< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٥ قطع الإعتكاف

كان الكلام في جواز قطع الإعتكاف المندوب في اليومين الأولين وذكرنا بأنهم إختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال، وكان القول الأول هو صيرورة الإعتكاف واجباً بمجرد الشروع فيه، فيجب عليه إتمامه ولا يجوز له قطعه، وذكرنا الأدلة المستدل بها عليه التي

كان أولها التمسك بالآية الشريفة ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[1] وأجبنا عنه أولاً بأن الآية ظاهرة في حرمة الإبطال بعد إتمام العمل، وثانياً بأنه لو سلم دلالتها على حرمة إبطال العمل في الأثناء فيلزم منه تخصيص الأكثر، وذلك لأنه يجوز إبطال جميع المستحبات إلا في موارد نادرة، ونضيف أن هذا المحذور يلزم حتى بلحاظ الواجبات، اذ يجوز إبطال جميع الواجبات -كالقضاء الواجب والواجبات غير المعينة الموسعة- إلا الواجبات المعينة كالصلاة والحج.

وكان ثانيها التمسك بإطلاق ما دل على وجوب الكفارة بالجماع قبل تمام الأيام الثلاثة الذي يشمل بإطلاقه اليومين الأولين، وهذا يدل على حرمة الإبطال، إذ لا معنى للكفارة على فعل مباح، ومعنى حرمة الإبطال أن إتمام الإعتكاف واجب ولا يجوز فسخه.

وأجبنا عنه أولاً بإنكار الملازمة بين الكفارة والتحريم، لأنها قد تثبت حتى في الموارد التي لا توجد فيها حرمة كتروك الإحرام إذا صدر من المحرم إضطراراً أو نسياناً ما يحرم فعله حال الإحرام. ويوجد لنا كلام سابق حول هذه القضية -لم نذكره في الدرس السابق- وهو أننا لم نكن نقبل بهذه الملازمة سابقاً، وفي المقام نقول أن المستدل يقول أن الدليل الدال على ثبوت الكفارة بالجماع يدل بالدلالة الإلتزامية على الحرمة، وليس مقصوده الدلالة الإلتزامية العقلية حتى يرد عليه ما ذكرناه من ثبوت مورد فيه كفارة من دون ثبوت حرمة الفعل، بل المقصود الدلالة الإلتزامية العرفية بين ثبوت الكفارة وبين ثبوت التحريم وهذا يمكن إستفادته من بعض الروايات التي تدل على أن الغرض من تشريع الكفارة هو التأديب على ما يصدر من العبد من المخالفة فهي أشبه بالعقوبات التأديبية، وهذا يستلزم التحريم ولا ينافيه عدم ثبوت الحرمة في مورد أو أكثر، والفهم العرفي يساعد على هذه الملازمة، فلا يبعد أن تكون ثابتة في محل الكلام. وثانياً بما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن غاية ما يلزم هو حرمة الإبطال بالجماع الذي وردت فيه الكفارة، لكن لا يثبت به حرمة الإبطال بكل شيء حتى ما لا كفارة فيه كالخروج العمدي الإختياري، فلا ينفعنا ولا يثبت به المقصود.

ويمكن أن يقال أنّ هذا الكلام تام إلا إذا قلنا أن الإبطال إذا كان حراماً بالجماع يكون حراماً بغيره أيضاً، لوجود ملازمة بين حكم أسباب الإبطال وعدم الفرق بين سبب وآخر من حيث الحكم، لأنّ الإبطال إمّا أن يكون حراماً وإمّا أن لا يكون كذلك، فإذا لم يكن حراماً لم يكن كذلك حتى في الجماع، وإذا كان حراماً كان كذلك في غير الجماع، والنكتة في ذلك هو أنّ ثبوت الكفارة على الجماع في الإعتكاف تكون على أساس أنه يوجب إبطال الإعتكاف.

وثالثاً بأنه لو تنزلنا وسلمنا بوجود ملازمة بين الكفارة والحرمة وسلمنا أيضاً أنّ هذا يثبت حرمة إبطال الإعتكاف حتى بغير الجماع، فغاية ما يثبت بذلك هو أنّ حرمة الإبطال في اليومين الأول والثاني تثبت بالإطلاق، وهذه الحرمة تدل على وجوب إتمام العمل فيهما، فيمكن أن نقيّد هذا الإطلاق بالروايات الصريحة في جواز فسخ الإعتكاف في اليومين الأول والثاني، والتي نسبتها إلى الإطلاق كنسبة الخاص إلى العام فتقيده وتكون النتيجة أن ما دل على الحرمة والتكفير يختص باليوم الثالث. والمقصود بالتقييد حقيقة هو تقييد الملازمة، فالتقييد يكون بمعنى أنّ الملازمة بين الكفارة والحرمة التي تنزلنا وسلمنا بوجودها لا تكون مطلقة، فلا تثبت في جميع الأيام وإنما تثبت في خصوص اليوم الثالث، فيبقى الدليل الدال على ثبوت الكفارة على إطلاقه فيشمل جميع الأيام لكن لا ملازمة بين ثبوت الكفارة في اليومين الأولين وحرمة الإبطال فيهما، وهذا ليس بغريب فقد ذكروا أنه في عدة موارد ثبتت الكفارة مع عدم ثبوت الحرمة، وعليه فليكن موردنا من هذا القبيل أيضاً، فنلتزم بإطلاق دليل الكفارة ولكن لا نلتزم بثبوت الحرمة لقيام دليل صريح ومعتبر يدل على جواز الإبطال، فإذا كان هذا هو معنى التقييد فلا يلزم من هذا الجواب ما ذكره البعض من لزوم حمل الأدلة الدالة على الكفارة بالجماع -وهي كثيرة ولا تتعرض للتفصيل بين اليومين الأولين وبين اليوم الثالث- على خصوص اليوم الثالث وهذا أمر بعيد جداً، فهذا الإشكال لا يرد على التقريب الذي ذكرناه لبقاء الدليل الدال على ثبوت الكفارة بالجماع على إطلاقه فتثبت في جميع الأيام الثلاثة، لكن هذه الكفارة في خصوص اليومين الأول والثاني لا تلازم التحريم لوجود روايتين صحيحتين تدلان على جواز الإبطال فيهما، والملازمة ليست عقلية لكي لا تقبل التخصيص بل عرفية قابلة للتخصيص، وبناءاً على هذا الكلام نقول أن المعتكف إذا لم يبطل إعتكافه وجامع فتجب عليه الكفارة لتحقق موضوعها وهو جماع المعتكف، وأما إذا أبطل إعتكافه ثم جامع فلا تجب عليه الكفارة.

وهناك دليل ثالث للقول الأول لم نذكره في الدرس السابق وهو التمسك بروايات وردت في الباب الحادي عشر من أبواب الإعتكاف من الوسائل تدل على وجوب القضاء على المريض والحائض المعتكفة[2] ، فالمرأة المعتكفة إذا جاءها الحيض فيجب أن تخرج من المسجد إلى أن تطهر في بيتها ثم تعود وتقضي الإعتكاف، وفي معظم الروايات وردت عبارة القضاء -كقوله (عليه السلام) في المعتكفة إذا طمثت (ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها)- وفي بعضها ورد تعود وتأتي بالإعتكاف -كقوله (عليه السلام) (إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم)-، والإستدلال يكون بإطلاق هذه الروايات بمعنى أنها مطلقة تشمل حتى اليومين الأولين للإعتكاف، وهذه الروايات فيها دلالة على وجوب قضاء الإعتكاف، لأنّ الإعتكاف إذا لم يكن واجباً فلا معنى لقضائه، لأنّ القضاء إنما يكون إذا فات على الإنسان شيءٌ واجب. فلابد من أن يكون الإعتكاف واجباً -ولو بأن يصبح واجباً بعد الشروع في الإعتكاف المندوب- حتى يصح معنى وجوب القضاء.

ويلاحظ عليه أولاً بأن غاية ما يثبت بهذا الدليل هو وجوب الإعتكاف في اليومين الأول والثاني، لأنه لا معنى لوجوب القضاء على فوات شيء مندوب، وهذا الوجوب لا يلازمه مدعى القول الأول من وجوب إتمام الإعتكاف وحرمة إبطاله، والدليل على عدم وجود هذه الملازمة هو أن بعض الواجبات لا يجب إتمامُه والمضيُ فيه، كالواجبات الموسعة. فما يثبت بهذا الدليل هو وجوب الإعتكاف حتى في اليومين الأولين مع جواز فسخه وإبطاله، وهذا غير القول الأول.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo