30/10/13
بسم الله الرحمن الرحیم
/تعريف علم الأصول/مقدمة علم الأصول
الموضوع: مقدمة علم الأصول/تعريف علم الأصول/
مقدمة علم الأصول:
اعتاد الأصحاب أن يذكروا في مقدمة علم الأصول ثلاث نقاط هي:
الأولى: تعريف علم الأصول.
الثانية: موضوع علم الأصول.
الثالثة: تقسيم مباحث علم الأصول.
1) تعريف علم الأصول
وقد عرّف الوحيد البهبهاني وصاحب القوانين علمَ الأصول بِأَنَّهُ >العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الفرعي<. والمقصود من التعريف هنا بيان الضابط والمائز للمسألة الأصولية؛ لأَنَّ لكل مجموعة من مسائل كل علم ضابط ذاتي خاص يميزه من العلوم الأخرى وإلا لتداخلت العلوم في بعضها وتمازجت، والمطلب نفسه يأتي في المقام حيث لا يُقصد بتعريف الأصول شرح حقائق الماهيات وجنسها وفصلها الَّتِي تأتي في تعريف الأشياء الحقيقية. فيجب أن يبيّن هذا التعريف ضابط المسائل الأصولية والمائز الحقيقي لها لكي يستل بها الإنسان المسائل الأصولية عن غيرها.
وَحِينَئِذٍ نتساءل هل أن ما ورد في هذا التعريف يُعَدُّ ضابطاً صحيحاً ومائزاً دقيقاً لمعرفة المسائل الأصولية عن غيرها؟ فذهب البعض إلى أننا لا نحتاج إلى المائز والضابط والقانون أَبَداً؛ لأَنَّ المسائل الَّتِي جمعها الأصوليون في علم الأصول ودرسوها وبحثوا عنها هي المسائل الَّتِي تشكّل علم الأصول ولعل هذا هو السبب في أن البعض قرأ كلمة >الممهدة< في هذا التعريف عَلَىٰ صيغة المفعول >الْمُمَهَّدة<، أي: تلك المسائل التي مُهِدت واختيرت وجمعت مِنْ قِبَلِ الأصوليين.
أجل، لقد ذكرنا في البحوث المقدمية أن نكتة مشتركة تجمع بين المسائل الأصولية وهي الَّتِي أدت إلى خروج تلك المسائل عن الفقه تدريجياً وتمركزت في علم مستقل يدرس قبل علم الفقه، فيجب أن نحدد ذاك الضابط المشترك كما يجب أن يتضمنه التعريف.
ميزات تعريف المشهور:
1)- أن تكون قاعدة.
2)- أن تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي.
3)- أن يكون الحكم الشرعي فَرْعِيّاً.
فهل تشكل هذه الخصائص المذكورة في التعريف الضابط المطلوب للمسائل الأصولية والمائز بين مسائله ومسائل العلوم الأخرى أم لا؟ وتظهر الإجابة من خلال دراسة الملاحظات الَّتِي وجهها الأصوليون إلى هذا التعريف المشهور وذلك كالتالي:
إشكالات تعريف المشهور
وقد وجّهت إشكالات عديدة إلى هذا التعريف تتمحور في أَنَّ التعريف ليس جامعاً ولا مانعاً، بينما يجب عَلَىٰ الضابط أن يكون جامعاً يجمع جميع مسائل الأصول ومانعاً عن دخول المسائل غير الأصولية.
بيان عدم جامعية التعريف
إن هذا التعريف غير جامع لجميع المسائل الأصولية؛ لأَنَّ بعض القواعد الأصولية لا تقع في طريق الحكم الشرعي والوصول إليه، فيبقى الحكم الشرعي مجهولاً، كمسائل الأصول العملية وأصلي البراءة الشرعية والاستصحاب؛ فَإِنَّها لا تبيّن الأحكام الشرعية لاسيما الأصول العملية العقلية كالبراءة العقلية والاشتغال ومنجزية العلم الإجمالي حيث أنها تشكل مسائل دقيقة وقواعد مهمة من علم الأصول، ولكن لا يوصّلنا شيء منها إلى استنباط الحكم الشرعي الواقعي، والحكم الشرعي مجهول في هذه الموارد، بل الأمر كذلك بالنسبة للأمارات أَيْضاً. وفي الحقيقة إن سائر المسائل الأصولية (غير الأدلة القطعية كالإجماع والسيرة والظهورات القرآنية القطعية الصريحة والناصة) لا تبيّن الحكم الشرعي الواقعي، وعليه يخرج جميع تلك المسائل عن التعريف المذكور، مع أنها من أمهات المسائل الأصولية مِمَّا يعني عدم جامعية التعريف المشهور.
بيان عدم مانعية التعريف
كما أن التعريف المذكور ليس مانعاً من جهتين:
الجهة الأولى: عدم مانعيته للقواعد الفقهية؛ لأَنَّ هناك بعض القواعد الفقهية تقع كالقواعد الأصولية في طريق الوصول إلى الحكم، كما إذا شككنا في أن المستأجر هل يضمن تلف العين في الإجارة الفاسدة أم لا؟ فهذه مسألة شرعية يحكم فيها الفقهاء بعدم ضمان المستأجر استناداً منهم إلى قاعدة >ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده<، أو عَلَىٰ سبيل المثال يتمسكون بقاعدتي >لا ضرر< و>لا حرج< لنفي وجوب الوضوء الضرري أو الصيام الضرري أو لنفي بعض الخيارات كخيار الغبن أو العيب حيث أثبت ذلك الشيخ الأنصاري في المكاسب، ومثل قاعدة الطهارة الَّتِي يبحث عنها بالتفصيل في كتاب الطهارة بِأَنَّهُ >كل شيء نظيف حَتَّىٰ تعلم أَنَّهُ قذر< حيث يثبتون بها أصالةَ الطهارة كأصالة البراءة، فكما أن البراءة الشرعية قاعدة أصولية؛ لأنها تقع في طريق إثبات البراءة عن الحكم المشكوك، كذلك تقع قاعدة الطهارة في موارد الشك في النجاسة والطهارة في طريق إثبات الطهارة، فعلى سبيل المثال لو شك الْمُكَلَّف في أن الفأرة هل هي نجس العين أم لا، يثبت بقاعدة الطهارة أنها طاهرة، وَبِالتَّالِي تدخل قاعدة الطهارة في القواعد الأصولية بينما لم يتناولها الأصوليون في علم الأصول أَبَداً.
إذن، إن التعريف يشمل هذه القواعد أَيْضاً؛ لأنها تحتوي عَلَىٰ تلك القيود الثلاثة المذكورة في التعريف؛ فإنها أَوَّلاً قواعد وَثَانِياً تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي وثالثاً الحكم المستنتج منها حكم كلي، فيجب أن تكون هذه المسائل أصوليةً مع أنها مسائل فقهية.
الجهة الثانية: في عدم مانعية التعريف لمسائل العلوم الأخرى غير الأصول والفقه؛ لأَنَّ مسائل بعض العلوم الأخرى تقع أَيْضاً في طريق الوصول إلى الحكم الشرعي في الشبهات الحكمية، وحيث ورد في التعريف أن القاعدة الأصولية هي القاعدة الَّتِي تقع في طريق الوصول إلى الحكم الشرعي في الشبهة الحكمية، فتدخل تلك المسائل جميعاً في علم الأصول كمسائل علم الحديث وعلم الرجال وعلم اللغة مَثَلاً؛ فَإِنَّهُ لو كان محمد بن سنان الراوي ثقةً دخلت رواياته في كل مسألة فقهية ويثبت بها الحكم الشرعي الكلي (أي: تقع رواياته في طريق استنباط تلك الأحكام الشرعية)؛ وَبِالتَّالِي تصبح وثاقةُ محمد بن سنان قاعدةً أصوليةً، بل إن هناك قواعدَ كليةً في علم الرجال كقاعدة أصحاب الإجماع (أَيْ: أن الذين يروي عنهم أصحابُ الإجماع ثقات) أو أن مسانيد ومراسيل المشايخ الثلاثة (وهم ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي) صحيحة؛ لما ذكره الشيخ في العدة بأن الطائفة تعتقد بأنهم >لا يروون ولا يرسلون إِلاَّ عن ثقة<، وهذه قاعدة كلية رجالية، أو كالقاعدة الَّتِي كان السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & يتمسك بها قبل أن يتراجع عنها وهي صحة وثاقة كل من وقع في أسانيد كامل الزيارة أو تفسير علي بن إبراهيم. فإذا كان الراوي مجهولاً لم ترد عليه شهادة تضعّفه، كان مجرد وقوعه في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير علي بن إبراهيم أو نقل أصحاب الإجماع أو أحد الثلاثة عنه يَدُلُّ عَلَىٰ وثاقته. فهذه القواعد أَيْضاً تدخل في علم الأصول لكونها تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي في الشبهة الحكمية.
ويصدق هذا الكلام في مسائل علم اللغة؛ لأَنَّهُ عَلَىٰ سبيل المثال تحديد المعنى اللغوي لكلمة {ﭻ} في الآية الكريمة {ﭺ ﭻ ﭼ} وأنها هل تشمل مطلق ما يعلو عَلَىٰ وجه الأرض أم هي خاصة بالتراب، يقع هذا التحديد في طريق الاستنباط؛ لأَنَّنَا إن قلنا بأن الصعيد خاص بالتراب لا يَصِحُّ التيمم حِينَئِذٍ إِلاَّ بالتراب ولا يَصِحُّ عَلَىٰ الحجر.
والكلام نفسه يأتي في علم الحديث؛ فَإِنَّ الحديث المروي عن زرارة مَثَلاً يُعَدُّ مسألةً أصولية؛ لأَنَّهُ لو لم يكن الحديث مَوْجُوداً لما استطعنا استنباط الحكم، وَبِالتَّالِي التعريف يشمل مسائل من العلوم الأخرى، فهذا التعريف واسع جداً وليس مانعاً للأغيار.
جواب الإشكالات:
واختلفت محاولات المحققين من الأصوليين في الإجابة عن هذه الإشكالات بين من دافع عن التعريف من دون إحداث التغييرات فيه وبين مَن أدخل في التعريف بعض التعديلات، ومن هنا نجد اختلافاً في تعابيرهم للتعريف المشهور في الكتب الأصولية مِمَّا يوحي إلى محاولات رادعة عن توجيه الملاحظات إلى التعريف. وها نحن نذكر فيما يلي تلك الإجابات بالتفصيل مع الإشارة إلى التغييرات والتعديلات الموجودة في كلمات المتأخرين خلال التطرق إلى كل إجابة.
دفع إشكال عدم الجامعية:
هناك إجابات عديدة ذكرت لدفع إشكال عدم جامعية التعريف، ولكن لا تَصِحُّ غير إجابة واحدة منها، ولإيضاح عدم تمامية تلك الأجوبة نذكرها ونجيب عنها تِبَاعاً:
إجابة الخراساني:
ودفعاً لإشكال عدم المانعة أضاف الخراساني إلى التعريف قَيْداً وقال: صناعة يعرف بها القواعد الَّتِي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو الَّتِي ينتهي إليها في مقام العمل حَتَّىٰ تدخل الأصول العملية في التعريف بواسطة قيد >الانتهاء إلى الوظيفة العملية<؛ لأنها وإن لم تكن تبيّن الحكم الواقعي وَلٰكِنَّهَا تحدد الوظيفة العملية في موارد الشك.
إبطال جواب الخراساني:
إِلاَّ أن كلامه غير تام وذلك بدليلين:
أحدهما: أن هذا لا يُعَدُّ ضابطاً وقانوناً، وَإِنَّمَا يعني إدخال المسائل غير الداخلة في التعريف إليه بواسطة حرف العطف، ومن الواضح أن مثل هذا التعريف لا يكون صحيحاً ولا فنياً.
وثانيهما: أَنَّهُ وَفْقاً لتعريفه وهو >القواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي أو الانتهاء إلى الوظيفة العملية< يجب أن تكون المسألة الأصولية قاعدةً ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي أو الوصول إلى الوظيفة العملية، بينما لا تقع الأصول العملية في طريق الاستنباط بل هي بنفسها وظيفة عملية بينما يفيد التعريف أن القاعدة الأصولية هي الَّتِي تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي أو في طريق الانتهاء إلى الوظيفة العملية. أي: أن التعريف ظاهر في أن القاعدة الأصولية تختلف عن النتيجة والمستنبَط الَّذِي هو الحكم الشرعي أو الوظيفة العملية، والحال أن الوظيفة العملية بنفسها ليست إِلاَّ قاعدة؛ فَإِنَّ أصالة البراءة مَثَلاً هي تلك الوظيفة العملية وليست شيئاً آخر يمكن التوصل إليه بواسطة أصالة البراءة.
إجابة السيد الخوئي:
أَمَّا السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & فقد أضاف في تقريراته القديمة قيد >الانتهاء إلى الوظيفة العملية< فقط (أي: >القواعد الممهدة للانتهاء إلى الوظيفة العملية<)؛ لأَنَّ الوظيفة العملية قد تثبت بالأصول العملية العقلية والشرعية وقد تثبت بالأمارات والحجج التعبدية الشرعية كما أنها تثبت بالعلم والقطع بالحكم الواقعي؛ لأَنَّ الوظيفة العملية موجودة في كل ذلك.
دراسة جواب الخوئي:
ولكن هذه الإجابة تنطوي أَيْضاً عَلَىٰ الإشكال المذكور من أن الانتهاء إلى الوظيفة العملية يعتبر قاعدةً أصولية، لا أن تقع القاعدة الأصولية في طريقه ويكون مستنتَجاً عن القاعدة الأصولية.
إجابة النائيني:
أَمَّا الميرزا النائيني فقد ذكر كلاماً مماثلاً حيث قام بالتوسعة في الحكم الشرعي ليكون أعم من الحكم الواقعي والظاهري، وأن الوظيفة العملية حكم شرعي ظاهري([1] ).
إِلاَّ أن هذا الكلام غير تام أَيْضاً وذلك بسببين:
الأول: أَنَّ هناك قواعد أصولية لا تنتهي إلى الحكم الشرعي أَبَداً، فَضْلاً عن الظاهري منه كالأصول العملية العقلية (البراءة والتخيير العقلي ومنجزية العلم الإجمالي) وهي تصحح المنجزية والمعذرية العقليتين، وواضح أن المنجزية والمعذرية العقليتين ليستا حكمين شرعيين واقعيين ولا ظاهريين، وَإِنَّمَا يثبت بهما الاعتذار وقبح العقاب في البراءة العقلية والتنجز واستحقاق العقاب والمؤاخذة في الاحتياط العقلي، وَبِالتَّالِي لا تكفي هذه التوسعة للحكم في الأعم في الواقعي والظاهري حَتَّىٰ يشمل الأصول العملية العقلية.
الثَّانِي: عودة الإشكال السابق القائل بأن القاعدة الأصولية في موارد الأحكام الظاهرية هي ذاك الحكم الظاهري نفسه، وليست قاعدة تقع في طريق الوصول إليه، وَبِالتَّالِي لا يمكن لتفسير الميرزا عن الحكم أن يرفع الإشكال.
إجابة المحقق الإصفهاني
أَمَّا المحقق الإصفهاني & فقد غيّر التعريف نهائياً؛ ذلك لأَنَّ الوصول إلى الحكم الشرعي ليس محفوظاً في جميع المسائل، وَإِنَّمَا تثبت الحجة فيها، ومن هنا عرّف & الأصولَ بِأَنَّهُ >ما يبحث فيه عن القواعد الممهدة لتحصيل الحجة عَلَىٰ الحكم الشرعي<([2] ) فقد جعل & تحصيل الحجة ضابطاً ومعياراً للمسألة الأصولية؛ لأَنَّنَا بواسطة القواعد الأصولية نحصل دائماً الحجةَ عَلَىٰ الحكم الشرعي، سواء كانت هذه الحجة عبارة عن القطع أم الأمارة أم الأصل العملي الشرعي أم الحجة العقلية، فلا فرق من هذه الجهة بينها.
إجابة الإيرواني:
وقد سلك الإيرواني & مسلك المحقق الأصفهاني & وأدلى بتعريف مشابه لتعريفه حيث قال: >الأصول هو العلم الباحث عن الحجة عَلَىٰ الحكم الشرعي<([3] ).
مناقشة الإجابتين:
ولكن لا يَتُِمّ شيء من الإجابتين وذلك لأمرين:
الأول: أن الإشكال الموجَّه إلى تعريف كلّ من الخراساني والميرزا وَالسَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & موجّه إلى هذا التعريف أَيْضاً؛ فَإِنَّ هذه الحجة الشرعية هي عين تلك القاعدة الأصولية، لا القاعدة الأصولية الممهدة للوصول إلى الحجة عَلَىٰ الحكم الشرعي.
الثَّانِي: أَنَّهُ بِنَاءً عَلَىٰ هذا التعريف سوف يكون تعريف الأصول مشابهاً لتعريف الفقه ويرد عليه الإشكال اللاحق من عدم مانعية التعريف؛ لأَنَّ جميع المسائل الفقهية تدخل حِينَئِذٍ في التعريف؛ لأَنَّ علم الفقه علم تحصيل الحجة عَلَىٰ الحكم الشرعي حيث عرّفوه بِأَنَّهُ >العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية< ومن المعلوم أن العلم بالأدلة عَلَىٰ الأحكام الفرعية هو العلم بالحجج، وَبِالتَّالِي لا يَتُِمّ شيء من هذه الأجوبة المذكورة.
الإجابة الصحيحة:
أَمَّا الإجابة الصحيحة فهي الإجابة الثانية الَّتِي ذكرها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & في دوراته الأصولية الأخيرة وقد تقبله سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & والآخرون بقبول حسنٍ؛ ولعل هذا الجواب مَوْجُوداً في بعض تعاليق المحقق الأصفهانيّ & أستاذ السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ &، والجواب هو أن المقصود من الاستنباط في التعريف ليس هو الوصول القطعي إلى الحكم حَتَّىٰ يستشكل عليه بأن التعريف حِينَئِذٍ لا يكون جامعاً، وَإِنَّمَا المقصود من الوصول هو الإثبات التنجيزي والتعذيري للحكم الواقعي، أي: أننا بهذه القواعد الأصولية نثبت الحكم الشرعي إِثْبَاتاً تنجيزياً وتعذيرياً، أي: نثبت منجزيتَه سواء كان واقعاً أم لم يكن؛ لأَنَّ المنجزية والمعذرية من آثار الحكم الشرعي الواقعي.
إذن، إن المقصود من الاستنباط ما يعم الإثبات الوجداني والإثبات التنجيزي والتعذيري حيث أن المنجزية في الأحكام الإلزامية والمعذرية في الأحكام الترخيصية، وكل هذه ثابت في موارد الأدلة القطعية كالإجماع والسيرة والاستلزامات العقلية كما أنها ثابتة في الحجج التعبدية الشرعية وفي الأصول العملية والعقلية.
والحاصل أن هذا الإشكال يندفع لو أخذنا >الاستنباط< بمعناه الأعم من الاستنباط والإثبات التنجيزي والتعذيري؛ لأَنَّ جميع قواعد الأصول العملية (سواء البراءة الشرعية أم العقلية أم حجية الخبر الواحد أم الاستصحاب أم حجية الإجماع والسيرة) سنخ قواعد يثبت بها الفقيه الحكم الشرعي الواقعي ويثبته ويستنبطه استنباطاً تنجيزياً أو تعذيرياً، فلا يسجل عليه إشكال عدم جامعية التعريف. والمراد من الحكم الشرعي في التعريف هو الحكم الشرعي الواقعيّ، فلا نورد تغييراً في التعريف من هذه الجهة، وَإِنَّمَا نبيّن المقصود من الاستنباط وهو مطلب صحيح ومقبول.