< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 721): للعين و القناة أيضا حريم آخر و هو أن يكون الفصل بين عين و عين أخرى و قناة و قناة ثانية في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع و في الأرض الرخوة ألف ذراع
و لكن الظاهر أن هذا التحديد غالبي حيث أن الغالب يندفع الضرر بهذا المقدار من البعد و ليس تعبديا.
و عليه فلو فرض أن العين الثانية تضر بالأولى و ينقص ماؤها مع هذا البعد فالظاهر عدم جواز إحداثها و لا بد من زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو يرضى به مالك الأولى كما أنه لو فرض عدم لزوم الضرر عليها في أحداث قناة أخرى في أقل من هذا البعد فالظاهر جوازه بلا حاجة إلى الإذن من صاحب القناة الأولى. و لا فرق في ذلك بين إحداث قناة في الموات و بين إحداثها في ملكه(2) فكما يعتبر في الأول أن لا يكون مضرا بالأولى فكذلك في الثاني.
كما أن الأمر كذلك في الآبار و الأنهار التي تكون مجاري للماء فيجوز احداث بئر يجري فيها الماء من منبعها قرب بئر أخرى كذلك.
و كذلك احداث نهر قرب آخر و ليس لمالك الأول منعه إلا إذا استلزم ضررا فعندئذ يجوز منعه.

2-كان الكلام في الروايات التي يمكن أن يستدل بها على ثبوت الضمان في إتلاف المالية

وتبين أن الروايات الثلاثة الأخيرة الواردة في عتق أحد الشركاء نصيبه من العبد لا دلالة فيها على ضمان المالية وانما ذكرت فوات الانتفاع، هذا بناء على أن فوات المنافع غير فوات المالية

فالعمدة هو معتبرة سدير الصيرفي بالتقريبين المتقدمين والاشكال على التقريب الاول بأن إتلاف المالية غير اتلاف مال الغير الذي هو موضوع القاعدة والرواية حيث عبرت أفسدها (البهيمة) على صاحبها،

ويدفعه اذا آمنا أن العرف يرى أن اتلاف المالية إتلاف للمال، فالعرف بنظره المسامحي يسمي افساد المالية اتلاف للمال

والتقريب الثاني يعتمد على أن مورد الرواية اتلاف المالية بدعوى أن البهيمة الموطوءة لا يتغير حالها قبل الوطء وبعده ولم ينقص منها شيء لا جزء ولا وصف حتى الانتفاع فإنه يمكن الانتفاع بها

فالدابة الموطوءة ينتفع بها عرفاً فإن مجرد حكم الشارع عليها بالذبح والحرق لا يخرجها عن امكانية الانتفاع بها بمقدار معتد به، فبعض المنافع ذهبت ولكن بعض المنافع موجودة فلا بد أن يكون الضمان من جهة فوات مالية الشيء فبمجرد حكم الشارع عليها بالتلف تنقص ماليتها فإن العقلاء لا يبذلون بازاءها المال بالنحو الذي كانوا يبذلونه قبل هذا الحكم

ويمكن أن يستدل على ثبوت الضمان في اتلاف المالية بالسيرة التي هي أحد أدلة قاعدة الاتلاف فهناك سيرة من قبل المتشرعة بل من قبل العقلاء على أن من يتلف مال غيره فهو مسؤول عن تداركه وجبران هذه الخسارة التي انزلها بالغير، وسيرة المسلمين هذه هي سيرة متشرعية بالمعنى الأعم لانها ذات نكات عقلائية، فهم يبنون على ذلك ويرون انه لا بد من الضمان في حالة الاتلاف ويلومون من يتنصل عن ذلك ويمتنع عن دفع الضمان ويرون أنه خارج عن الطريقة العقلائية المتعارفة والظاهر أنه لا مجال للتشكيك في هذه السيرة ولها نكات عقلانية وليست مبنية على العادات والاعراف التي يمكن أن تتغير من زمان الى زمان فلا بد أن نحكم بأن هذه السيرة التي نلاحظها الآن موجودة في زمان الشارع

ومسألة الضمان في إتلاف مال الغير محل ابتلاء فلا شك أن المسلمين في زمان المعصومين قد ابتلوا بهذه المسائل، فهناك سيرة موجودة بالفعل ولم يرد من الشارع ردع عن هذه السيرة بل ورد ما يعزز هذه السيرة وهي الأخبار التي استدلوا بها على أصل القاعدة فتكون السيرة ممضاة من قبل الشارع،

ولا بد أن نميز بين ضمان المالية في غير محل الكلام وبين ضمان المالية في محل الكلام

فنحن لا نوافق المحقق العراقي بأن المالية لا ضمان لها مطلقاً ولكن نوافقه على أن المالية في محل الكلام لا دليل على انها مضمونة

توضيح

تارة يكون التصرف الموجب لذهاب المالية او نقصانها تصرفاً في نفس العين، واخرى يتصرف في ملكه فيؤدى الى فوات المالية عن بئر جاره

ويمكن الاستدلال بالسيرة على ضمان المالية في الصورة الاولى، بل سيأتي أننا نستدل بمعتبرة سدير أيضاً، فانه لا فرق بنظر العقلاء في السيرة المنعقدة على الضمان بين كون الاتلاف في المال او في المالية

لأن النكتة التي دعتهم عند الحكم بالضمان عند اتلاف المال موجودة في اتلاف المالية، وهي تدارك الضرر وجبران الخسارة ولا اشكال في أنهما متحققان عند ذهاب المالية، فالعقلاء لا يفرقون بين اتلاف المال واتلاف المالية، فالسيرة موجودة في كليهما

وقد يستشكل بعدم وجود سيرة عملية خارجية على ضمان المالية، ولكن يمكن أن نستعين بالارتكاز وهو أوسع من دائرة العمل

فإن الارتكاز قائم على أن الخسارة التي يوجبها تصرف انسان في مال آخر لا بد من تعويضها بلا فرق بين تلف المالية وتلف المال، ومن هنا يمكن الاستدلال بهذه السيرة على ضمان المالية في غير محل الكلام لأن النكتة واحدة

كما لو غصب مالاً في الصحراء حيث تشح المياه ويكون له قيمة عالية وأرجعه الى صاحبه في المدينة حيث تكثر المياه فنحكم بالضمان كما لو أتلف الماء، وليس الضمان مشترطاً بكونه غاصباً فحتى لو أخذ الماء اشتباهاً بتخيل أنه له يكون ضامناً له، فالحكم بالضمان لا يفرق فيه بين الجهل والعمد

وأما في محل الكلام فهو تصرف في ملكه ومن هنا لا نستطيع أن نستدل على الضمان فيه بالادلة المتقدمة

أما السيرة فهي دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما اذا أدى التصرف في العين الى ذهاب ماليتها دون ما إذا تصرف في ملكه وأدى الى ذهاب مالية ملك جاره

ونحن نحتمل الفرق بينهما لأنه تصرف في ملكه

بل نقول أكثر من هذا بأنه لا يصح الاستدلال بمعتبرة سدير على الضمان في محل الكلام لأن موردها هو ما اذا تصرف في العين وذهبت ماليتها، لا ما إذا تصرف في ملكه فذهبت مالية ملك غيره، ونحن نحتمل الفرق بينهما

ومن هنا نصل الى أنه لا بد من التفريق في إتلاف المالية بين ما اذا كان التصرف المؤدي الى إتلافها تصرفاً في نفس العين فنحكم عليه بالضمان وبين ما اذا كان تصرفاً في ملكه وأدى الى ذهاب مالية عين مملوكة لشخص آخر فلا دليل على الضمان في هذه الصورة

نعم، الروايات الواردة في العبد المشترك اذا قلنا بأن فيها دلالة على ضمان المالية تدخل في محل الكلام فيمكن الاستدلال بها لأن التصرف فيها تصرف في ملكه، ولكنها غير تامة الدلالة

فلا دليل على الضمان في محل الكلام

ويدخل في الأدلة التي ذكروها صاحب الدكان لو أنزل قيمة بضاعته فأدى الى نقصان قيمة بضاعة الآخر

ولا يمكن أن نقول بأن المحقق العراقي ينفي الضمان في جميع صور إتلاف المالية وإن كان في عبارته ظهور في ذلك فلعله ناظر الى محل الكلام وهو عندما يكون التصرف في الملك ويؤدي الى ذهاب مالية شيء آخر، لأنه مثّل[1] لهذا بمثال التاجر الذي ينزل سعر بضاعته فيؤدي الى نقصان قيمة بضاعة الغير، كما أنه جاء بالكلام في سياق حفر البالوعة المؤدي الى ذهاب مالية البئر، ويمكن أن نوافقه على هذا

وأما لو كان المستفاد من كلامه نفي الضمان مطلقاً في جميع موارد إتلاف المالية فلا نوافقه عليه

 


[1] مقالات الأصول: 2/318.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo