< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العقود اللازمة ذاتية للمعاملات.

كان الكلام فيما ذكره الشيخ الانصاري والسيد اليزدي والآخوند، وكان عند الشيخ الانصاري مطلباً - غير كلمات الآخوند التي سنتعرض نتعرض إليها وإلى كلام اليزدي - قد ذكره في التنبيه الأول من تنبيهات المعاطاة وهو مبحث يستحق التدبر.

ونحن لم نكمل النفطة الأخيرة التي كنا فيها أمس ولابد من اكمالها ولكن هذه النكتة التي ذكرها الشيخ مرتبطة بالنقطة الأخيرة التي كنّا فيها أمس وهي أنَّ الشيخ الأنصاري يقول إنَّ الملكية التي تُشنأ في البيع هي نفسها الملكية التي تنشأ في الهبة وهي نفسها الملكية التي تُنشأ في القرض ... وهكذا فمن جهة المسبَّب والمنشأ الملكية هي واحدة والاختلاف إنما هو في أحكام الملكية أو بلحاظ العقد الذي هو السبب، ونحن لم نبسط كلام الشيخ وإنما استعرضناه اجمالاً، وأما كلام السيد اليزدي والآخوند فإنهما قالا إنَّ اختلاف الاحكام بين البيع والهبة أو القرض أو العقود الأخرى ليست فقط بلحاظ السبب بل أيضاً هي بلحاظ المسبب فهي بلحاظ السبب والمسبب معاً.

وقد أوضحنا فيما تقدم كلام السيد اليزدي والآخوند إلا أنه قد يُنسى لأن نكاته دقيقة ولا تتكرر فلابد من أن نتعرض إليه لشرح كلامهما، ولكن قبل أن نشرح مؤاخذتهما على الشيخ الانصاري - وهذا مبحث مهم وليس فقط هو مبحث علمي بل هو عملي ابتلائي - نذكر مطلباً آخر ذكره الشيخ الأنصاري في التنبيه الأول وربما ذكره في تنبيهات أخرى، وهذا المطلب الثاني هو قالباً وصورة غير ما نحن فيه الآن ولكن لبّاً له ارتباط وطيد به وهو في نفسه مهم ويختلف عمّا مرَّ استعراضه الآن من كلمات الاعلام الثلاثة ولكنه يرجع لبّاً إلى ما سنستعرضه أو أنه مرتبط به فهو مختلف صياغةً، ولو قيل ولماذا نخرج من بحثٍ إلى بحثٍ آخر؟ قلنا إنَّ ذاك البحث هو مرتبط لبّاً بهذا البحث فمن ثم نحن مضطرون لذكره قبل اكمال المبحث السابق، فيوجد تساؤل عند الشيخ وهو تساؤل ممتاز جداً قد ذكره في التنبيه الأول للمعاطاة وفي مواضع أخرى متعددة قبل المعاطاة، ولتوضيح هذا التساؤل نضطر إلى توضيحه بقواعد ولكن لنذكر التساؤل أولاً ثم نذكر له توضيحات قواعدية، والتساؤل هو أنَّ البيع من العقود اللازمة وهذه لنأخذها مقدمة أولى، فهو كالاجارة وما شاكلها فنحن عندنا أن العقود تصنف إلى اصناف فبعضها لازمة - وما معنى لازمة فإنه لا بد من تفسير ذلك – مثل النكاح فإنه من العقود اللازمة وهو أشد العقود لزوماً حتى من البيع والاجارة، وهذه العقود اللازمة هي في قبال العقود الجائزة كالهبة والعارية والوديعة وهلم جرا، وأيضاً هناك درجات في الجواز فإنَّ فيه ثلاثة أو اربعة أقسام. هذه هي المقدمة الأولى التي يذكرها الشيخ وهي أنَّ البيع من العقود اللازمة - واللازمة أيضاً هي درجات - فإذا كان البيع من العقود اللازمة فهل يصح انشاؤه بالمعاطاة على أنه عقد ليس بلازم؟

فلاحظ أنَّ المقدمة الأولى هي أنَّ البيع من العقود اللازمة، والمقدمة الثانية هي أنه هل يصح أن يُنشأ بيع بالمعاطاة - وحتى بدون معاطاة بل بالألفاظ فإنه لا فرق بينهما - فهل يصح انشاء بيعٍ غير لازم وإنما يكون بيعاً جائزاً؟ يعني الشيخ يسأل هكذا:- هل انشاء البيع الجائز هو متحد مع ماهية وحقيقة البيع أو غير متّحد؟، فاللزوم الذي ذكره في البيع هل هو ذاتي لا يمكن أن ينفك أو أنه ليس بذاتي ويمكن أن ينفك؟ وهذا سؤال مهم جداً.

ولنوضح هذا السؤال بزواياه ثم نذكر ربط هذا البحث بالبحث السابق: -

ولاستيضاح هذا المطلب قد يقول قائل ما مراد الاعلام من أنَّ البيع من العقود اللازمة والاجارة من العقود اللازمة والقرض أيضاً كذلك والحال أنَّ الخيار موجود في البيع ويمكن شرط الخيار فيه أيضاً فإنَّ ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) ولا يلزم أن يكون الخيار هو خيار المجلس بل يمكن أن يشترطا خيار الشرط لكل منهما أبد الدهر فإنَّ هذا ليس بممتنع، فإذاً ماذا يريدون بوصف البيع بأنه من العقود اللازمة؟ فأنت حينما تقول البيع من العقود اللازمة في مقابل العقود الجائزة ما المراد من ذلك فأيَّ لزوم وأيَّ جواز هو المقصود؟، فمثلاً النكاح لا يجوز فيه شرط خيار الفسخ فلو اشترطت بأن أعقد عقد النكاح بشرط أن يكون لي الخيار في فسخه فهذا الشرط يكون باطلاً ولا يصح، فلاحظ أن لزوم النكاح هو بدرجة أشد من اللزوم في البيع والاجارة وما شاكلهما فإنه قوي بدرجةٍ أنه لا يصح حتى شرط الخيار وإنما يصح خيار الفسخ في النكاح في حالة ما إذا حصل تدليس في العيوب المعروفة وإلا فلا يصح اشتراط الخيار يعني لا يتقرر الخيار، فما المراد من أنَّ صنفاً من العقود هي لازمة حكمية فإنهم يعبرون بأنَّ النكاح لازم حكمي بينما الهبة ليست كذلك، وهكذا الحال في القرض أيضاً.

فلاحظ أنَّ هذه مباحث مهمة في العقود، فالقرض يتخيل أنه من العقود الجائزة ولكن بالدقة هو عقد لازم، يعني أنَّ أداء القرض هو بيدك ولكن إذا حدّدت مدةً للمقترض فليس لك أن تطالبه قبل حلول الأجل، فلزوم القرض ليس من جهة المدّة بل حتى لو لم تعين مدة القرض يكون لازماً، وما معنى لازم؟، مثلاً أنت الآن عندك عينٌ معينة شخصية اقرضتها لأنَّ القرص ليس يقتصر على الأموال والنقد فقط وإنما الصحيح أنه يشمل حتى الأعيان الشخصية أيضاً كأن يقول للمقرض اعطني دارك قرضاً فهذا ليس قرض منفعة وإنما هو قرض عين، يعني بأن يهذب صاحب الدار يسجلها في دائرة باسم هذا الشخص وينقلها إليه من باب القرض وليس من باب البيع، فالقرض كما يصح في النقود القيمية يصح أيضاً في الأعيان الشخصية على ما ذهب إليه المشهور، فماذا يعني أنَّ القرض لازم؟ يعني أنك إذا اقرضته سيارتك مثلاً أو نقودك فلا تستطيع أن تسترجعها ولا تستطيع أن تلزمه بذلك، نعم تستطيع أن تلزمه بأداء العوض ولكن لا يمكنك أن تلزمه بإرجاع هذه العين الشخصية التي اقرضت رقبتها إياه، فالقرض ليس كالهبة، ومثل ذلك ما لو أعطيته مبلغاً من المال فهنا ليس لك أن ترجع نفس هذه الأموال فإنه ليس لك استحقاق استرجاع عين الشيء الذي أقرضته إياه فمن ثم يكون العقد لازماً، نعم إذا لم يعين مدة لأداء القرض فالمقرض هنا يستطيع أن يستعجل ويطالبه بعوض القرض وهذا لا ينافي اللزوم، وهو مثل البيع فإنَّ البائع يقول للمشتري عليك أن تؤدي الثمن بسرعة وأما المبيع فهو قد انتقل إلى المشتري وأنتهى الأمر، فهنا العين المقرضة إن كانت شخصية أو قيمية أو مثلية ما أن تنتقل إلى المقترض فحينئذٍ ليس للمالك استرجاعها فإنَّ القرض أيضاً هو من العقود اللازمة بهذا المعنى.

فالهم أنه ما مراد الفقهاء من أنَّ هذه العقد لازمة؟ المراد هو أنها إذا أنشئت على أن لا تكون لازمة فهل يحصل هناك تغيير في ماهية هذه العقود والمعاملات أولا لا؟ وسؤال الشيخ الانصاري هو هذا، فإذا ادرجنا البيع في العقود اللازمة فهل يمكن لي أن أنشئ بيعاً ليس بلازم كالهبة وهل تبقى ماهيته بيعاً أو لا تبقى بيعاً؟ قال الشيخ الأنصاري لا تبقى ماهيته بيعاً، وكلامه صحيح ولكن كلامه هذا يتناقض مع كلامه السابق وهو أنَّ الملكية في القرض والهبة والبيع وما شاكل هي شيء واحد فكيف تصير شيئاً واحداً؟!!

نرجع إلى نفس السؤال الثاني وربطه بالأول: - فالبيع إذاً هو من العقود اللازمة فكونه من العقود الزمة ما معنى لزوم بحيث لا ينافي الخيار فإن الخيار يجعل العقد متزلزل فأي لزوم يريدونه حينما يقولو البيع والاجارة والقرض من العقود اللازمة وهلم جرا، جملة من العقود اللازمة مثلاً الجعالة والمزاعة والمضاربة بعد وقوع العمل هي من العقود اللازمة لا قبل العمل، فما معنى العقود اللازمة التي لا تتنافى مع خيار الفسخ فما مرادهم من اللزوم؟، فالمراد هو أي معنى للزوم فإنَّ هذا الذي يجب أن نقف عليه، فأيَّ معنىً للّزوم هو المراد وإنَّ لم يُنشأ هذا اللزوم فهل تتبدل وتسيخ وتنمسخ ماهية البيع كما هو ظاهر دعوى المشهور أو ماذا؟، ثم بعد هذه الأخذ والرد تعالوا بنا نأتي إلى نتيجة وهي أن المعاطاة إذا كانت تفيد الاباحة كيف تصير لزوماً وبيعاً إذا بني على أنَّ البيع عقد ماهوي لزومي؟!!، فلاحظ أن كل هذا الأخذ الرد هو بلحاظ المعاطاة وهذه مباحث حساسة يجب الالتفات إليها وربطها بالصيغة الأولى التي استعرضناها فيما تقدم وهي أنَّ الملكية التي تنشأ في البيع هل هي نفس الملكية التي تنشأ في الهبة أو القرض أو العقود الأخرى أو هناك أنواعاً أخرى من الملكية، فربط البحث أيضاً بزاوية أخرى لابد من اثارته، ونبدأ مرحلةً مرحلة لحلحة هذا البحث فإنه أيضاً مرتبط صميماً بالمختار في المعاطاة لأننا نريد أن نخرج فيها بأن المعاطاة ما هي، فهذه العقبة مهمة ولنبدأ فيها، وعلى كلا الصياغتين توجد توضيحات ومقدمات منقولة عن الاعلام.

والسؤال: - ما المراد باللزوم؟ اللزوم في النكاح نمط، واللزوم في البيع وفي القرض نمط وفي الاجارة نمط وفي الهبة نمط ... وهلم جرا فاللزوم ليس نمطاً واحداً، وفي مقابل اللزوم الجواز فإنه أنماط أيضاً وهذا لابد من الالتفات إليه ومعرفته والوقوف عليه، وبعد أن نقف عليه ونفهمه نسأل هل هذا اللزوم مأخوذ ماهوياً في هذه العقود مع اختلافه وتنوعه وكيف هو مأخوذ بحيث بيعية البيع تذهب أو نكاحية النكاح تذهب؟، ومن أحد فوارق الدعارة والزنا عن النكاح هو هذا فإنَّ النكاح لزومي وهو إحصانٌ فهو مثل الحصن بخلاف الفجور فإنَّ الفجور هو سفاح وانفلات، فما هو اللزوم وكيف يكون مأخوذاً ماهوياً في هذه العقود بحيث لا يصح أن تنشئها بدونه قال تعالى:- ﴿ محصنين غير مسافحين ﴾ فالآية الكريمة تستعرض العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة فتقول لا هذا ولا ذاك ولا ذاك ثم تقول نعم هذا جائز لأنَّ تلك الأمور ليس فيها إحصان وهي مثل ﴿ ولا متخذي أخدان ﴾ واتخاذ الخدن غير الزنا وإن كان هو نوع من الزنا حيث كانت هناك أنواع من العلاقات الجنسية غير المشروعة التي كان يرتكبها الناس في الجاهلية فكلها هذه العلاقات ينفيها الشارع ويثبت الصحة للنكاح فقط ﴿ محصنين غير مسافحين ﴾، فإذاً الطبيعة الذاتية للنكاح هي هذه، وحتى انكاح المنقطع ولو لساعة أيضاً فيه مسؤوليات فلو حملت المتمتع بها في هذه الفترة فأنت ملزم قانوناً به وغير ذلك، ففي النكاح المنقطع أيضاً يوجد التزام ولزوم ولو لمدة ساعة بل ولو كان لمدة أقل من الساعة فإنه لا فرق في ذلك وهذا هو الفرق بين النكاح وغيره. فإذاً لابد أن نتعرّف على اللزوم، فتعبير الفقهاء - والمفروض أنه مأخوذ من الأدلة - أنه يوجد عندنا لزوم حكمي وعندنا لزوم حقي، وما هو اللزوم الحكمي وما هو اللزوم الحقي؟، وكذلك يوجد عندنا جواز حكمي وجواز حقي، وما هو اللزوم الحكمي؟ اللزوم الحكمي على أنواع، واللزوم الحكمي هو أنه في النكاح اللزوم حكماً يعني حتى لو أراد الزوجين أن يتقايلا فليس لهما ذلك، وهذا شبيه بزواج المسيحي الكنيسي فهما لا يستطيعان أن يطلق بعضهما البعض وأما نحن فيستطيع أن يطلق بعضهما البعض من خلال الخلع أو الطلاق ولكن لا يستطيعا أن يتقايلاً ويفسخا العقد وإنما هذا العقد قد أُبرم وأصبح لازماً أما أنه يفسخه بالطلاق فهذه طريقة أخرى ونمط معين من الفسخ وأما أنه يفسخه بالتقايل فهذا لا يصح أو أن يعتبره كالعدم فهذا لا يصح ايضاً، نعم يصح فسخه بطريقةٍ خاصة كالطلاق والخلع فهذا شيء آخر وأما أن يكون الفسخ بالتقايل والتفاسخ فلا لأنَّ هذا لزوم حكمي أي هو حكم من قبل الشارع وليس حقياً ولذلك الإقالة والتقايل لا تجري في النكاح لأنَّ لزومه حكمي وليس حقياً، أما البيع فاللزوم فيه ليس حكمياً وإنما هو حقي، فمن حقه ذلك فيستطيع أن يقيل احدهما الآخر ويتفاسخان، فإذا كان معنى اللزوم الحقي هو هذا فحينئذٍ هو لا ينافي وجود الخيار لأنَّ اللزوم هو أولاً حيقي وليس حكمياً وثانياً إنَّ صاحب الحق يستطيع أن يقول للطرف الآخر أنا اجعل لك الخيار إلى تمام المدة أو بلغ ما بلغ من المدة لأنه حقه.

فإذاً جعل الخيار مستمرا أو منقطعاً في البيع لا ينافي اللزوم الحقي، وطبيعته هي لزوم حقي وليس لزوماً حكمياً حتى لو كان الخيار من الطرفين فإنه لا مانع من ذلك فإنَّ طبيعته أنه لزوم والتزام ولكنه حقي وليس حكمياً فيمكن أن يسقطه صاحبه ويمكن أن يتقايل ويمكن أن يجعل على نفسه شرطاً للطرف للأخر بأن يكون له الخيار فإن كل هذا ممكن لأن طبيعته أنه لزوم حقي، وعلى هذا يكون وجود الخيار لا ينافي ذاتية اللزوم الحقي ولكن لو اردت بيعاً ليس فيه لزوم والتزام فهذا ليس ببيع.

وللتوضيح نقول:- إنه قد مر بنا ألان أن اللزوم الحقي لا ينافي الخيار بل يؤكده لأنه قد شرط على نفسه وأعطاك الحق في العقد أو أقالك بعد العقد فهذا يؤكد لزوم الحق ولا ينافيه ولكن لو أراد المتبايعين أن ينشئا بيعً ليس فيه لزوم حقي فهذا لم يصر بيعاً وإنما صار شيئاً آخر بل البيع حسب كلام الشيخ الانصاري والمشهور يجب أن يكون فيه لزوم حقي، ولزوم حقي يعني التزامك بالبيع من حق الطرف الآخر والتزام الطرف به من حقك فيوجد استحقاق متبادل في اللزوم وليس فقط استحقاق تمليك عين بمال وليس النقل في مقابل النقل وليس التبديل في مقابل التبديل بل علاوة على كون ماهية الصحة فيها مبادلة ماهية كذلك اللزوم أيضاً فيه تقابل وهذه نكتة مهمة، فالتبادل ليس تبادلا ماهوياً في الصحة فقط بأن يملك احدهما المبيع ويملك الآخر الثمن وإنما يوجد أيضاً تبادل وتقابل في التعهّد والالتزام، والبيع من دون تعهّد هو ليس بيعاً وكذلك اجارة ليس فيها تعهد هي ليست اجارة وإنما هي شيء آخر. فإذاً طبيعة البيع ليس أن تنشئ فيه ماهية الصحة فقط وإنما طبيعته أن تنشئ فيه ماهية اللزوم الحقي أيضاً بأن يتعهد كل واحدٍ من الطرفين لا أن ينشئ ماهية الصحة فقط.

فإذاً العقود اللازمة يشترط فيها انشاء ماهية الصحة وانشاء ماهية اللزوم الحقي أيضا وإلا لم تكن بيعاً، وكلامنا ليس في الاحكام وإنما كلامنا حتى في البيع العرفي فإنَّ طبيعة البيع العرفي - وكذلك الصلح - أنه من العقود اللازمة فإنَّ طبيعة هذه العقود اللازمة تختلف عن طبيعة العقود غير اللازمة كالوديعة والعارية.

أقول إنَّ كلامنا في الماهية أما أنك تستحدث ماهيةً أخرى فهذا بحثٌ آخر ولكن هل صحيح لغوياً وعرفياً أن تكون ماهية البيع ماهيتان - ماهية صحة وماهية لزوم - وليست ماهية واحدة؟، فكما أنَّ ماهية الصحة مركبة وهي مبيع مقابل ثمن كذلك يوجد تركب آخر في ماهية البيع وهي ماهية صحة وماهية تعهد متقابل ولزوم، فمعنى العقود اللازمة هو أنه لا يمكن أن تنشئ ماهية الصحة فقط بل لابد وأن تنشئ ماهية اللزوم معها أيضاً علاوةً على ماهية الصحة، بخلاف الهبة فإنَّ الهبة ليس فيها أنشاء ماهية اللزوم - يعني أن تهب الشيء وتتعهد بأن تلتزم بالهبة فإن طبيعته ليست هكذا - بل يوجد فيها جواز حكمي، فليس في الهبة لزوم حكمي ولا لزوم حقي وإنما يوجد فيها جواز حكمي وإلا فالهبة طبيعتها هي مجرد نقل ملك وليس فيها تعهد، فصحيح أني وهبتك شيئاً ولكني لم أتعهد لك بأني ألتزم لك بالملكية وإنما التزمت لك بنقل ملكية متزلزلة فيمكن لي أن استرجعها، فإذا كان الملك في الهبة ليس فيه تعهد والتزام فحينئذٍ لا يوجد فيه لزوم حكمي كالنكاح ولا لزوم حقي وإنما هو مجرد نقلٌ ضعيف للملكية، فهي بهذا المقدار، فلو أنشا هبة فيها تعهد والتزام فهذه ليست هبة وإنما هي شيء آخر، وأما الصدقة فإنَّ الشارع جعل فيها لزوماً حكمياً كالنكاح، وكذلك الوقف فإنَّ الوقف من الصدقة، فالصدقة وتوابعها ليس فيها لزوم حكمي فقط بل فيها لزوم حقي ولزوم حكمي أيضاً أشد من الحقي يعني أنهما لا يستطيعان أن يتقايلا، فالصدقة والوقف والحبس وما شاكلها هي مثل النكاح وهذا بحث آخر، فلاحظوا توضيح هذه المقدمات.

والكلمة الأخير هي أنه هل يا ترى اللزوم - وسواء كان لزوماً حقياً أو حكمياً - أو اللزوم - سواء كان جوازاً حقياً أو حكمياً في العقود الجائزة - بحسب أقسام وأنواع العقود التي هي أربع أو أكثر هو ذاتي في هذه العناوين أو أنه ليس بذاتي ويمكن تفكيكه؟ المعروف أنه ذاتي لا يمكن تفكيكه وإذا أنشأته بنحوٍ آخر فسوف يكون هذا عنوانا جديداً ومعاملةً جديدةً وليست هي تلك المعاملة، وحينئذٍ سنربطه بالمعاطاة فنقول إذا كانت المعاطاة بيعاً وهي تفيد الاباحة فهل يمكن أن يكون هناك بيع من دون لزوم؟ فكيف ركّب المشهور أحكام المعاطاة بين كونها تفيد اباحة وبين كونها لازمة وبين كونها بيع غير لازم أو اباحة ثم تصير لازمة؟ هذه هي اثارة الشيخ جعفر كاشف الغطاء فكيف تركّب هذه العقود مع بعضها البعض والحال أنَّ البيع ذاتاً هو لزومي فيكف تصير هذه المعاطاة بيعاً فهل أنشئت للبيع وكيف يقع البيع والحال أنَّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع وبالتالي هذا البيع هو ذاتي اللزوم فكيف يصير هذا؟!!

هذه سلسلة من التعقيدات موجودة في المعاطاة لابد من حلّها لمن يريد أن يختار شيئاً من الأقوال في المعاطاة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo