< قائمة الدروس

 

الموضوع: كتاب الصوم/ثبوت الهلال /نصوص اطلاق الرؤية

الثانية: نصوص إطلاق الرؤية الشامل للأعم من رؤية المكلف ورؤية الآخرين:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو، وينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، وإذا كان علة فأتم شعبان ثلاثين يوماً [1]

ومنها: ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: في كتاب علي(ع): صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين[2] .

ومنها: معتبره الآخر، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ فقال: لا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه، وإذا رأيته من وسط النهار فأتمم صومه إلى الليل[3] . وقد ذكر في تقريب دلالتها على المطلوب بعض الأعيان(قده): وإطلاق لفظ الرؤية يشمل كل رؤية في أي بلد كان، لأي محل يحصل لهم الوثوق بتحقق الرؤية في أي بلد.

إن قيل: إن هذا القسم من الأخبار لا ربط له بالمقام، لأن المنساق منها أن الرؤية حجة للرائي، ولا نظر لها إلى التعميم والتخصيص.

فإنه يقال: لا ريب في ظهورها في أن الرؤية حجة معتبرة شرعاً، إلا أنها على أقسام:

الأول: أن يراه شخص ولا يطلع عليه أحد.

الثاني: أن يراه شخص ويطلع عليه من يعلم بصدق الرائي في دعواه.

الثالث: أن يراه عدلان ويشهدا به عند الحاكم أو غيره.

ومقتضى إطلاقها بالنسبة إلى الآخرين عدم الفرق بين اتحاد الأفق واختلافه، فلو رآه شخص في الحجاز وعلم بصدقه شخص آخر في الهند، أو بالعكس وجب ترتيب الأثر، وكذا لو رآه شخص في الحجاز مثلاً وجاء إلى الهند أو بالعكس وجب ترتيب الأثر على رؤيته، لشمول الإطلاق لجميع ذلك.

وبعبارة أخرى، صرف وجود الرؤية إذا تقاربت الأيام والليالي في الجملة في بلاد العالم منشأ لترتيب الأثر، اتحد الأفق أو اختلف. [4]

ولا يخفى أن كلامه(ره) قد اشتمل ذكر تقريبين لدلالة النصوص المذكورة على المدعى:

الأول: الاستفادة من الإطلاق الحاصل من خلال لفظ الرؤية، والذي لا يكون منحصراً برؤية الهلال في بلد المكلف، بل يكفي رؤيته في أي بلد كان، ولو لم يكن متحداً في الأفق مع بلد المكلف.

وهذا يعني عدم توقف ثبوت الهلال على رؤية المكلف إياه بنفسه، بل يمكنه ترتيب الأثر على رؤية الآخرين إياه أيضاً.

الثاني: الاستناد إلى كفاية رؤية المكلف للهلال في بلد لترتيب أثره لو سافر لبلد آخر يختلف معه في الأفق، ولو لم ير الناس في البلد الثاني مع أنهم خرجوا للاستهلال، وكانت الظروف الموضوعية للرؤية متوفرة من صفاء السماء وولادة الهلال، وقابليته للرؤية وما شابه ذلك، لأن الإطلاقات شاملة لهذه الصورة.

قال(قده): وكذا لو رآه شخص في الحجاز مثلاً وجاء إلى الهند أو بالعكس وجب ترتيب الأثر على رؤيته، لشمول الإطلاق لجميع ذلك. فإن مقتضى كلامه(ره) أن المكلف لو خرج من بلد وقد رؤي هلال شهر رمضان، ووصل بلداً لم يثبت فيه الهلال لزمه أن يصوم لو وصله قبل الزوال، والقضاء لو وصله بعده.

وحاصل ما أفاده(ره) البناء على دلالتها على المدعى اعتماداً على ظهورها في الإطلاق، فإن المستفاد منها جعل المعيار على ثبوت الشهر من خلال حصول الرؤية القطعية للهلال من قبل أناس ولو بمقدار البينة العادلة بشروطها، فتكون شاملة لحصول الرؤية في بلد آخر ولو كان مختلفاً في الأفق مع بلد المكلف. وكذا كفاية التعويل على رؤية المكلف نفسه في بلد لترتيب الأثر عليها في بلد آخر.

وقريب من كلامه(ره) ذكر بعض الأساتذة(ره) في تقريب دلالتها، حيث ذكر أنه يمكن تقريب دلالتها بنحوين:

الأول: إطلاقها لما إذا رأى المكلف الهلال في مكان ثم سافر إلى بلد آخر يختلف معه في الأفق لم ير فيه الهلال رغم استهلال الناس وكون السماء مصحية، فإنه لا إشكال في أن مقتضى هذا الإطلاق وجوب الصوم عليه ذلك اليوم، ولو قضاءً إذا وصله بعد الزوال، حتى إذا كان بحيث لا يمكن أن يرى فيه الهلال وأنه لابد من اعتبار ذلك اليوم من رمضان، مع أنه لو كان الميزان في تحقق الشهر بالبلد الذي هو فيه فذلك النهار ليس من رمضان بالنسبة إليه لكي يجب عليه صومه، والبلد الذي كان قد رأى الهلال فيه لم يكن موجوداً فيه في نهاره، ليصبح وجوب صومه عليه فعلياً، فهذا الإطلاق ينفي تعدد الشهر بتعدد البلاد في حق هذا المكلف، فيتعين لا محالة كفاية الرؤية لبلد لسائر البلدان أيضاً، لعدم احتمال الفرق بين مكلف ومكلف في الحكم الواقعي في البلد الواحد.

الثاني: التمسك بإطلاق الرؤية للأعم من رؤية المكلف نفسه أو رؤية الآخرين، فإن هذه الروايات بعضها وردت بعنوان: صوموا للرؤية، أو: الصوم للرؤية، أو بالرؤية، ونحو ذلك.

ومثل هذا اللسان ظاهر في أن الميزان في تحقق الشهر في ثبوت الرؤية القطعية للهلال من قبل الناس ولو في الجملة، أو بمقدار البينة العادلة بشروطها، فيكون إطلاق لثبوت الرؤية في بلد آخر، ولو كان مختلفاً في الأفق مع بلد المكلف[5] .

ومع أنه يأتي في نصوص هذه الطائفة الجواب الثاني الذي تقدم جواباً عن الطائفة الأولى، فإنه مانع من حجية إطلاقها لو كان لها إطلاق، لتكون مقيدة بالرؤية في بلد الرائي أو من يتحد معه أفقاً.

إن قلت: إن مقتضى كون المتكلم في مقام البيان يستدعي منه أن يشير لكل ما يكون دخيلاً في مراده، فلو كان يريد تخصيص الموضوع بالبلدان القريبة من بعضها، والمتحدة أفقاً لأشار لذلك، وسكوته عن ذلك مع كونه في مقام البيان يقضي بثبوت الإطلاق المدعى.

قلت: إن ملاحظة الواقع الخارجي لعملية الأسفار في تلك الأزمنة ووسائل النقل تشكل قرينة تكشف عن النكتة التي دعت الشارع المقدس أن يسكت عن الإشارة لمسألة اختلاف البلدان في الأفاق، فلا يكشف سكوته على كفاية ثبوت الهلال في بلد لبقية البلدان الأخرى ليكون الهلال واحداً لجميع بقاع المعمورة.

على أنه للتشكيك في كونها في مقام البيان من هذه الجهة مجال، فإن المتصور أنها بصدد بيان أن الحجية للرؤية، ونفي الحجية عن سائر الطرق الأخرى، وليست بصدد كفاية الرؤية في بلد لبقية البلدان الأخرى.

وإن شئت قل، إن مدلول هذه الطائفة هو التفريق بين الطرق المعتبرة، والتي يعتمد عليها في ثبوت الهلال، وعدمها، وأين هذا مما نحن بصدده.

فإنه يمكن الجواب عن التقريبين المذكورين من خلالها للمدعى:

أما التقريب الثاني الوارد في كلام بعض الأعيان(ره)، وهو الأول في كلام بعض الأساتذة(ره)، فيلاحظ عليه، بأن وجوب الصوم على المكلف لا يعود لثبوت الهلال في بلد لا يتحد أفقاً مع البلد الذي سافر إليه، وإنما منشأ ذلك هو تنجز التكليف في حقه شخصياً لرؤيته الهلال، فيكون بمثابة من رأى الهلال وحده في بلده، فإنه لا ريب في تنجز وجوب الصوم عليه حينئذٍ، كما دلت على ذلك النصوص، ففي صحيح علي بن جعفر، أنه سأل أخاه موسى بن جعفر(ع): عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فليصم وإلا فليصم مع الناس. [6] [7]

وأما التقريب الأول في كلامه، والثاني في كلام بعض الأساتذة(ره)، فقد يورد بأن النصوص المذكورة أجنبية عن المقام، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة وإنما هي بصدد بيان أن الرؤية حجة للرائي وعليه، فتكون مسوقة لبيان الوظيفة الظاهرية عند الشك، وليست بصدد بيان ما يتحقق به الشهر واقعاً من حيث كفاية رؤيته في بلد آخر وعدمها، وهذا مانع من وجود إطلاق لها.

الطائفة الثالثة: ما دل على حجية البينة حال وجود علة في أفق بلد المكلف:

منها: خبر حبيب الخزاعي قال: قال أبو عبد الله(ع): لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كان من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبروا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية[8] . ولا تختلف دلالته على المدعى عن سابقه، نعم في سنده مشكلتان:

الأولى: وجود إسماعيل، وهو مردد بين اثنين:

الأول: إسماعيل بن سعد الأحوص الأشعري الذي نص الشيخ(ره) على أنه من أصحاب الإمام الرضا(ع)، وأنه ثقة.

الثاني: إسماعيل بن مرار، وهو لم يوثق بالتوثيق الخاص، نعم لو قبلت كبرى كامل الزيارات، أو تفسير القمي حكم بوثاقته.

ومع القبول بوثاقة إسماعيل بن مرار، لا ثمرة عملية لتحديد الواقع في السند، وأنه إسماعيل بن سعد، أو إسماعيل بن مرار، وإنما تظهر الثمرة لو بني على عدم وثاقة إسماعيل بن مرار، فإن البناء على كون الواقع في السند هو بن مرار، سوف تكون الرواية ضعيفة من هذه الجهة، بخلاف ما لو كان الواقع فيها هو إسماعيل بن سعد.

وقد يبنى على أن الواقع في السند هو إسماعيل بن مرار، تميـيزاً له عن إسماعيل بن سعد بملاحظة الراوي والمروي عنه، فإنه يروي عادة عن يونس بن عبد الرحمن، ويروي عنه إبراهيم بن هاشم، وهذا هو الواقع في سند الخبر محل البحث.

إلا أن الجزم بذلك صعب جداً، ضرورة أن الإثنين في طبقة واحدة، ومن الممكن جداً رواية إ[راهيم بن هاشم عن إسماعيل بن سعد، كما يمكن رواية إسماعيل بن سعد عن يونس بن عبد الرحمن ولو نادراً، وهذا يمنع من الجزم بكون الموجود في السند هو بن مرار وليس بن سعد، ومع صعوبة تميـيز المقصود به في المقام، فلا مناص من البناء على ضعف السند من هذه الجهة.

 


[5] مجلة فقه أهل البيت، العدد 31، ص43.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo