< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

(كان كلامنا في أخبار الإستظهار _التي استدل بها على الحرمة الذاتية _ وذكرنا ثلاث روايات منها، وإن كان تكفينا رواية واحدة منها للإستدلال.

 

وتقريب الإستدلال بها: أنه لو لم تكن الصلاة محرمة ذاتاً لما كان تركها إحتياطاً، اذ لو كانت الحرمة تشريعية لكان مقتضى الإحتياط الإتيان بالصلاة بعنوان الأمر الاحتمالي.)

قال السيد الحكيم (قده) في المستمسك: ( وأما ما اشتمل على التعبير بالإحتياط، فلأجل أنه لا يمكن الأخذ بظاهره - من الإحتياط المطلق -، دار الأمر بين الحمل على الإحتياط من جهة، وبين حمله على الإحتياط بلحاظ بعض الأحكام، مثل الوطئ ودخول المساجد وقراءة العزائم، وليس الأول أولى من الثاني، بل الذي يظهر من موثقة البصري: " عن المستحاضة أيطؤها زوجها، وهل تطوف بالبيت؟ قال (ع): تقعد أيام أقرائها التي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين " هو الثاني. مع أن دعوى، كون الحرمة المحتملة أهم، غريبة، لأن الظاهر أن ترك الصلاة من أعظم الكبائر)[1]

توضيح كلامه (قده): لمّا لا يمكن حمل الإحتياط الوارد في الروايات على ظاهره وهو الإحتياط التام الموصل للواقع لدوران أمر العبادة بين الوجوب والتحريم، فترك العبادة ليس إحتياطاً تاماً لإحتمال وجوبها، وكذا فعل العبادة ليس إحتياطاً تاماً لإحتمال حرمتها، فيتعين حمله على أحد معنيين :-

الأول: نحمله على الإحتياط من جهة التحريم فقط، يعني ترك الصلاة من جهة إحتمال حرمتها يكون إحتياطاً، ونسمي هذا الإحتياط بالإحتياط الناقص.

الثاني: نبقي الإحتياط على الإحتياط التام، لكن لا في العبادة، بل في بعض الأحكام الأخرى، كالوطئ ودخول المساجد وقراءة العزائم.

على المعنى الأول الإستدلال بالرواية يكون تاماً بنفس التقريب السابق، إذ لولا أن تكون العبادة محرمة بالحرمة الذاتية على هذه المرأة لكان مقتضى الإحتياط هو الإتيان بها، لا تركها مراعاة لإحتمال التحريم. فالأمر بترك العبادة من جهة إحتمال تحريمها يكشف عن أنها محرمة ذاتاً، وإلا[2] لأمرها الإمام (عليه السلام) بالإتيان بها بداعي أمرها الإحتمالي، وحينئذ تراعي بفعلها العبادة إحتمال وجوبها وإحتمال حرمتها تشريعاً.

أما على المعنى الثاني لا يتم الإستدلال بها على الحرمة الذاتية، لأنها غير ناظرة إلى العبادة، فلا تأمرها الرواية بترك العبادة إحتياطاً حتى نستكشف منه الحرمة الذاتية.

ثم يقول (قده) أن المعنى الأول ليس أولى من المعنى الثاني، بل موثقة عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري ظاهرة في المعنى الثاني، لأن سؤال السائل كان عن الوطئ لا عن الصلاة. فلا تدل هذه الروايات على الحرمة الذاتية.

فإن قلت: انه يدل على ان الاول اولى، وان الشارع امر الحائض بترك الصلاة، لأهتمامه بذلك، وحينئذ تدل على الحرمة الذاتية.

يجيب (قده) عن ذلك بأن احتمال اهمية الحرمة غريب، فالأهمية للوجوب لا للحرمة لأن ترك الصلاة من اكبر الكبائر، فلا يمكن ترجيح الاول على الثاني.

ويلاحظ على كلامه (قده) بعدم ظهور موثقة البصري في الاحتمال الثاني، لأن ذكر الوطء ورد في كلام السائل، لا في كلام الامام عليه السلام، وإنما ذكر الامام عليه السلام (تقعد قرؤها) وهو يقتضي التعميم ولا يختص بما ذكره السائل، مع ان اوضح مصاديق القعود في ايام قرئها هو ترك الصلاة، ان لم نقل بالانصراف إليه، بل نفس عدول الامام (عليه السلام) _عما يطابق سؤال السائل_ إلى التعبير بالقعود لا يخلو من اشارة إلى ان المسألة لا ترتبط بما ذكره السائل بل تشمل حتى الصلاة، مضافاً إلى ان السائل سأل عن الطواف وهو عبادة فيمكن تعميم الكلام في مطلق العبادة،

بل الملاحظ ان صحيحة الفضيل وزرارة صريحة في ترك الصلاة كما ان في معتبرة اسماعيل الجعفي (المستحاضة تقعد أيام قرئها) ومن اوضح مصاديق القعود هو ترك الصلاة، فترك الصلاة اما منصرف إليه و إما مشمول بالتعميم.

واُشكل ايضا على السيد الحكيم بأن مسألة منع احتمال اهمية الحرمة وان كان له وجه كما تقدم، لكن يقال بقطع النظر عن ذلك، انه (أي احتمال اهمية الحرمة) لا ينفع في المقام، لأنه لا يوجب ترجيح احد الطرفين على الاخر، فالترجيح بلحاظ الاهمية أو احتمالها يكون في باب التزاحم، أي تزاحم الحكمين التامين دليلاً في مقام الامتثال، لعدم قدرة المكلف على امتثالهما، وإنما تنحصر قدرته على امتثال احدهما، وحينئذ يحكم العقل بترجيح الاهم أو محتمل الاهمية، ومحل الكلام ليس من هذا القبيل، وإنما هو من باب دوران الأمر بين المحذورين، ولا يعلم الثابت منهما (الوجوب أو الحرمة).

نعم على تقدير الثبوت يكون الثابت محتمل الاهمية هذا لا مشكلة فيه لكن هذا لا يجري فيه الترجيح باحتمال الاهمية لانه مختص بما اذا فرغ عن ثبوت الحكمين و تزاحما في مقام الامتثال ملاكا و مبادئا و اما في محل الكلام فلا يظهر منه ذلك

من هنا يظهر لا يوجد شاهد على ترجيح الاحتمال الثاني الذي ذكره السيد في المستمسك على الاول بل يدعى ان ظاهر الروايات ترجيح الاحتمال الاول بمعنى ان هذا احتياط في العبادة و الصلاة _التي هى القدر المتيقن من هذه الادلة _لكنه ناقص لتعذر الاحتياط التام بحسب الفرض لدوران الامر بين المحذورين و لعله[3] لاجل اهتمام الشارع بترك الصلاة بالنسبة الى الحائض و حينئد ياتي تقريب الاستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية و الاستدلال بالرواية لا يتوقف على ان يكون ترك الصلاة احتياطا تاما بل حتى لو كان الاحتياط ناقصا يقال ان الشارع راعى جانب الحرمة و اهتم بان الحائض لا تصل و امرها بترك الصلاة في ايام الاستظهار و عبر عنه بانه احتياط فياتي التقريب السابق الذي كانت نتيجته الحرمة الذاتية.


[2] أي: أما إذا كانت محرمة تشريعاً.
[3] اى الاحتياط الناقص من جهة الحرمة الذي يكون بترك الصلاة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo