< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات


(مسألة 741): لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة بل يجوز أن يكون بالتوكيل والاستيجار وعليه فالحق الحاصل بسبب عملهما للموكل والمستأجر لا للوكيل والأجير (1)

1- ذكرنا أنه يمكن إثبات قابلية الفعل للتوكيل بالتمسك بأصالة عدم اشتراط المباشرة عندما نشك في ان الفعل قابل للتوكيل او لا

فنثبت قابليته للتوكيل وترتب الأثر عليه اذا صدر من الوكيل

وكانت هناك مشكلة معارضة الاصل المذكور بأصالة عدم ترتب الأثر الذي يقتضي الفساد، وحل المعارضة يكون بأن هذا الاصل سببي وذاك مسببي فيتقدم عليه بقطع النظر عن انه يتقدم مطلقاً او لا بد أن يكون أصلاً محرزاً

وقلنا يمكن أن ترجع أصالة عدم الاشتراط الى الاستصحاب، واذا قلنا بأن بأن مرجعها الى البراءة بناء على جريان البراءة في الاحكام الوضعية فالتقديم لا اشكال فيه، وانما الكلام في تخريج هذا التقديم عندما يكون الأصل السببي ليس محرزاً وقلنا بأن في تخريجه على اساس الحكومة تأمل، ولا منع من تخريجه بوجه آخر

واعترض البعض بأن هذا ينافي ما ذهب اليه الفقهاء من إجراء أصالة عدم ترتب الأثر في المعاملات المعبر عنها بأصالة الفساد عند الشك في صحة المعاملة، والحال أن أصالة عدم ترتب الأثر في مقابلها دائماً أصل من قبيل ما ذكرناه كما لو شككنا في اعتبار العربية او اعتبار تقدم الايجاب على القبول، فقد التزمو هنا بفساد المعاملة مع أن في قبالها أصالة عدم الاشتراط

وهذا اشكال عام لأن الشك في الصحة والفساد في معظم الموارد ينشأ من الشك في اعتبار شيء وعدم اعتباره

فهذه القضية تحتاج الى تأمل لأن مداها واسع، ولا بد من مراجعة كلامهم فهل يحكمون بأصالة عدم ترتب الأثر مطلقاً او انهم يفترضون عدم وجود أصل في قبالها يقتضي صحة المعاملة، كما افترضوا صراحة عدم وجود مطلقات تقتضي الصحة

والظاهر أن قضية أصالة عدم ترتب الاثر في المعاملات بل مطلقاً ليس متفقاً عليها لأن هناك من ناقش في ذلك وقال بأن المعاملة تكون محكومة بالصحة اعتماداً على البراءة عن الشرطية، وقال بأن هذا الأصل يتقدم على أصالة عدم ترتب الأثر، وهو نفس ما قلناه غاية الامر نحن عبرنا عنها بالاستصحاب

واما افتراض جريان أصالة عدم ترتب الاثر وإن كان في مقابلها أصل يقتضي الصحة فهذا يحتاج الى تخريج، فلم يجري هذا الاصل مع وجود الاصل السببي

وعلى كل حال فقد إنتهينا الى أن من جملة الادلة التي استدل بها على قبول التحجير للوكالة هو مسألة أن فعل الوكيل فعل الموكل فالفعل الصادر من الوكيل يسند حقيقة الى الموكل فتشمله الادلة الدالة على ترتب الاثر على التحجير ويكون الحق ثابتاً للموكل

واعترض عليه بأن هذا لا يتم في الامور التكوينية

وقلنا بأن الأمر ليس على إطلاقه فعدم قبول بعض الأمور التكوينية التوكيل واضح، واما ما لا يكون كذلك من الامور التكوينية فلم لا يقبل التوكيل، وذلك من قبيل القبض فهناك اتفاق من قبل الفقهاء على قبوله التوكيل، فإن قيام الفعل التكويني بمن صدر منه الفعل ليس دائماً، وهناك روايات تدل على هذا بشكل واضح

من قبيل ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن محمّد بن أبي عمير في نوادره ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها ؟ فقال عليه‌السلام: ((إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك))[1]

ولا اشكال في اعتبار السند حتى لو لم نقل بحجية مراسيل ابن ابي عمير إذ يفهم منها أنه نقلها عن كثيرين، وهي واضحة في ان القبض مما يقبل التوكيل

والرواية واردة في القبض، فالتعدي الى غير القبض من الافعال التكوينية يحتاج الى نفي احتمال الخصوصية وهو ليس ببعيد

وبقطع النظر عن هذا، فلا إشكال في أن السيرة قائمة على التوكيل في القبض وأمثاله من التحجير والاحياء وغيرها من الامور، فبناء العقلاء على أن يوكلون الآخرين في هذه الاعمال ولا يمارسونها بانفسهم خصوصاً إذا كان الشخص زعيم قبيلة وامثالها

وقد صرح الفقهاء بأن القبض والاحياء يقبل التوكيل وهكذا التحجير

فلا يمكن القول إنه لا بد من التفريق بين الامور الاعتبارية والامور التكوينية، فإن الرواية صريحة في أن بعض الامور التكوينية تقبل التوكيل

واستدل في الجواهر على أن الأصل جواز الوكالة ومشروعيتها الا ما خرج بالدليل -وهو الاصل الاول الذي ذكرناه سابقاً وناقشنا في استفادته من كلام الفقهاء- ببعض الروايات

الاولى: صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الاُمور وأشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإِمضاء الأمر فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : ((إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل فإنّ الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضى ، قلت : فإن الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه ؟ قال : نعم ، قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ، ثمّ ذهب حتّى أمضاه لم يكن ذلك بشيء ؟ قال : نعم ، إنّ الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبداً ، والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه ، أو يشافه بالعزل عن الوكالة))[2]

وهذه الرواية من أدلة اعتبار خبر الثقة في الموضوعات وقوله (عليه السلام): (إنّ الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبداً، والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل) ظاهر في مشروعية الوكالة في كل أمر من الامور فيكون أمره ماضياً ما لم يبلغه العزل

الثانية: رواية معاوية بن وهب وجابر بن يزيد جميعاً، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنّه قال : ((من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها))[3]

وهي صحيحة السند وإن كان طريق الشيخ الصدوق الى جابر بن يزيد الجعفي فيه عمر بن شمر المنصوص على ضعفه كما في النجاشي، ولكن طريقه الى معاوية بن وهب طريق صحيح

والظاهر انهما روايتان جمع بينهما أحد الرواة فالشيخ الصدوق يرويها عن معاوية بن وهب وله طريق صحيح اليه

واحتمال انها رواية واحدة مروية عن كل منهما، والشيخ الصدوق لم يذكر طريقاً لهما معاً وانما ذكر لكل منهما طريق بعيد انما يأتي هذا الاحتمال في أصحاب الكتب المشتركة فيذكر طريقاً اليهما معاً فلا يكون طريقاً الى كل منهما مستقلاً

وفي المقام لا كتاب مشترك وانما هي رواية رواها كل منهما وأحد الاشخاص الذين وصلت له كلتا الروايتين جمع بينهما،

وهي تدل على أن الوكالة مشروعة في كل أمر من الامور، فالاصل في الامور انها تقبل الوكالة الا ما خرج بالدليل


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo