« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إكراه في الدين الإرشاد لا المولوية

الموضوع: لا إكراه في الدين الإرشاد لا المولوية

كنا في اية الكرسي وهي اية التوحيد واية الولاية وقد عبرنا مقاطع منها غفلة لكن نستدركها في نهاية المطاف مثلا وسع كرسيه السماوات والارض ما معنى هذا المقطع? وهذا سنؤجله لانه دخلنا في بحث الولاية ولا اكراه في الدين ثم نعاود الرجوع ف ﴿لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾[1] شبيه ما مر بنا في علم الكلام قبل قليل انه ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾[2] احد الوجوه فيها يعني ليست هي حجة تعبدية وانما حجية يدركه العقل او قل الارشاد الذي هو العقائد .

المشهور بنوا على انه لا تعبد في العقائد وهناك ارشاد الزامي فالعقل يلزم نفسه بان يتعلم في مدرسة الوحي ومدرسة الخالق لانه اكثر علما من المخلوقات ومن نتاج ومن الجهد الذاتي للانسان مهما تراكمت الجهود اين الخالق من المخلوق? كما يقول وقد اتتك رسلنا وقد اتتك رسل الله وقد اتتك رسله يعني الله عز وجل فكيف الشخص يعرض عن رسالات الله ؟ يعني نفس الايات الكونية رسائل من الله لخلقه وكذلك هي عبارة عن التكلم بكلمات من الله لخلقه فعالم المخلوقات هي كتاب الله يجمع كلمات الله اياته وعوالم المخلوقات هي رسائل من الله كم من اية يمرون عليها وهم معرضون? فالرسائل توجه لهم .

من ثم بينا في الشعائر الحسينية الجزء الرابع ان الله قام بمعجزات كونية بشهادة سبط الرسول وهذه المعجزات مختلفة لا سيما الدم ففيها رمزية والمعجزة رسالة من الله واهم ما في المعجزة انها رسالة من الله الى خلقه ذات فحوى ومعنى وفي رواية الفريقين هذه الرسائل الكونية من الله في شهادة سيد الشهداء بقيت شهور بل سنين بعض البلدان ، بل الى يومنا هذا فهذه الرسائل انشأها الله تكوينا لا يستطيع احد ان يخفيها او يطمسها او يعتم عليها حتى نفس ملوك بني امية اضطروا ان يكونوا رواة لما حدث في الكون وحتى الموالين لبني امية فهذه المعجزات رسائل من الله فما هي فحواها وما هو مؤداها? حتى في روايات العامة هكذا موجود اننا ننشر الثياب المغسولة ثم في اليوم التالي نأتي لها نراها مدمية كانما مطر الدم عليها وكلما حاولنا ان نغسلها لنزيل اثر الدم لا يذهب يعني البصمة لا تروح .

فما هي فحوى الرسالة التي يريد الله ان يرسلها? يعني اذا كانت رسالة من الله يجب علينا التدبر فيها انه ما هي مفادها? ولماذا اختار الله عدة ايات كونية احدثها على مدار اسابيع او اشهر او سنين كما في روايات متواترة عند الفريقين وانا لا استبعد ان تصل الى اكثر من الفين رواية وفي الجزء الرابع من الشعائر الحسينية تعرضنا الى مئتين رواية فقط فتواتر المذاهب الاسلامية كلها على ان الله بعث بهذه الرسائل لاهل الارض باستشهاد سيد الشهداء بل الان حتى في المصادر الغربية الاوروبية تاريخ عن هذا الحدث واسيوية وهي كانت ولا زالت ومعناها انه يحرم الاعراض عن رسائل الله وتغافلها وانما يجب التدبر والتمعن والتفهم ، كم من اية يمرون عليها وهم معرضون?

