< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 735): يعتبر في تملك الموات أن لا تكون مسبوقة بالتحجير من غيره و لو أحياها بدون إذن المحجر لم يملكها (1) و يتحقق التحجير بكل ما يدل على إرادة الإحياء كوضع الأحجار في أطرافها أو حفر أساس أو حفر بئر من آبار القناة الدراسة الخربة فإنه تحجير بالإضافة إلى بقية آبار القناة بل هو تحجير أيضا بالإضافة إلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه فلا يجوز لغيره إحياؤها.

1- يشترط في ترتب الملك على احياء الموات -بناء على الملكية- أن لا تكون الارض مسبوقة بالتحجير من قبل غيره فاذا حجرها الغير فلا يجوز له أن يتصرف بها واذا أحياها بعد تحجيرها من قبل الغير لا يترتب عليه الملك

قال في الشرائع (الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير فإن التحجير يفيد الأولوية. لا ملكا للرقبة.
وإن ملك به التصرف حتى لو هجم عليه من يروم الإحياء كان له منعه. ولو قاهره فأحياها لم يملكه)[1]

ويبدو أن هذا لا خلاف فيه كما صرح به اكثر من واحد بل في الجواهر يمكن تحصيل الاجماع عليه وفي مفتاح الكرامة بل هو محصل معلوم

وقد فسر التحجير في بعض كتب اهل اللغة بجعل علامة على ارادة الاحياء

المصباح المنير (احْتَجَرْتُ الأَرْضُ جَعَلْتُ عَلَيْهَا مَنَاراً وأَعْلَمْتُ عَلَماً فى حُدُودِهَا لِحِيَازَتِهَا)[2] ، وفي لسان العرب (حَجَرْتُ الأَرضَ واحْتَجَرْتُها إِذا ضَرَبْتَ عَلَيْهَا مَنَارًا تَمْنَعُهَا بِهِ عَنْ غَيْرِكَ)[3]

ولكن سائر كتب اللغة لم تعتبر التحجير مجرد علامة على ارادة لاحياء

وقد اختلف الفقهاء في كون التحجير شروع في عملية الاحياء او انه علامة عل ارادة الاحياء

قال في المبسوط (التحجير أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الاحياء مثل أن ينصب فيها المروز أو يحوط عليها حائطا و ما أشبه ذلك من آثار الإحياء، فإنه يكون أحق بها من غيره)[4] ويفهم منه الفرق بين الاحياء وبين التحجير فالاحياء يترتب عليه الملك بحسب رأيه بينما لا يترتب على التحجير الا الاولوية والاختصاص

وفي الشرائع (والتحجير: هو أن ينصب عليها المروز، أو يحوطها بحائط)

ولوحظ على هذا الكلام بانه إن قلنا بأن التحجير شروع في الاحياء فلا ينبغي عدّ نصب المروز من التحجير لوضوح أن نصب المروز ليس شروعاً في الاحياء

وإن قلنا بأن التحجير علامة على ارادة الاحياء فنصب المروز تحجير ولكن التمثيل له ببناء حائط يحوط الارض لا ينبغي عده من التحجير لأن بناء حائط ليس علامة بل هو شروع في عملية الاحياء فبناء الجدار لا يعد مجرد علامة وانما هو بداية الشروع في الاحياء

وعلى كل حال فالظاهر من جعل عدم التحجير شرطاً في ترتب الملك على الاحياء انهم اتفقوا على أن التحجير يكون مانعاً من التملك بالاحياء

نعم المخالف الوحيد هو يحيى بن سعيد (قده) فقد أنكر هذه المانعية بمعنى انه لا يجوز له التصرف بالارض بعد تحجيرها واما اذا أحياها فلا مانع من التملك

والكلام في الدليل على هذه المانعية التي اتفقوا عليها

باعتبار وضوح اننا لا يمكن أن نستدل على هذه المانعية بأدلة الاحياء المتقدمة سابقاً لأن التحجير على التقديرين هو ليس باحياء فإن قلنا بانه علامة على ارادة الاحياء فواضح وإن قلنا بأنه شروع بالاحياء فان الملكية بحسب تلك الادلة تترتب على الاحياء نفسه لا على الشروع بالاحياء

ومن هنا لا بد من الاستدلال على المانعية التحجير بدليل آخر، ولا بد أن نلاحظ أن الادلة المستدل بها هل تدل على المانعية بالمعنى الاول للتحجير بمعنى مجرد وضع علامة او انها تدل على المانعية بمعنى الشروع في الاحياء

والذي يظهر منهم الاستدلال على المانعية واشتراط التملك بالاحياء بعدم التحجير بوجوه

الوجه الاول: التمسك بالنبوي (من احيا مواتا من الارض في غير حق مسلم فهو له) بدعوى ظهور القيد في الاحتراز ومعناه أن الرواية يكون لها مفهوم وهو أن من أحيا أرضاً تعلق بها حق مسلم فهي ليست له، وحق التحجير تعلق بهذه الارض

وواضح أن هذا الاستدلال يفترض

وفيه مع الضعف السندي أن هذه الجملة لا مفهوم لها إذ لا يمكن ادخاله الا في مفهوم اللقب وهو أضعف المفاهيم

واحترازية القيود تقتضي انتفاء شخص الحكم عن المورد الفاقد للقيد، مضافاً الى أنه فرغ عن أن الحق يثبت بالتحجير وهذا اول الكلام

ويحتمل أن الرواية ناظرة الى مسألة الحريم على تقدير تمامية الاستدلال بمفهومها، فما دام تعلق حق صاحب الارض بالحريم فقد تعلق بها حق مسلم فلا يجوز للغير احيائها فلا اطلاق في الرواية لتشمل محل الكلام

الوجه الثاني: التمسك بالنبوي المروي في المستدرك عنه ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : ((من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم هو أحق به))[5] وفي كتب العامة (فهو له)

والاستدلال بها باعتبار أنه سبق وحجر، والرواية تحكم انه له او انه أحق به، وعلى كل حال فهو يمنع الغير من احيائها وتملكها بالاحياء

وفيه مضافاً الى الضعف السندي، إذا قبلنا ما قالوه من انها ظاهر في الملك فهي لا تشمل الاراضي فانها لا تملك بالسبق بلا اشكال ومحل الكلام في الاراضي، وانما يفيد السبق اولوية الانتفاع، واما اذا فسرنا اللام بالاحقية والاختصاص فلا تفيد الملك، كما لو كان لفظ الرواية (فهو احق به)

فالجواب أن الرواية ناظرة الى الاحقية، فبعد الفراغ عن أن التحجير يثبت حقاً في الارض تقول أن الذي يسبق أحق بهذا الاستحقاق، فمفاد الرواية انه في موارد ثبوت الاستحقاق بفعل معين فالسابق له يكون احق به وفي المقام لم نفرغ عن كون التحجير يوجب حقا في الارض

الوجه الثالث: رواية سمرة بن جندب عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ((من أحاط حائطا على أرض فهي له))[6]

والاستدلال مبني على أن هذا تحجير والرواية تدل أن له أن يمنع الآخرين من إحياء هذه الارض فالغير لا يكون مالكاً للارض لو احياها

ويرد عليه مضافاً الى الضعف السندي انه يحتمل أن الرواية ناظرة الى الاحياء فتكون من روايات الاحياء باعتبار أن بناء حائط على الارض احياء لها او لا أقل من انه شروع في الاحياء

فاذا فسرنا (هي له) بالملكية فلا بد من تفسير هذا بالاحياء شرعاً او عرفاً بمعنى أن الشارع اعتبره احياء او ان العرف يراه كذلك

فبقرينة ظهور الرواية في الملكية لا بد من حملها على الاحياء بحيث يكون بناء حائط احياء لهذه الارض فتكون اجنبية عن محل الكلام


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo