« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه

47/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

المالية المتحركة والثابتة (37)

الموضوع: المالية المتحركة والثابتة (37)

 

وصل بنا الكلام في مبحث الضمان والضمان هو تبع بحث المعاطاة او شروط العقد اذا تخلفت ومنهم من يذهب الى فساد المعاطات ، فضمان القيمي باي قيمة ؟ هل قيمة يوم فساد العقد ؟ او قيمة يوم وضع اليد سيما في الاشياء والسلع فتتغير قيمتها بالساعة باليوم ؟ فبعض السلع تتغير قيمتها كثيرا كالبورصة وغيرها فالقيمة بلحاظ اي يوم ؟ هل يوم فساد العقد او يوم القبض او يوم التلف او يوم الاداء او اعلى القيم? والقيمة بلحاظ اي مكان ؟ لانها تختلف بلحاظ الامكنة مكان القبض او مكان التلف او مكان المطالبة او مكان الاداء ؟ فمن الواضح ان السلع بلحاظ الامكنة والبلدان والمدن تختلف من مدينة لمدينة فالقيمة بلحاظ ماذا?

الشيخ الانصاري اخذها بشكل بين أنه مكان التلف وكأنما ينسبه الى المشهور وان لم يصرح ولكن سياق كلامه هكذا وينسبه الى الاشهر ان لم يكن مشهور ان هناك اختلاف في القيمة من جهة الازمنة وهناك اختلاف من جهة الامكنة فما هو الضابط? ومر بنا ان هناك اختلاف بسبب السوق والعرض والطلب وهناك اختلاف للشيء بلحاظ صفات الشيء مثلا سمن الدابة وهزلها اما ضمان القيمة بسبب صفات السلعة والعين فاتفقوا على ان المضمون هو اعلى القيم والعام الماضي نقلنا عن الشيخ انه اذا كان اختلاف القيم بسبب الصفات او الشؤون راجعة الى ذات العين فاعلى القيم مضمون وهذه النكتة مهمة ان نحللها بحسب العلوم المالية انه ما الفرق بين المالية الراجعة للصفات ومنافع وذات الشيء وبين المالية بسبب العرض والطلب والاخير يتأثر بامور كثيرة كندرة الشيء ووفرته والاعلام المضاد ومنافسة السلع مع بعضها البعض فالقيمة السوقية تتأثر بعوامل عديدة فهل المالية بسبب السوق هي كالمالية التي للعين بسبب صفاتها وشؤونها الذاتية ام لا ؟

فهناك استدلال عند بعض الاعلام يقول المالية من صفات العين والعين مملوكة للمالك فهذه الصفة وهي المالية ايضا مملوكة للمالك فبالتالي اذا تلفت هذه الصفة المالية تكون مضمونة .

وقد رد عليه جماعة من الاعلام بان المالية السوقية تختلف عن المالية الراجعة لصفات الشيء حيث صفات الشيء مملوكة وذات مال فمن ثم تكون مضمونة لان الضمان هو اتلاف مال يعني شيء له صفة مالية اما النفس المالية لا تكن لها مالية حيث لا معنى له ، وبعبارة اخرى هذا الرد يفصل بين المالية انها هل هي صفة واحدة? او انواع للمالية ؟ فبعض انواعها تملك وبعضها لا تملك فكلام الاعلام هكذا وهذا مرتبط بالنظام المالي والتركيز حول النظام المالي شيء جدا مهم وهذا لا يفيد فقط في البيع وانما يفيد في ابواب كثيرة فهؤلاء الاعلام يقولون المالية الناشئة من صفات العين وشؤونها هذه المالية مضمونة يعني في الحقيقة المضمون هو الصفات وذات المالية فكانت سمن الدابة ملك بتبع ملك العين فهذه الصفة تلفت فيضمن .

فاذن المشهور فصلوا لانهم بنوا على ضمان شيء اخر له الصفة المالية ولم يبنوا على ضمان الصفة المالية في نفسها فعندنا مالية بازاء الصفات في العين فحينئذ تلك الصفات مضمونة فيضمن المالية واما المالية السوقية فليست هي مالية لصفة في العين والضمان موضوعه عقلائيا وشرعيا هو ضمان شيء له مالية وتلف شيء له مالية لا نفس المالية فالمالية السوقية اذن اختلافها عن صفات والمنافع ان المالية السوقية صفة للعين وليست بسبب العين وانما بحسب حيثية تعليلية اخرى وهي العرض والطلب .

فالمالية التي للعين بسبب السوق صحيح هي صفة للعين لكن ليست هي بسبب صفات في العين وانما بسبب السوق ، السوق حيثية تعليلية لعروض وطرو المالية على العين فهذا التلف ليس تلف شيء في العين افترض هناك شائعة سببت ارتفاع القيمة السوقية فحينما تذهب تنزل القيمة السوقية وهذا ليس تلف شيء في العين لان العين لم يصبها شيء ولم يتوجه عدوان عليها فما ينسب للمشهور او الاشهر ان المالية السوقية اضطرابها وصعودها ونزولها هذا ليس بمضمون طبعا المالية السوقية التي بسبب مناخ واجواء السوق نفسه اما القيمة السوقية بسبب صفات في العين تكوينية او اعتبارية تلك المالية لها صعود ونزولها مضمون .

فاذا الاعلام يقرون بان الصفات تضمن تبعا لضمان العين ونكتة لطيفة انه حتى ولو العين لم تتلف لكن تلف سمن العين هناك اقوال بالضمان ولكن ايهما المشهور ؟ لا اتذكر، والسيد اليزدي عنده الصفات العينية الخارجية تقابل بالمال وهذا له ربط وتأثير فيما نحن فيه كما هو الحال في المنافع فهي تضمن ولو لم تتلف العين كذلك الصفات عند السيد اليزدي تضمن ولو لم تتلف العين واذا تلفت فبطريق اولى فاذا تلفت الصفات بتلف العين المشهور قائلين بالضمان لاعلى القيم ، فهذه المالية ناشئة بسبب صفات العين فهذه وجوه لتنويع القيمة المالية .

جملة من الروايات سيما صحيحة ابي ولاد يستدل بها على ان القيمة المضمونة للعين هل هي قيمة يوم التلف او قيمة يوم الغصب او قيمة يوم المخالفة او قيمة يوم الاداء? فاستدل بها ونحن نتعرض لمتن الرواية موضعين فيها استدل بها المشهور وقلنا استدلال المشهور على قيمة يوم التلف انه العين كانت مضمونة فلما تلفت العين فالعين محيت فالبديل لها القيمة فالقيمة المالية اصبحت بدل وعوض وذاك المبدل والمعوض تبخر وانعدم فصارت المحورية للقيمة .

متى يتبدل الضمان من ضمان ذات العين? انه عند التلف فتكون القيمة قيمة يوم التلف لان العين مادامت موجودة فضمانها برد العين ونقلنا كلمات الفقهاء ولعلها مأخوذة من بعض الروايات رد العين ما دامت موجودة يسمى في الاصطلاح العهدة واذا تلفت فضمان العين يسمى الذمة ولعله مأخوذ من بيانات الروايات يقولون لان قبل التلف ضمان العين متعلق بنفس العين ليردها فهنا الضمان ليس يرتبط بالقيمة وانما يرتبط برد العين ما دامت موجودة فهذا الضمان بتلف العين يتبدل فالموضوع للضمان يكون القيمة والقيمة التي صارت في يوم التلف .

هذا استدلال المشهور او الاشهر والعلم والجهل ليس دخيلا حسب كلام المشهور والنكتة التي يرتكز عليها المشهور يقولون ان موضوع الضمان صار نفس القيمة وليس العين وهذه القيمة يجب ان تتعين واذا تعينت تلقائيا يصير يوم التلف وهذا الكلام لم نقبله ، فهم جعلوا القيمة ثابتة وقلنا القيمة الثابتة في المعاوضات صحيح فثمن المبيع قيمة غير متحركة لان في البيع الثمن يعين لان الثمن ثابت ففي المعاوضات القيمة العوضية ثابتة اما في الضمان القيمة متحركة لانها مضافة للعين ولذلك فرق بين الضمان القهري الواقعي والضمان العوضي ، فضمان المعاوضات ثابت محدد اما الضمان القهري الاجباري مضاف للعين كالخمس والزكاة فهذا الاستدلال من المشهور لا نقبله .

دعونا نذهب الى الصحيحة لنراها دالة على المشهور ام لا ؟

المعاصرين وهو الصحيح عندهم ان القيمة قيمة يوم الاداء لا قيمة يوم التلف ولا يوم القبض ولا يوم الغصب ولا يوم فساد العقد ولا اعلى القيم ، القيمة المضمونة هي يوم الاداء ومن حيث الامكنة ايضا هكذا من حين الاداء ، فهو يؤدي في اي مكان بحسب تراضي الطرفين وبنفس النكتة التي نذكرها في الازمنة نذكرها في الامكنة .

الان نستعرض صحيحة ابي ولاد والتي ادعى انها دالة على المشهور انها قيمة يوم التلف وهي مروية في الكافي وفي التهذيب وهناك اختلاف في الالفاظ صحيح ابي ولاد الحناط :

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط قال : اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا وخرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت أن صاحبي توجه إلى بغداد فأتبعته وظفرت به وفرغت مما بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل فقال لي : وما صنعت بالبغل ؟ فقلت : قد دفعته إليه سليما ، قال : نعم بعد خمسة عشر يوما ، فقال : ما تريد من الرجل ؟ قال : أريد كرى بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما فقال : ما أرى لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكرى فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكرى ، قال : فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئا وتحللت منه فحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله ( عليه السلام ) بما أفتى به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها ، قال : فقلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : فما ترى أنت ؟ قال : أرى له عليك مثل كرى بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ومثل كرى بغل راكبا من النيل إلى بغداد ومثل كرى بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه ، قال : فقلت : جعلت فداك إني قد علفته بدراهم فلي عليه علفه ، فقال : لا لأنك غاصب ، فقلت : أرأيت ، لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني قال : نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز؟ فقال : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه ، قلت : فمن يعرف ذلك ؟ قال : أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين أكرى كذا وكذا فيلزمك ، قلت : إني كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحللني فقال : إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك بعد ذلك ، قال أبو ولاد : فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله ( عليه السلام ) وقلت له : قل ما شئت حتى أعطيكه فقال : قد حببت إلي جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ووقع في قلبي له التفضيل وأنت في حل وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذت منك فعلت .[1]

انتهى .

قول الامام الصادق في مثل هذه القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع بركاتها هنا بيان لطيف للامام الصادق ان المعاصي الدينية ضررها اعظم من الكوارث البيئية على الطبيعة وهذا منطق القرآن ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض كما ايضا قول النبي نوح فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا والعلم المادي لا يفهم هذه المعادلة وكذلك الرأسمالية لا تفهمها طبعا الدين لا يقول المؤثر فقط هو الايمان بالغيب لان الغيب والمادة كلاهما يؤثران ولكن المنطق الرأسمالي او المنطق المالي لا يلتفت الى ان المعاصي في اي بلد توجب كوارث طبعا جانب الاسباب المادية ايضا تؤثر ، فالموازنة هي بين المادة والغيب فالبيان الوحياني لا يقول ان الغيب فقط هو يؤثر ويقول لكن الغيب له جانب والمادة لها جانب نعم الكورونا اذا تحدث الاسباب المادية تراعى لكن الجانب الديني لا يغفل من صفحة البرنامج فنحن كيف نسد العتبات ونسد بيت الله الحرام? الموازنة تقتضي التوازن فالاسواق مفتوحة هل سوق الغيب يغلق? هكذا في جميع الامور في الحرب في السلم فالاسباب المادية تلحظ فقوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة هو جانب مادي وجانب غيبي كليهما .

 


[1] الكافي - الشيخ الكليني - ج5 - ص290 - 291.
logo