اذن نفس المخلوقات هي ايات وكلمات لله وعوالم المخلوقات هي كتاب لاحظ قضية قتل قابيل لهابيل ﴿فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه﴾[3] فالغاية هي فعل تكويني من الله يعني حتى الغراب لا يعلم بماذا ارسل ؟ فسخره الله من حيث لا يعلم وهذا مبعوث لا يدري انه مبعوث وهذا نمط عظيم في الوحي الالهي ﴿فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوءة اخيه﴾[4] يعني يرشده قال يا ويلتي اعجزت ان اواري سوءة اخي? يعني استلم الرسالة من حيث لا يدري ولا يشعر ان المرسل من? وهذا يعبر عنه بباب الارشاد اعجزت ان اكون كهذا الغراب فاصبح من النادمين .

فهنا لا الغراب يعلم ولا قابيل يعلم بان هذا ارسل من قبل الله الا ان الذي حصل انه تنبه قابيل الى هذه المعلومة والغاية التي ارادها الله فهذا ارشاد فليس من الضروري المرشد بالفتح يتنبه من المرشد ولا وسيلة الارشاد تلتفت انه سخر لارسال الرسالة المهم انه يحصل لدى المرشد بالفتح العلم بالمعلومة ليحتج الله عليه بها ﴿فاصبح من النادمين﴾[5] .

اذن باب حجية الارشاد ليست بابا مولويا وانما هو تعليمي ارشادي فلا اكراه في الدين يعني لا يحتاج مولوية وانما ارشاد قد تبين الرشد من الغي يعني تبين لك الطريق ان هذا يؤدي الى اين? وهذا يؤدي الى اين? فما يحتاج ان الله يعمل اولويته وامريته وناهويته كي يكون بشكل اكراهي فهذا معنى لا اكراه في العقائد وفي المعارف .

من ثم المشهور من المتكلمين والفقهاء والمفسرين ذهبوا في باب العقائد انه لا تعبد مولوي في العقائد وسبق ان ذكرت للاخوان في علم الاصول او في الفقه لو يتتبع احد الاخوة باب الامر الارشادي في كلمات الاصوليين او الفقهاء ليتوفر على مادة ضخمة مفيدة في المعارف وفي التفسير فلا اكراه في الدين يعني لا يحتاج الى مولوية وهذا هو الدين وهو العقائد والعقائد فيها ارشاد .

قد تبين الرشد من الغي يعني صار واضح هناك مثال يذكره صاحب الجواهر في ابواب كتاب الصلاة وهي صلاة الاستخارة حيث يذكر صاحب الجواهر انواع الاستخارة ثم يقول ان اتفاق علماء الامامية ان افضل انواع الاستخارة هي الاستشارة وهي ابرك وافضل واوكد انواع الاستشارة مرة مرتين عشرة عشرين شخص تستشير العقول افضل وابرك اما بقية انواع الاستخارة هي من قبيل القرعة لكل امر مشكل وهي اخر الادلة والا الاستخارة بمعنى الاستشارة جدا مفضلة وابرك بل ورد في الاستخارة بمعنى الاستشارة انه وحي منزل لانه تنمية وتطوير وتنوير للعقل فما ربطه ببحث المقام وهو الارشاد? لان الاستشارة هي ارشاد فليس له ولاية على المرشد بالفتح انما يعلمه ، حتى ان الاستخارة بمعنى الاستشارة افضل من الاستخارة بالقرآن الكريم ومستحب في الامور الخطيرة والمهمة ان تستشير خمسين شخصا او على الاقل عشرة اشخاص او عشرة اشخاص يستشيرون خمس مرات لان صندوق المعلومات والمخزون في كل انسان لا يخرج دفعة واحدة وانما اذا تكرر عليه السؤال في كل يوم يخرج لك معلومات بل عندنا في الروايات ان الانسان يستشير نفسه فهو مشير ومشار اليه لان الانسان في عقله وذاكرته عنده مخزون معلومات فاذا يفتش ويفحص فيها بامكانه ان يرشد نفسه .

ورد ان الامام الرضا استشار احد تلامذته من الفقهاء فذلك التلميذ قال له سيدي انت امام معصوم مسدد فاجاب الامام ان ابي موسى ابن جعفر كان ارجح اهل الارض في العقل وكان يستشير العبيد لعل الله يجري على لسانه وحيا جديدا وهذا العبد او الرجل لا يعلم بنفسه انه مرسل وحاله كالغراب لكن هنا الذي يستلم الرسالة يفهمها فان الله يجري على لسانه شيئا جديدا فمع ان الامام معصوم لكن الوحي يتنزل ﴿فبعث الله غرابا﴾[6] ليريه فلا الغراب يعلم ماذا? ولا يعلم ان الرسالة ما هي لكنه سخر من حيث لا يشعر .

﴿وشاورهم في الامر﴾[7] احد فلسفاته ان الله امر رسوله بالمشاورة مع ان الرسول اعلم بالامور والقرآن يقول الرسول في تدبير الموضوعات العامة والخاصة ﴿واعلموا ان فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم﴾[8] يعني وقعتم في المشقة ﴿ولكن الله حبب اليكم الايمان ﴾[9] فيبين القرآن ان الرسول عالم بالموضوعات السياسية والعسكرية والاجتماعية فلو يتابعكم ويطيعكم الرسول لوقعتم في المشقة والمصائب ولا تعرفون كيف تدبرون الامور لكن مع ذلك ايات اخرى كثيرة تبين ان الله يقول ان سيد الانبياء يعلم بالموضوعات العامة صغيرها وكبيرها وخاصها فلماذا يأمر الله رسوله بان يشاور الامة ؟ وشاورهم في الامر لماذا? لكن ﴿فاذا عزمت فتوكل على الله﴾[10] ولم يقل فاذا عزموا .

الشيخ المفيد او الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم ذكروا عدة غايات وفلسفات منها ان الرسول ينشط العقول لتتحمل المسؤولية فلما يشاورهم كانما يزجهم بتصدي وتحمل المسؤولية عسكرية كانت او اقتصادية امنية اجتماعية ادارية فيجعلهم يتفاعلون والشيخ المفيد والطبرسي وغيره ذكروا خمس غايات حكيمة في امر الله لرسوله بالمشاورة لكن لا بمعنى ان التمييز عند الامة .

احد الفلسفات التي يمكن ان تقال كما بين الامام الرضا انه لعل الله يجري وحيا جديدا على لسانهم وهذا الوسيط لم يعلم بالامر ، مثلا بلا تشبيه جبرائيل وسيط روحي بين الله وبين سيد الرسل مع ان الرسول افضل كمالا من جبرائيل وهذا لا ينافي فباب الارشاد كبير وله شئون عديدة والمدار فيه على قد تبين الرشد من الغي فالمدار هي المعلومة وما قيل لا من قال .

قد تبين الراشد من المرشد فالرشد هو في نفسه الواقع والحقيقة المعلومة في نفسها المدار على البرهان الموجود في المعلومة ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾[11] في سورة يوسف يعبر يوسف عن الرؤيا انها طعام وعلم ورزق قال لصاحب السجن لا يأتيكما من طعام ترزقانه فسمى الرؤيا طعام مع ان الرؤيا في نفسها ليست حجة لان الرؤية لغير المعصوم ليست حجة والرائي ايضا ليس بنبي ولا وصي فليست رؤاه حجة ولكنها ارشاد الى ان المرشد اليه في الرؤية ما هو? المرشد اليه سورة كاملة في القرآن من بدايتها لنهايتها رؤية وتأويل فرؤيا الانبياء فقط حجة اما رؤى البشر ليست بحجة .

حينئذ لماذا يعقد القرآن سورة كاملة في الرؤيا? النكتة هي ليست في حجية الرائي ولا حجية الرؤيا وانما النكتة انه في مضمون الرؤيا تنبيه لهذا البرهان والى الدليل فانت خذ بالدليل لا بالرؤيا لاحظ في رؤيا ملك مصر ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾[12] وما يراها مرة ومرتين وانما مرات عديدة افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون ﴿قالوا اضعاف احلام وما نحن بتاويل الرؤيا بعالمين﴾[13] ، فلا الرائي حجة ولا الرؤيا حجة ومع ذلك الله جعل مصير برنامج الدولة قائما على الرؤيا فهل القرآن كتاب خرافات وخزعبلات? فكيف القرآن يستشهد بمصير شرق الاوسط انذاك جعل ملف معلوماته في رؤيا ملك لا هو نبي ولا وصي ولا تقي ، فلم ينزل هذا الملف على يوسف ولا على يعقوب وانما نزل على فرعون مصر ثم الذي خوطب بهذا الملف كمعلومة هو النبي يوسف فاوصل الله للنبي يوسف ثم ليعقوب في نهاية المطاف هذا الملف هو عبر هذا الذي لا يدري من الذي انزل اليه الملف ولا يفهم المعنى لكن الذي يستلم الرسالة هو نبي من انبياء الله .

فلماذا يوصل الله المعلومة الى النبي يوسف عبر هذا الرجل الذي هو لا نبي ولا وصي ولا تقي لانه حين رأى رؤيا لم يكن امن بالله وكان مشركا والمشركون نجس ومع ذلك الله يرسل معلومة صحيحة اليه وهذا ليس دعوى ان نقول الرؤيا حجة كلا الرؤيا ليست حجة ابدا وانما رؤيا المعصومين حقيقة ولا الرائي حجة وانما المرشد اليه يجد برهانا فيه فالمدار على المرشد اليه اية رواية او حكمة وحيانية حكم عقلي بديهي فالمدار على المرشد اليه .

﴿لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾[14] لا الراشد ولا المرشد ولا المرشد اليه ولا الية الارشاد هذه ليست مهمة المهم هي المعلومة وهي ما قيل ، لاحظ قابيل قال يا ويلتي يعني تنبه الى المعلومة وهو غفل عن الغراب وعمن سخر الغراب فلاحظ المغزى اين هي? فالله يوجه رسالة لقابيل وهو لا نبي ولا وصي فوجه له رسالة فهل الله يوحي الى البشر وهم ليسوا بانبياء? نعم يوحي اليهم لينبههم ويرشدهم ، ﴿اتقوا الله ويعلمكم الله﴾[15] هل نحن انبياء? كلا وانما هذه الفطرة هي من باب الارشاد ، فباب عظيم و الرشد والارشاد مادة واحدة تبين الرشد يعني ارشاد وحجية الارشاد ليست بالجهة المولوية ولا الحجية انما ارشاد الى المرشد اليه هو الرشد فالامر الارشادي اخذ من الرشد ما يأتيكم من طعام ترزقانه وبتعبير العلامة الطبطبائي حسب نقل تلاميذه ولعل في الميزان موجود وحتى الطبطبائي نفسه ينقل عن اساتذته الكبار حتى اضغاث الاحلام فيها ارشاد يعني حتى ما تصطنعه النفس من رؤى واحلام او فعل الشيطان حتى هذا فيه ارشاد ان الشيطان يعبث بك وارشاد ان النفس الامارة التي تعبث بك او رؤيا صادقة .

فعلى كل تقدير فالرؤيا قراءة وارشاد فهي ليست حجية ولا حجية الراوي وانما الحجية في المرشد اليه وهذا معنى جديد للا اكراه في الدين يعني لا انت تحتاج الى حجية تعبدية قد تبين الرشد من الغي يعني ارشاد واضح وفي العقائد لا يوجد تعبد.

 


[1] السورة البقرة، الآیة 256.
[2] السورة البقرة، الآیة 256.
[3] السورة المائدة، الآیة 31.
[4] السورة المائدة، الآیة 31.
[5] السورة المائدة، الآیة 31.
[6] السورة المائدة، الآیة 31.
[7] السورة آل عمران، الآیة159.
[8] السورة الحجرات، الآیة 7.
[9] السورة الحجرات، الآیة 7.
[10] السورة آل عمران، الآیة159.
[11] السورة البقرة، الآیة 256.
[12] السورة الیوسف، الآیة 43.
[13] السورة الیوسف، الآیة 44.
[14] السورة البقرة، الآیة 256.
[15] السورة البقرة، الآیة 282.
logo