< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صوم الدهر، إستحباب الإمساك تأدباً/ صوم المريض

 

رجوع الى مسألة صوم الدهر

(ذكرنا ان الروايات المعتبرة في هذه المسألة تعبر بالكراهة، والكراهة يدور امرها بين التحريم والكراهة الاصطلاحية، وان هناك قرائنَ يمكن ان تذكر لعدم ارادة التحريم، و في هذا المجال ذكرنا ان الكراهة كلفظ في حد ذاتها ليست نصاً في التحريم فيحتمل ان يكون المقصود بها غير التحريم، وسياق الروايات ايضاً لا يناسب التحريم)

والأمر الآخر المهم الذي لم نذكره -كقرينة على ارادة غير التحريم منها- هو انه ورد في روايات كثيرة مضمون (ان صيام ثلاثة ايام في الشهر يعدل صوم الدهر)[1] ، وهذا ينافي كون صوم الدهر محرماً -اذا كان المراد من صوم الدهر المبحوث عنه في المقام هو نفس ما ورد في هذه الروايات-، لان هذه الأدلة في مقام الحث على صيام ثلاثة أيام، بل فيها دلالة على انه (صيام الدهر) في الجملة مطلوب، بمعنى ان الثواب المترتب على صيام الدهر يترتب على صوم ثلاثة ايام من كل شهر، وبعض الروايات بينت ان وجهه هو ما ذكر في الآية الشريفة ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾[2]

و بقرينة المطلوبية نقول ان صوم الدهر يراد به ما لا يشمل العيدين، لان صوم الدهر الشامل لهما لا يمكن ان يكون مطلوباً، ومن هنا ينفتح مجال لان نحمل صوم الدهر في محل الكلام على ذلك وهو صوم جميع ايام العمر ما عدا الايام المحرمة، خصوصاً انه لا يبعد ان يقال ان صوم الدهر يصدق على ذلك.

و اذا حملنا صوم الدهر في الروايات على هذا المعنى حينئذ يمكن ان يلتزم بانه ليس محرماً، للروايات المتقدمة التي دلت على مطلوبيته، ولا يمنعنا من ذلك شيء غير الكراهة الواردة في روايات المقام، حيث انها لا تنسجم مع المطلوبية، ومن هنا يمكن ان يقال ان الكراهة محمولة على الإرشاد الى وجود بدائل لصوم الدهر المطلوب، كصوم ثلاثة ايام في كل شهر الذي يحصل المكلف به على نفس الثواب المترتب على صوم الدهر بل يحصل على زيادة، وكصوم يوم و ترك يوم كما ورد في بعض روايات المقام.

 

وهذا الحمل يتخلص من المحاذير التي تترتب على صوم الدهر التي بعضها قد تؤثر على عبادة الإنسان لانه يضعفه من اداء ما عليه من الحقوق والعبادات وان كانت مستحبة، مضافاً الى ما فيه من المشقة وانه يوجب ضعف البدن، واشار بعض العلماء الى ان صوم الدهر يشبه حالة التبتل الموجودة في الأديان الاخرى وهي غير محبوبة للمولى.

 

وعلى هذا فالكراهة في المقام لا تكون تكليفية كاشفة عن وجود مفسدة في نفس الفعل حتى يقال ان هذا ينافي عباديتها وقصد التقرب بها كما قلنا ذلك سابقاً.

 

وهذا الاحتمال اذا بنينا عليه لعله نتخلص من كثير من الإشكالات في هذه المسألة فانه بذلك تبقى روايات الكراهة على ظاهرها ولا تحمل على التحريم، ونحافظ على كلمات الفقهاء وبعض الروايات التي تجعل صوم الدهر في قبال صوم العيدين -لانه لو كان حرمة صوم الدهر من جهة اشتماله على العيدين لا داعي لجعله في قبال صوم العيدين- ونلتزم بصحته لو وقع من المكلف.

نعم ما يمنع من هذا الحمل هو ما ادعي من اتفاق العلماء على تحريم صوم الدهر الناشيء من اشتماله على العيدين، فكأنهم يفهمون منه ما يشتمل على صوم العيدين.

 

إستحباب الإمساك تأدباً

تكلمنا في الدرس السابق عن المورد الأول لموارد إستحباب الإمساك تأدباً، والآن يقع الكلام في المورد الثاني.

 

قال السيد الماتن (قده): (الثاني: المريض إذا برئ في أثناء النهار وقد أفطر وكذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال بل قبله أيضاً على ما مر من عدم صحة صومه، وإن كان الأحوط تجديد النية والإتمام ثم القضاء.)

 

كانت هناك صور أربعة[3] في المورد الأول (المسافر)، وقلنا تبعاً للسيد الماتن أن المسافر في صورة واحدة يجب عليه الصوم، وهي ما إذا قدم بلده قبل الزوال ولم يكن مفطراً. وهذه الصور تتصور أيضاً في المريض الذي برأ من مرضه، فهل يمكن إثبات الأحكام التي ثبتت للمسافر للمريض أيضاً أم لا؟

 

المنسوب إلى المشهور -وقيل أنه المعروف بل بعضهم إدعى عليه الإجماع- أن حكم المريض هو حكم المسافر بلا فرق في الصور الأربعة المتقدمة، بل يظهر من البعض المفروغية عن ثبوت هذه الأحكام في المريض ولذا في الشرائع وغيره ذكروا المريض أولاً وأثبتوا له هذه الأحكام ثم ذكروا المسافر وقالوا أن حكمه حكم المريض، فقد يفهم منه أن ثبوت الأحكام في المريض أوضح من ثبوتها للمسافر، وفي المدارك قال (هذا قول علمائنا أجمع).

لكن ما هو الدليل على وجوب الصيام على المريض إذا برأ قبل الزوال ولم يتناول المفطر؟ في المسافر توجد أدلة على ذلك، لكن في المريض فوجوب الصوم عليه له لازمه هو إمكانية تجديد النية بعد طلوع الفجر بالنسبة إليه، فتكون هذه النية مؤثرة في صحة الصوم من البداية وكأنه نوى الصوم من طلوع الفجر، والحال أنه خلاف القاعدة، إذ المفروض أن النية بحسب الأدلة الأولية للصوم يشترط أن تكون مقارنة لأول جزء منه.

 

استدل على الوجوب بأدلة:-

 

الدليل الأول: أنه قبل الزوال متمكن من أداء الواجب على وجه تكون نيته مؤثرة من بداية الواجب، فيجب عليه الصوم.

 

الدليل الثاني: فحوى ما دل على وجوب ذلك في المسافر، والفحوى تنشأ من كون المعذورية في المريض أوضح من المعذورية في المسافر.

 

وأستدل على عدم الوجوب في الصور الثلاثة الأخرى بأن صيامه فسد بالتناول، لأنه إما تناول المفطر أو برأ بعد الزوال فعلى الأول قد فسد الصوم بتناوله للمفطر، وعلى الصورتين الأخريين فقد فاته وقت النية، لأن أقصى ما قد يقال أنه يمكن تجديد النية قبل الزوال في بعض الحالات كما في المسافر، أما بعد الزوال فلا أحد يقول بذلك إلا ما شذ.

 

أما الدليل على إستحباب الإمساك للمريض تأدباً في الصور الثلاثة الباقية، فقد قيل أن هذا تشبه بالصائمين وهو مطلوب، وكذلك استدل بأمن تهمة من يراه، وبرواية الزهري المعروفة، فقد ورد فيها أن المريض يستحب له في بعض الحالات الإمساك تأدباً.

ومن هذه الأدلة التي ذكرت يظهر أنه لا توجد رواية أو نص واضح في وجوب الصوم على المريض في الصورة الأولى، وكذا الكلام في الحكم بإستحباب الإمساك له تأدباً في الصور الثلاثة الأخرى، وأعترف أكثر من واحد من الفقهاء بعدم وجود نص في ذلك.

 

ويرد على الأدلة المتقدمة:

 

اما ما ذكر في وجوب الصوم في الصورة الأولى من تمكنه من أداء الواجب فهذا الكلام مصادرة، إذ تمكنه من أداء الصوم وكون نيته مؤثرة من البداية هو أول الكلام، لأن الكلام هو في وقت إمتداد نية الصوم، وأنها هل تمتد إلى الزوال أم تنتهي بطلوع الفجر فلا يمكن الصوم بعده لأن جزءاً منه وقع خارج النية. أما في المسافر فالتزمنا بذلك للأدلة الخاصة.

 

أما ما ذكر في الدليل الثاني من أعذرية المريض من المسافر، فالأعذرية إنما تنفع في رفع العقاب عنه وما شابه ذلك، ولا تنفع في جواز تجديد النية قبل الزوال ووجوب الصوم عليه، لأن الفحوى تتم إذا أحرزنا أن العلة في وجوب الصوم على المسافر وتمديد النية له إلى ما قبل الزوال هي المعذورية فقط، ومن الواضح أن هذا لم يمكن إثباته ولا سبيل لإحرازه والقطع به،

ومن هنا فالحكم بوجوب الصوم على المريض بهذا الدليل غير واضح.


[3] لأن المسافر الراجع إلى بلده تارة يدخله قبل الزوال وأخرى بعده، وعلى كل من الإحتمالين تارة يكون قد أفطر قبل دخول بلده وأخرى لم يفطر قبل ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo