< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

قواعد الفقهيه

42/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الصوم/ثبوت الهلال /نصوص القضاء

الطائفة الخامسة: وهي نصوص القضاء:

وقد استند إليها العلامة(ره) في كتابه المنتهى، والفاضل النراقي(قده) في المستند، وقد قرب دلالتها وعمق ذلك بعض الأعاظم، وشيخنا التبريزي(ره)، وذلك بالتمسك بإطلاق موضوع القضاء:

منها: صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله(ع) أنه قال في من صام تسعة وعشرين. قال إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى قضى يوماً. [1] والمستفاد منها أنه لو استهل أهل بلد ما فلم يروا الهلال ولم يصوموا يوم الشك، وأنهوا بعد ذلك شهر رمضان المبارك على تسعة وعشرين يوماً، ثم وردهم أن بلداً من البلدان قد صاموا ثلاثين يوماً، لقيام البينة عندهم على أن يوم الشك عندهم كان هو أول أيام شهر رمضان المبارك، وجب عليهم قضاء ذلك اليوم.

وبالجملة، لقد تضمنت الصحيحة توقف القضاء على قيام البينة العادلة بالشهادة بأن أهل مصر قد صاموا ثلاثين يوماً بناءً على الرؤية.

وقد قرب دلالتها بعض الأعاظم وتبعه شيخنا التبريزي (قده) بأن الصحيحة بإطلاقها في عنوان المصر تدلنا بوضوح على أن الشهر إذا كان ثلاثين يوماً في مصر ما، كان كذلك في بقية الأمصار بدون فرق بين كون هذه الأمصار متفقة في آفاقها أو مختلفة، إذ لو كان المراد من كلمة (مصر) فيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل لكان على الإمام(ع) أن يبيّن ذلك فعدم بيانه مع كونه(ع) في مقام البيان كاشف عن الإطلاق.[2] [3]

وقريب من ذلك جاء في تقرير بحثه الشريف، حيث جاء فيه: دلت بمقتضى إطلاقها بوضوح على أن الرؤية في مصر كافية لسائر الأمصار وإن لم ير فيها الهلال من غير غيم أو أي مانع آخر، ولم يقيد فيها بوحدة الأفق مع أن آفاق البلاد تختلف جداً حتى في الممالك الصغيرة كالعراق، فإن شمالها عن جنوبها كشرقها عن غربها يختلف اختلافاً فاحشاً، فعدم التقيـيد والحالة هذه وهو(ع) في مقام البيان يكشف طبعاً عن الإطلاق. [4]

ويقوم الاستدلال الوارد في كلامه(ره) على مقدمتين:

الأولى: الأول: كون كلمة المصر الواردة في الصحيحة نكرة شائعة لا تختص بخصوص البلدان المتحدة أفقاً مع بلد المكلف، أو القريبة منها، بل تشمل أيضاً البلدان البعيدة عنها والتي تختلف معها في الأفق.

الثانية: أنه لو كان الإمام(ع) يريد خصوص البلدان المتحدة في الأفق مع بلد المكلف، أو القريبة منه، دون البلدان البعيدة عنه والمختلفة معه في الأفق لنبه على ذلك حذراً من إغراء المكلفين وإيقاعهم في المحذور، بأن يعولوا على الهلال الثابت في البلدان البعيدة، مع أن حكمها لا يشملهم.

ومع ضم هاتين المقدمتين إلى بعضهما، سوف تكون النتيجة البناء على كفاية ثبوت الهلال في بلد ما لبقية البلدان ولو كان بعيداً عنها ومختلفاً معها في الأفق.

ويمكن أيضاً أن يتمسك بمورد آخر يظهر منه الإطلاق في الصحيحة أيضاً، وهو التعبير بكلمة: بينة عادلة، الواردة فيها، فإنها شاملة لكل بينة ومن أي بلد كانت سواء كانت بينة في بلد يتحد في الأفق مع بلد المكلف، أو قريب منه، أم كان بعيداً عنه، ولا يتحد معه في ذلك.

ولا يصغى لمنع دلالتها بدعوى انصرافها إلى خصوص البلد المتحد في الأفق مع بلد المكلف، أو القريب منه، لأنه من الانصراف الناجم من غلبة الوجود، وليس الناشئ من كثرة الاستعمال، وقد عرفت في محله أن مثل هذا الانصراف لا يصلح لمنع الإطلاق. على أنه لو سلم بثبوت هذا الإنصراف في الصحيح محل البحث، فإنه لا مجال له في صحيح أبي بصير الآتي، لأنه قد تضمن التعبير: من جميع أهل الأرض. [5]

وقد أجيب عنها بجوابين:

الأول: ما جاء في كلام بعض أساطين العصر من المحققين(دامت أيام بركاته)، بمنع دلالتها على كفاية رؤية الهلال في بلد لبقية البلدان الأخرى، وذلك لأن موضوعها شيء آخر وهو توقف حجية البينة على عدم وجود معارض حكمي للشهادة برؤية الهلال في البلد الآخر، وذلك بأن تكون الرؤية قد ثبتت فيها بالشياع القطعي، أو البينة غير المعارضة ببينة النفي. ويدل على ذلك أنه قد اعتبر فيها قيام البينة على ثبوت الرؤية الذي لا يكون عادة إلا عن شياع قطعي أو بينة غير معارضة بغيرها، وهو الذي أشير إليه في بعض الروايات الأخرى بأن: الرؤية هي أن يقول القائل: رأيت، فيقول القوم: صدق، أو: إذا رأه واحد رآه عشرة، وإذا رآه عشرة رآه ألف.

وبالجملة، إن المقصود هو التركيز على قيام الحجة على الرؤية والتأكد من ثبوتها عند أهل ذلك المصر، فلا يكفي في وجوب القضاء وجود شاهدين منهم على الرؤية مطلقاً، وقد انفردا بادعاء الرؤية مع كثرة المستهلين النافين لها.

ومع كون الإمام(ع) في الصحيحة بصدد بيان ما ذكر، فإنه لن ينعقد لكلامه(ع) إطلاق حتى يشمل المصر الذي لا يحرز اتفاقه في الأفق مع بلد المكلف[6] .

وحاصل إشكاله (دامت أيام بركاته)، أن الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الجهة، أعني كفاية رؤية الهلال في بلد لبقية البلدان وإن اختلفت معه في الأفق، وإنما هي بصدد بيان أخذ قيد أو شرط إضافي في حجية البينة، وهو عدم وجود معارض حكمي لها، ويستفاد هذا المعنى من نصوص عدة، مثل صحيح أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوها بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر[7] . ومثله صحيح محمد بن مسلم[8] .

وعليه، فإنه حتى يلتـزم بوجوب القضاء لليوم الذي لم يصمه المكلف لعدم رؤيته الهلال في بلده، لابد وأن يعول على ثبوت الهلال في بلد آخر نتيجة وجود شياع على ذلك، أو قيام البينة المستجمعة لشروط الحجية، والتي منها عدم المعارض الحكمي لها.

ويمكن البناء على تمامية ما أفاده(دامت أيام بركاته)، من أخذ قيدية عدم المعارض الحكمي في حجية البينة وأن الصحيحة بصدد بيان ذلك، من خلال تعليق الصيام على الرؤية، ومن الواضح بمقتضى دلالة الاقتضاء كون المقصود منها الرؤية المستجمعة للشروط المعتبرة، والتي منها نفي المعارض الحكمي، فيكون مدلول الصحيحة منسجمة تماماً مع ما أفاد(أطال الله في بقائه).

إن قلت: إن ما أفيد خلاف الظاهر، ذلك أن السؤال في الصحيحة كان عن القضاء، وهذا يقضي أن يكون الجواب الصادر منه(ع) بيان موجباته، والذي هو قيام البينة الشرعية وهذا يستوجب ثبوت الإطلاق في المقام.

قلت: لا ضير أن يكون الجواب الصادر منه(ع) هو بيان القضاء حال قيام البينة الشرعية على ثبوت الهلال، وقد عرفت أنه بمقتضى دلالة الاقتضاء يعرف أن المقصود من البينة هي التي تكون مستجمعة شروط الاعتبار، والتي منها انتفاء المعارض الحكمي.

الثاني: إن الصحيح ليس في مقام بيان كفاية رؤية الهلال في بلد لبقية البلدان، وإنما هو بصدد بيان أن شهر رمضان المبارك لا يختلف عن بقية الشهور الأخرى، فكما أنها تنقص فتكون تسعة وعشرين يوماً، وتكون تامة ثلاثين يوماً، فإن شهر رمضان أيضاً كذلك، ويشهد لكون الصحيحة ناظرة لهذا المعنى وليست ناظرة للمعنى الذي تصوره بعض الأعاظم(ره)، تبعاً لمن سمعت من الأعلام(ره)، كون السؤال الوارد فيها قريب من السؤال الوارد في صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي، وهو السؤال عن حكم من صام تسعة وعشرين يوماً، فهل يقضي يوماً ليكمل الثلاثين على أساس أن شهر رمضان المبارك لا يكون إلا ثلاثين يوماً، لما ورد في قوله تعالى:- ﴿وأتموا العدة﴾، وقد كان جواب الإمام(ع) عن هذه الشبهة واحداً في كلا الصحيحين، وهو عدم وجوب القضاء إلا إذا قامت البينة على رؤية الهلال في ليلة الشك فيلزم القضاء وإلا فلا. فالصحيحان متقاربان من حيث المضمون، نعم يختلفان من ناحيتين:

الأولى: عدم اشتمال معتبر الحلبي على التصريح بأن تكون البينة منبعثة من خارج بلد المكلف، بينما قد تضمن صحيح هشام التصريح بذلك.

الثانية: عدم اشتراط معتبر الحلبي في البينة أن تكون كاشفة عن صيام أهل المصر، بل يكفي قيامها نفسها على رؤية الهلال، بينما تضمن صحيح هشام اشتراط شهادة البينة على صيام أهل مصر على رؤيته.

وعليه، إنما يصح التمسك بإطلاق الصحيحة لو كان في مقام بيان كفاية قيام البينة على رؤية الهلال في بلد لبلد آخر، ولو لم يكن متحداً معه في الأفق، لكنك قد عرفت أنها ليست بصدد البيان من هذه الجهة، وإنما هي ناظرة إلى أن شهر رمضان المبارك يمكن أن يكون أقل من ثلاثين يوماً، ويمكن أن يكون كذلك، فلا يلزم من صام تسعة وعشرين يوماً قضاء يوم آخر إلا مع قيام البينة على ذلك[9] .

ولا يذهب عليك أن الجوابين متنافيان، ذلك أن مقتضى الجواب الأول نفي الجواب الثاني، ضرورة أن الجواب الأول كما عرفت يقرر أن الإمام(ع) بصدد أخذ قيدية في حجية البينة، وهو عدم وجود المعارض الحكمي، بخلاف الجواب الثاني، فإنه يقرر أنه(ع) ليس بصدد الحديث عن حجية البينة، وما يعتبر في حجيتها، وإنما هو بصدد بيان أن شهر رمضان المبارك كبقية الشهور الأخرى قابلة للنقيصة، وقابل للتمام.

وهذا يعني أن كلا الجوابين يرد على الآخر ويمنعه، فيكفي لرد الجواب الأول وجود الجواب الثاني المانع من دلالة الصحيح على ما تضمنه، كما أن وجود الجواب الأول كافٍ لرفع اليد عن الجواب الثاني. نعم وجود أحد الجوابين كافٍ لرفع اليد عن دلالة الصحيحة على المدعى، ومانع من ثبوت الإطلاق المذكور في المستندلين إليها للقول بعدم اعتبار اتحاد الأفق في ثبوت الهلال.

وقد عرفت في الحديث عن معتبر عبيد الله بن علي الحلبي، المنع من الجواب الثاني، وقد ذكرنا أنه لو سلم ظهور ذلك من المعتبرة فإنه لا يظهر من جملة من النصوص، وقد استشهدنا هناك بصحيح هشام محل البحث، وذكرنا دلالته على كفاية مطلق البينة ولو لم تكن من بلد المكلف ولا قريبة منه، بل بعيدة عنه في الأفق، بل قلنا بأنه أوضح من معتبر الحلبي في المطلوب من أنها غير ناظرة لمسألة رفع توهم عدم نقصان شهر رمضان المبارك، كما أنها دالة على كفاية مطلق البينة ولو لم تكن من بلد المكلف ولا قريبة منه، بل بعيدة عنه في الأفق.

وهذا يعني بعد الجواب الثاني المذكور عن صحيح هشام، بل مخالفته للظاهر.

وأما الجواب الأول، فإن تماميته تعتمد على الالتـزام بدلالة النصوص على اعتبار انتفاء المعارض الحكمي في حجية البينة، وأما مع البناء على عدم اعتبار ذلك كما هو مختار غير واحد من الأعلام، فلا يوجد ما يوجب رفع اليد عن إطلاق الصحيحة.

على أنك قد عرفت في ما تقدم أن هذا الجواب وإن منع دلالة الصحيحة على القول بكفاية رؤية الهلال في بلد إلى بقية البلدان، إلا أنه يدل على كفاية ذلك حال وجود مانع من الرؤية في بلد المكلف، فيمكن للمكلف أن يعتمد على رؤية الهلال في أي بلد آخر.


[6] أسئلة حول الهلال، ج1، ص23.
[9] انحاد الآفاق أو اختلافها في بداية الأشهر القمرية، ج1، ص41-42.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo