< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٤ في نذر الإعتكاف

(مسألة ١٤): لو نذر الإعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع سواء شرطه لفظاً أو كان المنساق منه ذلك فأخل بيوم أو أزيد بطل وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً وإستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه، وإن كان معيناً وقد أخل بيوم أو أزيد وجب قضاؤه، والأحوط التتابع فيه ايضاً، وإن بقي شئ من ذلك الزمان المعين بعد الإبطال بالإخلال فالأحوط ابتداء القضاء منه .

بالنسبة إلى قوله (قده) (سواء شرطه لفظاً أو كان المنساق منه ذلك فأخل بيوم أو أزيد بطل) نقول إنّ للفقهاء اصطلاحاً في إشتراط التتابع، فانه تارة يشترط المعتكف التتابع لفظاً، وأخرى يشترطه معنى. أما الإشتراط لفظاً فواضح، وأما الإشتراط معنى فمقصودهم منه أن التتابع يكون مدلولاً إلتزامياً لتعيين الوقت في النذر، كما لو نذر أن يعتكف في العشر الأواخر من شهر رجب، فإن نفس تعيين المنذور بالعشر الأواخر من شهر رجب يستلزم التتابع، لأن العشر الأواخر هي بنفسها متتابعة.

أما بطلان الإعتكاف في الفرع الأول من المسألة -وهو ما لو نذر إعتكاف أيام غير معينة، كما هو مقتضى المقابلة مع الفرع الثاني- فيكون على القاعدة، بإعتبار أنه نذر أن يعتكف شهراً على وجه التتابع، وهو لم يأتِ به، وحينئد يجب عليه أن يستأنف بأن يعتكف شهراً على نحو التتابع حتى يفي بنذره.

أما الفرع الثاني منها -وهو ما لو نذر إعتكاف أيام معينة وأخل بيوم أو أزيد- فنقول أنّ هذه المسالة عامة وتجري في باب الصوم أيضاً -كما لو نذر أن يصوم شهر رجب وأخل به-، ولنفترض أن الإخلال كان عن عذر، فحينئذ هل يجب عليه قضاؤه أو لا؟ جزم السيد الماتن (قده) بوجوب القضاء عليه، ثم تكلم عن جهتين اخريين مرتبطتين بكيفية القضاء، وهما:-

الجهة الأولى: وهي أنه هل يجب عليه قضاء جميع المنذور، أي ما أخل به وما قبله وما بعده، فيجب عليه قضاء شهر؟

أو يجب عليه قضاء خصوص ما أخل به، ففي فرض ما إذا إعتكف عشرة أيام متتابعة وأخل باليوم الحادي عشر يجب عليه قضاء اليوم الذي أخل به فقط وهو اليوم الحادي عشر؟

أو يفصل بين ما إذا اشترط التتابع لفظاً وبين ما إذا إشترطه معنى؟ والأول يستلزم وجوب قضاء الجميع فيلتزم به، وبعبارة أكثر وضوحاً هذا يستلزم بطلان جميع ما أتى به، فعليه أن يقضي الجميع، وفي الثاني لا يجب عليه إلا قضاء ما أخل به، لأن هذا الإخلال لا يستلزم بطلان الجميع، فيصح ما جاء به ويقضي ما أخل به.

إحتمالات بل أقوال ذهب إلى كل واحد منها جماعة. أما الإحتمال الأول فهو المحكي عن الشيخ في المبسوط، ونسب إلى صريح الشهيد الأول في الدروس كما في الجواهر. أما الإحتمال الثاني فقد حكي عن العلامة في المختلف، وإختاره الشهيد في المسالك وصاحب المدارك. والإحتمال الثالث هو ظاهر المحقق في الشرائع، وهو المستظهر لدى من تعرض لعبارته.

أما الإحتمال الأول -وهو وجوب قضاء الجميع بلا تفصيل- فيستدل له بأنّ الناذر لم يأتِ بالمأمور به على أساس النذر، فالنذر في الفرض أوجب عليه أن يصوم شهر رجب على نحو التتابع والمطلوب منه على أساس النذر التتابع في الجميع، وهذا نستفيده من إعتبار الناذر ذلك في صيغة نذره -سواء أكان لفظاً أو معنى-، وعليه فالتتابع في البعض لا يحقق المنذور، فيبقى المنذور على حاله من غير إمتثال، فيجب عليه قضاء المنذور بأن يعتكف شهراً على نحو التتابع، ويعبر عنه بالقضاء بإعتبار أنّه إتيان بالفعل في غير وقته الذي نذره، وهذا الإحتمال يمكن توجيهه بأن الإعتكاف في هذا الشهر يكون من قبيل الواجبات المركبة الإرتباطية التي يتعلّق بها وجوب واحد، وهو يتعلق بالمجموع، وله عصيان واحد وإمتثال واحد، فالإخلال بجزء منه يكون إخلالاً بالجميع، وهذا الكلام لا يجري في الواجبات غير الإرتباطية من قبيل صوم شهر رمضان الذي هو عبارة عن واجبات متعددة جمعت في أمر واحد صوري.

والإحتمال الثاني - وهو الذي إختاره العلامة والشهيد الثاني وصاحب المدارك، وهو عدم وجوب قضاء الجميع عليه، بل يقضي ما أخلّ به فقط، أما الأيام السابقة على يوم الإخلال فلا يجب فيها القضاء- فأستدل له بأنّ الأيام التي إعتكفها متتابعة -وهي العشرة الأولى على فرض، وكان يوم الإخلال في اليوم الحادي عشر- وقعت على الوجه المأمور به فيخرج بها عن العهدة ولا يجب عليه إستئنافها، وإنما يجب عليه إستئناف ما أخل به ولا يجب عليه شيءٌ أزيد من ذلك.

والإحتمال الثالث -وهو التفصيل المتقدم بين الإشتراط اللفظي للتتابع والإشتراط المعنوي له فيجب القضاء في الأول دون الثاني- فيفهم من كلماتهم الإستدلال عليه بأنّ الإشتراط اللفظي للتتابع في النذر يجعل التتابع في المنذور من قبيل التتابع في ثلاثة أيام الإعتكاف، أو التتابع في صوم الكفارات مع قطع النظر عن الدليل الدال على كفاية صوم شهر ويوم واحد من الشهر الذي يليه، ففي الشهر الأول الإخلال بالتتابع يبطل الجميع. بينما إذا كان الإشتراط معنوياً -لا لفظياً- كما في مورد كلامنا حيث أن الإشتراط مفروض في نفس إفتراض تعيين وقت الإعتكاف المنذور، ففي هذه الحالة يجعل التتابع من قبيل التتابع المعتبر في شهر رمضان فالإخلال في يوم لا يوجب بطلان الجميع.

قال المحقق في الشرائع: (ولو نذر إعتكاف أيام معينة، ثم خرج قبل إكمالها يبطل الجميع إن شرط التتابع، ويستأنف) [1] وقد فهم الشهيد وصاحب المدارك وصاحب الجواهر من عبارته التفصيل وهو الإحتمال الثالث، إذ المستظهر من قوله (إن شرط التتابع) هو إشتراطه لفظاً، لأن إشتراطه معنى موجود في الفرض، حيث إن نذر إعتكاف أيام معينة يتضمن التتابع معنى. ومفهوم عبارته هو أنه إن لم يشترط التتابع لفظاً فلا يبطل الجميع، وبالتالي لا يجب عليه قضاء الجميع، وعدم إشتراط التتابع لفظاً يعني إشتراطه معنى.

وقال الشيخ صاحب الجواهر في تعليقته على عبارة المحقق: (نعم ظاهره إعتبار إشتراط التتابع لفظاً، وعدم الإكتفاء عن ذلك بتعين الأيام الذي يلزمه التتابع كما هو صريح الدروس، وهو كذلك، ضرورة كون التتابع فيه[2] كالتتابع في صوم شهر رمضان لا يفسد ما سبق، ولا ينافي ما يأتي، وإنما يجب قضاؤه نفسه)[3] .

ولعلّ هذا التفصيل ناشئ من ملاحظة أن الموارد التي يكون الإخلال فيها بيوم موجباً لبطلان الجميع كان التتابع فيها مشروطاً باللفظ، كما هو الحال في صوم الكفارات والتتابع فيه (صوم الكفارات) مشروط باللفظ في دليل وجوبها كعبارة (شهرين متتابعين) وأمثالها، وملاحظة الموارد التي لا يكون الإخلال فيها كذلك (أي لا يوجب بطلان الجميع)، وأن هذه الموارد لا يوجد فيه إشتراط التتابع لفظاً، كما في صوم شهر رمضان، فإن الإخلال بيوم واحد فيه لا يوجب بطلان الجميع، والتتابع معتبر في صوم شهر رمضان بلا إشكال، وهو يكون مشترطاً فيه معنى، لأن الواجب هو صوم أيام معينة التي يكون لازمها هو التتابع.


[2] أي في تعين الأيام الذي يلزمه التتابع.(أي في صورة إشتراط التتابع معنى).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo