« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 حقيقة التخصيص عند القدماء والمعاصرين/ مبحث العام والخاص /باب الألفاظ

الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث العام والخاص / حقيقة التخصيص عند القدماء والمعاصرين

 

كان الكلام في كيفية تصرف المخصص المنفصل او القرينة المنفصلة في دليل العام. سبق ان مر ان ا لمرحوم المحقق العراقي لا يبني في بعض كتبه او بعض المواطن من علم الأصول على ان المخصص يتصرف في العام.

كتاب المقالات للعراقي يفصل بين المخصص والمقيد. يقول ان المقيد يتصرف في الدليل المطلق ويكسبه عنوانا. لكن ما هو العنوان وكيف هو بحث آخر يأتي في بحث استصحاب العدم الازلي عما قريب لان هذا المبحث في الحقيقة ليس بحثا عن الاستصحاب بل بالدقة هو بحث في موضوع الاستصحاب وهي بنية الظهور في الأدلة الاجتهادية التي توفر موضوعا للاستصحاب عند الشك وما ما هو المشكوك المتعلق للاستصحاب. فمن ثم يأتي البحث في ذلك.

فبحسب كتاب المقالات انه يفصل بين المطلق والمقيد والعام والخاص. في العام والخاص يقول لا يتصرف الخاص في العام ولكن في المطلق والمقيد يقول ان المقيد يكسب المطلق عنوانا.

بينما جل متاخري العصر يقولون ان المقيد او الخاص سواء وكل منهما تصرف في العام والمطلق.

هنا وقفة حساسة اهم من بحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص وهو مبحث بنيوية عام يفيد في هذا البحث ولكن فائدته اعظم واوسع من هذا البحث.

حقيقة التخصيص عند القدماء كالنسخ عندهم سنخهما يختلف عن حقيقة التخصيص والنسخ والتقييد عند متاخري الاعصار. وهذا الاختلاف جوهري عظيم. ومن جواهر بحوث أصول القانون كما انه من جواهر مباني القدماء.

بعبارة ملخصة ان التخصيص عند القدماء ليس تصرفا في كل مراحل التشريع الانشائي للعام وانما التخصيص تضييق للعام في المرحلة الثالثة للإنشاء الكلي. اما المرحلة الأولى والثانية فتبقيان على حالهما.

كذلك النسخ عندهم تصرف في المرحلة الثالثة. فتبقى الثانية والأولى على حالهما.

المرحلة الثانية للانشاء تعني وجود الحكم في ديوان التشريع وتنظر اليه بما هو هو مقرر في لوح التشريع. والمرحلة الثالثة تنظر بالحكم الكلي الى الافراد بنحو القضية الحقيقية وبتعبير الميرزا النائيني فعلي مقدر.

المرحلة الأولى هي اصل الانشاء واستعمال اللفظ في معنى كذا.

عند المتقدمين، التخصيص تجميد للعام في منطقة الخاص فيكون بدرجة الحكم الاقتضائي لكن بنحو مجمد. ملاك العام في منطقة الخاص موجود لكنه مجمّد. لذلك المرحلة الأولى والثانية موجودتان. لكن المرحلة الثالثة غير موجودة. في النسخ أيضا كذلك.

اذا أراد الانسان ان يتضح له هذا المطلب يراجع كتاب البيان للسيد الخوئي حيث ينكر ستين موردا للنسخ وفي الحقيقة ينكر النسخ بالمعنى عند متاخري العصر ولا ينكره بالمعنى عند القدماء. بل يقبل الحكم المجمّد لكن لا يسميه نسخا.

النسخ تخصيص ازماني والتخصيص الافرادي تخصيص اصطلاحي والتقييد هكذا.

فاذا عند القدماء النسخ والتخصيص والتقييد ليس محوا للحكم عن اللوح التشريع وانما انجماد. ومن ثم قد يعبر بعضهم عن سنخ من التخصيص والتقييد والنسخ بتزاحم في عالم الملاكات للتشريع. يعني هذا ليس تزاحما اصطلاحيا، بل تزاحم باصطلاح خاص بمعنى التزاحم في عالم الملاكات.

اذا حقيقة التخصيص والنسخ والتقييد عند القدماء تختلف عن متاخري الاعصار حيث انها محو للعام وملاكه في منطقة الخاص عند متاخري الاعصار وكذلك التقييد محو للمطلق في منطقة المقيد والنسخ محو للمنسوخ في منطقة الناسخ. أصلا ما موجود وليس له أي تشريع. هذا فارق جوهري كبير وله ثمرات عظيمة وليس بشيء سهل.

فالنسخ والتخصيص والتقييد ليس تصرفا من الخاص المنفصل او المتصل في اصل العام وكل مراتب العام. في المرحلة الأولى والثانية لا يتصرف بل يتصرف في المرحلة الثالثة فقط. مع ان المرحلة الأولى جدية والمرحلة الثانية أيضا جدية وهذه مراتب الجد في مراحل الانشاء. فهب ان الخاص لا يتصرف في الاستعمال او التفهيم بل يتصرف في الجد لكنه تصرف في الثاني والثالث لا الأول. وهذا مبحث جدا حساس.

اذا موطن تصرف الخاص والتخصيص في العام يختلف بين المتقدمين والمتاخرين كما يختلف في التقييد والقيد والناسخ والنسخ. انما هي تتصرف في المنطقة الثالثة عند القدماء سواء كان متصلا او منفصلا.

فرق آخر: في علم أصول القانون ظاهرة انه في القوانين الدستورية الوضعية او الشرعية السماوية وهي يعني الأصول التشريعية الفوقية وقد يعبر عنها بفقه المقاصد مثل ﴿كونوا قوامين بالقسط شهداء بالله﴾﴿كونوا قوامين بالله شهداء بالقسط﴾ وآيات كثيرة في هذا المجال. «خلق لكم ما في الأرض جميعا» أصول تشريعية فوقية «اعبد ربك حتى يأتيك اليقين» فيه قوانين دستورية قرآنية وطبقتها عليا لان القوانين طبيعتها طبقات.

هنا ظاهرة جدا مهمة وهذه البحوث من اهم البحوث في العام والخاص. الحري ان يكون هو العنوان الأصلي لا التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لان هذا المبحث مصداق لتلك الكبرى وثمرتها.

في علم الأصول والفقه لابد من بيان والتعنون بالعناوين الاصلية والفوقانية والبحث فيها. حتى في الفقه للأسف يذكر القوانين البلدية او الوزارية كفهرس اصلي والقوانين الدستورية تذكر تبعا. بدأنا العام الماضي خمسة أشهر او سبعة أشهر في المسؤوليات العامة وهذه الفذلكة سببت غفلة كثيرة عند الاعلام عشرة قرون. البنية التحتية هي الخارطة الاصلية لا البنية الزركشية. في أبواب الفقه هذه المشكلة موجودة وكذلك في جميع العلوم حتى في تدوين كتاب الفيزياء. المفروض ان تكون القواعد الام هي المهيمنة والعنوان. هذا محل الابتلاء في تدوين الفقه وتدوين العقائد والأصول. هذا منهج في العلوم. لابد من بيان القوانين الدستورية ثم البرلمانية ثم الوزارية ثم البلدية. اما ان نجعل القوانين البلدية هي الرئيسية استغفال لخارطة البحث وذهنية الباحث وهذه معاناة موجودة في العلوم كلها سواء دينية او غير دينية.

الى حد ما الشيخ الطوسي في المبسوط يراعي هذا المطلب ويراعي الأعلى فالاعلى وكان عنده هذه الهمة. هنا البحث الأصلي في بنية الظهور ومراتب الظهور وعلاقة الأدلة المتصلة والمنفصلة وما ضابطة الانفصال والاتصال. هي احرى ان تعنون. شبيه بحث مقدمة الواجب. هي ثمرة يسيرة جزئية لو عنون ببحث نظام منظومة القيود في الوجوب والواجب. لازم ان تستبدل هذه العناوين. مثل مبحث مراحل الحكم والاحكام الثبوتية والواقعية والظاهرية. باب الدلالة وواقع المدلول وهذه العناوين مهيمنة أساسية وجعلها تحت العناوين الأخرى توجب غفلات كثيرة.

المرحوم النائيني والمحقق العراقي والكمباني في علم الأصول ابتكاراتهم في القوانين البرلمانية او الدستورية في الأصول. اما السيد الخوئي رحمة الله عليه مع احترامنا العظيم لكل العلماء ابتكاراته في القوانين الوزارية والبلدية في علم الأصول. وكل منها تخصص ضروري. المرحوم العراقي في الفقه البلدي او المحافظات لا تسأل عنه. لانه تحتاج الى التتبع.

مثلا السيد محسن الحكيم في الفروع الفقهية في التطبيقات كان اقوى من استاذه المحقق العراقي لكن ابتكارات السيد محسن الحكيم في القوانين الأصولية الدستورية كان تبعا للمحقق العراقي. تلاميذ النائيني كانوا تابعين لأستاذهم تماما. عبارة الفقه الحوزوي يعبر عنه الفقه التعليقي يعني الفقه البلدي.

موجود بحوث الخارج او الاعلام أقوياء في الفقه التعليقي وفيه قسم أقوياء في الفقه الوزاري وفيه قسم أقوياء في الفقه البرلماني وفيه قسم أقوياء في الفقه الدستوري. أصلا كتاب قطب الدين الراوندي متخصصة في الفقه الدستوري وايات الاحكام. شرحنا هذا المطلب في كتاب المناهج في طبقات الفقه. لكن ما ذكرناه اليوم ما ذكرناه في الكتاب. لان هذا البحث في أصول القانون لا ينتهي. فهرسة الأبواب الفقهية او الأصولية او الكلامية اذا عنونت بالقوانين البلدية يغفل عن القوانين الدستورية. مثل هذا الاشكال وارد.

يقال: انه لا تفيدنا أي شيء واي فائدة لكليات ان الأرض لا تخلو عن الحجة في اثبات الامام المهدي صلوات الله عليه. لان عقلية السائل ليست عقلية القوانين الدستورية. بل يحتاج الى التطبيقات البلدية ويريد النص الخاص الناص على أسماء اهل البيت. القرآن يتعرض الى القواعد الدستورية للامامة. من يلتفت الى القواعد الدستورية يلتفت الى المصاديق والأئمة الاثنى عشر. يقال ان كبريات الامامة والنبوة ما فيها فائدة. ويحك. اصل الاعتقاد بالامامة والنبوة هو الاعتقاد بالكبريات. «من انكر نبيا من الأنبياء فقد انكر جميع الأنبياء» بلحاظ كبرى النبوة. النبوة واسطة بين الله تعالى وبين الخلق ولابد منها. اذا انكرت واحدا انكرت الكبرى. هذه عزمة موجودة في العلوم الدينية او العلوم التجربية. كيف ندون العلم وكيف نكتب العلم.

كما مر بنا في بحث الفقه في باب الاجارة ذكروا حلول عظيمة للشركة ولتفادي الربا لم يذكروها لا في باب الشركة ولا في باب المضاربة. هذه جواهر عظيمة ضايعة لان تدوين الفقه تدوين الفقه التعليقي. يعني تفصيل الجزئيات يعني الفقه للمحافظات وليس الفقه الدستورية. لابد من تدوين الفقه بالطبقة الثانية والثالثة والأولى. احد أسباب غفلة المعاصرين مأة سنة او مأتين في مسألة من زنى بذات البعل هو الغفلة عن الكبريات. أصلا معنى المشي الاخباري وحاشا لمحققي الاخباريين والاصح ان يقال ان مشي الحشوي والقشري الموجود في الأصوليين والاخباريين كارثة. منهجهم في التفاصيل وما عنده قدرة في قرائة القوانين الدستورية. في العلوم الدينية كلها. مشكلتهم الذهاب الى القواعد التفصيلية ويريدون النص الخاص اما القوانين الفوقية لا يقدر ان يفهمه ولا يقدر ان يشمه وهذا خطر في كل العلوم الدينية كلها. فنفس التدوين يحتاج الى نهضة علمية ويريد من الاخوة الهمة وكثافة العمل كيفا وكما. هذه المباحث درر وجواهر خليتموه تبعا. حقيقة التخصيص هو الأصل لا التمسك بالعام في الشبهات.

هذه المباحث الدرر الموجودة في علم الفقه والأصول والعقائد مغفولة عنها ومستورة وتذكر ضمنا.

logo