< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

45/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - منهجية صناعة مجموع القواعد في الاستنباط

 

كان الكلام في الاشكالات التي عنونها كاشف الغطاء وهي اشكالات صناعية مهمة، وأيضاً وصلنا إلى هذ النقطة وهي أنه في بعض الأبواب فإنَّ بحث المعاطاة يبحث في كل العقود فهي ليست مسألة وليست قاعدة أيضاً وإنما وهي باب وفيها قواعد وإن ادرج في البيع ولكنها لا تختص بالبيع وإنما تعم الاجارة وغيرها، فالنقطة التي وصلنا إليها أمس وهي مرتبطة في مبنى كاشف الغطاء هي أنَّ هناك ازدحام قواعد في بابٍ واحد وفي مسألةٍ واحدة والازدحام يعني ارتباط وكيفية التنسيق بين هذه القواعد وهذا أمر مهم ولا يمكن تنقيح هذا الباب أو هذه المسألة أو أي قاعدة أخرى وليدة تركيب قواعد وتنسيق بين قواعد إلا بالوقوف دقّياً على كيفية النسق أو النسبة أو الانسيابية أو العلاقة الناظمة بين هذه القواعد، وهذا منهج فقهي أو قل مرحلة من مراحل الاستنباط ليس مرتبطاً بما هو السند وما هو الطريق وما هو الظهور مثلاً وإنما هو مرتبط بما وراء الظهور وما وراء طرق الروايات، يعني بعد ثبوت جملة من المفادات والقواعد كيف أنت تلائم وتولّف وتؤالف وتناسق وتناسب بين منظومة قواعد، وغالباً ما كانت براعة الشهيد الأول تمكن في هذه المراحل من الاستنباط، وكذلك الحال عند كاشف الغطاء تقريباً، ونستطيع أن نقول إنَّ هذا هو منهج السيد المرتضى في العقائد وهو ما بعد بعد الطرق والظهورات، فلو لاحظت كتاب الشافي للسيد المرتضى تجد أنه يبحث في لباب مضامين المتواترات وكيف ترتبط بإمامة وولاية أهل البيت عليهم السلام أما البحث السندي أو المصدري حتى في العقائد عند السيد المرتضى فهو قليل وإنما أكثر ما يركز السيد المرتضى على دراسة المتون وكيفية النظم بينها ومعروفٌ عنه ذلك وفي تشعب توسّع فروع أي باب فقهي هو ينطلق من هذه المرحلة، نعم في بدايات أي باب فقهي هو يبتدئ بالظهورات الأولية والطرق والكتب والاقوال الموجودة ولكن بعد ذلك يأتي دور المعادلات القانونية وكأنها معادلات رياضية وهي تنتج وتولد وتوالد طبقات وانشعابات ذاتياً، فكما أنَّ قواعد الرياضيات تنتج وتوالد وهلم جرا كذلك القواعد القانونية الأمر فيها هكذا أيضاً وهكذا القواعد العلمية، ونحن نذكر هذه الحقيقة وهي أنه في الكتب الكلامية لعلمائنا الابرار أو مفسرينا أو محدثينا توجد هذه الفذلكة الصناعية، مثلاً يقال أنَّ الامامة لم ترد في القرآن الكريم بعنوان ( أمم ) أو ( إمام ) فقط وإنما وردت بخمسين أو مائة أو مائتي عنوان وأنا لا يوجد عندي إحصاء استقرائي دقيق لذلك كما أنَّ الاحاطة بالقرآن الكريم تحتاج إلى توفيق وتسديد وإنما توجد احاطة نسبية، فتوجد آيات مسلَّمة في الاستدلال على الامامة. أيَّ صلة بين طهارة أهل البيت وامامتهم؟!! فلاحظ هذا البحث هو نفسه مبحث صناعي كلامي. أيَّ صلة بين فريضية المودَّة لأهل البيت عليهم السلام وولايتهم؟!! قد استدل بها كل الأئمة قبل العلماء ثم العلماء تبعاً للأئمة استدلالاً عقلياً فأيَّ استدلال هذا؟!! فدائماً توجد حالة تحليل عقلي فإذا ذهب هذا الحليل العقلي ماتت العلوم وهذا هو الخطر الذي يحدق بالمسيرة العلميةـ، فإذا كان بنحو السطحية القشرية الحشوية فهذه هي الإخبارية المقيتة، لا أنَّ المجلسي اخباري وإنما الاخباري هو أنَّ يصير عندك جمود، وقد ذكرنا مراراً أنَّ الشيخ المفيد يأتي أحياناً بكلمات حشوية قشرية سطحية وكذلك السيد المرتضى وهكذا الشيخ الطوس، وهذا لا يعني أنه اخباري أو أصولي بل في كلا الجانبين يوجد حشويون جموديون وهؤلاء هؤلاء خطرين على مسيرة العلم، وهناك قسم آخر هم محللون مدققون وهذه هي الصناعة وهذه هي الأصول وليست الأصول هي انتسابٌ نسبي تبجحي وإنما هي واقع نظام علمي.

فالمقصود إذاً أدلة الامامة وولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم هي ورادة بعناوين عديدة، أما كيف تدل؟ إنها تدل عقلاً، فيوجد ترادف عقلي بينها وليس ترادفاً لغوياً، كذلك من هذا المبحث الذي هو مبحث نظام منظومة في القرآن الكريم هنا نستخرج موقع فاطمة عليها السلام وكيف اغفال متكلمي الامامية عن تبويب هذا الباب بشكلٍ جيد وإن كانوا لم يغفلوا عنه تماماً، فمثلاً الشيخ المفيد في الارشاد والطبرسي في اعلام الورى وغيرهم من كبار الاعلام لم يغفلوا ذكر فاطمة ولكن لابد وأن يبوّب هذا بنفس المنطلق وبنفس القوالب وهذا منهج علمي وموت العلم في الجمود على الألفاظ وعد الذهاب إلى بحر المعاني وهذا شيء مهم، ومن الواضح أنه لا يمكن متابعة المعاني وجواهرها ودررها بالذوق وبالاستئناس وبالاستحسان وإنما لابد من الأخذ بموازين برهانية - مثلاً واحد زائداً اثنين يساوي ثلاثة وثلاثة زائداً ثلاثة يساوي ستة وهلم جرا - فقواعد تتوالد مع بعضها البعض. فهذه المنطقة من الاستدلال والاستنباط فيها شيء عجيب وكثير جداً، وهذه مرحلة مهمة في استنباط العلوم الدينية سواءً الفقه أو الأصول أو الحديث أو التفسير أو علم الكلام والمعارف، وسيما إذا كان الانطلاق كله من ثوابت لا من ظنيات مختلف فيها فهنا سوف يصير أعظم.

عود إلى نفس المبحث والمثال الذي ذكره الأعلام: - فأصلاً كاشف الغطاء هنا لم يستدل برواية خاصة واحدة أو اثنين أو ثلاث وإنما استدل بثمان نقوض في أبواب ومجموعة قواعد، فلماذا لا يحيى هذا الأمر في الحوزة العلمية فإنَّ من المهم احياء هذا في الحوزة العلمية لأنه هو الذي يغطي المساحات العصرية الجديدة في البيئات سواء كان في بية المال أو الاقتصاد أو الفقه السياسي أو الفقه العسكري أو فقه الدولة أو فقه الأسرة أو فقه المرأة أو العلاقة بين المذاهب والأديان وهذا في الحقيقة ينبض بقواعد تترابط وتتناسق وتتوالد وتتشجر وتنشعب إلى ما شاء الله وهذا هو الاجتهاد وهذا هو ما نقل عن الميرزا النائيني، وحياة الحوزة تكون بهذه المرحلة لا أن نجمد على سطحية الأدلة من دون أن نتدبر العلاقة بين مفاد الأدلة مع بعضها البع، ومن باب المثال من أين أتى العام والخاص ومن اين أتى وانقلاب النسبة وانقلاب النسبة لها صور عديدة وكذلك بحث الحكومة وأقسام الحكومة ودليل حاكم ودليل محكوم ودليل وارد ودليل مورود وتوارد فهذه كلها ناتجة من تحليل المعاني فهي ليست بهلوسة ولا باستحسان ولا باستئناس بل هي بشواهد قواعدية تترامى وتتناسق وتترابط وتتشجّر وحينئذ سوف تنشعب وتتوسع وتتوالد إلى طبقات وإلى انشعابات أخرى إلى ما شاء الله، فهي شبيه الشبكة العنكبوتية، فمثلاً الشبكة الرياضية كيف يدرسها الانسان هندسياً كذلك في مبحث الاستدلال.

فالهم أننا كنا في هذا المثال كمثال وليس حصراً لنستخرج منه المنهج الكلي وهو أنه ورد عندنا أنه لا يجوز للإنسان أن تمتلك عموديه - أي والديه -ولكن ورد عندنا أنه لو اشترى والديه من رقّ فسوف ينعتقان عليه قهراً وهذا مذكور بتفصيلٍ في باب العبيد والاماء، والاعلام بحثوا هنا هذه المسألة لا لأجل قضية باب العبيد والاماء وإنما لأجل الغموض الصناعي في هذه المسألة ويريدون أن يستخرجوا من هذا الغموض الصناعي قواعد ومناهج يستفيدون منها في أبواب أخرى عديدة، ومن العيب ترك دراسة باب العبيد والاماء رغم أنه باب غير مبتلىً به الآن إلا فيه فذلكات صناعية عجيبة ومباحث سوف تغيب، فمثلاً من البحوث المهمة فيه في نظام المعاملات بالمعنى الأخص أو في المعاملات بالمعنى الأعم هو أقسام الحقوق وأنه كم قسم يوجد عندنا من الحقوق وما هي الاحكام المختلفة المترتبة على هذه الحقوق المختلفة، وهذا مبحث حساس جداً في باب المعاملات المالية وفي باب المال العام، فالحقوق كثرتها الكاثرة أكثر من الملكية بمراتب لأنَّ طبيعة الحقوق هي هكذا لأنها أخف مؤونة من الملك وهذا مبحث حساس جداً وتدور رحى المعاملات والايقاعات وباب القضاء وغيرها عليه وهذا قد بحث في مبحث العبيد والاماء أكثر من غيره فإنه في مبحث العبيد والاماء ذكرت ألوان وأنواع من الحقوق وإن كان سمي باب العبيد والاماء في دين الإسلام مجاراةً لعهد الجاهلية ولكن ماهيته بدّلها الدين الإسلامي فهي ليست عبيد وإماء وإنما هي عبارة عن التكافل التربوي من قبل المسلمين للوافدين عليهم من أديان ونحل وملل أخرى، فحقيقة باب العبيد والإماء ليس عبيد وإماء وإنما مجاراةً في التسمية القانونية سمّي عبيداً وإماءً وإلا فحقيقته هي عبارة عن الكفالة التربوية الأمنية، فأنت أيها المسلم خذ هذا الشخص وقم برعايته وكفالته وتربيته في مقابل أن يخدم يعني توجد معاوضة، فالأمر حقيقته هي هذه وليس حقيقته عبيداً وإماءً وهذه نكتة مهمة جداً فإن باب العبيد والاماء عندنا في دين الإسلام يختلف جوهريا عن الرق والاستعباد، بل هو ليس استعباداً وإنما هو عبارة عن تكافل متبادل فهذه هي حقيقته، وهذه نكتة مهمة، وذلك شبيه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد يطلق اسماً معيناً على مكان معين لأنَّ اليهود حرّفوا اسم هذا المكان وإلا ففي منطق الوحي يوجد له اسم آخر غير الاسم الذي اطلقه عليه اليهود، ونحن لا نريد الاتيان بأمثلة في هذه الأيام لأنها قد تثير الحساسية ولكن توجد أمثلة كثيرة فإن اليهود حرفوا الأسماء الوحيانية والمعاني الجغرافية والتاريخية في معاني الدين السماوي الشيء الكثير بحيث حتى سيد الأنبياء في تلك الفترة الوجيزة لم يستطع التصريح بأنَّ هذه من تحريفات اليهود وإنما نبَّه أبناءه من الأئمة الطاهرين عليهم السلام على ذلك بأنَّ هذه التسميات مغلوطة زيفها اليهود وليست وحيانية، فتزييف اليهود لمعالم الوحي هو الشيء الكثير وربما هو أكثر من السقيفة، وهذا بابٌ واسع ينفتح على بحوث في التشريع الديني والفلسفة الدينية الشيء الكثير، وحتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجاري ويتقي أيضاً، فلاحظ قوله تعالى:- ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾[1] فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أشفق من الفتة لأنه توجد عليه ضغوطات آنذاك ولكن الله تعالى قال له:- ﴿ والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي الكافرين ﴾.

فلاحظ حقائق الدين وأصل الحقيقة وأصل الأصل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت ضغوطا لم يتكلم بكلمة ويفصح عن ذلك الأصل فضلاً عن أنه لم يتكلم بتشعبات ذلك الأصل أيضاً، وحتى يأتي البعض من الاعلام الكبار ويقول لم تكن هناك تقية عند النبي، ولكن نقول كيف أنه لم تكن عنده تقية والحال هذه؟!! وهل كانوا يدعونه يكتب الكتاب حينما قال لهم ( آتوني بدوات وكتف ... ؟! ) وهل لم تكن هناك ضغوط حينها؟!! وهل نحن في خيال وفي شفافية؟!! إنَّ هذا الكلام غير مقبول، فالنبي صلى الله عليه وآله نفسه يقول: - ( ما أوذي نبي مثل ما أوذيت )، وما دبّر اغتيالٍ لأحد من البشر كما دبّر لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، فحتى الاغتيالات التي دبرت لأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام لم تكن بعدد الاغتيالات التي دبّرت لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فهل كان لا يعيش حالة ضغطٍ وتقية؟!! بل نص القرآن الكريم يقول:- ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾، ومعنى ( يعصمك ) أنه توجد عليك ضغوطات من الناس، وأي ناسٍ هم فهل هم كفار الحبشة أو الروم أو ماذا؟! إنهم من داخل المسلمين، فالقرآن الكريم يقول له توجد ضغوطات عليك من قريش والأحزاب والطلقاء والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، لا أن يأتي شخص ويقول ( لو كان لبان ) فإن هذا الكلام ليس بصحيح وليس بمقبول وهذا الأصل لا أصل له بل كلّها ضغوطات على سيد الأنبياء فضلاً أمير المؤمنين وبقية الأئمة عليهم السلام فهل تراهم يفصحون عن كل حقائق الدين؟!!، مثلاً تأتيك رواية من الامام الصادق عليه السلام فكيف أتت هذه الرواية من الامام الصادق أو الباقر أو الامام الهادي ولم تأت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحال أنها موجود في زمانه؟!! إنها موجودة ولكنه لم يفصح عنها أمام المسلمين أما أنت فتأتي وتقول هو لم يخش أحداً فإن هذا كلام غير مقبول؟!!، فهذه الظروف والملابسات يلزم أن ندرسها بصورة جيدة، ونص للقرآن الكريم ونص للإمام الهادي عليه السلام يقول اشفق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فتنة المنافقين، يعني أنه كان في حالة قلق لأنهم سيقلبون له كل الأوضاع وكل الدين فهم كانوا مستعدين إلى هذا الحد فالقضية صعبة جداً، أما يأتي أحد ويقول إنَّ قرائن التقية ليست موجودة فهذا ليس بصحيح وكيف لا تكون موجود؟!!، فإذا كان النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام هكذا فكيف الحال بالصدوق وغيره فإنَّ كلمات علمائنا مملوءة بالتقية ويلزم على الباحث الالتفات إلى ذلك، فلا تقول إنَّ مراد الشيخ الصدوق هذا هو عين المراد الجدّي بل عليك أن ترى القرائن والشواهد الأخرى، وهكذا الحال في عصرنا فمثلاً لو قال العالم الفلاني كذا أخذنا من دون ملاحظة القرائن فإنَّ هذا غير صحيح بل عليك أن تلتفت إلى قرائن التقية الموجودة والمدراة الموجودة وغير ذلك فإنه توجد اضطرابات فلا تحمل كل المحامل على محمل الجد بل الكثير منها صدر للمداراة والمسايسة للأطراف الأخرى لأجل درء الفتنة لا أن تحمل على الحقيقة.

نرجع إلى نفس القواعد:- وهي أنه إذا اشترى الانسان أبويه فسوف ينعتقان عليه قهراً مع أنه لا يملكهما ومع أنَّ البيع لابد وأن يولّد الملك وأيضاً لا عتق إلا في ملك وكأنما هذه القواعد الأربع أو الخمس تتنافى وتتصادم مع بعضها البعض فما هي الطريقة الصناعية لحل هذا التنافي؟، ووقوع البيع صحيحاً مفتىً به والنتيجة أنهما ينعتقان وهذه مسلّمة أيضاً ولكن كيف تمر هذه النتيجة على تلك سيطرات من هذه القواعد التي توقف هذه النتيجة ولكنها تتخطاها وتصل، فهذا المبحث الذي ذكره المشهور في قضية شراء الانسان لأبويه هي بحث قواعدي صناعي وليس بحثاً في استظهار نصّ أو نصين وإنما هو بحث في عمق معاني القواعد وأنه كيف تتلاءم وتتناسب وتترابط وتنسجم وتتوالف صناعياً مع بعضها البعض، هكذا هي الاثارات التي اثارها كاشف الغطاء في ثمان أبواب فقهية وهو أراد منها أنه أيها الباحث حينما تبحث المعاطاة فلا تبحثها منعزلةً ومفككة ومنقطعة عن الأبواب الأخرى وإنما ابحث كيف هي تنسجم وتتلاءم مع الأبواب العديدة وهذا هو الذي يسمونه استنباطاً وهو منهج تحليلي تحقيقي لأنَّ أي نتيجة تريد أن تلزم بها في المعاطاة عليك أن تلتزم بها في أبواب عديدة وأثار وأحكام عديدة، فإن كانت عندك القدرة على ذلك فاعمل عليه وإلا فلا تعتمد فقط على نص من آية أو رواية فإنَّ هذا ليس استنباطاً وإنما هذا يسمونه فتوى الرواة فإنَّ الفقيه قد يفتي من حيث هو راوٍ وليس من حيث هو فقيه وأما إذا أراد أن يفتي من حيث هو فقيه فيجب عليه أن يحلل صناعياً، فمن حيث هو راوي الفقهاء الرواة أيضا هم هكذا، ولا أقول كل الرواة هم هكذا وإلا فزرارة وعمر بن حنظلة كانت عندهما عقلية صناعية تحليلية ... وهلم جرا.

فإجمالاً الاعلام أعطوا هذا التحليل في هذه المسألة كي نعطف الكلام في المعاطاة، فقالوا في مسألة شراء الابن لأبوية وأنهما ينعتقا عليه قالوا نحن نحمل ( لا يملك الابن أبويه ) على الملك المستقر المستدام لا الملك التقديري أو الآني، والملك التقديري والآني هو اصطلاح جديد ممتاز التزم به صاحب الجواهر وغيره، ومن الواضح أنه يوجد فرقٌ بين الملك التقديري والملك الآني ونحن الآن لا نريد الخوض في ذلك.

وهذا شبيه ما ورد في أنَّ من لديه زوجة مسلمة أو مؤمنة لا يجوز له أن ينكح عليها امرأة كتابية إلا بإذن زوجته المسلمة، نعم توجد نصوص تجوز النكاح من أهل الكتاب وإن كانت عنده زوجة مسلمة أو مؤمنة ولكن بشرط ماذا وكيف نحملها؟!! نعم إذا كان الزواج بالكتابية منقطعاً وغير مستدام فلا يحتاج ، وأيضاً هو يكون بالخفاء وليس بالإعلان حتى تتأذى، فهو إذاً جمع بين الأدلة بهذا الجمع فإنَّ أحد الدليلين يجوّز الآخر لا يجوّز إلا بإذنها فهناك استكشفت قرائن على أنَّ المراد بالجواز هو الوطر اليسير وحينئذٍ لا يحتاج إلى الإذن وهذا ما التزم به السيد الخوئي في الفتوى، ونعم الالتزام، وهو ناتج عن الجمع بين مجموع غدد من الادلة، وهكذا في المقام بين أنه لا يملك الابن أبويه وبين جواز شراءهما وانعتاقهما عليه قهراً وبين لا عتق إلا في ملك وبين أنَّ البيع لابد أن يورث الملك فكما هو الحال في المعاطاة والكلام فيها وأنها هل تولّد الملك أو لا فأيضاً هذا الابتياع من الابن لأبويه هل يولّد الملك أو لا؟ قالوا إنَّ كيفية الجمع بين هذه القواعد حتى تنتهي المدافعة والتناقض والتدافع بينها هو أن نلتزم بنقطة مركزية وهي الملك التقديري أو الآني – وأنتم حاولوا من خلال مراجعة الحواشي أن تقفوا على الفرق الاصطلاحي بين الملك التقديري والملك الآني وهو بحث صناعي مهم وينفع حتى في بحث الربا والحلول والمعاملات الجديدة فإنه يوجد فرق بين الملك التقديري والملك الآني وهذه من نفائس بحوث الاعلام يجب على الباحث أن يهضمها - فهم التزموا بهذا المقدار لحلحلة هذه المسألة وهذا جيد، وأما كاشف الغطاء فأصل بحثه أنه لم يستدل بنصٍّ وغيره وإنما أتى بمجموعة قواعد وأوجد بينها ترابطاً وقال كيف تنسجم مع أيّ قول من أقوال المعاطاة وهذه نكتة منهجية صناعية في التنسيق بين القواعد،.

والسيد اليزدي عنده موقف صناعي آخر سنذكره في الجلسة القادمة وهو يسجله كمؤاخذة على الشيخ الأنصاري في هذا المنهج الذي هو بحث كلي ولا يختص بالمعاطاة أو بابتياع الأبوين بل عموماً أنَّ ازدحام وتدافع وتجاذب وتهافت بين القواعد في باب واحد في مسألة واحدة في نتيجة واحدة كيف هو نظام الملاءمة بينها وبأيّ ضوابط؟، وهذا بحث منهجي مهم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo