< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٢ لو غصب مكاناً من المسجد

 

قلنا لتحقيق هذه المسألة لابد من التكلم في بعض الأمور:-

 

الأمر الأول: وهو مسألة الملازمة بين سقوط المالية والخروج عن الملكية المذكورة في كلماتهم، وبيّنا المقصود منها في الدرس السابق.

 

الأمر الثاني: أنه على تقدير الملازمة والخروج عن الملك عند التلف وسقوط المالية وأن المالك لا يبقى له في العين التالفة إلا حق الإختصاص، يقع الكلام فيما طرحه السيد الخوئي (قده) من أنه هل يترتب على هذا الحق عدم جواز التصرف إلا مع الإذن أو عدم جواز المزاحمة فقط؟

وبعبارة أخرى هل حق الإختصاص مثل الملك فكما أنه لا يجوز التصرف في متعلق الملك من دون إذن المالك كذلك لا يجوز التصرف في متعلق حق الإختصاص إذا لم يأذن صاحب الحق، أو أنه يختلف عن الملك وأن عدمَ جواز التصرف إلا بالإذن مختصٌ بالملك، أما متعلق حق الإختصاص فيجوز التصرف فيه، نعم إذا استفاد صاحب الحق من الشيء لا تجوز مزاحمته؟

الثاني هو مختار السيد الخوئي (قده)، وبناءً عليه يمكن تخريج جواز الجلوس في مسألتنا وبالتالي صحة الإعتكاف، بإعتبار أن السمنت الذي لا يمكن إزالته تلف على صاحبه فيخرج عن ملكه، نعم يبقى له حق الإختصاص الذي لا يترتب عليه عدم جواز التصرف، وإنما يترتب عليه عدم جواز المزاحمة، فإذا لم تكن هناك مزاحمة يجوز التصرف فيه بلا حاجة إلى الإستئذان فيصح الإعتكاف.

 

الأمر الثالث: أنه على تقدير عدم الملازمة (أي عدم الخروج عن الملك بالتلف عند سقوط المالية) هنا لأجل تخريج جواز الجلوس والإعتكاف بالرغم من بقاء العين المغصوبة على ملك مالكها -كما هو المفروض- تطرح مسألة المعاوضة القهرية، بإعتبار أن الغاصب المتلف إذا دفع البدل -القيمة مثلاً- إلى المالك تخرج العين التالفة عن ملك المالك وتنتقل إلى ملك الضامن بمعاوضة شرعية قهرية، فإذا ملك الغاصب العينَ التالف يجوز له الجلوس عليه ويجوز لغيره أيضاً أن يجلس عليه إذا أذن له الغاصب، فلابد من النظر في أنه هل تحصل معاوضة قهرية في المقام أو لا؟

 

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأول فنقول أن الظاهر عدم ثبوت الملازمة بين سقوط الشيء عن المالية وبين خروجه عن الملك لما تقدم من وجود فرق بين المالية والملكية، فإن المالية متقومة بالإنتفاع من الشيء والإستفادة منه، ولأجل هذا يدفعون العقلاء بإزائه العوضَ، لكن الملكية ليست هكذا لأنها تنتزع عن السلطنة وعن كون أمر الشيء بيد الشخص وعن وجود إضافة بين المالك والعين، وهذا غير متقوم بالإنتفاع والإستفادة من الشيء، فلو سقط عن قابلية الإنتفاع يبقى على ملك مالكه. وهذا الكلام نقوله بعد عدم تمامية ما إستدل به على الملازمة، فإن ما إستدل به عليها عبارة عن وجوه:-

 

أولها: وقد تقدمت الإشارة إليه وهو أن الملكية أمر إعتباري، والإعتبار إنما يكون بلحاظ الأثر ومع عدمه يكون لغواً، وهذا يطبق على مورد الكلام فيقال إعتبار الملكية لما لا مالية له لا أثر له فيلغو إعتبار الملكية له، وهذا معناه أنه في مورد سقوط الشيء عن المالية لا إعتبار للملكية.

