46/04/06
قاعدة الضمان بين الاذن وفساد العقد
الموضوع: قاعدة الضمان بين الاذن وفساد العقد
كان الكلام عن عكس القاعدة وادعي فيها الاولوية ، واشكل على الاولوية ، ومر ان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يعني بحسب فحوى العقد وايضا ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده هذا حكم اقتضائي وليس حكم فعلي بقول مطلق يعني يمكن ان تكون هناك اسباب اخرى للضمان فتجتمع وتمانع هذا الاقتضاء ، والصحيح في قاعدة الضمان هو تركيب اسباب الضمان كما مر بنا مرارا خلال الجلسات السابقة ان هذه القاعدة هي قاعدة اصطيادية والتدقيق فيها هو تدقيق في قائمة اسباب الضمان قد تجتمع قد ينتفي بعضها ويحل بعضها الاخر من جهة اخرى وباي مقدار يكون سببا للضمان، يعني الضمان له دائرة محدودة كما بينا في العقود المعاوضية انما تقتضي الضمان في دائرتها الداخلية اما العقود المعاوضية خارج دائرتها المعاوضية ما تقتضي الضمان مثل العين المستأجرة فبالتالي هذا البحث بالدقة من اوله لاخره عبارة عن تنسيق في اسباب الضمان في محدودية دائرة الضمان او موانع الضمان ودائرتها ما هي و هي مانعة عن اي سبب ؟ ولعلها ليس عن كل الاسباب وهذه نكتة جدا مهمة مثل تسليط المال من قبل المالك واستيمانه من قبل المالك ورضا المالك هناك موارد متعددة في المانع عن الضمان .
فأسباب الضمان دائرتها محدودة وليست مطلقة ولا موانع الضمان هي موانع بقول مطلق بل بنحو محدود وايضا اسباب الضمان ليس كل سبب متفرد وانما قد تجتمع اسباب متعددة وتتباين مواردها في شيء واحد وكذلك موانع الضمان قد تجتمع وقد تتعدد ، فاذن هذا البحث فيه قائمة جدولة لاسباب الضمان وكيف هي حدوده وموانع الضمان ، هذا هو في الحقيقة الميزان الصناعي لبحوث الضمان .
هذا مضافا الى النقطة الثالثة التي ذكرناها في بداية الحديث ان هذا الحكم الوضعي اقتضائي وليس علي بقول مطلق هذا بالنسبة الى الحكم الاول لفساد العقد اذا بني على فساد العقد سواء من جهة شروط الصيغة او فساده من جهة شروط المتعاقدين او فساده من جهة شروط العوضين والمراد من الفساد هو عدم الصحة الفعلية ولكل من الصحة معاني يقابلها معاني في الفساد ، والصحة هي صحة تأهلية تغاير الصحة الفعلية وفي العقد الفضولي الصحة التأهلية موجودة والصحة العلية غير موجودة ، فعقد الفضولي ليس فاسدا ذاتا وانما لم تتحقق فيه الصحة الفعلية بدون ان تلحقه اجازة المالك الاصيل فالصحة والفساد لهما معاني .
من ثم هذه القاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده اي فساد هو؟ لان الفساد على معنيين تارة بمعنى عدم تحقق جميع الشرائط ولكن الصحة التأهلية موجودة وتارة الفساد لا يمكن تصحيحه وانما لابد من اعادة العقد بشكل صحيح فهذا العهد غير قابل للعلاج هنا المراد من ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يراد به عدم الصحة الفعلية سواء فسد ذاتا او لم يفسد .
قبل ان ندخل في المطلب اللاحق هناك مطلب مهم وهو قضية الاذن ، فالاذن من المالك مانع عن الضمان والاذن غير طيب النفس وانما هو شيء انشائي ايقاعي ومر بنا امس ان السيد اليزدي وجملة من مشهور الاعلام عندما يقسمون العقود يجعلونها عقود معاوضية وعقود تمليكية معاوضية وعقود تمليكية غير معاوضية كالهبة والصدقة والوقف وهناك عقود غير تمليكية ويعبرون عنها بالاذنية وهناك عقود ايقاعية يعني شبيهة بالايقاع فاربعة اقسام وعندنا غير الايقاعات .
فذكروا في العقود الاذنية كالوكالة والوديعة والعارية وربما امور اخرى ذكروا ان هذه العقود الاذنية يجري فيها نفس الكلام في الضمان فذكروا نقطة في العقود الاذنية عندما تفسد تختلف عن العقود التمليكية المعاوضية او المجانية كالهبة والوقف او القسم الاول وهو البيع او الاجارة هذا القسم يقولون الاختلاف فيه ان هذه العقود الاذنية اذا فسدت ليس بالضرورة ان اثارها تنتفي لانه قد يكون البديل لهذا العقد الاذني هو الاذن الانشائي الذي انشأه الموكل او مالك الوديعة او مالك العارية .
ففي العقود الاذنية هناك انشاءان كما هو الحال في البيع عندنا انشاء الايجاب وعندنا انشاء القبول وعندنا انشاء الاذن من المالك وانشاء الاذن من المشتري وعندنا انشاء الصحة وعندنا انشاء اللزوم فهذا البيع في حين هو عقد واحد فيه عدة انشاءات مترابطة وليس انشاء واحد الايجارة كذلك وكذا في العقود المعوضية الاخرى كالمضاربة هذه العقود فيها انشاءات عديدة ، كيف تفكك ماهية؟ وهو امر دقيق .
طبعا في خصوص البيع اذا فسد فتفسد كل الانشاءات هذا بحث اخر ، القسم الاول من العقود اللي هي العقود المعاوضية القسم الثاني هي العقود التمليكية المجانية وقف هدية صدقة ايضا عدة انشاءات بمنشأ واحد انشاء الصحة انشاء الاذن انشاء اللزوم القسم الثالث والرابع العقود الاذنية الايقاعية ايضا هذه العقود فيها انشاءات عديدة انشاء اصل العقد وانشاء الاذن ثم يقولون في الفرق بين العقود الاذنية او الايقاعية مع القسم الاول والثاني عرفا انتفاء او عدم الصحة وعدم سلامة انشاء العقد الاذني وعدم صحته وهذا لا يخل بالاذن الانشائي المجرد عن العقد يعني يقولون في الوكالة الفاسدة اذا كان فسادها من جهة الصيغة او شيء اخر لا من جهات معينة كالحجر او السفه او الولاية هذا بحث اخر فالوكالة اذا كان الخلل فيها من الصيغة او شيء اخر ففساد الوكالة او عقد العارية او عقد الوديعة لا يفسد ولا يعدم انشاء الاذن فيظل انشاء الاذن قائما على حاله مع انه ارتباطي لكنه يبقى على حاله فينهدم العقد للخلل فيه والاذن يبقى على حاله .
هذا الاذن في العقود الاذنية مر بنا يترتب عليه في الجملة لا بالجملة بعض الاثار للعقد ، اهم شي في الوكالة ان عمل الوكيل ينسب ويمضى على ذمة الموكل يقولون هذا الاذن يحقق هذا الشيء مثلا المرأة توكل وكيلا لها ان يعقد لها النكاح اهم شيء في الوكالة ان هذا الايجاب من المرأة ينسب اليها ويكون ممضى وتلزم به ويصح عقد النكاح فهذا الاثر لا ينحصر ترتبه على الوكالة فقط ايضا يترتب على الاذن وليس الاذن النفساني التكويني وانما الاذن المبرز .
فاذن الاذن الانشائي اللي هو ايقاعي هذا الاذن اهم اثار الوكالة وان لم تترتب عليه كل اثار الوكالة كذلك الاذن في العارية تترتب عليه اهم اثار العارية او عقد الوديعة وان لم يترتب عليها كل اثار العارية والوديعة وان هذا الاذن الايقاعي لو فسد العقد الاذني لا ينعدم وانما يبقى موجود ، هذا حينئذ يخلق مطلب ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده هنا الاذن موجود في العقود الاذنية ولكن الانشاء موجود فهل هذه الضابطة في العقود يعمل بها ام ماذا؟
بعض الاعيان يطلق الكلام فهل هذا يبنى على انه مطلق ام ماذا؟ بعض الاعلام يقولون كلا يقولون هنا تفصيل في الفساد تارة فساد هذا العقد الاذني لعدم اكتمال شرائط العقد فهذا له وجه والكلام صحيح وتارة الفساد العقد الاذني لنهي شرعي وارد في البين واذكركم بما مر بنا في المكاسب المحرمة ما لو كان المتعاقدان بعقد ربوي في الديون انه هل يمكن علاج الربا والتخلص من حرمته وفساده؟ كذلك القمار والرشوة وفي موارد عديدة الفقهاء نهيا تحريميا ووضعيا عن المعاملات وبنحو مشدد ، فهل يمكن للمتعاقدين بهذا العقد المحرم ان لم يتخلصا من الحرمة التكليفية هل لهما ان يتخلصوا من الحرمة الوضعية؟ فالربا والقمار هو حرام مغلظ من الكبائر التي توعد الله عليه بحرب وكذلك بيع الخنزير وبيع الخمر والميتة فهل يمكن التخلص من الحرمة الوضعية حتى وان لم نتخلص من الحرمة التكليفية ام لا؟ او يمكن التخلص منهما ام لا ؟
قيل هكذا ولكنه قول مردود ولكن نحن نستعيض من بعد تأثيره في محل الكلام في ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وبدليته عن العقد الاذني فقيل في علاج هذه العقود المحرمة تكليفا شدة و وضعا قال بعض الاعلام انه يمكن للمترابيين او المتقامرين او اي عقد محرم ان يتراضيا ويأذن كل منهما للاخر في التصرف في مال اخر من دون تقييد هذا الاذن بالمعاوضة الفاسدة المحرمة شرعا فيعتقد بان هذا الربا حرام التصرف فيه لان معطي الربا الذي هو مالك هو يعطي عن طيب نفس واذن ولم يقيد الاذن بصحة الربا حتى لو لم يصح الربا هو يأذن فبالتالي نحن نستبدل الربا والقمار والاحتكار بالاذن ، يعني هنا في العقود الاذنية الاذن صار حلال المشاكل فالاذن الايقاعي صار حلال المشاكل لان الوكالة بطلت لكن عقد النكاح ما يبطل فاذن الفتاة موجود وفي العارية كذلك وفي الوديعة كذلك .
هل يمكن ان يكون اذن المالكين حلال المشاكل كما في فساد القسمين الاولين هو حلال المشاكل اي الاذن الايقاعي في العقود الاذنية ؟
نادر من الاعلام بنى على ذلك وهذا سبق ان استعرضناه في المكاسب المحرمة وفي البيع فبعض قالوا هذا ليس حل للمشكلة في القسم الاول والثاني فالاذن ليس حلا ويترتب عليه في الوكالة انه اذا فسدت فالاذن موجود فيترتب عليه اهم اثار الوكالة ؟ كلا ، ولكن اهمها يترتب عليه اذ لم يترتب الكل لكن في البيع الربوي وفي القمار كلا لا يترتب وهناك نكتة وهي ان تحريم الشارع للربا او للقمار فاي ربا حرمه الشارع؟ هل القرض الربوي او البيع الربوي او المعاوضة الربوية ؟ ايهم حرمه الشارع ؟ هل البيع الذي عند الشارع او البيع الذي عند العرف؟ او البيع الذي عند المتعاقدين ؟ فهنا صارت الغفلة .
فالشارع عندما يحرم الربا والقرض الربوي يعني اشترط الزيادة في الربا فيحرم البيع الربوي ويحرم الاحتكار والرشوة والقمار وبقية المعاملات المحرمة التي هي الغدد السرطانية ، فالشارع لما يحرمها يحرمها بوجودها العرفي او بوجودها عند المتعاقدين لا بوجودها عنده ، هو الشرع لا يعترف بوجودها فالنهي من قبل الشارع والتغليظ في والتحريم ويعاقب بتعزيرات بلحاظ ممارستها عند العقلاء ووجودها عندهم او عند المتعاقدين وان لم يكن عند العقلاء بعبارة اخرى الشارع يريد ان يسد باب هذا الطريق ويسد باب هذه الظاهرة الاجتماعية او الفردية ويريد ان يقف مانعا حائلا عنها لا ان الشارع يقول انا في عالمي الافتراضي القانوني لن اسجل هذه المعاملة رسميا ولن امضيها رسميا فليس صرف عدم الامضاء كي تقول الشارع لا يمضيها ، فنحن اذننا ليس مقيد برسمية هذا العقد من الشارع واذن مطلق كالوكالة اذا فسدت او العارية اذا فسدت او الوديعة .
المشهور صور بان الاذن مطلق فهل يمكن ان يقال بذلك ايضا في البيع والعقود المعاوضية او التمليكية غير المعاوضية؟ كلا لا يمكن اذا كان التحريم وضعي من الشارع لان الشارع هنا ليس فقط لم يقرر وجود هذه العقود المحرمة في عالمه الافتراضي وعالمه الاعتباري وانما زيادة على ذلك الشارع يريد ان تتدخل في العالم الافتراضي للعقلاء وسيرتهم القانونية العملية هو يريد ان يتدخل في سيرة الافراد فهذا بحث اخر، اذن ما يمكن حتى اذن المالك لان الشرع ينهاه وينهى عن ترتيب الاثر عليه ما يمكن تصحيحه فليس الحال كالوكالة والوديعة والعارية هنا شيء اخر .
فالشارع اتى ليصحح الاعراف العقلائية ويهذبها ويشذبها ويردعها ويؤسس لها ويقيدها بان تعتمد المسار الافتراضي الشرعي وهذا هو معنى الدين يعني الدين يريد ان يقوم الناس بالقسط ان تقوموا بنفس هذه الضوابط وليس نظرية خيالية جامدة هذه ليست فلسفة الدين لذلك حتى بعض المنظرين الاسلاميين قالوا العلمانية لا اشكال فيها في الحكم المدني لان هذا المجتمع ما يريد ينكر الدين ولا يريد يرفضه ولكن يريد يعيش حياة سياسية اجتماعية فليس بالضرورة ان يكون بحسب قوانين الشرع نعم قوانين الشرع محترمة ومقدسة وغير مجحود بها لكن يريدون قوانين اخرى لا باسم التشريع .
فالنظام السياسي والعسكري والامني والاجتماعي يسير بمسيرة البشرية الاجتماعية العقلائية المدنية نعم لو قيدوا فعلهم بالشارع فيأخذون بالضوابط واما اذا ارادوا قوانين الوضعية الاجتماعية فلا ، حتى في الاسرة والان هذا محل ابتلاء في الزوج والزوجة المؤمنين في المهجر الغربي حين يحصل الطلاق بينهما فالزوجة تطالب بنصف اموال ورأس المال الزوج وليس نصف المهر فعندهم هذا القانون ان الزوجة اذا طلقت ان تستحوذ على نصف رأس مال وثروة الزوج وكثير من المؤمنات يأخذون هذا لا من باب انه حكم شرعي وانما من باب انه توافقات اجتماعية هذه المقولة في الفقه السياسي او الفقه الدولة او فقه الاجتماع او فقه الاسرة ان المتعاقدين في الربا لا يقيدون اذنهم بالصحة الشرعية كي تقول انه الصحة الشرعية غير موجودة وانما يتراضيان من انفسهما ومن ذاتهما والتصرف تابع لرضى المالك وغير منحصر كما في الوكالة فنسبة عقد الزواج للمرأة هذه نسبية الاعتبارية غير منحصرة بالوكالة فحتى لو فسدت الوكالة الاذن الايقاعي موجود ويكفي هذا .
لكن هنا لا يمكن ان ان يقال هذا فالقرآن يقول انه ارسل الرسل ليضع عنه اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالقرآن يهدد بالحرب للجماعات البشرية ان لم يتقيدوا بالاحكام الشرعية ، كذلك اهل الذمة حتى لو لم يكونوا يلتزموا بالاسلام لكن بعض الاحكام يلزمون بها كان لا يتظاهرون بشرب الخمر ولا بالفجور فباب الحدود والتعزيرات رصدها الشارع لكي يلزم بمقررات الدين فالدين اتى ليطبق لا انه اتى ليعترف به ويحترم ولكن المسار الاجتماعي يبقى على حاله فالمعاملة الاقتصادية والمالية والبنكية يكون على حاله لانه مثلا يوجد اذن كما يعبرون العقد الاجتماعي للانتخابات وللحكومة فان هذا كله كلام باطل ، فالعقد الاجتماعي بنفسه غير شرعي ولا يوجب الحلية من دون امضاء الشارع وتصرفه .
من اللطيف ان هذه المقولة تحمل في طياتها تناقض اخر غير ما ذكرناه انه انتم تريدون ان ترتبون الحلية الشرعية عليها فلماذا تمسكتم بالشرع؟ لا سيما انه حرام شرعي وليس حرام عرفي مثلا نريد ان نثبت شرعية هذا الحكم السياسي فباي شرعية ؟ فاذا كانت بعيدة عن الشارع فهذا هرج ومرج ، مثلا هذه الزوجية بعيدة عن الشارع ام لا؟ فاذا كانت هذه لا يقبلها الشارع كيف انت تقول غير حرام بالطيب والاذن ، كلا لا يمكن ، فحتى هذه المحاولة في الفقه الاجتماعي او الاسري او المالي تنطوي في ذاتها على التناقض ، بخلاف اذن المرأة في حال العقد الشرعي يترتب على الاذن كما يترتب على الوكالة لو لم تفسد بخلاف ذاك المقام وهذا يرجع الى اصل فلسفة وضرورة الدين ولزومه ، فالمطلب مهم والكبار لعله يغفلون فيه .