< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

44/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 711): من أحيى أرضا مواتا تبعها حريمها بعد الإحياء و حريم كل شي‌ء مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به و لا يجوز لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحبه (1)

1- ذكر الفقهاء شروطاً للتملك بالاحياء، ومن جملتها أن لا يكون الموات حريماً لعامر فإن الحريم تابع للارض المحياة، فلا يجوز التصرف فيه بإحياء او غيره

ولم يفرقوا بين أن يكون عامراً بالأصل او بالعارض ولا بين أن يكون عمّره بنفسه او انه وصله عامراً، وسواء أكان العامر أرضاً او داراً او قرية او بلدة

وعرّفوا الحريم بأنه ذلك المقدار من الارض الخارج عن الشيء ولكن الانتفاع بالشيء يتوقف عليه، كالطريق الى الدار والشرب ومكب النفايات ومسيل الماء ونحو ذلك من الامور التي يتوقف الانتفاع بالعامر عليها

ومقصودهم توقف الانتفاع التام بالعامر على هذه الامور ولذا صرح غير واحد بأن ما يتوقف على الحريم هو الانتفاع التام بالعامر

والظاهر أن هذا الشرط في الجملة لا اشكال في ثبوته عندهم جميعا

وعن العلامة في التذكرة (لا نعلم فيه خلافاً بين علماء الامصار) ونحوه عن ابن قدامة في المغني

وعن جامع المقاصد دعوى الاجماع عليه، بل ادعي عدم الخلاف بين الفقهاء على اختلاف مذاهبهم

ويستدل له بامور:

الاول: ما في المسالك من أن مالك العامر يستحق حريمه إن لم نقل بأنه يملك الحريم -كما ستأتي الاشارة اليه- فله حق في الحريم باعتبار انه من مرافقه وتوابعه ومما يتوقف الانتفاع بالشيء عليه، فلا يجوز للآخر أن يحيي هذا الحريم

الثاني: التمسك بالنبوي (ان من احيا ميتة في غير حق مسلم فهي له) يعني يترتب على الاحياء اثره، ومفهومه اذا تعلق حق المسلم بالارض فلا تكون له بالاحياء، وقد تعلق حق المسلم بالحريم

الثالث: رواية محمد بن عبدالله (وفي نسخة محمد بن احمد بن عبد الله)، قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل تكون له الضيعة ، وتكون لها حدود ، تبلغ حدودها عشرين ميلاً ( أو أقلّ أو أكثر ) يأتيه الرجل فيقول : أعطني من مراعي ضيعتك ، وأعطيك كذا وكذا درهماً ، فقال : (إذا كانت الضيعة له فلا بأس)[1] والمراعي تعتبر حريم يتوقف الانتفاع بالبستان عليها، فالرواية إن لم تدل على أن مالك الضيعة يملك الحريم -ولذا جوزت له بيعه بثمن معين- هي تدل على أن لصاحب الضيعة حق في الحريم على الأقل فيثبت عدم جواز احياءه لكل أحد كما هو الحال في حق التحجير

الرابع: رواية إدريس بن زيد ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته وقلت : جعلت فداك إنّ لنا ضياعاً ولها حدود ولنا الدواب وفيها مراعي ، وللرجل منّا غنم وإبل ويحتاج إلى تلك المراعي لإِبله وغنمه ، أيحلّ له أن يحمي المراعي لحاجته إليها ؟ فقال : (إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي ويصير ذلك إلى ما يحتاج إليه). قال : وقلت له : الرجل يبيع المراعي ، فقال : (إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس)[2] فإن لم نستفد منها ملكيته للحريم فلا أقل من أن له حق في الحريم وهذا يمنع من احيائها من قبل الغير

الخامس: أن يقال بأن الأدلة الدالة على جواز الاحياء وترتب الأثر عليه قاصرة عن الشمول للأرض التي يتعلق بها حق الغير، وانما تختص بالأرض الميتة التي لم يتعلق حق الغير بها، والحريم تعلق حق الغير به إن لم نقل بانه مملوك للغير

ومن الواضح بأن معظم هذه الأدلة مبنية على ثبوت حق لمالك العامر في الحريم، والذي يظهر أن هذا المقدار مسلم عندهم، وانما اتجه نقاشهم الى الملكية بين ناف ومثبت، وحرروا مسألة انه هل يجوز له بيع الحريم منفردا؟

وذهب جماعة الى الملكية منهم الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة وابن ادريس في السرائر وابن سعيد في الجامع والعلامة في التحرير، وفي المسالك انه الأشهر

وذهب آخرون الى عدم الملك وانه من حقوقه ونسبه في مفتاح الكرامة الى الشيخ في مواضع من المبسوط والى ولد العلامة في الايضاح

وذكر العلامة في التذكرة والشهيد في المسالك أن الثمرة تظهر في بيع الحريم منفرداً، فعلى القول بالملك يجوز بيعه منفرداً، ولا يجوز على القول بعدم الملك

واستدل للقول الأول كما في التذكرة بأنه مكان استحقه بالإحياء فملكه كالمحيا

والمناقشة فيه واضحة بمنع الملازمة بين استحقاق شيء بالإحياء وبين ملكه بالإحياء

واستدل له ثانيا: بان معنى الملك موجود لأنه يدخل في بيع المعمور فإن من باع داراً دخل فيها الطريق وغيره من حقوقها،

وفيه إن الدخول في البيع لو سلمناه لا يعني الملكية لأن الكلام في كيفية دخوله في البيع، والظاهر أن الحريم يدخل في البيع بالنحو الذي كان ثابتاً لصاحب الدار، فإن كان ثابتاً له على نحو الملك فما ينتقل بالبيع هو الملكية، واما إذا قلنا بانه لم يثبت له على نحو الملكية وانما على نحو الاستحقاق فعندما يبيع يبيع على هذا النحو، فهذا الدليل أشبه بالمصادرة لأن النزاع في أن مالك العامر يملك الحريم او لا

وثالثا: إن الشفعة تثبت في الطريق المشترك وهو دليل على انه مملوك لأن الشفعة لا تكون الا في ما يملك

وهذا في الحقيقة مأخوذ من صحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دار فيها دور، وطريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : (إن كان باع الدار ، وحول بابها الى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة)[3]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo