< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

بحث الفقه

42/10/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الصوم/ثبوت الهلال /تأريخ المسألة

الثاني: تأريخ المسألة:

وقد خلت كلمات قدماء الأعلام، كالصدوق، والمفيد، والمرتضى، والشيخ(ره) في كتابه النهاية، والحلبي، وسلار من الإشارة لهذه المسألة، فإن المتابع لكلماتهم يجدها تقتصر على عرض طرق ثبوت الهلال من خلال الاعتماد على البينة، وما اشبه دون تعرض منهم إلى اعتبار اتحاد الآفاق في الثبوت وعدمه.

قال الشيخ الصدوق(ره) في كتابه المقنع: وأعلم أن صيام شهر رمضان بالرؤية، والفطر بالرؤية، وليس بالرأي والتظني[1] .

وقال الشيخ(ره) في كتابه النهاية والذي يعدُّ متون النصوص: علامة الشهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع، فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان فصم بنية الفرض من الغد، فإن لم تره لتركك الترائي له ورئي في البلد رؤية شائعة وجب أيضاً عليك الصوم، فإن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفساً وجب أيضاً الصوم، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شيء، ومتى كان في السماء علة ولم ير في البلد الهلال أصلاً ورآه خارج البلد شاهدان عدلان وجب أيضاً الصوم[2] .

نعم أول من تعرض لهذه المسألة على ما يبدو هو الشيخ(ره) في كتابه المبسوط، والذي قد كتبه لعرض الفروع المستفادة من النصوص، والتي لم ينص عليها بصورة مباشرة، كما أشير لذلك في مقدمته[3] ، ومن بعده تعرض للمسألة غير واحد من الأعلام، من تلامذته.

قال الشيخ في المبسوط: ويجب العمل بالرؤية لأن ذلك يختلف بحسب اختلاف المطالع والعروض ومتى لم ير الهلال في البلد ورؤي خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به إذا كانت البلدان التي رؤي فيها الهلال متقاربة بحيث لو كانت السماء مضحية والموانع مرتفعة لرؤي في ذلك البلد أيضاً لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان وبغداد ومصر فإن لكل بلد حكم نفسه ولا يجب على أهل بلد العمل بما رآه أهل البلد الآخر[4] .

والمستفاد من عبارته(قده)، بناءه على اختيار قول المشهور، فما لم تكن البلدان متحدة الأفاق لا يثبت الهلال إلا في خصوص ما رؤي فيها دون غيرها.

وقال ابن البراج في المهذب: وإذا كانت البلدان متقاربة ولم ير الهلال في البلد ورئي من خارجه-على ما قدمنا بيانه في الشهادة-وجب العمل به، هذا إذا لم يكن في السماء علة وكانت الموانع مرتفعة أو كانت البلدان-كما ذكرناه-متقاربة حتى لو رئي الهلال في أحدها لرئي في الآخر، مثل طرابلس وصور، ومثل صور والرملة، ومثل حلب وطرابلس ومثل واسط وبغداد، وواسط والبصرة. وأما إذا كانت البلدان متباعدة مثل طرابلس وبغداد وخراسان ومصر وبغداد وفلسطين والقيروان، وما جرى هذا المجرى فإن لكل بلد حكم سقه ونفسه، ولا يجب على أهل كل بلد مما ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الآخر[5] .

ولا تختلف عبارته(ره) في البناء على مختار قول المشهور عن عبارة الشيخ(ره).

وقال ابن حمزة(قده) في كتابه الوسيلة إلى نيل الفضيلة: وإذا رئي الهلال في بلد ولم ير في آخر فإن كانا متقاربين لزم الصوم أهليهما معاً، وإن كانا متباعدين مثل بغداد ومصر أو بلاد خراسان لم يلزم أهل الآخر[6] .

وجاء في إصباح الشيعة بمصباح الشريعة للكيدري(ره): ومتى لم ير في البلد ورئي في بلد آخر أو في البراري وجب العمل به إذا كان البلد الذي رئي فيه بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرئي في الموضعين معاً لتقاربهما، وأما إذا بعدت فلكل بلد حكم نفسه، ولا يجب على أهل أحدهما العمل بما رئي في الآخر[7] .

وقال ابن سعيد(قده) في الجامع: وإذا رئي في بلد فما قاربه بحكمه، وما باعده كمصر وبغداد فليس بحكمه[8] .

وقال في الشرائع: وإذا رؤي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيها أجمع دون المتباعد كالعراق وخراسان بل يلزم حيث رؤي[9] .

وجاء في المدارك تعقيباً على كلام المحقق فيما سبق نقله من كلامه: المراد انه إذا رؤي الهلال في إحدى البلاد المتقاربة وهي التي لم تختلف مطالعها ولم ير في الباقي وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد بخلاف المتباعدة وهي ما علم اختلاف مطالعها فإن الصوم يلزم من رأى دون من لم ير.

ثم إنه استجود ما أختاره العلامة في المنتهى من كون البلاد كلها متحدة الآفاق فمتى ثبت في بلد ثبت في كل البلدان وإن اختلفت في المطالع[10] .

وعلق على كلام المحقق(قده) في الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال…. دون البلاد المتباعدة ونحوهما مما علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل فلا يجب الصوم ولا القضاء… لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون إما لعدم كروية الأرض بل هي مسطحة فلا تختلف المطالع حينئذٍ وإما لكونه قدراً يسيراً لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء وربما يومئ إلى ذلك[11] .

وقال في التذكرة: إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلد آخر فإن تقاربت البلدان كبغداد والكوفة كان حكمهما واحداً يجب الصوم عليهما معاً وكذا الإفطار وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق فلكل بلد حكم نفسه قال الشيخ وهو المعتمد وبه قال أبو حنيفة وهو قول بعض الشافعية ومذهب القاسم وسالم واسحاق لما رواه كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل عليّ رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس وذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله.

ولأن البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر لأن حدبة الأرض مانعة من رؤيته وقد رصد ذلك أهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جد في السير نحو المشرق وبالعك

وقال بعض الشافعية: حكم البلاد كلها واحد متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنه أو الشهر كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض سواء تباعدت البلاد أول تقاربت اختلفت مطالعها أولا. وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد وبعض علمائنا لأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه لقوله تعالى:- ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾.. ولأن الأرض مسطحة فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا أنه المانع في غيره شيء عارض لأن الهلال ليس بمحل الرؤية[12] .

وقال في المنتهى: إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت واستدل عليه بأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد بالرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه وبأن البينة العادلة شهدت بالهلال فيجب الصوم كما تقاربت البلاد وبأنه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات للأخبار الكثيرة الدالة عليه....

ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض.

قلنا: إن المعمور منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو حكمهما أو بدون ذلك فالتساوي هو الحق[13] .

وقد فهم بعض الأعاظم(ره) من كلامه بناؤه على عدم اتحاد الآفاق فيكفي ثبوت الهلال في بلد لثبوته في بقية البلدان الأخرى[14] .

وهو يتوافق مع ما جاء في مطلع كلامه دون ما جاء في ذيله، ذلك أن المستفاد من كلامه في البداية البناء على اتحاد الآفاق، وكفاية رؤية الهلال في بلد لثبوته في بقية البلدان الأخرى وإن تباعدت واختلفت في المشارق والمغارب، إلا أن الظاهر مما جاء في آخر كلامه خلاف ذلك، وبناؤه على اعتبار عدم اتحاد الآفاق في الثبوت خصوصاً مع البناء على كروية الأرض. نعم لو بني على عدم كرويتها كان اللازم من ذلك كفاية ثبوت الهلال في بلد لبقية البلدان الأخرى ولو اختلفت معه في الآفاق.

والحاصل، لا يمكن عدّ العلامة(قده) في المنتهى مخالفاً لما عليه مشهور الأعلام، كما تصور ذلك بعض الأعاظم(قده).

وقال فخر المحققين : ومبنى هذه المسألة على أن الأرض هل هي كروية أو مسطحة والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة وإنما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس[15] .

وقد توقف الفاضل السبزواري(ره) في كتابيه الذخيرة والكفاية في المسألة، فقال: إن المسألة عندي محل إشكال لفقد نص واضح الدلالة على حقيقة الحال[16] .

والظاهر أن أول من خالف المشهور، وقال بعدم اعتبار اتحاد الآفاق في ثبوت الهلال ممن يعرف باسمه هو الفيض الكاشاني(قده) في كتابه الوافي، وذلك في القرن الحادي عشر تقريباً، فقد قال: الظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه[17] .

نعم قد صرح في كتابه مفاتيح الشرائع بخلاف ذلك، حيث بنى فيه على مختار المشهور من اعتبار اتحاد الآفاق، قال(ره): ويختلف الحكم باختلاف مطالع البلاد وفاقاً للأكثر ووجهه ظاهر[18] .

ومن بعد صاحب الوافي قال بذلك صاحب الحدائق(قده)، وكذا الفاضل النراقي(ره) في كتابه المستند[19] ، وإن خالف ذلك في بعض رسائله الفتوائية.

وبعدهم قال بذلك صاحب الجواهر(قده)[20] كما سمعت في عبارته التي تقدم نقلها تعقيباً على كلام المحقق الحلي(ره)، وكذا السيد أبو تراب الخونساري(ره)[21] ، ومال إلى ذلك بعض الأساطين(قده).

وأحيى هذا القول في زماننا بعض الأعاظم(ره)، وتبعه على ذلك جملة من تلامذته، كشيخنا التبريزي(ره)، والشيخ الأستاذ(دامت بركاته)، وبعض الأعيان(ره)[22] وجملة آخرين.

ولم يختلف مشهور علماء الجمهور عما عليه مشهور أعلام الطائفة، فقالوا أيضاً باعتبار اتحاد الآفاق في ثبوت الهلال، فلو ثبت الهلال مثلاً في المدينة المنورة، لم يثبت في الشام التي لا تتحد معها في الأفق، وهكذا. بل قد يدعى انعقاد الإجماع عندهم على ذلك. نعم قد ناقش بعض علمائهم الإجماع المدعى، ما يكشف عن كون المسألة خلافية عندهم أيضاً وإن كان المشهور بينهم ما سمعت.

 


[1] المقنع ص58.
[2] النهاية ص150.
[3] قد جاء في مقدمة الكتاب أنه(ره) قد ألف الكتاب لغرض الرد على طعن بعض العامة على علماء الطائفة، من خلو كتبهم من الفروع، وأنها مقتصرة فقط على مضمون النصوص، وحتى يثبت(قده) قوة الاجتهاد وملكة الاستنباط عند أعلام الطائفة كتب كتابه.
[4] المبسوط ج1 ص268.
[5] المهذب ج1 ص190.
[6] الوسيلة إلى نيل الفضيلة ص141.
[7] إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ص134.
[8] الجامع للشرائع ص154.
[9] شرائع الإسلام ج1 ص.
[10] مدارك الأحكام ج6 ص171.
[11] جواهر الكلام ج6 ص200.
[12] تذكرة الفقهاء ج6 ص122.
[13] منتهى المطلب ج2 592.
[14] منهاج الصالحين ج1 ص279.
[15] إيضاح الفوائد ج1 ص252.
[16] ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ج1 ص532، كفاية الأحكام ج1 ص261.
[17] الوافي ج11 ص120-121.
[18] مفاتيح الشرائع ج1 ص257.
[19] الحدائق الناضرة ج13 ص266، مستند الشيعة ج10 ص424.
[20] جواهر الكلام ج16 ص361.
[21] سبيل الرشاد في شرح كتاب الصوم من نجاة العباد ص112.
[22] مهذب الأحكام ج10 ص273.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo