى ماهية سبب الاعراض

الأمر الثاني: عدم استفادة الاباحة المالكية والاذن المالكي من الاعراض اذا كان بسبب العجز

وإذا تم هذان الأمران فلا بد أن نقول بأن السيرة من قبل العقلاء على التصرف في المال المعرض عنه ينحصر تفسيرها بخروجه عن الملك

فمن الصعب جداً افتراض بقاء المال على ملك المالك والعقلاء يتصرفون به من دون مراعاة الاذن والاباحة في الموارد التي لا يكون الاعراض فيها كاشفاً عن الاذن المالكي والاباحة المالكية

اللهم الا أن يدعى التفريق بين ما اذا كان الاعراض ناشئاً من العجز فالسيرة على التصرف مبنية على الخروج عن الملك، واما اذا كان الاعراض لغير ذلك فالسيرة مبنية على استفادة الاباحة والاذن المالكي من الاعراض

وهذا لا يمكن الالتزام به

فالظاهر انه اذا تمت هذه المقدمات لا بد أن نلتزم بالوجه الاول وهو أن الوجه في تصرف العقلاء في المال المعرض عنه من دون ملاحظة الاذن هو أن العقلاء يرون أن المال يخرج عن ملك الانسان بالاعراض عنه

الوجه الثاني: إن معنى الاعراض هو قطع العلاقة بين الانسان وما يملكه، والاعراض معنى قصدي فهو يقصد قطع العلاقة بينه وبين المال وانهاء صلته به، فإن قطع العلاقة حق للمالك بمقتضى عموم أدلة السلطنة بدليل أن منعه من استعمال هذا الحق مخالف للسلطنة على المال

فاذا فرضنا أن المالك استعمل هذا الحق الثابت له وقطع صلته بالمال فحينئذ يخرج المال عن ملكه ويصير بلا مالك، فلا يحتاج جواز التملك والتصرف فيه بعد الاعراض الى دليل خاص، فما يترتب على الاعراض خروج المال عن ملكه وصيرورته بلا مالك

ويلاحظ عليه إنه ينافي ما تقدم من أن الخروج عن الملك له أسباب خاصة، وكون الاعراض من هذه الاسباب هو أول الكلام، فكون الاعراض موجباً للخروج عن الملك هو أول الكلام بعد الاعتراف بأن الخروج عن الملك كالدخول فيه له أسباب شرعية خاصة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo