< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: من نام عن صلاة العشاء يصبح صائماً

قبل أن نذكر المسألة الأولى لابد أن نشير إلى موضوع مهم غفل السيد الماتن عنه و كان ينبغي له ذكره إما في عداد أقسام الصوم الواجب أو في عداد المستحب منه بإعتبار إختلاف العلماء في حكمه بين قائل بالوجوب و بين قائل الإستحباب، و هو ما إذا نام المكلف عن صلاة العشاء حتى إنتصف الليل فيجب او يستحب عليه حينئذ أن يصبح صائماً.

 

هذه المسألة مطروحة في كتب القدماء، و قيل أن مشهور القدماء ذهب إلى الوجوب، و هو ظاهر الشيخ الكليني في الكافي - حيث نقل الرواية التي تأمر بالصوم دون الروايات الأخرى التي لم تأمر به -، و الشيخ المفيد في المقنعة، و الشيخ الصدوق في الفقيه، و السيد في الإنتصار، و الشيخ في النهاية، و أبي صلاح الحلبي في الكافي، و سلار في المراسم، و القاضي إبن البراج في المهذب، و السيد إبن زهرة في الغنية، و إبن حمزة في موضع من الوسيلة - و في موضع اخر قال بإستحبابه -، و العلامة في التبصرة و الإرشاد و غيرهم، كما أن بعض المتأخرين أيضاً ذهب الى وجوبه.

 

و ممن ذهب إلى إستحبابه هو الشيخ إبن إدريس الحلي و المحقق ، و تبعهما مشهور المتأخرين.

 

من ذهب إلى الوجوب إعتمد على دليلين و هما: النص و الإجماع او على احدهما.

 

أما النص فهو رواية عبدالله بن المغيرة التي ينقلها صاحب الوسائل عن الكافي:

 

محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل نام عن العتمة[1] فلم يقم إلى انتصاف الليل، قال: يصليها ويصبح صائما.[2]

 

و هي ظاهرة في الوجوب كما هو واضح، لكنها ضعيفة سنداً للإرسال، و من هنا جاءت محاولات لحلّ ضعفها السندي:

 

المحاولة الأولى: التمسك بفكرة جابرية الشهرة لسند الرواية، بإعتبار أن المشهور ذهب إلى وجوب الصوم، و لا يوجد مستند لقول المشهور إلا هذه الرواية المرسلة، فنجبر ضعفها السندي بعمل المشهور بها.

 

الجواب عن هذه المحاولة: ان من ذهب إلى الوجوب و ان إستند الى هذه الرواية، لكن مع ذلك لا يمكن تصحيح الرواية باعتبار ان الكبرى - و هي جابرية الشهرة للضعف السندي – محل كلام و ليست واضحة و الصغرى _ذهاب المشهور الى القول بالوجوب _محل تشكيك كما سيأتي في مناقشة الإجماع.

 

المحاولة الثانية: المرسِل في الرواية هو عبدالله بن المغيرة، و هو من أصحاب الإجماع كما نصّ الكشي على ذلك، و أصحاب الإجماع حالهم حال المشايخ الثلاثة، لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة، فإذا صح السند منّا إلى واحد منهم فلا ينظر إلى مَن قبلهم من رجال السند إلى المعصوم (عليه السلام) و نحكم بصحة الرواية.

 

الجواب عنها: هذه المحاولة تصح على بعض المباني في أصحاب الإجماع، اذ اختلف العلماء في تفسير عبارة الكشي، و المختار عندنا أن عبارة الكشي تدل على وجود إجماع على تصديق و وثاقة من ذكرهم فقط، و لا تدل على صحة الرواية و لا على ان باقي رجال السند منهم الى المعصوم (عليه السلام) لا يروون و لا يرسلون الا عن ثقة .

 

المحاولة الثلاثة: تحصيل الإطمئنان بوثاقة من ارسل عنه عبدالله بن المغيرة، و ذلك بملاحظة مشايخ عبد الله بن المغيرة فاننا اذا لاحظنا مشايخه و وجدنا أن ٩٠٪ مثلا من مشايخه ثقات فان ذلك يوجب حصول الإطمئنان من وثاقة المرسل عنه في الرواية.

 

الجواب عنها: ما ذكر يتوقف على ملاحظة مشايخ عبدالله بن المغيرة و ملاحظة نسبة الثقات منهم الى غيرهم و وصولِ نسبة الثقات من مشايخه إلى درجة توجب حصول الإطمئنان.

 

المحاولة الرابعة: اثبات ان المرسَل عنه في الرواية هو إبن مسكان الثقة، بإعتبار وجود رواية لعبدالله بن المغيرة مشابهة لهذه الرواية، و فيها روى إبن المغيرة عن إبن مسكان، و هي ما رواه الشيخ في التهذيب[3] عن:

محمد بن علي بن محبوب عن العباس[4] عن عبد الله بن المغيرة عن ابن مسكان رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله. [5]

 

و عدم ذكر وجوب الصوم فيها - بعد مشابهتها لتلك الرواية - لا يضر، لأن ما نتمسك به هو سندها لا متنها.

 

الجواب عنها: هو ان الرواية الثانية غير الرواية الاولى لأمرين:

 

الأول: إختلاف الحكم فيهما، لأن الرواية الثانية ظاهرة في عدم وجوب الصوم بإعتبار أن الإمام (عليه السلام) في مقام بيان ما يجب على المكلف و لم يذكر الصوم، فيدل على عدم وجوبه، و إلا[6] لبيّنه له.

 

الثاني: وجود واسطة بين إبن مسكان و الإمام (عليه السلام)، لأنه رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام)، و الرفع نوع من الإرسال، فهو لا يروي عنه (عليه السلام) مباشرة. و الحال أن المرسَل عنه في الرواية الأولى يروي مباشرة عن الإمام (عليه السلام).

 

فتبيّن مما سبق أن هذه الرواية[7] لا يمكن تصحيحها سنداً.

 

و لو تنزلنا و قلنا بصحة سندها [8] فحينئذ تعارضها مرفوعة إبن مسكان _باعتبار ان الوجه الذي نصحح به المرسلة بنفسه جار في المرفوعة لان عبدالله بن المغيرة ايضا

وقع في سند المرفوعة فاذا التزمنا بتعميم فكرة اصحاب الاجماع للرواة غير المباشرين[9] كما هو مقتضى ما يقال من ان الاجماع وقع على تصحيح الرواية لا على الراوي سوف تصح المرفوعة _لان المرفوعة و ان لم تصرح بعدم وجوب الصوم لكن ظاهرها ذلك لان الامام عليه السلام في مقام بيان وظيفة المكلف و لم يذكر ذلك بينما المرسلة ظاهرها وجوب الصوم و مقتضى الجمع العرفي بينهما هو عدم الوجوب لان القاعدة عندهم في امثال المقام الذي وقع التعارض فيه بين دليل ينفي الوجوب و دليل يثبته حمل الرواية الظاهرة في الوجوب على الاستحباب و هو الرأى الثاني في المقام

و الحاصل انه حتى لو فرضنا وصول النوبة الى التعارض لا يثبت القول بالوجوب .

اما الاجماع فالكلام فيه من جهتين

الجهة الاولى : ان الاجماع استفيد من كلام للسيد المرتضي في الانتصار حيث اعتبر وجوب الصوم من منفردات الأمامية و من كلام للسيد ابن زهرة في الغنية حيث ذكر هذا المورد من اقسام الصوم الواجب و ذكر في الذيل انه يدل عليه الاجماع

و من هنا السيد صاحب الرياض عندما ذهب الى الوجوب لم يستدل الا بهذين الكلامين و اكتفى بهذا المقدار لاثبات الاجماع و بالتالي لاثبات الحكم

لكن يمكن ان يقال

ان كلام السيد المرتضى ليس واضحا في الاجماع لان كون الحكم من منفردات الامامية لا يعني وقوع الاجماع من قبل العلماء عليه بل يعني انه لم يذكر عند العامة و ثبت الامامية

و من جهة اخرى كتاب الانتصار مبنى على ذكر ما انفردت به الامامية فلو كان البناء على استفادة الاجماع من ذلك فمعناه ان دعاوي الاجماع من قبل السيد المرتضى تكون كثيرة جدا و لا اظن انهم يلتزمون بذلك.

 

اما اجماعات السيد في الغنية ففيها كلام طويل لانه كثيرا ما يدعي الاجماع و ذكر الشيخ صاحب الجواهر و غيره انه لا وثوق بما يريد بالاجماع و من هنا طرحت احتمالات في بيان مراده منها انه يوجد نوع من التسامح في اطلاقه بان يكون تمسكه في الحقيقة بعمومات عقلية او نقلية متفق عليها عند العلماء هو يعتقد انها تنطبق على مورد فينتقل الى انه من اللازم ان يتفق العلماء على التطبيق فيدعي الاجماع في ذلك المورد ففي الحقيقة ينتقل من كبرى اتفاقية بينهم الى الاجماع في الصغرى و قد اشار الى ذلك الشيخ في الرسائل في مبحث الاجماع

و من هنا ذكر العلامة في المختلف ان الاجماع غير ثابت و ينقل عن الشهيد الاول في غاية المراد التشكيك فيه

 

الجهة الثانية : ان هناك ما يخدش في الاجماع بل حتى في الشهرة

فان الشيخ المفيد _الذي نسب اليه القول بالوجوب _ عبارته ليست صريحة في الوجوب بحيث يمكن نسبته اليه لاحتمال الاستحباب فيها

قال : و من نام عن صلاة عشاء الاخرة حتى يزول النصف الاول من الليل صلاها حين يستيقض و يصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها الى ذلك الوقت انتهى .

و هذا الكلام يناسب الاستحباب باعتبار ان المكلف لم يرتكب ذنبا عندما نام عن صلاة العشاء لانه ليس متهاونا بحسب الفرض فذكر الذنب يكون قرينة على ان مراده الاستحباب.

و كذلك الحال في عبارة غيره من العلماء كالشيخ في النهاية التي ورد فيها الذنب ايضا و السيد في الانتصار .

و الشيخ الطوسي في جميع كتبه على ما قيل لم يذهب الى الوجوب بل صرح بالاستحباب في بعض كتبه و انما ذهب الى الوجوب فقط في النهاية

و الشيخ الصدوق ايضا ليست عبارته ظاهرة في اختيار الوجوب بل عند نقل الرواية عبر ب (رُوى)

و من هنا يمكن القول بان الشهرة ايضا ليست متحققة في المقام و عليه يصعب الالتزام بالوجوب في محل الكلام.


[1] أي صلاة العشاء.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص215، أبواب من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة، باب29، ح6، ط آل البيت..( قال الشيخ الأستاذ أن هذه الرواية لم يذكرها صاحب الوسائل، لكن بعد المراجعة تبيّن وجودها في الوسائل)
[4] هو العباس بن عامر الثقة على ما قاله الشيخ الأستاذ في الدرس.
[6] أي ان كان الصوم واجباً.
[7] أي الرواية الأولى.
[8] لاحدى المحاولات المتقدمة كالتمسك بفكرة اصحاب الاجماع كما بنى على ذلك اكثر من واحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo