47/04/01
مفهوم الغاية/ مبحث المفاهيم/باب الألفاظ
الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الغاية
بعدان في الغاية؛ موضوعي وحكمي
وصل بنا الكلام الى مفهوم الغاية والبحث في المفهوم الكبير فيه. والا المفهوم الصغير كما مر مقرر في أدوات المفهوم ومتسالم عليه لان كل أداة من أدوات المفاهيم هي قيد من القيود وانما هي اشكال وأنواع من القيود.
البحث في الغاية يقع في بعدين؛ بعد في الموضوع وبعد في المحمول وهو ومفهوم الغاية الكبير.
مر بنا ان الضابطة الكلية عند الأصوليين هي أنه ان كان القيد قيد الحكم مباشرة سواء كان غاية او وصفا او شرطا او عددا فلتلك الأداة مفهوم كبير وأما ان كان القيد قيد الموضوع او المتعلق فلا يتقرر المفهوم الكبير وانما يتقرر المفهوم الصغير. والجملة الشرطية لما كانت من الأدوات الظاهرة في المفهوم الاصطلاحي الكبير لان صياغة الجملة الشرطية يكوّن صياغة صريحة لرجوع القيد للحكم لا للمتعلق او الموضوع. يعني لا يجعل التركيب في الجملة مبهما بل مصرح برجوع القيد الى الحكم.
فبالتالي البحث في الغاية بحث في البعد الموضوعي والبعد المحمولي في المفهوم.
ما هو البحث في البعد الموضوعي؟ وهل له صلة بالمفهوم الصغير والكبير او لا صلة له بهما؟
نظير هذا سيأتي في مفهوم الحصر. فيه بعد في المحمول والحكم والمفهوم الكبير وفيه بحث وبعد موضوعي. هناك أيضا الكلام الكلام، ان البعد الموضوعي له صلة بالمفهوم الكبير والصغير او لا.
لنبدأ بالبعد الموضوعي في مفهوم الغاية:
في الغاية أدوات مختلفة والكلام الان في خصوص «حتى». طبعا هذا البعد الموضوعي يجري في كل الأدوات التي تستعمل في الغاية. «اكلت السمكة حتى رأسها» «اغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين» «اتموا الصيام الى الليل» هل الغاية داخل في الحكم او لا؟
طبعا عنوان الليل دائم لذهاب الحمرة المشرقية وليس مجرد سقوط القرص. فبالتالي هل الغاية داخلة في حكم المغيى ام ان الغاية لا تدخل في حكم المغيى؟
فقول بدخولها مطلقا وقول بعدم دخولها مطلقا، يعني حسب التركيب العام لأدوات الغاية الا ان تأتي قرائن خاصة فيعمل بها. دائما بنية الظهور او الدلالة اللغوية يبحث فيها حسب المقدار الاقتضائي والبنية الاقتضائي لا بحسب البتي والفعلي.
هذه نكتة لطيفة ان عناصر الظهور دائما هي بنحو الاقتضاء وهذا أساس مهم في باب الظهور صغرويا وكبرويا. ان العناصر الدالة على بنية الظهور اقتضائية والنتيجة محصلة من تركيب العناصر الاقتضائية. هذا في الحقيقة مبنى في الظهور هو بعينه بنى عليه القدماء وهو الصحيح في الحجج محمولا والأمارات طرا.
الامارات طرا؛ موضوعا ومحمولا هي بصدد الحجية الاقتضائية وليست في صدد الحجية الفعلية البتية. الميرزا النائيني رحمه الله في آخر حياته والنصف الثاني من عمره العلمي بنى على القول الثاني في الظهور وبقية الحجج. بالتالي جرى جل تلاميذه او اكثرهم على هذا المبنى ومنهم السيد الخوئي.
الناتج من هذا المبنى عقد كثيرة في الحجج. المشهور أي القدماء والمتاخرون ومتاخروا المتاخرين عندهم بنية الظهور اقتضائية وليست علية وبتية موضوعا ومحمولا. بنيانا كالموضوع ومحمولا ليست هي فعلية وبتية ودفعية وعلية وانما هي كلها اقتضائية. لما تكون اقتضائية فالاصل الاولي في التعارض ليس التساقط سواء في الظهور او في المحمول والحجية وسواء من باب الظهور او الامارات الظنية. هذا أساس وناموس الحجج عند القدماء. لذلك الأصل الاولي عندهم ليس التساقط بل الأصل الاولي عندهم التزاحم. لا التزاحم الاصطلاحي بل التزاحم من نمط وسنخ آخر. يعني الكسر والانكسار في الحكاية والدلالة والظنون.
لذلك لاحظ الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب او كتاب الاستبصار نادرا ما يسقط او يطرح الرواية ولو كانت ضعيفة. اذا يتكلم في ضعف الطريف انما لجعل الأقوى للموازنة لا لاجل ان يطرحها بالمرة. غالب وجل مسير الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار هي هذه. هذا مبناهم في كيفية الموازنة في الحجج الظنية موضوعا ومحمولا.
بينما مدرسة الميرزا النائيني منهم السيد الخوئي وتلاميذهم بين نعم ولا. جعلوا الحجية وموضوعها بتيا وفعليا.
أسس مهمة عند القدماء في الحجج ومنها هذا الأساس المهم. انهم يتعاملون مع الأدلة معاملة الاقتضائيات وليس معاملة العليات. من ثم عندهم نظام الحجج مجموعي وشبكي وليس اوحاديا. ويعبرون عنها في حجية الخبر بالخبر العلمي يعني المجموعي ونظام التوازنات.
نرجع الى البعد الموضوعي في الغاية في ادواتها
قول بان الغاية داخلة في حكم المغيى مطلقا
قول ان الغاية غير داخلة مطلقا
القول الثالث بتفصيل ان الغاية ان كانت من جنس المغيى مثل «اكلت السمكة حتى رأسها» فهي داخلة في الحكم وأما اذا كانت من غير جنسها «اتموا الصيام الى الليل» فهي غير داخلة.
القول الرابع: بتفصيل ان التعبير في الغاية اذا كان بلفظة «حتى» فالغاية داخلة في المغيى. بخلاف «الى» او الأدوات الأخرى. فالغاية فيها غير داخلة في المغيى. هذا ما مال اليه الميرزا النائيني وان كان رأيه ان هذه الأمور ليست ميزانا بتيا وضوابط فعلية.
لطيف انه يعتمد في عناصر الظهور على موازنات مجموعية والقرائن الخاصة والعامة. هذا صحيح ويا ليت انه بنى عليه في كل الحجج. السيد الخوئي طرح ولم يراعي قرائن كثيرة عامة مهمة في علم الرجال نتيجة ان هذه القرائن اما هي بتية مستقلة علية والا فلا. ما نظر اليها انها اقتضائات تتراكم وتنضم مع بعضها البعض ويتشكل ظهورا نوعية. وهذا المبنى يؤثر اثرا كبيرا في علم الرجال والعلوم الدينية. هذه موازين في الاجتهاد والأدلة
قبل ان ندخل في التفاصيل ندقق قليلا بالنظرة الفوقية.
عندما يقال ان الغاية داخلة او غير داخلة فبالذات كلامهم في الغاية الراجعة الى المتعلق او الموضوع، لا الغاية التي للحكم.
أيضا هذا الخلاف في البعد الموضوعي بالدقة يعني شبيه المناطق الحدودية المتنازعة عليها بين الدول. هذه المنطقة هل هي داخلة او خارجة يعني ان الحد النهائي الصفر بين المنطقتين قبل الغاية او بعد الغاية مباشرة. بالتالي الغاية غاية فلما تقول المنطقة الفلانية بين هذه البلاد و البلد المجاور مثلا، مثلا خر عبدالله داخل او ما بعدها نقطة الصفر او ما قبله. هذا البحث الاصولي في النزاعات القانونية يثمر ويجعل للإنسان بصيرة في هذه الأبحاث. فخط الصفر او الخط الأحمر بين الدول هو ما قبل الغاية فهي خارجة او ما بعد الغاية فهي داخلة؟ الغاية بالتالي غاية وتحدد الخط الصفر بين الحكمين فإما قبلها فهي خارجة او بعدها فهي خارجة. فغائية الغاية لا كلام فيها.
نخوض في التفاصيل ثم نتدبر في أن هذا البحث في البعد الموضوعي هل له صلة بالمفهوم الكبير او لا؟
ممن اختار النفي مطلقا السيد الخوئي رحمه الله ان الغاية غير داخلة في حكم المغيى. طبعا كلامه لطيف انه اقتضائي وليس بتيا. يعني ان عناصر الظهور لا يمكن البت فيها وانما هي اقتضائية. فاختار النفي بحسب الظهور العام واستند بانها من الظهور واستشهد بقوله تعالى «أتموا الصيام الى الليل» هل في هذه الآية قرائن خاصة ام لا؟ او فيها قرائن عامة؟ مشكل لان الليل يختلف جنسه عن النهار ولعل هذه خصوصية. استشهد أيضا بقوله تعالى «اغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق» مع ان المرافق في بحث الوضوء فتوى داخلة في منطقة الوضوء. هو رحمه الله يبين هذا المطلب. على كل هذه غفلة منه او من المقررين. على كل هذه الدعوى الاتفاق معها مشكل من ان الغاية طبعها الخروج عن المغيى. مثل ان تقول من باب المثال ان الحدود العراقية والإيرانية عند زرباطية وبدرة. زرباطية داخلة في المغيى. بينما اذا تقول ان الحد مهران فهي خارجة عن المغيى. فنستطيع ان نجعل نقطة داخلة في العراق هي غاية ونستطيع ان نجعل نقطة خارجة هي غاية. طبيعة الغايات هي هكذا. يمكن ان نجعل غايتين. غاية داخلية وغاية خارجية. فيا ترى ان الغاية التي تذكر في الكلام هل هي داخلة او خارجة. فطبيعة الغايات غالبا ان هناك غايتان متقاربتان احداهما داخلة والأخرى خارجة. فلا القول الأول بالدخول مطلقا صحيح ولا القول الثاني بالخروج مطلقا صحيح. بل الصحيح ان الغايات غالبا فيها غايتان متقاربتان. فيها غاية داخلية وفيها غاية خارجية.
نظير هذا في بحث السلام في الصلاة. انه جزء الصلاة او خارج عنها؟ فتترتب عليها آثار. كمن انتقض وضوءه ولو عن غير اختيار قبل السلام فتبطل صلاته او تصح؟ ان كان السلام خارجا عن الصلاة فقد يوجه بالصحة لان الحدث وقع ما بعد الصلاة وان كان السلام جزء الصلاة وداخل فالحدث قبل السلام في وسط الصلاة ومبطل لها. المشكل ان الحدث والطهور ركن. معركة آراء بين الاعلام.
القول الثالث ان الغاية ان كانت من جنس المغيى فهي داخلة. هذه قرينة لا بأس بها وان لم يكن قرينة دائما. بخلاف ما اذا كانت الغاية من غير جنس المغيى. فهذا القول الثالث في الجملة جيد لكن لا يضبط الامر تماما.
القول الرابع بانه اذا كان التعبير بلفظة «الى» فهي خارجة وان كان التعبير بلفظة «حتى» فالغاية داخلة. مال اليها الميرزا النائيني. كانما «الى» غالبا يستعمل في بيان الغاية الخارجة.
مثلا: السفر يستعمل بمعنيين: السفر بمعنى الحركة والسفر بمعنى الابتعاد او معاني. اذا كان بمعنى الحركة فالغاية خارجة وان كان بمعنى الابتعاد فهي داخلة.
اجمالا فمال الميرزا النائيني بهذا القول. اعترض السيد الخوئي عليه بان كلمة «حتى» التي تدخل الغاية في المغيى لا تستعمل في الغاية بل تستعمل بمعنى العطف. مثلا «جاء الناس كلهم حتى الأنبياء» هذه الكلمة «حتى» يدخل الغاية في المغيى للعطف بخلاف «حتى» التي للغاية فهي ليست للعطف. فهذا التفصيل ليس بصحيح. فتلك التي للعطف ليست للغاية. هذا مقتضى كلام السيد الخوئي.
لكن فيه تأمل واضح. كلمة «حتى» التي تستعمل للعطف أيضا تستخدم للغاية. باعتبار ان الأعلى الناس درجة هم الأنبياء وهم أيضا جاءوا. صحيح انه للادراج. كانما انهم في الدرجة العليا وغاية للدرجات.
«سلام هي حتى مطلع الفجر» هل مطلع الفجر داخل في السلام ام لا؟ «حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود» فتارة تستخدم للادراج وتارة تستخدم لا للادراج.
يعني ان كلام السيد الخوئي صحيح من هذه الجهة من انه في موارد ان «حتى» لإدراج ابرز الافراد واضح انها داخلة. هذه قرينة صحيحة لكن لا يمكن ان يؤول على هذه القرينة في كل موارد استعمال «حتى» بهذا المعنى صحيح. النائيني قال أيضا اني لا أعول على هذه القرينة بشكل بتي بل اعول على القرائن.
المختار انه كما ذكر الميرزا النائيني انه لازم ان تراعى القرائن الخاصة. قرينة عامة ذكرناها في البعد الموضوعي هي ان الغاية غالبا ومعظما في الأشياء طبيعتها فيها غاية داخلية وفيها غاية خارجية. بالتالي الخط الصفر او النهائي بين الطرفين انتهاء. لكن اذا صار الترديد والشك لابد ان يعول على القرائن الخاصة والا طبيعة الغايات ثنائية.
هذا تمام الكلام في البعد الموضوعي.
هل هذا البحث في البعد الموضوعي له صلة بالمفهوم الكبير او لا؟
ثم بعد ذلك ندخل في البعد المحمولي والمفهوم الكبير. هل الغاية لها مفهوم أم لا؟