ويلاحظ عليه أن الملكية غير متقومة بالانتفاع بالشيء والإستفادة منه حتى يقال أنه إذا سقط الشيء عن قابلية الإنتفاع فيلغو إعتبارها، بل هي متقومة بما تقدم من السلطنة، ويكفي لمعقولية إعتبار الملكية بمعنى السلطنة ترتب حرمة التصرف في ذلك الشيء أو حرمة مزاحمته في ذلك الشيء إذا أراد المالك الإستفادة منه، فلا يكون إعتبارها لغواً، بل يمكن الحصول على آثار من هذا القبيل لإثبات معقولية إعتبار الملكية في مورد سقوط الشيء عن المالية.

هذا مضافاً إلى أن الملكية في المقام ليست ملكية إبتدائية، بل هي ملكية إستمرارية أي منذ أن كانت للعين مالية. فالكلام أنه بزوال المالية هل يزول هذا الإعتبار أو لا؟ وهذا أهون من القول بالملكية الإبتدائية التي قد يقال من المستحيل إعتبارها لما لا مالية له، وعليه فعدم وجود مانع من القول بالملكية عند زوال المالية يكون أوضح في الملكية الإستمرارية منه في الملكية الإبتدائية التي ليست محل بحثنا.

 

ثانيها: ما عثرنا عليه في بعض الكلمات من أن الأمر الشرعي للغاصب بدفع البدل للمالك يفهم منه عرفاً حصول المعاوضة بين البدل والمبدل وصيرورة كل منهما ملكاً للآخر، وإذا انتقل التالف إلى ملك الغاصب هذا معناه خروجه عن ملك المالك، فسقوط الشيء عن المالية بالتلف إستلزم خروج العين التالفة عن الملكية ودخولها في ملك الضامن المتلف الغاصب.

وفيه: أن هذا الدليل خارج عن كلامنا، لأن كلامنا أنه في حالة التلف هل يخرج التالف عن ملك المالك أو لا؟ ولا نتكلم في أن دخول البدل في ملك المالك يستوجب خروج المبدل عن ملكه ودخوله في ملك الغاصب؛ مضافاً إلى أن مسألة المعاوضة وإنتقال الملك لا يكفي فيه الأمر الشرعي، بل الذي يحقق المعاوضة هو دفع العوض إلى المالك؛ مع أنه إذا سلمنا بوجود معاوضة قهرية فهي مبنية على ما نقوله من أن سقوط الشيء عن المالية لا يلازم خروجه عن الملكية، لأن المعاوضة تستلزم خروج البدل عن ملك المالك ودخوله في ملك الأخر إذا استلم المالك البدل، وعليه فالمعاوضة القهرية لاربط لها بمحل الكلام، فلو أن الغاصب لم يدفع البدل فلا تذهب العين للضامن لعدم تحقق المعاوضة، وهذا معناه أن المال التالف لا يخرج عن ملكية صاحبه.

 

ثالثها: يشبه الوجه الثاني ولكن نذكره لوروده في بعض الكلمات من أن هذا هو مقتضى التدارك لأن الشارع حينما حكم بتدارك ملكية التالف فيفهم من هذا أنه لا مناص من أن التالف يخرج عن ملك المالك ويدخل في ملك الضامن.

والجواب عنه: أن الخروج عن ملك المالك على تقدير تسليمه لا يكون بمجرد أمر الشارع بالتدارك، وإنما يكون بالتدارك الخارجي، وهذا كما هو واضح يعني الإعتراف بأن التالف يبقى على ملك المالك بعد التلف وقبل التدارك الخارجي.

 

ومن هنا يتبين أن الظاهر من الأمر الأول هو أن السقوط عن المالية لا يستلزم الخروج عن الملكية، فالتالف باقٍ على ملك المالك، ولكن هل ينتقل الى ملك الضامن بمعاوضة قهرية أولا؟ إذا قلنا بالإنتقال يمكن تخريج جواز الجلوس وتصحيح الإعتكاف في محل الكلام، وأما إذا لم ينتقل عن ملك المالك وإن استلم البدل فحينئذٍ لا يجوز الجلوس والإعتكاف في المكان.

 

وأما حكم المسألة فقد ذهب جماعة ومنهم صاحب الجواهر (قده) بتحقق المعاوضة بدفع بدل التالف، وإعتبره أمراً مفروغاً عنه في كلمات الأصحاب الظاهرة أو الصريحة، حيث قال: بأن المؤدى عن المضمون -الذي هو بدل- عوضٌ شرعيٌ عنه؛ وهذا معناه خروج التالف عن ملكه ودخوله في ملك الغاصب.

لكن ذهب جماعة من الفقهاء كالمحقق والشهيد الثانيين إلى خلاف ذلك وقالوا أن دفع البدل إلى المالك لا يخرج المبدلَ عن ملك مالكه، وذكروا ذلك في مسألة من خاط ثوبه بخيوط مغصوبة -ويجب حينئذٍ إخراج الخيوط المغصوبة وإن تلف الثوب بذلك- حيث قالوا لو لم تبقَ لها (الخيوط المغصوبة بعد إخراجها من الثوب) قيمة لتلفها غرم الغاصب جميع القيمة، ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك؛ وأضاف في المسالك أنه يجمع بين العين والقيمة. وهذا إشارة إلى أنه لا محذور من إجتماع العوض والمعوض عند شخص.

 

الآن لابد من مراجعة الأدلة التي يستدل بها على الإنتقال القهري إلى الضامن[1] ، وهي عديدة[2] :-

 

الدليل الأول: أن يدعى أن الأمر بدفع البدل يفهم منه حصول المعاوضة القهرية.

وفيه: إن ما ذكر ليس متعيّناً لإحتمال أن يكون الدفع من باب الغرامة التي هي ليست من باب المعاوضة، إذ الغاصب أورد نقصاً على عين المالك فيغرم قيمتها كما هو الحال فيما إذا أحدث عيباً فيها.

 

الدليل الثاني: الأمر بالتدارك يفهم منه المعاوضة، بمعنى أن ما يدفعه يكون في مقابل العين التالفة، وهذا يقتضي خروج العين التافة عن ملك المالك ودخولها في ملك الضامن.

وفيه: أن ما يدفعه يكون تداركاً للنقص أو التلف الحاصلين في العين، لا أنه يكون من التدارك الذي يستلزم حصول المعاوضة بين البدل والمبدل.

 

الدليل الثالث: ما أشار إليه في الجواهر من أن نفس ملك المالك للبدل عندما يدفع له ذلك يقتضي خروج المبدل عن ملكه ودخوله في ملك من خرج من البدل، وإلا لزم الجمع بين العوض والمعوض، بين البدل والمبدل عند شخص واحد وهو محذور.

وفيه: ما تقدم من أن الأمر بدفع القيمة لم يرد بعنوان البدلية حتى تأتي شبهة الجمع بين البدل والمبدل عند واحد، ومع التنزل عن ذلك (بأن نقول أن دفع القيمة يكون من باب البدل) يمكن إفتراض أنه يكون بدلاً عن النقص الحاصل في العين التالفة وبالتالي لا يستلزم المعاوضة، لا أنه يكون بدلاً عن العين التالفة نفسها حتى يكون لازمه خروجها عن ملك المالك ودخولها في ملك الضامن.

 

على كل حال إثبات ما ذكروه بدليل إلى هنا غير واضح، فإن كان هناك إجماع فهو، وإلا فالمسألة مشكلة.


[1] هذا هو تفصيل الكلام عن أمر الثالث المتقدم.
[2] ذكرنا بعض هذه الأدلة في الأمر السابق، والصحيح أن تذكر ههنا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo