< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة٢/ استحباب قطع الصوم المستحب اذا دعاه مؤمن

هناك ملاحظتان ترتبطان بما سبق، لابد من ذكرهما قبل استكمال البحث:

 

الملاحظة الأولى: ذكرنا في المسألة السابقة أن الفقهاء تمسكوا بصحيحتي جميل و عبدالله بن سنان لإثبات حكمها[1] ، و قلنا أن صحيحة عبدالله بن سنان لا يمكن التعويل عليها لضعفها السندي، و إن عبّر غير واحد من الفقهاء عنها بالصحيحة، و ذلك من جهة "عبدالله بن الحسين" الوارد في السند على نقل الوسائل، أو "عبيد بن الحسين" الوارد في السند على نقل التهذيبين، فإن الأول مشترك بين أشخاص كثيرين معظمهم مجاهيل، و الثاني مجهول بل مهمل اذ ليس له ذكر في كتب الرجال و لا في أسانيد الروايات إلا هذه الرواية.[2]

 

لكن الشيخ حسن صاحب المعالم[3] جزم بالتصحيف و قال أن الصحيح هو "عبيد بن الحسن" الذي له روايات و له ترجمة في كتب الرجال و وثقه النجاشي، و ذلك بإعتبار مجهولية "عبيد بن الحسين" بالمرة، و بإعتبار حكم العلامة في المختلف بصحة الرواية الذي ينافيه مجهولية"عبيد بن الحسين"، و حصول التصحيف بين "الحسن" و "الحسين" شايع.[4]

 

و لا يبعد صحة ما ذكره و بالتالي نحكم بصحة الرواية كما حكم بها الفقهاء كذلك.

 

الملاحظة الثانية: ترتبط بالرواية الرابعة التي تكلمنا عنها في البحث السابق، و قلنا بصحتها بناءاً على نقل الصدوق لها في الفقيه ، حيث نقلها بإسناده عن "جميل بن دراج" و طريقه إليه صحيح. و دفعنا الإشكال الذي كان يقول أن الطريق الذي ذكره الشيخ الصدوق في المشيخة ليس إلى مرويات "جميل بن دراج" وحده، بل هو طريق الى مروياته و مرويات "محمد بن حمران" معاً، بعدم وجود رواية لهما معاً في الفقيه، و عليه إستظهرنا من عبارته في المشيخة أن الطريق المذكور كما هو طريق إليهما معاً كذلك يكون طريقاً إلى كل واحد منهما منفرداً.

لكن بعد تتبع اكثر عثرنا على روايتين ل"محمد بن حمران" و "جميل بن دراج" يرويانهما معاً[5] [6] ،[7] و وجودهما قد يمنعنا من الإستظهار السابق،

هذه المسألة تحتاج الى تأمل أكثر فلا نحكم بصحة الرواية حاليا و نرجع إليها في الأبحاث القادمة.

 

الرواية الحادية عشر:

وعن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن حسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قال لك أخوك: كل وأنت صائم فكل، ولا تلجئه إلى أن يقسم عليك.

 

و هى ضعيفة ب"حسين بن حماد" الذي تكلمنا عنه في الرواية التاسعة و قلنا أنه مردد بين شخصين كل منهما مجهول.

 

الرواية الثانية عشر:

وعن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: فطرك لأخيك المسلم وإدخالك السرور عليه أعظم أجرا من صيامك.

 

و هى معتبرة بناءاً على صحة التعويل على كتاب المحاسن الواصل إلينا. و لا مشكلة فيها من جهة "النوفلي" لأنّا نبني على وثاقته.

 

الرواية الثالثة عشر:

وعن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم من الصيام وأعظم أجرا.

 

و هى غير معتبرة لعدم وثاقة "محمد بن الفضيل" حيث تعارض فيه التوثيق و التضعيف.

 

الرواية الرابعة عشر:

وعن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخلت منزل أخيك فليس لك معه أمر.

و هى معتبرة بناءاً على صحة التعويل على كتاب المحاسن الواصل إلينا.

 

انتهينا من النظر في الروايات سنداً، و الان ندخل في الفروع التي ذُكرت في المقام

الفرع الأول: هل يشمل الحكم المذكور الصوم الواجب غير المعين أو يختص بالصوم المندوب فقط؟

 

إطلاق بعض الروايات يشمل الصوم الواجب الموسع كالرواية رقم ٤ و ١ و ٦ و ٨ و ٩ و ١٢، و بعضها تام سنداً. بل الرواية الثانية تصرح بالشمول لكنها ضعيفة سنداً كما تقدم. و مما يؤيد وجود هذا الإطلاق هو تعليق الشيخ الصدوق على الرواية رقم ١٢ حيث قال: هذا في السنة و التطوع جميعاً. و مقصوده بالسنة هو الواجب الثابت بغير الكتاب الكريم، و ذلك بقرينة المقابلة مع التطوع.

 

الفرع الثاني: قال الشيخ صاحب الحدائق أن الإستحباب معلق على الدعوة الى الطعام، فإذا دُعي إلى الطعام يستحب له أن يفطر[8] و لعله لأجل الرواية العاشرة قال بذلك ، لأن الروايات الأخرى لا يوجد فيها لفظ "الدعوة".

 

يمكن أن يقال تعليقا على كلامه : ان معظم الروايات مطلقة من حيث اشتراط الدعوة و الرواية التي ورد فيها لفظ الدعوة لا تصلح لتقييد هذه المطلقات و ذلك باعتبار انه لا دلالة لها على اختصاص الاستحباب بالدعوة الى الطعام لان الدعوة وردت في كلام السائل

فنتمسك بالمطلقات لاجل اثبات عدم التعليق على الدعوة .

هذا اذا كان مقصوده تعليق الاستحباب على الدعوة بمعناها العرفي اما اذا كان مقصوده من الدعوة طلب الاكل باعتبار انه ايضا نحو من انحاء الدعوة الى الاكل فيمكن الاستدلال عليه ببعض الروايات

من قبيل الرواية رقم ١١ الذي ورد فيها اذا قال لك اخوك كل و انت صائم فكل و لا تلجئه الى ان يقسم عليك و هذا التعبير وارد في كلام الامام عليه السلام

و الرواية رقم ٥ و الرواية رقم ١

بل يمكن استفادة ذلك حتى من الروايات التي لم يرد فيها طلب الأكل لان طلب الأكل كأنه شيء مفروض فيها اذ الافطار في منزل الاخ المؤمن لا يكون عادة الا بطلب الاكل من قبل صاحب المنزل و لو لم يكن هذا الطلب لفظيا بل كان عمليا كأن يقدم له طعاما

 

و لهذا نرى انه ورد في رواية جميل بن دراج هذا التعبير من دخل على اخيه و هو صائم فأفطر الذي يناسب ان يكون صاحب المنزل طلب منه الافطار فأفطر و لهذا في الرواية الخامسة التي تلي هذه الرواية[9] صرح فيها بسؤال الأكل

فتكون النتيجة استحباب الافطار عند الطلب و السؤال فقط فلا استحباب مع عدم الطلب و هذه النتيجة ليست بعيدة.

 

الفرع الثالث : ذكروا انه يستفاد من بعض الاخبار ان الاستحباب يختص بما اذا كان الافطار احب الى طالب الافطار من البقاء على الصوم

و الرواية التي قد تدل على ذلك هى الرواية التاسعة حيث ورد فيها

ان كان ذلك احب اليه فافطر و يستفاد من هذا التعبير تقييد الاستحباب بما اذا كان ذلك احب اليه

قد يستفاد هذا المعنى من الرواية رقم ١٢ و غيرها من الروايات التي تعلل استحباب الافطار بادخال السرور على الأخ المؤمن

 

الفرع الرابع : ذكر في الجواهر ان ابن ادريس قيد الاستحباب بعدم الاعلام بالصوم. و استدل لذلك بالرواية رقم٤ حيث ورد فيها

من دخل على اخيه و هو صائم فأفطر عنده و لم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة و الرواية رقم ٥

باعتبار ان عدم الاعلام اخذ في موضوع الاستحباب فتكون النتيجة انتفاء الاستحباب عند الاعلام

الشيخ صاحب الجواهر لم يرتض هذا التقييد و قال بان الاستحباب ثابت مطلقا و حمل عدم الإعلام على انه مستحب في مستحب اى انه يستحب للصائم الافطار عندما يطلب الاخ المومن منه ذلك و يستحب له ان لا يعلمه بصيامه

و هذا هو ظاهر صاحب الحدائق في عبارة له قال الظاهر انه لا خلاف بين الاصحاب في استحباب افطاره و ان الأفضل له عدم الاعلام بصومه .


[1] و هو ما ذكره الماتن بقوله لا يجب إتمام صوم التطوع بالشروع فيه بل يجوز له الإفطار إلى الغروب.
[2] إرجع الى بحث يوم السبت ٢٦ محرم ١٤٤٠.
[3] في منتقى الجمان ج٢ ص٥٥٤.
[4] قد يقال ان مجرد ذلك لا يكفي لتصحيح الرواية باعتبار دوران الامر حينئذ بين عبيد بن الحسن و عبد الله بن الحسين الوارد في السند بناء على نقل الشيخ صاحب الوسائل لكن قال الشيخ الاستاذ في مقام الجواب ان ظاهر الاصحاب الفراغ عن ان عبد الله بن الحسين غير موجود في سند هذه الرواية و حينئذ ينحصر الراوي في عبيد بن الحسن الموثق فتصح الرواية.
[9] االتي هى بحسب الظاهر نفس رواية جميل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo