< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

رجوع إلى مسألة إعتبار إذن الزوج في إعتكاف الزوجة

قلنا في الدرس السابق أن في صورة منافاة إعتكاف الزوجة لحق الزوج في الإستمتاع لا نحتاج إلى دليل يثبت بطلان إعتكافها، من قبيل حرمة خروجها من بيتها من دون إذنه الذي تمسك به السيدان الحكيم والخوئي (قده)، بل نفس منافاة الإعتكاف لحق الإستمتاع بوحدها تكفي في إثبات حرمة الإعتكاف، لأنه يكون تضييعاً لحقه، والمستفاد من الأدلة هو أنه يجب على الزوجة إزالة الموانع والمنفرات للممارسة حق الزوج من الإستمتاع بحيث إذا لم تزلها تكون ناشزة.

فيظهر مما سبق أن إعتكافها في الصورة المذكورة لا يصح إلّا بإذنه، بقطع النظر عن الأدلة التي تحرم عليها الخروج من بيتها، يعني حتى لو قلنا بجواز خروجها من بيتها من دون إذنه فمع ذلك صحة إعتكافها متوقفة على إذنه، وذلك لمنافاة نفس الإعتكاف لحقه فيكون مبغوضاً ومحرماً فيبطل.

نعم، إذا فرضنا عدم منافاة إعتكافها لحق الزوج في الإستمتاع كما إذا كان في السفر فحينئذ يأتي ما ذكره العلمان، فإن قلنا بحرمة خروجها من البيت من دون إذنه مطلقاً -حتى وإن لم يكن خروجها منافياً لحقه في الإستمتاع- فيبطل إعتكافها من دون إذنه، لأن الإعتكاف مكث خارج البيت، والمستفاد من تلك الأدلة هو حرمة مكثها وكونها خارج البيت من دون إذنه لا مجرد وضع قدمها خارج البيت؛ أما إذا لم نقل بها بإعتبار عدم وجود دليل يدل على وجوب إطاعة الزوجة للزوج في غير ما يرجع إلى حقوقه خصوصاً حق الإستمتاع فحينئذ يصح إعتكافها من دون إذنه، بل يصح مع نهيه.

لكن الدليل الذي يستدل به على حرمة خروجها من البيت من دون إذنه يكون قاصراً عن إثبات هذه الحرمة، وهو معتبرة السكوني

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع.[1]

الرواية معتبرة سنداً ولكن دلالتها على حرمة الخروج غير واضحة، بإعتبار أن الموجود في الرواية هو أن خروج المرأة من بيتها بغير إذنه يترتب عليه سقوط حق النفقة عنها، وهذا لا يفهم منه الحرمة التكليفية فلا يحرم على المرأة فعل شيء يوجب سقوط النفقة عنها، فلا توجد فيها دلالة واضحة على الحرمة التكليفية التي تحتاج إلى لسان آخر غير اللسان الموجود فيها كأن يكون الدليل بلسان (عليها لعنة الله) أو (تستحق العذاب) وما شاكل ذلك من الألسنة التي تكون ظاهرة في التحريم.

ولو تنزلنا وقلنا أن الرواية فيها دلالة على التحريم إلا أنه لا إطلاق فيها يشمل صورة ما إذا لم يكن خروجها منافياً لحق الإستمتاع، فالمتيقن منها هو خروجها في صورة منافاته لذلك الحق ولو بقرينة سقوط حق النفقة عليها، لأن الذي يفهم من الأدلة أن الزوجة تستحق النفقة في مقابل الإستمتاع، فكأنه حق في مقابل حق فتختص الحرمة ظاهراً بهذه الصورة ولا تشمل صورة عدم المنافاة التي هي محل كلامنا.

نرجع إلى ما إنتهينا إليه

كان كلامنا في إعتبار إذن الوالدين في إعتكاف الولد؛ لا إشكال في أن الروايات تتعرض إلى علاقة الولد مع الوالدين وتعبر عنها بعناوين متعددة، كعنوان (البر بالوالدين) و(الإحسان إليهما) و(المصاحبة بالمعروف) و(إطاعتهما)، وفي مقابل هذه توجد عناوين متعددة من جهة الحرمة، كعنوان (العقوق) و(إيذاء الوالدين) و(التعدي عليهما) وغيرها من العناوين المحرمة. ولا إشكال أن البر بالوالدين أمر مرغوب حث الشارع عليه والأدلة على ذلك كثيرة، مع إختلاف في أن المراد منه هل هو الوجوب أو الإستحباب المؤكد. وعقوق الوالدين أيضاً لا إشكال في حرمته.

والكلام يقع في أنه هل يوجد دليل يدل على وجوب إطاعة الوالدين فيما يأمران به أو ينهيان عنه، أو لا يوجد دليل على ذلك؟

ذكر دليل على وجوب ذلك، وهي رواية محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني. قال: لا تشرك بالله شيئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك فأطعهما، وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الايمان.[2]

الرواية فيها ظهور أولي على وجوب إطاعة الوالدين، ومقتضى إطلاقها أنه إذا أمراه بشيء يجب عليه إطاعتهما ولم يقيد وجوب الإطاعة بما إذا كان أمرهما بوجود شفقة منهما عليه -كما قيد بهذا في كلمات الفقهاء-، لكن هذه الرواية غير تامة سنداً من جهة راويين وردا في سندها، هما (خالد بن نافع) الذي هو مشترك بين جماعة هم (البجلي) و(الأشعري) و(بياع السابري) وكلهم مجاهيل، و(محمد بن مروان) الذي هو مشترك بين مجموعة منهم الثقة ومنهم غير الثقة، والثقة هو من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وفي موردنا الراوي يروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) فلا ينطبق عليه، ويوجد شخص أخر وهو ثقة أيضاً لكن غير واضح إنطباقه على موردنا، فعلى أفضل التقادير نقول أنه مشترك بين الثقة وغيره ولا يمكن تشخيص أنه هو الثقة منهم.

يظهر من السيد الحكيم (قده) في المستمسك[3] أنه إلتزم بوجوب إطاعة الوالدين، وذكر أن القدر المتيقن مما دل على وجوب إطاعة الوالدين هو ما إذا كان الأمر والنهي الصادر منهما صادراً بداعي الشفقة على الولد، بإعتبار أن مخالفتهما في هذه الحالة يعتبر إيذاءاً لهما، وإيذاؤهما حرام، فإن نهياه عن الإعتكاف بداعي الشفقة فمخالفتهما تكون محرمة، فإذا إعتكف والحال هذه يكون قد إرتكب محرماً فيبطل، ولا يرتفع هذا البطلان إلا بالإذن.

أما السيد الماتن (قده) فذهب إلى أن المدار هو على إيذاء الإعتكاف لأحد الوالدين من دون نظر إلى وجود أمر أو نهي منهما، فالإعتكاف مع فرض كونه إيذاءاً لهما يقع حراماً فيبطل.

لكن ناقش السيد الخوئي (قده)[4] في أن إيذاء الوالدين على إطلاقه -كما في المستمسك- يكون حراماً، وذكر أنه لا يوجد دليل على أن إيذاء الوالدين مطلقاً يكون حراماً، وفصّل بين قسمين من الإيذاء:-

القسم الأول: أن يفعل الولد فعلاً في نفسه بأن يتصرف في شأن من شؤونه الدينية أو الدنيوية، لكن يترتب على تصرفه هذا إيذاءاً للوالدين، ولا دليل على حرمة هذا التصرف إذا لم يكن مقصوده من ذلك الفعل إيذاؤهما.

القسم الثاني: أن يكون إيذاؤهما نتيجة عمل يقوم فيهما ويحقق عنوان إيذائهما، كالضرب والسب، وهذا لا إشكال في حرمته .

والإعتكاف يكون من قبيل القسم الأول لا الثاني فلا يقع حراماً ويكون صحيحاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo