< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 224): إذا أمر شخصاً بقطع عقدة في رأسه مثلاً ولم يكن القطع ممّا يؤدّي إلى الموت غالباً، فقطعها فمات، فلا قود وكذلك لا دية على القاطع إذا كان قد أخذ البراءة من الآمر، وإلّا فعليه الدية[1]

    1. وهذا واضح باعتبار عدم صدق الجناية العمدية لعدم تحقق أي من المناطين المعتبرين فيها فلم يقصد القتل بالفعل ولا فعله مما يقتل مثله

    2. هذه المسألة صغرى لمسألة كبرى ضمان الطبيب، وهي تطرح بشكل عام لا في خصوص ما إذا كان التلف هو الموت بل هي شاملة حتى لتلف المملوك والدابة، ولها أربع صور لا بد من التعرض لها:

الصورة الأولى: ما إذا كان الطبيب المأمور بالعلاج قاصراً في المعرفة والعلم ولا اشكال عند الفقهاء في ضمان ما يتلف بعلاجه في هذه الصورة، وظاهر كلماتهم الاتفاق على هذا، قال في التنقيح الرائع: »الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلف بعلاجه إجماعا»[2] وفي الرياض «وهذا الحكم ممّا لم أجد خلافاً فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصراً في المعرفة»[3]

الصورة الثانية: اذا كان حاذقاً عارفاً ولكنه قصّر في علاجه، والظاهر أن الحكم هنا كالحكم في الصورة السابقة بمعنى أنه يضمن ما تلف بعلاجه، قال في مجمع الفائدة والبرهان «الطبيب ضامن لما يتلف بعلاجه ان قصّر ، سواء كان حاذقا أم لا ، بإذن المريض ووليّه أم لا، والظاهر عدم الخلاف في ذلك»[4]

وظاهر كلماتهم أن الحكم بالضمان في هاتين الصورتين مطلق من ناحية الاذن وعدمه

الثالثة: أن يفرض كونه عارفاً حاذقاً ولم يقصر في علاجه، إلا أنه عالج المريض بلا إذن منه او من وليه فاتفق موته فالظاهر هنا الاتفاق على كونه ظامنا لما يتلف بعلاجه، قال المحقق (قده): »الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا لا بإذن الولي أو بالغا لم يأذن»[5] وعلق عليه في الجواهر (بلا خلاف اجده في شيء من ذلك)

الصورة الرابعة: اذا كان عارفاً ولم يقصر وكان ماذوناً في العلاج من قبل نفس المريض او وليه، وهذه الصورة هي محل الكلام والأخذ والرد، والظاهر أن فيها قولان:

الاول: عدم الضمان وهو المنسوب للشيخ ابن ادريس، ولكن يبدو أن الموجود في السرائر أنه لا يقول بعدم الضمان مطلقاً بل في صورة ما إذا كان المجني عليه عاقلاً مكلفاً وأمر الطبيب بفعل شيء ففعله على ما امره به من دون فرق بين أن يأخذ البراءة او لا يأخذها، بينما التزم بالضمان لو كان المجني عليه غير بالغ او مجنوناً مع عدم أخذ البراءة والا فلا ضمان

فالشيخ ابن ادريس يرى عدم ضمان الطبيب في ما لو كان المجني عليه عاقلاً مكلفاً وأمر الطبيب بعلاجه ففعل الطبيب ما أمره به فالطبيب هنا لا يكون ضامناً لو اتفق الموت حتى اذا لم ياخذ البراءة

الثاني: الضمان مع عدم اخذ البراءة وهو المعروف والمشهور ، وهذا القول مطلق وشامل لما اذا كان المجني عليه بالغاً او لا، وعاقلاً او لا

اما القول الاول المنسوب لابن ادريس فقد استدل له بادلة:

الاول: ما ذكره من أصالة براءة الذمة عن ضمان ما يتلف بعلاجه

الثاني: ما ذكره من أن الضمان يسقط بالاذن وهو مفروض في هذه الصورة، كالإذن بالتصرف في الاموال الذي قد يترتب عليه التلف احياناً فانه لا يكون موجباً للضمان

الثالث: أنه فعل سائغ شرعاً، فبعد فرض إذن من يعتبر اذنه في العلاج يكون فعلاً ماذوناً فيه شرعاً فلا يكون مستتبعاً للضمان

الرابع: إن الحكم بالضمان في محل الكلام يؤدي الى امتناع الاطباء عن العلاج

ويمكن أن يلاحظ على هذه الادلة: بأن البراءة لا تصل النوبة اليها مع وجود دليل على الضمان، نعم يمكن هذا على مسلك ابن ادريس الذي لا يعمل باخبار الاحاد

كما أن إذن المريض تعلق بالعلاج والذي يوجب الضمان هو الاتلاف وهو غير ماذون به، نعم هو لم يقع بقصد من الطبيب ولكن هذا لا يعني إذن المريض في الاتلاف

وأما ما استدل به ثالثاً فجوابه ما تقدم من أن جواز الفعل شرعاً لا ينافي الحكم بالضمان لو استتبع الفعل التلف كما قلنا في مسألة تأديب المرأة والصبي

وأما الدليل الرابع فإن المحذور المذكور ليس بلازم لو قلنا بعدم الضمان في صورة أخذ البراءة من المريض أو من وليه، نعم لو قلنا بالضمان حتى في صورة أخذ البراءة فيوجد مجال لأن يقال بأن الحكم بالضمان يؤدي الى إمتناع الاطباء عن العلاج، فالحكم بالضمان المقيد بعدم أخذ البراءة لا يؤدي الى إمتناع الاطباء عن معالجة المرضى، ومن جهة اخرى يمكن أن يقال بأن الغالب في العلاج أنه لا يؤدي الى التلف فإن ترتب التلف على العلاج لعله يكون في حالات نادرة فهناك حالات نادرة يكون فيها احتمال التلف مساوي لإحتمال عدمه او لعله يكون اكبر ففي هذه الحالات النادرة يمكن أن يقال بأن الحكم بالضمان يؤدي الى امتناع الاطباء عن القيام بهذا العلاج، ولكن هناك حالات كثيرة يحصل اطمئنان بعدم التلف

وعلى كل حال فالأدلة ليست ناهضة لإثبات هذا القول

واما القول الثاني الذي ذهب اليه المشهور فاستدل له بأمور:

الاول: الاستناد الى قاعدة أن الضمان على المتلف بعد الفراغ عن صدق المتلف على الطبيب باعتبار أن التلف ترتب على علاجه

الثاني: معتبرة السكوني ، «عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه ، وإلا فهو له ضامن»[6]

ومقتضى اطلاقها شمولها لكل الصور السابقة من القاصر والمقصر وغيرهما وصورة أخذ الاذن وعدمه، ومن هنا يظهر الدليل على ما اتفق عليه الفقهاء من الحكم بالضمان في الصور السابقة

الثالث: معتبرة السكوني الاخرى، «عن جعفر ، عن أبيه ، أن عليا عليه‌السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام»[7] والاستدلال بها باعتبار انها تحكم بالضمان في ما اذا ادى ما يقوم به الختّان الى تلف، نعم هي مطلقة من حيث اخذ البراءة وعدمها


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo