< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة٣ التشريك في النيابة

كان الكلام في الإعتكاف المندوب وقلنا بأنه كالإعتكاف الواجب بلحاظ مقتضى القاعدة، بمعنى أن النيابة فيه عن أكثر من واحد خلاف مقتضى القاعدة، بل أصل النيابة على خلاف مقتضى القاعدة ولو كانت القاعدة مستفادة من قوله تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ[1] ،لان مآلها إلى أن شخصاً يأتي بعمل على أن يكون ثوابه لغيره من دون أن يقوم ذلك الشخص بالعمل.

فأصل قبول الإعتكاف المندوب للنيابة خلاف مقتضى القاعدة، ولو سلمنا قبوله للنيابة نقول أن نيابة شخص عن أكثر من واحد أيضاً على خلاف مقتضى القاعدة، فهو كالإعتكاف الواجب، لكن يمكن أن يقال بأنه يتميز عنه بوجود روايات يدعى بأنها دالة على جواز النيابة عن أكثر من واحد فيه (الإعتكاف المندوب)، وهي واردة في أبواب أخرى كالصلاة والطواف.

فلابد من ملاحظة أنها دالة على ذلك في مواردها، فاذا دلت على ذلك يقع الكلام في التعدي منها إلى محل الكلام، وتقدم نقل بعض الروايات ووجه الإستدلال بها، وذكرنا أن السيد الخوئي (قده) ناقش فيها وقال بأن الظاهر من التعابير الواردة فيها مثل (يصلي عنهما ويحج عنهما ويتصدق عنهما) إرادة كل من الأبوين على نحو الإنفراد لا على نحو التشريك، فلا يصح الإستدلال بها في محل الكلام.

ثم ذكر أن المتفاهم العرفي هو ذلك، فإذا قال شخص لك (صلِّ عن والديك) لا يفهم منه التشريك، بل المستفاد منه هو الإنفراد.

يمكن أن يلاحظ على كلامه بأنه حتى إذا سلمنا أن هذه التعابير ظاهرة في الإنفراد لكن نقول أنه يفهم التشريك من ذيل الرواية التي وردت فيها هذه التعابير، فإن الوارد في صحيحة معاوية بن عمار هو (والولد الطيّب يدعو لوالديه بعد موتهما، ويحج ويتصدق ويعتق عنهما، ويصلي ويصوم عنهما، فقلت: أُشركهما في حجتي؟ قال: نعم.)[2]

فإنه حتى لو فهم الراوي من (يحج عنهما و…) الإنفراد الذي مآله إلى مشروعية أصل النيابة -كما يقول به السيد الخوئي (قده)- إلا أنه سأل عن جواز النيابة على نحو التشريك في ذيلها والإمام (عليه السلام) أجابه بالجواز.

إلا أن يقال أن السؤال في ذيل الرواية عن إشراكهما في حجته، وهذا معناه أنه يجعلهما شريكين في حجته، وهو إن لم يكن ظاهراً في مسألة إهداء الثواب فعلى الأقل مسألة إهداء الثواب محتملة فيه إحتمالاً معتداً به بحيث يمنع من الإستدلال بها في المقام، وذلك لأن الظاهر منها أن الحجة هي حجته وإشراكهما في حجته معناه إشراكهما في الثواب لا إشراكهما في النيابة، وعليه لا يكون الذيل قرينة على إرادة الإنفراد من العبارة التي قبلها، لأنه بهذا المعنى ينسجم مع إرادة النيابة عنهما في هذه الأعمال على نحو التشريك كما ينسجم مع النيابة عنهما على نحو الإنفراد، بخلاف ما إذا كان الذيل ناظراً إلى النيابة على نحو التشريك، فإنه يكون قرينة على أن ما قبله ناظر إلى النيابة على نحو الإنفراد.

إذن السيد الخوئي (قده) يقول أن صدر الرواية ظاهر في الإنفراد، والذيل لا يكون قرينة على إرادة التشريك في النيابة من الصدر إذا إستظهرنا من الذيل أو إحتملنا إحتمالاً معتداً به أنه ناظر إلى مسألة التشريك في الثواب،

لكن يمكن أن يقال أن الصدر ظاهر في النيابة على نحو التشريك، وذلك للقرائن التي ذكرت في الروايات الأخرى، والتي تدل على أنّ النيابة على نحو التشريك لا الإنفراد، من قبيل رواية عدة الداعي قال: قال (عليه السلام): ما يمنع أحدكم أن يبر والديه حيين وميتين؟! يصلي عنهما ويتصدق عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله ببره خيراً كثيراً.[3]

فكل ما يصدق عليه أنه صنعه يكون لهما، وهذا أظهر في التشريك لا الإنفراد، وإلا لا يكون كل ما يصدق عليه أنه صنعه وفعله أنه لهما بقول مطلق، وإنما يكون ما يصنعه بحسب نيته، فإذا نوى عن أبيه -مثلاً- فيكون عن أبيه فقط لا عنهما، وعليه فلا يكون عنهما إلا إذا نوى النيابة على نحو التشريك، فكل ما يصدق عليه أنه صنعه ويكون فعلاً واحداً يكون لهما، هذا إذا قلنا أن الرواية ناظرة إلى النيابة.

وكذلك يستدل على جواز التشريك بقوله (عليه السلام) في صحيحة عمر بن يزيد (كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه في كل يوم ركعتين، قلت له…)[4] ، فإنها ظاهرة في التشريك، أي يصلي عنهم على نحو الإنضمام وليس عن كل واحد واحد، لأنه يحتاج إلى مؤونة بيان بأن يقال (يصلي عن كل واحد منهم ركعتين).

وكذا ما يدل على جواز التشريك هو صحيحة عمر بن يزيد الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) نصلي عن الميت؟ فقال: نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خُفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك، قال: فقلت: فاشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال: نعم.[5]

وهذه الرواية ليس فيها المحذور المتقدم في بعض الروايات التي عبرت (أشركهما في حجتي) من أنها ظاهرة في التشريك في الثواب، لأنها ظاهرة في أنه يصلي ركعتين عن رجلين فيشركهما في ركعتين، وإشراك رجلين في ركعتين لا يتصور على نحو الإنفراد. فلابد أن يكون على نحو الإنضمام، وهذا كله بناء على أن الرواية ظاهرة في النيابة.

وقد يستدل لجواز التشريك في النيابة بما ورد من جواز التشريك بين إثنين أو أكثر في الحجة المندوبة، وهي روايات كثيرة جمعها صاحب الوسائل في الباب (٢٨) من أبواب النيابة في الحج، وهي دالة بشكل صريح على عدم وجود مانع في التشريك في حجك ما تشاء من العدد حتى لو كانوا ألفاً، ويكون لكل واحد حجة ولك أيضاً حجة، والروايات وردت بألسنة مختلفة ومتعددة، لكن كلها تعبر بالإشراك في حجته، فتكون حالها حال صحيحة معاوية بن عمار، أي أن الحج له ويريد إشراك غيره في حجته، وهذه قلنا لها ظهور في مسألة التشريك في الثواب فيكون العمل عن نفسه بالأصالة ولكن يريد إشراك الغير في الثواب، وعليه فالإستدلال بها على تشريك الغير في النيابة غير واضح، فهي أساساً غير ناظرة إلى مسألة النيابة، لأن ما يصدر من الإنسان أصالة عن نفسه لا يقبل النيابة، فلا يصح جعل هذه الروايات من أدلة النيابة بل هي ظاهرة في إهداء الثواب، والله عزوجل يعطي الثواب للعامل ولكل ممن نوى العمل عنه أيضاً.

فهذه هي الروايات التي تذكر للإستدلال على جواز التشريك في النيابة.

ولكن قد يستشكل -كما ذكر البعض- في دلالة هذه الروايات على جواز التشريك في النيابة بأنها مسوقة لبيان أصل مشروعية النيابة، وليست مسوقة لبيان النيابة وتفاصيل هذه النيابة وأنها تقع عن أكثر من واحد أو لا تقع كذلك. وهذا الإشكال يمنع من الإستدلال بهذه الروايات لإثبات جواز التشريك في النيابة في عمل واحد.

وفيه أن هذا الإشكال قد يصح في مثل رواية محمد بن مروان المتقدمة[6] التي ورد فيها (ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما ....)[7] ، حيث يمكن أن يقال أنها ناظرة إلى أصل مشروعية النيابة، لأن الإمام (عليه السلام) في مقام حث الولد بأن يصوم ويصلي ويحج لوالديه، لا أنه في مقام بيان كيفية حصول النيابة وأنها تكون على نحو الإنضمام أو الإنفراد، لكنه لا يصح في باقي الروايات التي ليست في مقام الحث وأصل مشروعية النيابة، كصحيحة عمر بن يزيد الأولى المتقدمة التي ورد فيها (كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه في كل يوم ركعتين)، فإنها تصرح بالتشريك في النيابة على نحو الإنضمام؛ ورواية عدة الداعي -وإن كانت ضعيفة السند-، إذ ورد فيها (فيكون الذي صنع لهما)، فالفعل الذي يأتي به -وإن كان واحداً- يكون لهما على نحو الإنضمام، فكل فعل يصدر منه يكون هكذا؛ وصحيحة عمر بن يزيد الثانية التي ورد فيها (فقلت: فأُشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال: نعم)، وتقدم أن الإشراك بين رجلين في ركعتين لا يتصور على نحو الإنفراد، نعم يتصور الإنفراد فيما إذا أتى بصلاتين، تكون الأولى لأحدهما والثانية للآخر.

فمن هنا يظهر -والله العالم- أنه يمكن الإكتفاء بهذه الأدلة لإثبات مشروعية التشريك في النيابة في المستحبات.

وهل يمكن التعدي إلى الإعتكاف الذي هو محل كلامنا؟ نقول أنه بناء على ما أسسناه من القاعدة يكون التعدي مشكلاً، لأن القاعدة الأولية هي عدم جواز التشريك، إذ أصل النيابة على خلاف القاعدة، ونيابة شخص عن أكثر من واحد أيضاً على خلافها، والدليل الذي نخرج به عنها قد دل على جواز التشريك في الصلاة والصوم وأمثالهما، ولم يدل دليل على جوازه في الإعتكاف، فحينئذ ينبغي أن يقال لا دليل على جواز التشريك في الإعتكاف.


[6] ذكرناها في الدرس السابق وقلنا يبدو عدم تمامية سندها، لكن الآن نقول الظاهر -بعد المراجعة- هو ذلك (أي أنها غير تامة سنداً).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo