« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 مفهوم الحصر الإضافي والمطلق الحقيقي/ مبحث المفاهيم/باب الالفاظ

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الحصر الإضافي والمطلق الحقيقي

 

كان الكلام في مفهوم الحصر ومر بنا ان الحصر له أدوات متعددة سواء اسمية او حرفية وسواء أدوات مختصة بالحصر او غير مختصة ولكن تستعمل تركيبا في الحصر.

مثلا عبارة «هذه هي التسبيحات لا تزد عليها ولا تنقص» مثل الحصر وتحديد.

مما يشكل بأدوات الحصر في دعوى كونها وضعا تصورا موضوعة على الحصر انها في موارد عديدة تستعمل ليس في الحصر الحقيقي.

«لا يضر الصائم شيء اذا ما اجتنب الاكل والشرب» والحال ان فيه مفطرات عديدة أخرى دلت عليه نصوص خاصة. الأدوات التي يدعى وضعها على الحصر تشكل عليها انها لا تستعمل في الحصر بل التي تستعمل في الحصر اذا ندقق فيها فنرى انه ليس حصرا حقيقيا. فاذا ليس المعنى حصرا. هذا اصل الاشكال الذي يتردد سواء في علم الأصول او التفسير او العقائد او الفقه. غالبا ما يدعى انه في الحصر ليس في الحصر والمعنى لا يستعمل في الحصر.

هذا في الحقيقة كما مر اثارة مهمة جدا وسيأتي ان الفخر الرازي يشكل في قوله تعالى «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» انه لا يدل على الحصر وان كان السيد الخوئي يقول ان هذه مجرد مكابرة وعناد من الفخر الرازي وان استعماله في الحصر لا شبهة فيه وعند السيد الخوئي أجوبة لا بأس بها.

مع ان هذه الآية في سورة النساء قبلها وبعدها جمل نافية لتولي غير الله وغير رسوله وغير الذين آمنوا. قبلها وبعدها كلها في هذا الصدد في حصر الولاية في الله ورسوله وامير المؤمنين عليه السلام. هذا جانب آخر في مكابرة الفخر الرازي. المقصود هذه الاثارة موجودة ان أدوات الحصر استعملت كثيرا في غير الحصر.

كما مر بنا في العدد. مثلا صاحب الرياض الف رسالة مستقلة وغيره من الاعلام الكثيرين ان التسبيحات الأربع في الركعة الثالثة والرابعة هل الواجب واحد وما زاد مستحب او ان الواجب تخييري بين الواجب والثلاث؟ فما تقدر ان تأتي باثنتين فما امتثلت الواجب التخييري.

صاحب الرياض جزما التزم بالوجوب التخييري. وكثير من الاعلام التزموا وبعض الاعلام قالوا ان الواجب واحد وما زاد مندوب ولعلهم لا يقتصرون على الاثنتين والثلاث فما شئت إئت به من التسبيحات.

السيد اليزدي يظهر منه في بحث صلوة جعفر الطيار ارتكازا او اجمالا انه يذهب الى ندبية ما زاد من الواحد. لانه يذهب الى مشروعية ما لو يأتي المصلي بخمسة عشر مرة او اكثر او اقل من التسبيحات الأربع. سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله اكبر. السيد الخوئي أيضا يذهب الى ذلك في بحث العروة في صلاة جعفر الطيار. ان هذا الذكر يدخل في مصداق الذكر.

فمفهوم العدد يتقارب في مفهوم الحصر. في العدد أيضا هذه الاثارة موجودة ان العدد المأتي به هل هو كسقف اعلى وادني معا؟ او قد يؤتى به كسقف ادنى يعني بشرط ان لا ينقص وليس بشرط ان لا يزيد.

في موارد كالسورة بعد الفاتحة في الأولى والثانية بناء على حرمة التكليفية او الوضعية للقران ان لا تقرن للسورتين بعد الحمد ولكل سورة حقها من الركوع. شبيه طواف العمرة والحج ان القران ممنوع وضعا او تكليفا. ان تأتي بالطوافين متصلين من دون ان تفصل بينهما بصلاة الطواف. فهنا بشرط لا عن الزيادة وبشرط لا عن النقيصة. ففي جملة من الموارد العدد يتخذ حدا لنفي الزيادة ولنفي النقيصة. لكن في موارد العدد يتخذ حدا لبيان حد النقيصة. مثل ما ذهب اليه جماعة في التسبيحات الأربع في الثالثة والرابعة.

بعض الأحيان نادرا وقليلا مثل الغسلات الثلاث في الوضوء يكون بدعة. طبعا المراد من الغسلات الثلاث ليس الغرفات الثلاث بل المراد هو الغسل. يعني ان يتم غسل الوجه مرة او ثانية تغسله مرة ثالثة. هذه بدعة. الوضوء مثنى مثنى او فردا فردا. كذلك اختلف في ارجحية الغسل الثاني او لا. هو مشروع لكنه هل هو ارجح او لا. وان كان المشهور ان الأرجح ان تكتفي بغسلة واحدة صابغة يعني غرفات متعددة قبل ان تكتمل غسل اليد اليمنى. وحدة الغسل وتعددها في الوضوء باكتمال استيعاب العضو بالماء وليس الغسل هو الغرفة كما مر بنا الان. فالغسلة مدارها استيعاب العضو بالماء. فافضل أنواع الوضوء ان يأتي بالغسل فيه فرادى. طبعا المعصومون كانوا يأتون بغسلة واحدة بغرفة واحدة. اثنتان مشروعة لكن الثالثة بدعة. هل تبطل الوضوء او لا بحث آخر. نعم لو مسح ببلة الغسلة الثالثة في اليد اليسرى يبطل الوضوء. المهم في الوضوء اخذ بشرط لا عن الزيادة. أما بالنسبة للنقيصة فانت مخير.

فالعدد هل يراد منه بشرط لا عن الزيادة والنقيصة او فقط بشرط لا عن النقيصة ويسمى في التعبير العصري بالسقف الأدنى وتارة بشرط لا عن الزيادة ويسمى بالسقف الأعلى.

المهم لا يتوهم الباحث ان العدد يستخدم بشرط لا عن الزيادة والنقيصة دائما. حتى ان هذا التعبير «يجزيك الشهادتان» في التشهد لم يعمل به احد من علماء الامامية لانه ضرروة أن فيه عنصرا ثالثا على اقل التقدير وهو الصلاة على النبي والآل. فكيف يجري الشهادتان. كما انه ورد في تشهد الصلاة «يجزيك الشهادة الأولى» بل ورد «يجزيك الحمدلة» ولم يعمل به. اذا جمع الروايات مع بعضها البعض يعمل به سواء في الأدلة العامة والخاصة. هذا البحث في المفاهيم هو البيت الأساس ان التحديد لاي شيء. يعني لا تظن ان ماهية المركب العبادي او غير العبادي سواء جزءها او كلها كالطواف والحج والصلاة ان دليلا واحدا يتكفل بيان كل ذلك المركب. حتى مجموع الأدلة الخاصة أيضا لا يتكفل بيانه. ليس يبني المشهور بل ربما اعظم من جل الاعلام لا يبنون على مجموع الأدلة الخاصة يعمل به فقط فضلا عن ان يكون دليل واحد خاص ميزانا في العمل. الدليل الخاص الواحد نادرا يتكفل كل ماهية الشيء سواء في العبادات او المعاملات. بل مجموع الأدلة الخاصة ليس بالضروري ان يتعرض لكل ماهية المركب. افترض صحيحة حماد بن عيسى الجهني التي في بدايته يقول الامام الصادق له (وهو كان من صغار السن من تلاميذ الامام الصادق وكان من تلاميذ الامام الكاظم): هل تحسن الصلاة؟ قال يا سيدي انا احفظ كتاب حريز في الصلاة. (في زمن الامام الصادق تبويب الفقه كان موجودا عندنا وما كان موجودا عندهم. اول من بوب الفقه هو تلاميذ الائمة لا العامة) فقال له: قم فصلّ» فصلى ركعتين وبعد ذلك اراه الامام الصادق عليه السلام عملا لان التنظير بمفرده في هذه الأمور البدنية والعملية لا يكفي. مثل الرياضة. كما ان الأمام الباقر عليه السلام علم زرارة الوضوء عملا ليبين له. بعض بيانات الائمة عليهم السلام للاعمال تحتاج الى ممارسة عملية فيصير ابين. في الأمور العملية ذات المهارة والفنون.

لا يتوهم الباحث ان مجموع الأدلة الخاصة تتكفل بيان المركب. لذلك بحر العلوم في ارجوزته الفقهية في بحث الاذان في الصلاة يحمل كلام المشهور «ان الشهادة الثالثة في الاذان ليس جزءا» هو بحسب الأدلة الخاصة.

طبعا نحن لا نوافق مع بحر العلوم لان الأدلة الخاصة موجودة واعترف بها الصدوق. ونظرة الشيخ الطوسي لهذه الأدلة انها تامة لكن الرأي الاجتهادي للشيخ الطوسي ما كان على طبقها. وما قال ان مفادها خلاف الضرورة. رأي الطوسي يخالف ظاهر كلام الصدوق. مع ان واقع كلام الصدوق تقية. بغض النظر عن اختلاف القدماء في ظاهر كلامهم في روايات الشهادة الثالثة. الطوسي يقول ان الذي يعمل بروايات الشهادة الثالثة لم يأثم. المراد منه العمل الاستنباطي. يعني ان يقول ان الشهادة الثالثة جزء واجب في في تشهد الاذان.

كيف الشهيد الثاني وقع عنده غفلتان ان القدماء متفقون على عدم الجزئية وبقت هذه الغفلة الى ما بعدها الى يومنا هذا. كانما عند القدماء ضرورة على ان الشهادة الثالثة ليست جزءا. هذه غفلة كبيرة ان القدماء ما كانوا متسالمين عليها. السيد المرتضى يذهب الى الوجوب وكذلك ابن براج. غفلة في فحص المواد الى ما شاء الله ويسبب غفلات ونتائج خاطئة حتى ادعاء الضرورة الخاطئة. فالتثبت جدا مهم.

المهم فبحر العلوم رحمه الله يقول ان المشهور لما يقولون ان الشهادة الثالثة ليست جزءا فانما بحسب الأدلة الخاصة. مع ان هذه الدعوى أيضا غير صحيحة. والغفلة بدأت من الشهيد الثاني رحمه الله وهي ليست صحيحة.

العلامة الحلي والشهيد الأول يتبنيان ما يتبنى الشيخ الطوسي ان من يعمل بالروايات التي أوردها الشيخ الصدوق وافتى بجزئية الشهادة الثالثة لم يأثم. فليس خلاف الضرورة. فالتثبت ضروري جدا.

ومن يلتزم بالجزئية الواجبة استنادا بالنصوص الواردة الخاصة عند الصدوق ولم يذكر اسانيدها وهي ثلاث طوائف ورواها بشكل مرسل فلم يأثم. هذه الأمور كلها ما نقحت في الكتب الفقهية الأخيرة.

نص آخر صحيح عندنا معمول به ان التشهد في الاذان هو نفسه ماهية التشهد في الصلاة. صحيحة فضل بن شاذان. فالادلة الخاصة موجودة. لكن الشيخ الطوسي لم يعمل بها مع انه يعترف ان من عمل بها لم يأثم مع ان عمله في بغداد على انها واجبة اشد وجوبا. في زمانه في بغداد يتبنون الوجوب والجزئية وسالت دماء لشيعة بغداد في هذا المجال في مأتين سنة.

هذا البحث ممارسة لضوابط الأصول. بحر العلوم لما يقول ان الذين يقولون انها ليست جزءا فانما بحسب الأدلة الخاصة والا بحسب الأدلة العامة هي جزء واجب.

فلا نتوهم انه بالرواية الواحدة الخاصة نعرف السقف الأدنى والسقف الأعلى في الماهية. هذا كالممتنع في الأبواب. بل مجموع الأدلة الخاصة ليس بالضروري ان يشكل الماهية. مثلا الشرائط العامة في العبادات دليلها ليس خاصا بالصلاة. الشرائط العامة في المعاملات واستفادوها من الأدلة العامة. اذا في كل الأبواب العبادية والمعاملية عندنا شرائط عامة بالادلة العامة.

اذا هذا المركب العبادي او المعاملي لا يمكن ان تستفيد كل الماهية من الأدلة الخاصة فضلا من ان تستفيدها من دليل واحد. مثلا صحيحة حماد ليس فيها كثير من أجزاء الصلاة. هذه غفلة من حماد طبعا. ان أصحاب المعصوم ما يحيطون بكل فعل المعصوم. وكم له من نظير. هذه نقطة لابد ان نلتفت اليها. كما ان المستحبات في العبادات فيها مستحبات عامة من الأدلة العامة التي ليست خاصة بالصلاة بل عامة لكل العبادات.

ففي العدد هذه الاثارة موجودة. هنا بيت القصيد. هذا البحث اهم من المفهوم الكبير والصغير. كيف نحدد ماهية المركب العبادي او المعاملي بأدوات الحصر والعدد والتحديد والاشياء الأخرى.

وما هو الجواب؟ لذلك السيد الخوئي اطال فيه والحق معه لان هذا البحث مهم يؤثر في العلوم الدينية.

طبعا البلاغيون وعلماء أصول الفقه عبروا لحل هذا الاشكال بالحصر الإضافي في مقابل الحصر المطلق. عندنا حصر مطلق وعندنا حصر إضافي. الحصر الإضافي أيضا حقيقي لكنه نسبي.

قضية الحصر الإضافي والنسبي بيت القصيد في الاستنباط ولابد ان يركز عليه الانسان.

logo