47/04/20
بنيان الظهور وتداعياته على الاستنباط/ مبحث العام والخاص /باب الالفاظ
الموضوع: باب الالفاظ / مبحث العام والخاص / بنيان الظهور وتداعياته على الاستنباط
بنيان الظهور وتداعياته على الاستنباط
كان الكلام في بحث التمسك بالعام او المطلق في الشبهة الحكمية بلحاظ تخصيص الزائد.
اصل الشبهة ناشئ عن التزام القدماء من الفريقين سواء اللغويين او الأصوليين بان التخصيص للعموم وربما التقييد للعموم يسبب الاستعمال المجازي في غير ما وضع له. فيصير فيه الترديد والابهام والاجمال، هل المعنى الآخر وسيع او القدر المتيقن.
وهذا الاشكال والتساؤل عند المتقدمين قبل سلطان العلماء تلميذ الشيخ البهائي يرجع الى بحث آخر في بنيان الظهور أوسع من هذا البحث في العام والخاص.
يرجع الى ان القرائن المنفصلة هل هي يمكن أن تكون قرائن استعمالية او لا فضلا عن المتصلة؟ كانما القرائن المتصلة الحالية واللفظية مفروغ عنه انها استعمالية. هذا قول جمهور من تقدم بين الفريقين.
بينما بعد سلطان القدماء قالوا ان القرائن المتصلة ليست بالضرورة قرائن الاستعمال بل قد تكون قرائن التفهيم او قرائن الجد.
طبعا اصل الاثارة من سلطان العلماء وبعد ذلك تبلورت اكثر فأكثر.
توسع هذا القول الثاني الى ان القرائن المتصلة أيضا حتى اللفظية ليس من الضروري والحصري أن تكون قرائن استعمالية. قد تكون متصلة ولكنها قرائن تفهيمية او جدية. هذه مرتبة أوسع في القول الثاني.
مرتبة ثالثة أوسع في القول الثاني ودقيقة. هب انها قرائن الاستعمال ومن قال انها لاستعمال اللفظ المفرد. انها قرائن الاستعمال ولكنها انما هي قرائن التركيب المجموعي للاستعمال. هذا امر آخر. وعرف عند متاخري هذا العصر بتعبير من باب تعدد الدال الاستعمالي تعدد المدلول الاستعمالي.
هذه المرتبة الثالثة دقيقة اعيدها.
المرتبة الأولى ان القرائن المنفصلة تفهيمية وجدية. والمرتبة الثانية ان القرائن المتصلة أيضا يمكن ان تكون تفهيمية وجدية.
المرتبة الثالثة وهي ادق ان القرائن الاستعمالية المتصلة أيضا قرائن لاستعمال التركيب. عندنا قرائن لاستعمال اللفظة المفردة. وعندنا قرائن لاستعمال التركيب الناقص وعندنا قرائن لاستعمال التركيب التام والجملة التامة. فمن اين حينئذ ان الاستعمال محصور في استعمال اللفظ المفرد. المجاز في استعمال المفردات. قد يكون المجاز في التركيب التام او الناقص ولكن القرائن في التركيب الاستعمالي سواء الناقص واالتام لا صلة لها باستعمال المفردات.
استعمال المفردات مثل لفظة «كل» ولفظة «عالم» لما تقول «اعتق كل رقبة مؤمنة» فالايمان قيد لكنه ليس قيدا للفظة المفردة، انما قيد للتركيب الناقص لموضوع العتق. لا يلزم منه مجاز.
فالمداقة في التحليل تشرف الباحث على ان مابنى عليه المتقدمون ليس في محله. وهذا ليس في بحث العام والخاص او المطلق والمقيد. هذا بحث في عموم بنيان وبنية الظهور سواء العام والخاص او غيره. ان القرائن على مراتب.
قرائن استعمالية تفهيمية وجدية ثم الاستعمالية في استعمال المفرد او التركيب الناقص او التركيب التام. صاحب الكفاية دائما يأتي بهذه الضابطة تعدد الدال والمدلول في الاستعمال. تركيب الاستعمال الناقص هو أيضا استعمال وليس بحث المجاز. فتعدد الدال والمدلول تتركب المدلولان ويصير مضيقا لكن من دون ان تكون القيد قرينة للفظة المفردة في استعمالها في المجاز.
هذا البحث كله يبتني على مراحل الدلالة التصورية ثم الاستعمالية ثم التفهيمية ثم الجدية وسيأتي في بحث العام والخاص ان الجدية أيضا مراتب وليس مرتبة واحدة. هذا بحث معقد. كيف يكون الجدي مراتب؟
شبيه هذا البحث الان، ان المرور بوسط المسافة الى كربلا به إرادة جدية لكنها ليست نهائية. بل النهائية زيارة كربلا ثم زيارة الضريح الشريف إرادة جدية ورائها ثم الإرادة الجدية ورائها هي المناجاة القلبية مع سيد الشهداء. هذه غايات تتبع بعضها البعض. يعني جدا بنحو الجد ذلك اهم من هذا الطريق اليه. فلاحظ ان الجدي أيضا فيه مراتب حتى في عالم التكوين و الدلالة.
الجدية غير التفهيمية وهذا بحث معقد. الاستعمالية تختلف عن التصورية وما فرقهما؟ ما فرق الاستعمالية عن التفهيمية؟ هذه بحوث يجب ان يتمرس به الانسان.
مثلا شخص يريد ان يعرض بإنسان بخيل يقول: كثير الرماد. هذه اللفظة استعملت في كثرة الرماد. فاستعماله ليس مجازي بل كنائي مطابق المعنى الوضعي. المعنى التفهيمي يراد منه السخاء. المعنى الجدي يريد ان يقول انه بخيل. نصفه بالسخاء تعريضا. فافترق المعنى الجدي عن التفهيمي وهما عن الاستعمالي ويمكن ان نتصور تغاير المعنى الاستعمالي عن التصوري الوضعي أيضا.
فالتفهيمي ليس مرادا جديا. قد يسأل واحد ان الإرادة تعني الجد. يعني إرادة شيء جدي. والإرادة فيها بت وعزم فكيف لا يكون جدية؟ مثلا الهازل عنده إرادة استعمالية لكنه ليس جديا.
هنا قالوا ان المراد من الإرادة الاستعمالية يعني انه عنده إرادة بتية وحسمية ولكنها متعلقة باستعمال اللفظ في المعنى بغض النظر عن التفهيم. كما هنا ان كثير الرماد استعمل في كثرة الرماد وأريد استعمالها وهذا غير ما يريد ان يفهّمها. فالارادة الاستعمالية قيدت. عنده جد إرادة في الاستعمال لذلك يسمونها الإرادة الاستعمالية. وكذلك الإرادة التفهيمية إرادة تفهيمية ويريد جدا ان يفهّم المعنى. قد يكون تطابق بين الوضع التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي. وغالبا يكون تطابقا ولا يلمس الانسان تعددا لكن فيه التعدد. لذلك في باب الكنايات والمجاز هناك يظهر التعدد والتفكيك. فالارادة التفهيمة جدية للافهام وحدود جديته في الافهام ان يخطر هذا المعنى في ذهن السامع. وان لم يستعمل اللفظة فيه وقد يكون تطابقا بين المعنى المستعمل فيه وقد لا يكون تطابقا. كثيرا ما الأمور الارتكازية السريعة لا يشعر الانسان تعددها ويفكر انها اندماجية وواحدة.
بالدقة إرادة التفهيم سواء استعمل او لم يستعمل. حدود جديتها ان يخطر هذا المعنى سواء استعمل فيه اللفظ او لم يستعمل. الإرادة التفهيمية جديتها في استعمال اللفظة ويخاطب به المتكلم. أصلا ليس في صدد افهام معنى كثرة الرماد. بل يريد ان ينتقل معنى آخر وهو الكرم.
الإرادة الاستعمالية بعد الوضعية وهي موجودة تسمى الإرادة الوضعية وان ينكر السيد الخوئي وخواجه نصير الدين الطوسي الدلالة الوضعية لكن الصحيح عند جمهور علماء الفريقين ان الدلالة التصورية موجودة.
هذه البحوث لماذا يقيمها الاعلام لان الملاحم المعقدة في تفسير القرآن وتفسير الروايات وتفسير دلالات العقائد المشكلة العزمة يأتي من عدم الدقة في تحليل الدلالات. وهذا من معاجز اهل البيت انهم صلوات الله عليهم فرسان البيان. حيث قال امير المؤمنين عليه السلام: «نحن أمراء البيان» والبيان غير المعاني.
الاخوة مدعوون في فهم الفرق بين علم المعاني وعلم البيان. ما الفرق بينهما بالدقة؟ كل العلوم اللغوية ليست عبطة وجزافة. علم البلاغة عشرات الكتب كتب فيها واجيال من العلماء كتبوا فيها. على ضوء هذه العلوم كيف اهل البيت عليهم السلام منذ أربعة عشر قرنا عندهم منظومة تحليل دلالات الكلام وعالم الإسلام في غفلة ساهون بل قد يطعنون على هذه المعجزة لدى اهل البيت انها باطنية وتأويل النص، بينما الان الفلسفات الالسنية توصلت الى هذا النظام العظيم. «الرحمن، خلق الانسان، علمه البيان» من معاجز الله. فاصل كبير بين اهل البيت وبين البشر.
الدلالة الجدية كيف تميز عن الدلالة التفهيمية؟ الدلالة الجدية بغض النظر عن الدال و المدلول بل فيه تركيز على المعنى في نفسه. كانما فيه نظرة على المعنى ووجود المعنى في الخارج. صحيح انها دلالة جدية ذهنية والمدلول الجدي ذهني لكن هذا المدلول الجدي لا يلاحظ ذهنيته بل يرى به الخارج. اذا الدلالة الجدية فيها جد لكنها ما مرتبطة بالافهام ولا بالاستعمال. بل مرتبطة بحقيقة المعنى في نفسه. بغض النظر عن يصدقها المخاطب او يفهمها او لا يفهمها.
اذا هذه ارادات متعددة مثل انت الان تريد ان تزور كربلا. تركب السيارة وتعبر خان النص وارادات تتوالد وتتعاقب وتترامى ان كانت كانما منبثقة من عنقود واحد وهي إرادة زيارة سيد الشهداء. لكنها بالتالي تنشعب منها ارادات. كل خطوة إرادة. هذه ارادات ورى بعضها البعض.
اذا ليس عبطا ان تكون إرادة قيدوها بالاستعمالية وإرادة قيدوها بالتفهيمية وإرادة قيدوها بالجد. الان عندما يقول الله عزوجل «اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك ...» «ان الله يبشرك» «قالت انى يكون لي الولد قال ...» هذه القصص لمريم سلام الله عليه. إرادة استعمالية وتفهيمية موجودتان. أراد من لفظة مريم نفسها سلام الله عليها. أوحى اليها «اركعي مع الراكعين» «ان رأيت أحدا من البشر فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا» لها مأمورية خطيرة خاصة لا تتلقتها من زكريا و لا نبي آخر. هي مهدت جوا لانطلاق نبوة جديدة.
كل هذه القضايا التي يحكي لنا القرآن فيها إرادة جدية قطعا ويريد الله عزوجل ان يقول انه واقع. «ذلك انباء من الغيب» فالارادة ال استعمالية والتفهيمية والجدية موجودة انها واقعة. «ما كان حديثا يفترى» لكن هذه الإرادة الجدية ان القرآن يقول لنا في سور عديدة بألفاظ عديدة «لقد كانت في قصصهم عبرة» هذه القصة واضح انها واقعة وليست خرافة. لكن الله عزوجل ما ذكر مريم لأجلها بل فيها غاية اعظم منها وشأنها اعظم منها وهي فاطمة سلام الله عليها. وقد شهد لها القرآن ان شأنها اعظم من نوح و إبراهيم وموسى وعيسى لانه اسند اليه علم الكتاب في آية التطهير في سورة الواقعة. فهؤلاء شأنهم اعظم من أربعة اولي العزم. فكيف بمريم. اذا يصرح القرآن باسم فاطمة سلام الله عليه يعدم اعداءهم القرآن. فيأتي بأمثال.
الان مفسر كبير لا يتعقل ان هذه الآيات مرادها الجدي فاطمة سلام الله عليه. لا يتعقل ان فاطمة بنت اسد يروي في شأنها الشيخ الطوسي انها اعظم اصطفاء من مريم. يعني ان مريم عبارة عن منصة عقائدية وباب عقائدي هناك نساء صفيات. منهم من تعلمون ومنهم من لا تعلمون. عندما يذكر أربعة من نساء العالمين ولم يذكر عائشة ولا حفصة بضرورة المسلمين. بل ذكر آسية ومريم وخديجة وفاطمة. ثم هذه الأربعة التي ذكرهن الحديث المتواتر النبوي هم ما تعلمون من النساء. بل لا تعلمون المكتتمات والمستترات. اذا تحفظ منظومة التراث فالخارطة تكون اعظم. حتى من دون فاطمة بنت نبي سلام الله عليه تكون مريم عبرة لأولئك. فاطمة بنت اسد ونرجس ام صاحب العصر والزمان اعظم. لانها احتفظت على سر اعظم من نبي عيسى. اذا تريد ان تكون بطريا في الاستدلال تكون مشكلا. لابد من منظومة الاستدلال. فمراد الجدي ليس واحدا. معنى البطون والتأويل لا يتناهي يعني ان سلسلة المراد الجدي لا ينتهي. بالموازين لا بالهلوسة.
في قضية مريم سلام الله عليه بدأ الله بتعليم البشر لواقعة اخطر فأخطر. كل الأنبياء مهدوا لسيد الأنبياء. صحيح ان لهم دورا ومراد جدي لكنهم ليسوا الأصل. هم يمهدون للمعلم الأكبر والدولة الكبرى. لابد ان نفتهم منظومة التراث والوحي.
فاذا اصل البحث ليس في العام والخاص. بل اصل البحث في بنية الظهور وكيفيتها. لذلك في بحث الوضع اختلف الاعلام الاصوليون ان الوضع الهي من الله او بشري او بينا بين؟ يصر النائيني ان اصل الوضع والبيان من الله تعالى. «علمه البيان» غاية الامر تفتيقها بمزاولة وممارسة البشر. اصله من الله وشيء معجز. الى الان البشر في حالة اكتشافهم الالسنيات. عندهم فلسفات خاصة ومدارس فلسفية في علم البيان. تابعت أربعين حلقة نشرت من قبل فضائية غربية مترجمة وبعدها تبعت. البيان عالم ولها قواعد ولها معادلات. تعدد القرائات والفلسفات الالسنية.
هذا البرفسور التقى مع أربعين برفسور نجميد ولي في فلسفات البيان. تبعا كثير منهم يستفيدون من نتاج اللغة العربية. بالتالي الان إضافات عقلية كثيرة. المقصود ان باب الظهور واسع. أي ظهور هو حجة؟ وكم مرتبة من حجية الظهور؟ كل هذا البحث حساس.
الميرزا النائيني عنده مبنى في الحجج ويصر عليه السيد محمد الروحاني استاذنا ان الظهور حجيته ليس ظنية. الظنون حجيته قطعية. الظهور قطعي وحجيته قطعية. بنية الظهور قطعية وحجيته قطعية. على كل هذه نظرية في نظريات حجية الظهور. المقصود ان باب الظهور وبنية الظهور بوابة علم التفسير وبوابة الاستنباط في العلوم الدينية وبوابة باب القضاء وقانون الدولي. اركان الظهور وبنية الظهور من اخطر واعقد البحوث في الحجج والالفاظ. بحث التعارض الذي هو مسير الأبحاث العلوم الدينية كلها تقوم قيامته ببنية الظهور ومعناها.
فاذا التدقيق في منظومة بنيان الظهور موضوعا كما ان الأصوليين يقولون ان مبحث الالفاظ مبحث موضوعي لمبحث الحجج المحمولي. وان كانوا يضطرون ان يبحثوا مباحث موضوعية للظهور. المهم ان بحث الظهور موضوعا مبحث عظيم. يتسابق المتسابقون عليه. سلطان العلماء تلميذ الشيخ البهائي لم يكترس بما قاله الاصوليون طيلة سبعة قرون بل دقق ويرى ان كلها اشتباه. ببركة التحليل في نظام الدلالات. هذه البحوث ليست لعبة ولا جزافة.
ان السيد شهاب الدين المرعشي سأل عن السيد عبدالحسين شرف الدين: من اين جئت بهذه البراهين في إمامة امير المؤمنين عليه السلام. قال كررت علم البلاغة في كتاب المطول تسعة عشر مرة.