47/04/21
بين صفات الخالق وصفات المخلوقين
الموضوع: بين صفات الخالق وصفات المخلوقين
وصلنا الى مقام مهم من مقامات البحث المعرفي الاعتقادي الكلامي وهو التمييز بين صفات الخالق وصفات المخلوق حتى الصفات الفعلية فهذا باب كبير مهم فالصفات الفعلية للباري تعالى باب عظيم وهذا غير مقام الصفات الذاتية ، فعندنا مقام الذات ومقام الصفات ومقام الافعال فهناك مباينة ومغايرة بين مقام الصفات ومقام الافعال ، فما الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الافعالية؟ نعم هناك تقارب ولكن هناك تغاير فتارة التقابل بين الافعال قوله تعالى يرزق من يشاء حساب فيرزق فعل يسند اليه تعالى اما عندما تقول رزاق فالرزاق صفة وكذا المحيي والمميت يحيي ويميت فهناك فعل يسند اليه تعالى وهناك صفة فعلية تسند اليه تعالى .
اذا اردنا ان نقابل بين الافعال والصفات فنقول الافعال يرزق من يشاء ويحيي ويميت وينزع الملك ممن يشاء فاذا اردنا الصفات نقول محيي ومميت ورازق ومنعم ، هذه مقابل الصفات والافعال وهذا ليس شيئا جزافا وعبطا وانما له حساب ، فعندنا افعال مقابلة للصفات وتارة نفس الصفات هي صفات ناشئة من الفعل كالرزاق فهي صفات ناشئة من الفعل وهناك صفات للذات فالتقسيمات تختلف عن بعضها البعض سواء افعاله تعالى او الصفات الناشئة من الفعل او الصفات الناشئة من الذات.
لاحظ الصفات غير مقام الذات حتى الصفات الذاتية الان هل الصفات الذاتية مع الاسماء شيء واحد ام شيئان ؟ كالعليم والحكيم والرؤوف والرحيم والرحمن والعليم فهل هذه الصفات هي اسماء او هي شيء واحد وكذلك الرزاق اسم او صفة فعل فصفاته تعالى حتى في مقام الفعل تختلف عن صفات المخلوق ، فقربه تعالى لا يعني قرب المخلوق فالقرب صفة للمخلوق فلا تدركه الابصار بينما المخلوق يدرك بالابصار والله المتعال بخلاف المخلوق ففرق بين صفات الخالق وصفات المخلوق الصفات الفعلية او الذاتية .
كذلك افعاله تعالى تختلف عن افعال المخلوق والمزج والدمج بينهما يثير لغطا علميا كبيرا حتى بين المتكلمين حسب مختلف المذاهب بل ربما حسب المذهب الواحد فضلا عما بين الفلاسفة فيما بينهم بل حتى في المدرسة الفلسفية الواحدة او العرفاء فيما بينهم او ما بين هؤلاء والمفسرين او المحدثين؟ فالتمييز شيء حساس .
مر ان حرف (من) في الايات لو نرصدها كقائمة مثلا هي كثيرة مثلا وجعلنا من الماء كل شيء حي في سورة الانبياء او مثلا ولقد خلقنا الانسان من طين فقد يثار هذا التساؤل انه هل هذا لعجز في القدرة الالهية؟ او قوله تعالى والجان خلقناهم من نار السموم فالخلقة هو فعل من افعال الله فلماذا الباري يجعل الخلقة فيها توسط؟ مع ان انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فكيف هذا يتلائم مع كلمة (من)؟ وما امرنا الا واحدة كلمح البصر فكيف ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام فلماذا ستة ايام؟ لماذا لا يكون كن فيكون؟ او وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا فلماذا سلسلة الخلقة على نظام الاسباب والوسائط حتى في الاماتة؟ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم او توفته رسلنا ، في حين الاسناد اليه تعالى الله يتوفى الانفس ، فلما يقال وجعلنا من الماء كل شيء حي هل هذا عجز في قدرة الباري؟ حاشا وكلا فلماذا هذا التوسيط؟
الجواب كما ذكروا في العلوم العقلية ان هذا ليس عجزا في قدرة الله وحتى هذا ورد في بيانات الوحي التمييز بين صفات الله وصفة المخلوق فجعلنا من الماء كل شيء حي هنا تبيان لصفات المخلوق وليس لصفات الخالق وهي لشؤون المخلوق وليس لشؤون الخالق ويا ليت ان يجمع ملف كامل من كلمة (من) في القرآن فهناك موارد عديدة موجودة فهذه الوساطات والوسائط وما شابه ذلك هذه الموارد هل هي صفات الخالق او صفات المخلوق او فعل الخالق؟ او بلحاظ اسناد المخلوق هل يمكن تغييب صفات المخلوق؟ كلا صفات المخلوق على حاله وصفات الخالق على حالها.
فهل اذا لاحظنا صفة الخالق يمكن ان لا نلاحظ صفات المخلوق كلا لا بد ان نلاحظ صفات المخلوق طبعا شأن صفات المخلوق هي صفات الخالق ولكن ملاحظة صفات الخالق شيء وصفات المخلوق شيء والا انت لاحظ المخلوق ربما هو غير موجود او موجود لكن له شؤون غير شؤون الخالق وهذه الاسئلة اثيرت حتى عند الزنادقة في زمن الامام الصادق او غيره انه هل يستطيع ربك ان يجعل السماوات في بيضه؟ فالامام صاغ له جوابين .
هذه الاسئلة اذا تدقق فيها ترجع الى الخلط بين صفات الخالق وصفات المخلوق فكيف يسند الى الخالق؟ وكيف يسند الفعل الى المخلوق ؟ فهل الفعل الالهي مخلوق او لا؟ اذن الفعل الالهي له اضافة الى المخلوق ونسبة الى المخلوق ويتوشح بصفات المخلوق وهذا الفعل الالهي اذا اضفته الى الخالق له اسناد وشؤون الخالق وليس المخلوق فهذا الفعل من عالم المخلوقات .
هذا الخلط ليس فقط في السلفية والوهابية وانما حتى بعض المتكلمين يقعون فيه وحتى الحذاق منهم فالخطب معقد جدا فكل انسان يقع في الخلط عدا من عصمه الله بالوحي ان هذا الفعل اذن له اسناد الى المخلوق فيأخذ صفات المخلوق او يمتزج بصفات المخلوقين فالفعل الالهي له اضافة واسناد حقيقي اليه تعالى هذه الاضافة لها شئون تختلف في اضافته الى المخلوق فاذن هذا الفعل الالهي وهو الاماتة والاحياء والخلق واي شيء اخر هذا الفعل الالهي ان اضفته اليه تعالى له شؤون وان اضفته الى المخلوق له شؤون اذا اضفته الى المخلوق لا محالة يأخذ احكام المخلوق من الفقر او التدريج وشرط الامكان لذلك الامام الصادق في احد اجوبته على هذا الاعتراض ان قدرة الله محدودة قال قدرة الله ليست محدودة فاشكلوا عليه لم؟ لان ربك لا يستطيع ان يجعل كل السماوات في البيضة فعدة اجوبة للائمة في ذلك وكلها حقيقية فشيئية الشيء في المخلوق متقومة بالامكان وهذا بحث معقد تعرض له الوحي اما المخلوق اذا اردت ان تفرض ذاته غير ممكنة فهو ليس بشيء وانما انت تظنه شيئا وهو ليس بشيء فالمخلوق الممكن الامكان قوام ذاته فان كان محالا او ممتنعا فهو لا شيء وليس شيئا هذا اصل عقلي ثابت في الوحي وفي العلوم العقلية البشرية فالشيء المخلوق متقوم بالامكان اما اذا يفرض ممتنع انت تظنه شيء هو لا شيء .
هل يقدر الله على لا شيء ؟ هذا لا معنى له فلما يقال ان الله على كل شيء قدير هذا ليس تقييدا لقدرة الباري لانه لم يكن ممكنا هو ليس بشيء والله قادر فلا يعجز الله شيء ولا يتكئده شيء ولا يؤوده حفظهما هذه كلها صحيحة لكن الكلام في جانب المخلوق فالاخير له احكامه وان لم فيه الامكان فهو يتلاشى ، فعجز المخلوق واحتياجه الى اعداد وشرائط الامكان امر وشأن واما قدرة الباري فشأن اخر هنا عملية ارتباط بين فعل الباري واسناده للباري من جهة ومن جهة المخلوق ستة ايام هذه من شرائط المخلوق وليس من قدرة الباري فنطفة ثم علقة ثم مضغة هو من صفات المخلوق وليس لعجز في قدرة الباري وهذه الشرائط اذا لا تتوفر في المخلوق سوف يتلاشى المخلوق لا انه هو مخلوق وهناك عجز في الباري عن القدرة عليه .
وجعلنا من الماء كل شيء حي فلماذا جعل من الماء ولم يجعله من غير الماء؟ فهذا ليس يرجع لقدرة الباري وانما راجع الى شرط امكانية الممكن لكي يكون شيئا مثل القائل يقول انا افترض جسما ولكن بدون مكان وبدون زمان كيف يمكن؟ فهذا يتلاشى وليس بالجسم فهنا ليس العجز في قدرة الباري وانما العجز في امكانية وقابلية المخلوق .
احد اشكالات المحدثين على الفلاسفة انه لماذا تفرضون امور هي عجز للباري ؟ كلا هي ليست عجز الباري الباري شيء اخر ارقى وايضا الخطأ الاخر سحب نظام الاسباب والمسببات على صفات الباري يعني المسألة معقدة شبيهة بلا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين فلا تشبيه ولا تعطيل بل تثبيت وتوحيد فالامر صعب هكذا البحث في بقية صفات المخلوق هنا نظام الاسباب والمسببات امر يرجع الى المخلوق وليس يرجع الى قدرة الخالق فقدرة الخالق لا تتقيد بالمسببات فهو مسبب الاسباب من غير سبب ، وتسببت بلطفك الاسباب وهذا بيان لزين العابدين وهو بحث عقلي بامتياز يا من تحل به عقد المكاره وذلت لقدرتك الصعاب فاصعب شيء تفرضه هي ذليلة بالنسبة له تعالى .
فهذا بحث عقلي صرف بلغة سهلة وبلغة الدعاء فهو درس عقلي عقائدي معقد يبين لنا رموز عقلية بلغة سلسلة جذابة وليست بلغة الفلاسفة المنفرة الجافة فهو بحث عقلي صرف لكن يوميا الانسان ينجذب اليه عندما يسمعه فهو دعاء عظيم وبحث عقلي من اوله الى اخره لكن بلسان سلس جذاب وحياني فاذن هناك بحوث كثيرة لاحظ عندنا تواتر بين الفريقين اول ما خلقه الله نور نبيك فلماذا لم يخلق كل الامور دفعة؟ وخلق من نوره العرش وخلق من نوره كذا لماذا التسلسل والتراتب في قدرة الله؟ فالترتب ليس في قدرة الله وانما في المخلوق وليس في الخالق .
لماذا هناك اولية في المخلوق؟ وورد في بيان الوحي اول ما خلق الله وخلق من نوره العرش وخلق من نوره الكرسي هنا اول ما خلق نور النبي ثم خلق نور علي ثم خلق من نورهما نور فاطمة وهلم جرا طبعا عالم النور طبقات فالترتيب لابد ان يكون اول ثم ثاني ثم ثالث فالعجز ليس في الله وانما هذا الترتيب والشرائط ترجع الى المخلوق لا للخالق والا يتلاشى المخلوق فنظام الوسائط ليس عجزا في الباري وانما المخلوق لا يتقبل ولا يفرض شيئا الا بهذه السلسلة من المخلوقات .
من باب المثال الان هل يستطيع العقل او الوهم ان يتصور جسما كليا؟ فهذا الجسم الذي يحتوي كل الاجسام هل وراءه جسم ام لا؟ اذا وراءه جسم فهذا ليس جسم الاجسام وهذا اصطلاح فلسفي واذا وراءه جسم فهذا تسلسل واذا لا يمكن وراءه جسم فكيف الجسم يلتصق مع العدم؟ هذا من جهة الوهم فاذن المخلوق له شرائط لكي يتقوم والبحث معقد .