< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف

 

(قلنا ان ظاهر كلمات بعض العلماء ان الاعتكاف يحتاج الى ضم قصد عبادة اخرى اليه وانه ليس مجرد اللبث في المسجد، وذكرنا كلمات بعضهم) وفي المقابل ذهب جماعة -منهم السيد الخوئي (قده)- الى عدم اعتبار ذلك وانه يكفي في تحقق الاعتكاف اللبث في المسجد على الطريقة المقررة شرعاً بقصد التقرب الى الله، فيكون بذلك اعتكافاً شرعياً.

وهذا الرأى الثاني يستدل عليه بجملة من الأمور:-

 

الأمر الأول: بالروايات الدالة على استحباب الاعتكاف، او الدالة على ترتب الثواب على الاعتكاف، وهي روايات كثيرة قالوا ان ظاهرها ان الاعتكاف لا يعتبر فيه ضم قصد عبادة اخرى اليه.

 

الأمر الثاني: بما ورد بلسان انه (لا اعتكاف الا بصيام) في روايات كثيرة يأتي التعرض لها في محلها، حيث قالوا بأن ظاهر هذا اللسان ان الاعتكاف شيء في قبال الصيام وغيره من العبادات.

 

الأمر الثالث: بقوله تعالى ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[1] ، وقالوا ان الاية الشريفة تجعل الاعتكاف في مقابل الطواف والصلاة وقسيماً لهما، وهذا يظهر منه ان الاعتكاف بحد ذاته عبادة، كما ان كلاً من الطواف والصلاة عبادة في حد أنفسهما.

 

الأمر الرابع: بصحيحة داود بن سرحان قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أريد أن أعتكف، فماذا أقول؟ وماذا افرض على نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك.[2]

بإعتبار ان السائل سأل الامام (عليه السلام) عن حقيقة الاعتكاف، لانه جاهل بها ظاهراً، والامام (عليه السلام) في مقام الجواب لم يبين له الا مسألة المكث واللبث في المسجد، فيفهم منه انه لا يعتبر فيه شيء آخر غير ذلك.

 

ويمكن أن يلاحظ على بعضها

 

اما الأمر الاول: فليست في هذه الروايات -الروايات الدالة على ان الاعتكاف مستحب او فيه ثواب- دلالة على المدعى، لان الاعتكاف في هذه الروايات يراد منه المعنى الشرعي له لا المعنى اللغوي -حتى يقال ان المعنى اللغوي هو اللبث في المسجد والشارع قال انه مستحب فيدل على المدعى-، لان الاعتكاف اللغوي لا مستحب ولا يترتب عليه الثواب المذكور في هذه الروايات، واذا كان الاعتكاف الشرعي هو موضوع هذه الادلة فعدم اعتبار ضم قصد عبادة اخرى اليه اول الكلام، لانه هو محل الكلام ولا طريق لاثبات ذلك من خلال هذه الروايات.

 

وأما الأمر الثاني: ففيه أن الإستدلال بهذه الفقرة على عدم إعتبار قصد ضم عبادة أخرى إليه غير واضح، بل لعله يقال أنها تدل على العكس. فالحديث إن لم يكن ظاهراً في إعتبار ضم قصد عبادة أخرى في الإعتكاف فلا أقل من عدم ظهوره في كفاية اللبث لوحده، وذلك لأن المقصود هنا هو الإعتكاف الشرعي وليس العرفي أو اللغوي.

 

والأمر الثالث: ففيه أنه لا يوجد وضوح أن المراد من الإعتكاف فيها هو الإعتكاف الشرعي -وإن ذكروا هذه الآية في بداية كتاب الإعتكاف للإستدلال على مشروعيته- بل من الممكن أن يكون المراد هو الإعتكاف بمعناه اللغوي، فالآية ذكرت ثلاث طوائف يطهر البيت لأجلهم فيمكن أن يراد من العاكفين المقيمين في المسجد.

 

أما الأمر الرابع: فالإستدلال بها على الرأي الثاني لا بأس به في الجملة.

 

قال السيد الماتن (قده): (ويصح في كل وقت يصح فيه الصوم)[3]

هنا مسألتان،

الأولى أنه يصح الإعتكاف في كل وقت، والثانية أنه يكون في وقت يصح فيه الصوم،

والثانية واضحة لأنه يشترط في الإعتكاف الصوم، فلا يصح في العيدين أو في من كان متعذراً من الصوم كالحائض مثلاً.

أما مسألة صحته في كل وقت وأنه ليس له وقت مخصوص، فالدليل عليها هو إطلاق الأدلة، فلم يذكر في النصوص وقت خاص له فمقتضى الإطلاق أنه يصح في كل وقت.

لكن قد يشكك في هذا الإطلاق بإعتبار أن الأدلة ليست في مقام بيان كل الجهات المرتبطة بالإعتكاف فلا يصح التمسك بإطلاقها. فحينئذ يمكن أن يستكشف ذلك من بعض الروايات التي يظهر منها أن الإعتكاف لا يختص بشهر رمضان، كرواية أبي بصير

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى الله على يديه قضاها كتب الله عز وجل له حجة وعمرة، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما....[4]

 

ورواية إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضي له، كتب الله عز وجل له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام...[5]

 

ورواية أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) - في حديث - قال: والله لقضاء حاجته - يعني: الأخ المؤمن - أحب إلى الله عز وجل من صيام شهرين متتابعين واعتكافهما في المسجد الحرام.[6]

والرواية الأولى صحيحة السند والأخيرتان في سندهما كلام.

وفي هذه الروايات دلالة على عدم إختصاص الإعتكاف بشهر رمضان، بل يمكن أن يقال أن عدم تعرض الروايات إلى مسألة إختصاص الإعتكاف بوقت معين فيه إشارة إلى عدم إعتبار ذلك، لأنها تعرضت لخصوصيات الإعتكاف وما يشترط فيه من حيث المكان والزمان، ولكن لا توجد ولا رواية واحدة ذكرت إشتراطه بوقت معين بحيث لا يتحقق في غير هذا الوقت، ومقتضى القاعدة أنه لو كان هذا معتبراً لأشارت إليه الروايات.

 

قال السيد الماتن (قده): (وأفضل أوقاته شهر رمضان، وأفضله العشر الأواخر منه)[7]

ما قاله السيد الماتن (قده) يستفاد من بعض الروايات، كصحيحة الحلبي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر الميزر، وطوى فراشه.[8]

 

ورواية السكوني

بإسناده - يعني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) - قال:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين وعمرتين.

 

وصحيحة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان في العشر الأولى، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتكف في العشر الأواخر.[9]

 

فهذه الروايات تدل على أفضلية الإعتكاف في شهر رمضان، بل في العشرة الأخيرة منه. ورواية داود بن سرحان أيضاً تدل على المدعى، بل تدل على أكثر من الإستحاب للحصر ولكن هذا المعنى (حصر الإعتكاف في العشرين من شهر رمضان) غير مراد، نعم هي ضعيفة السند بسهل بن زياد، وهي:

داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا اعتكاف إلا في العشرين من شهر رمضان ...[10] وفي نسخة (في العشر الأواخر)


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo