« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه

46/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 -تنوع شروط الصيغة اللفظية بتنوع العقود

الموضوع: - تنوع شروط الصيغة اللفظية بتنوع العقود

 

في شروط الصيغة اللفظية ذكرنا عدّة وجوه كلية كبروية استدل بها المشهور أو جماعات من الاعلام، فقد استدل كلّ منهم بوجهٍ، ولابد من تقييم هذه الوجوه في شروط الصيغة اللفظية: -

الوجه الأول الكلي الذي ذكر هو قد مرَّ بنا ثم نذهب إلى كلماتهم، وطبعاً شروط الصيغة اللفظية مثلاً أن يكون صريح الدلالة لا بالكناية والمجازات، وهذا محل خلاف لكن المشهور أنه لابد من ذلك في ألفاظ العقود لا خصوص البيع، مع أنَّ الشيخ الانصاري ينقل النسبة إلى المشهور في شرطية الصراحة في ألفاظ العقود هي تامة في البيع وأما في القرض والرهن والاجارة والهبة والجعالة وما شاكل ذلك فدعوى أنَّ المشهور يشترطون الصراحة غير ثابتة فإنَّ الشيخ ينقل كلماتهم ويقول يوجد تأمل فإنَّ الكثير منهم ارتضوا المجازات أو الكنايات إذا كان لها ظهور لا سيما إذا كان لها ظهور بقرائن لفظية، فهم ارتضوا صحة تلك العقود، يعني الشيخ يريد أن يقول حسب تتبعه بلحاظ الكلمات التي نقلها أنه في البيع أو في النكاح فنعم لأنَّ هذين العقدان هما بمنزلة مَلِك العقود أما بقية العقود فلا يمكن النسبة إلى المشهور أنهم اشترطوا الصراحة، بل هم يقولون بذلك في بالمجاز والكنايات لا سيما إذا كانت القرائن لفظية.

فلاحظ أنَّ هذا تفصيل وهو أنه إذا كانت صيغة الانشاء باللفظ بالاستعانة بقرائن حالية كيف هو الحال؟، إنشاء للعقد بيعاً أو غير البيع بالاستعانة بقرائن لفظية أو حالية هل يصح أو لا؟ إنَّ الحالية فيها اشكال، ولكن هناك من يرتضيها كالسيد اليزدي ولكن هناك من لا يرتضي القرائن الحالية.

وأنا عمداً أذكر الشروط حتى حينما ندخل في الأدلة الخمسة أو الستة التي ذكرناها نكون قد ألممنا بالمدعى عن قرب، فيوجد تفصيلٌ بين القرائن اللفظية والقرائن الحالية، ويوجد كلام لدى الاعلام وهو أنَّ الانشاء بألفاظ غير صريحة بالاستعانة بالقرائن تصير صريحة أو لها ظهور - قرائن لفظية - فالإنشاء يكون لفظي حينئذٍ، فهل مراد المشهور من لزوم كون الانشاء باللفظ في مقابل المعاطاة هو الانشاء باللفظ بلفظ واحدٍ أو المراد أنه حتى ولو الاستعانة بقرائن لفظية، أو المراد حتى ولو الاستعانة بقرائن حالية؟، فالقرينة لفظية كانت أو الحالية هل دورها أساسي أو هو تبعي - وهل هو أصلي أو هامشي -؟، فهل بها يُنشأ الانشاء أو أنَّ الانشاء يُنشأ بذي القرينة لا بالقرينة، وطبعاً حتى علماء البلاغة بينهم أقوال وآراء أنَّ الانشاء هل هو بذي القرينة فقط أو بمجموع القرينة وذي القرينة؟، فلكي يكون الانشاء انشاءً لفظياً مقابل المعاطاة هل يشترط عدم الاستعانة بالقرائن الحالية أو يمكن الاستعانة بها؟، وهل يوجد اشكال بالاستعانة في القرائن اللفظية؟، فلاحظ أنه توجد عندنا مراتب، فتارةً اللفظ نفسه يكون صريحاً، وتارة اللفظ يستعين بقرينة لفظية، وتارة اللفظ يستعين بقرينة حالية، فهذه ثلاث مراتب مثلاً، فهل يوجد اختلاف في هذه الاقوال؟ نعم في البيع يوجد اختلاف وأما في العقود الباقية فقد نقل الشيخ أنَّ الكثير أو الأكثر لا يحصرون ولا يقصرون ولا يحبسون ألفاظ الانشاء في تلك العقود بالصريح بل يعتدون حتى بالقرائن اللفظية والحالية، هذا من جهة الصراحة وعدم الصراحة، ولكن في خصوص النكاح والبيع فهذا الاشتراط موجود عندهم أما بقية العقود فهم متسامحون فيها أو هي اسهل عندهم، وكأنما يوجد ارتكاز في الفرق بين مراتب العقود في التشدد والتوسع، فعندنا عقود معاوضية وهي خصوص البيع والنكاح، ثم عندنا عقود معاوضية غير بالبيع والنكاح، ثم عقود غير معاوضية كالهبة، أو عقود إذنية، فهذه مراتب في التساهل أو في التخفيف وفي التوسع في العقود، حتى أنه في العقود الإذنية كالوكالة أو الوديعة أو ما شابه ذلك قالوا العقود الإذنية يمكن أن تُنشأ بالعقود ويمكن أن تنشأ بالإيقاعات، والايقاع غير العقود، وإن كانت أثار العقود الإذنية بالعقد اكثر من آثارها لو اوقعت بالإيقاع من دون عقد. أقصد لاحظ التوسع في العقود الإذنية.

ومعذرةً أنا استعرض المسائل والشروط لكي لا يكون البحث في الأدلة الكلية تنظيري جاف بل لنتلمس الأمثلة والشروط التي ذكرها المشهور ثم نخوض في الوجوه الخمس أو الست التي نقلناها عنهم في الجلسة لسابقة، مثلاً أنه حتى في البيع فضلاً غيره كالإجارة شرط الصراحة أو شرط الماضوية أو شرط تقديم الايجاب على القبول أو الموالاة أو التطابق أو ما شاكل ذلك من شروط الصيغة هل هذه الشروط هي في أصل العقد وإذا كانت في أصل العقد فماذا عن توابع العقد؟، فلاحظ أنه يوجد فرق بين هذه الشروط في الصيغة بين أصل العقد وبين توابع العقد، وتوابع العقد هي الشروط الضمنية كأن تكون اجارة يشترط في ضمنها الخياطة مثلا، ففي الشروط الضمنية أكثر متأخري الاعصار أما طبقات الفقهاء فربما يوجد قولان مشهوران عندهم، ففي الشروط الضمنية التي هي تابعة للعقد وليست داخل العقد فشروط العوضين داخل العقد وليست تابعة للعقد، فالشروط الشرعية للعوضين هي داخلة في العقد - وليس شروط المتعاقدين - فشروط العوضين هل هي الشروط الشرعية أو شروط المتعاقدين للعوضين فهنا فرقٌ بينهما، فتارةً هناك شروط اشترطها الشارع في العوضين مثلاً أن لا يكون العوض محرماً أو ما شاكل ذلك فهذه شروط شرعية في العوضين، وتارةً المتعاقدان يشترطان في العوضين شروطاً، فعندنا شروط المتعاقدين في العوضين فهذه شروط شخصية كأن يقول مثلاً اريد رز العام الماضي وليس رز العام الحالي، وهذا شرط شرعي بمعنى أنه جائز ولكنه ليس شرطاً شرعياً بمعنى أنّ الشرع قد اشترطه، وأما العلم بالعوضين فهذا شرط شرعي، فالكلام في شروط المتعاقدين يعني الشروط التي اشترطها الشارع، وشروط العوضين يعني الشروط التي اشترطها الشارع، وشروط العوضين او شروط المتعاقدين يعني القيود الشرعية للصحة، أما شروط المتعاقدين فهذه ليست بمعنى قيود الصحة وإنما هذه التزامات ضميمية وقد تكون التزامات صميمة، وضميمي يعني أنه تابع وصميمي يعني أنه داخل، فقد تكون شروط المتعاقدين في العوضين صميمية كأن يقول أريد رزاً وليس حنطة، ففرقٌ بين الحنطة وبين الرز، أو بين الحنطة والشعير، فصحيح أنَّ هذا صورته أنه شرط ولكنه شرط صميمي من المتعاقدين في العوضين.

واجمالاً لنفرّق بين الشروط الشرعية وبين شروط المتعاقدين، فإنَّ شروط المتعاقدين قد تكون صميمية كما في تحديد أصل العوضين وقد تكون غالباً ضميمة تابعة، والمشهور في البيع أو في النكاح أصل النكاح وأصل البيع قالوا يشترط فيه الصراحة في الانشاء أما الشروط الضميمة التي يشترطها المتعاقدين إذا كانت توجد قرائن حالية مثل الشرط الارتكازي المبني عليه العقد فهنا الشروط الضميمية لم يشترطوا فيها الصراحة أو كونها لفظية، وهذا يجب أن نلتفت إليه.

فلاحظ كيف هو تنقيح البحث عند المشهور وكيف هو أصل العقد وتوابع العقد فهذا أمرٌ آخر، فإنَّ أصل العقد كالبيع والنكاح أو الاجارة لم يتشددوا فيها وإنما تشددوا في البيع ولماذا؟، فهذا كله لابد وأن يكون محطَّ نظر وأنه هل الأدلة مشتركة في العقود أو هي خاصة أو ماذا؟، فكلما يبتعد العقد عن البيع يتساهل فيه في الشروط الشرعية فما هي النكتة؟، والكلام هو الكلام في شرط الصيغة اللفظية لأصل الصحة أو شروط الصيغة اللفظية للزوم، ففي اللزوم تشددوا أكثر وأما في أصل الصحة فلم يتشددوا، ولماذا؟ طبعاً هذا في البيع وليس في النكاح لأنه في النكاح لا تنفك الصحة عن اللزوم ولكن في البيع هناك قول جماعة كثيرة بالتفكيك بين الصحة واللزوم وأما في النكاح فلم يبنوا على التفكيك بين الصحة واللزوم إلا في موارد أسباب الفسخ.

وأنقل شيئاً عن الشيخ الطوسي وابن براج وأخيراً أنا قد تبنيته قبل سنة تقريباً، فإنَّ الشيخ الطوسي وأدلته عجيبة أيَّ القدماء من الشيخ الطوسي نستطيع أن نقول إلى ابن ادريس عندهم أنَّ أسباب الفسخ أو الطلاق الاجباري متعددة، وطبعاً الفسخ شيء وعندهم الطلاق الاجباري والخلع الاجباري والمباراة الاجبارية فهذه أربع مسارات وكلامنا الآن في الثلاثة وهي الطلاق الاجباري، وأنا عمداً أذكر هذا المطلب حتى أبين كيف هي قضية اللزوم والصحة، وهي مسألة ابتلائية فلا أقل تلتفتون إليها فهرسياً، وأنا أخيراً التفت إليها وقد غفل عنها أكثر طبقات المتأخرين وهي نافعة جداً للنزاعات الزوجية، ولو على أية حال الأفضل أن لا يفتح أحد بابها لكنها نافعة، فالطلاق الاجباري المجرد يوجد طلاق اجباري يعني في الخلع الاجباري، ويوجد طلاق اجباري في المباراة الاجبارية، والمباراة يعني يرجع المهر فقط بطلاق المباراة مقابل الرجوع إلى المهر فيجبر الزوج على الطلاق، وطبعاً المباراة الاختيارية هي معروفة في فتاوى المتأخرين يعني برأ كل واحدٍ من الآخر فيوجد خلع اختياري وهذا معروف عند المتأخرين، ولكن عند المتقدمين يوجد خلع اجباري غير الاختياري وهو الصحيح وهو يختلف عن الخلع الاختياري، والمباراة القهرية - برئ كلّ من الزوجين من الآخر - تختلف عن المباراة الاختيارية، ونختصر بكلمة ولكن هذا بحث مهم جداً وربما بقينا فيه اسبوعين أو ثلاثة أو شهر في بحث التفسير، وقد قدم لي استفتاء من المحكمة الجعفرية في أحد البلدان من ثم تبنيته ثم راجعت الأدلة والمصادر فرأيت أنَّ رأي القدماء هو المتين جداً، فالقدماء عندهم أنه إذا كان الزوج ناشزاً نشوزاً شديداً وبلجاج ولا يرجع عنه أي يكون معانداً جداً فهذا الطلاق يكون اجبارياً، وأما إذا كان النشوز لجوجياً من الزوجة فيكون خلعاً اجبارياً على الزوج ولكنه خلعٌ، وإذا كان النشوز واللجاج من الطرفين ولا يرجعان عنه فهنا تصير مباراة.

فإذاً عند القدماء وهو الصحيح إما أن يكون النشوز مع عناد فيصير الطلاق اجبارياً أو خلعاً اجبارياً أو مباراةً اجبارية، وأما إذا كان النشوز من أحدهما أو كليهما يمكن أن تصير معه مفاوضات صلح فإنَّ الكثير من النزاعات الزوجية الشديدة سببها سوء الإدارة وسوء التدبير ولو ينشأ جهاز يوازي جهاز القضاء في الأحوال الشخصية وتشرف عليه الحوزة العلمية فهو أمر ضروري جداً، فعلى كلٍّ هذا يسمونه بالاستشارية والإرشاد الاسري وهذا كله موجودة في الدول ولكن بأسماء مختلفة.

فإذاً عند مشهور القدماء هناك طلاق اجباري ونستطيع أن نسميه اختياري خلع اخياري، ومباراة اختيارية إذا كان النشوز ليس بدرجة العناد الشديد، أما إذا كان بدرجة العناد الشديد المستعصي فهنا يأتي الطلاق الاجباري غير الاختياري أو الخلع الاجباري غير الاختياري وهلم جرا، وهذا تذكرة لحلحة النزاعات الزوجية من هذه الجهة، مع أنه إذا كان النشوز من الزوجة فلماذا الخلع يكون اجبارياً على الزوج؟، الأدلة موجودة عن الشيخ الطوسي والقدماء وأدلتهم صحيحة ولكن رأفة بالزوج يصير خلعاً ولا يصير طلاقاً اجبارياً فقط، فإذاً النشوز من كليهما مباراة يعني يوجد تساوي ولذلك يصير مباراة.

فلاحظ الدقة في التفكيك بين الصحة واللزوم في النكاح وفي البيع وفي العقود الأخرى فإنَّ هذه أمور دقيقة، تفكيك الماهيات ماهية الصحة عن ماهية اللزوم فهل يا ترى شرط الصراحة هل هو معتبر في البيع والنكاح في ألفاظ إنشاء اللزوم أو هو معتبر حتى في إنشاء الصحة؟، من قبل في البيع بأن المعاطاة تفيد البيع فهذا يعني أنه لا يشترط شرط الصحة أو كون الانشاء لابد وأن يكون لفظاً وإنما يمكن أن يكون فعلاً، فإذاً من قال بصحة المعاطاة في البيع هو قد فكك بين الصحة واللزوم. وهذه النكات كلّها يلزم أن نلتفت إليها.

واللطيف أن نلتفت إلى هذا فإنه مهم جداً: - وهو أنه أول شروط الصيغة اللفظية هو الصراحة ثم الماضوية ثم تقديم الايجاب على القبول، وهذا الترتيب من واحد إلى اثنين إلى ثلاثة إلى أربعة إلى خمسة ليس تنضيداً عشوائياً وإنما يوجد عندهم مقصود من ذلك وهو أنَّ الصراحة أهم شرط في شروط الصيغة اللفظية ثم تأتي الماضوية ثم يأتي تقديم الايجاب على القبول ثم يأتي التطابق ثم تأتي الموالاة، وهذا التدريج في شروط الصيغة اللفظية له وجٌه عند المشهور أيضاً، وتشددهم في الشرط الأول أكثر من تشددهم في بقية الشروط.

هذه كلها نكات صناعية نحن استعرضناها الآن من دون أن نستعرض الأدلة لكي نلمس المسائل والأقوال.

logo