« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الشرط/ قاعدة تداخل الأسباب و المسببات

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الشرط/ قاعدة تداخل الأسباب و المسببات

 

ابعاد معاني القاعدة

كان الكلام في قاعدة تداخل الأسباب والمسببات

وصلنا الى هذه النقطة ان القضية الشرعية او القانونية فيها الموضوع او قيود الوجوب ويعبر عنه بالسبب او الشرط بلحاظ عالم الدلالة واللفظ وفيها الحكم والمحمول وهو المسبب ثم فيها المتعلق أي الفعل الذي يتعلق به الحكم التكليفي وربما لا يكون فعلا كما في كثير من المعاملات.

طبيعة المتعلق الذي يتعلق به الحكم إما يتعلق بصرف الوجود وهو اول الوجودات من افراد الطبيعة وثاني الفرد لا يصدق عليه صرف الوجود وكذلك ثالث فرد وهلم جرا.

في مقابل الوجود البدلي وهو يصدق على كل الوجودات للطبيعة.

وفي مقابل الوجود الاستغراقي الانحلالي. فليس كل فعل متعلق الحكم التكليفي تكون افراده بنحو الانحلال الاستغراقي، غالبا الحكم في المحرمات انحلالي استغراقي وكذلك في مقابل طبيعة الوجود الامتدادية. على كل هذه أنواع من انحاء الوجود لأفراد الطبيعة التي هي متعلق الحكم التكليفي.

هنا كلام الميرزا النائيني في قبال صاحب الكفاية: اذا لم يكن متعلق الحكم التكليفي أول الوجود سواء سميناه صرف الوجود او لم نسمه، لان البعض يقول ان صرف الوجود يصدق على الوجود البدلي أيضا او حتى على انحاء أخرى من افراد الطبيعة. (هذا البحث مؤثر في أبواب عديدة مع انها خطوة في عالم الدلالة والاستنباط والاستظهار لكنها بالغة التأثير في نتائج الاستنباط لانها تعين هندسة قالبة الحكم التكليفي والوضعي في أبواب الفقه السياسي والفقه المجتمعي ومن ثم هنا تكمن أهمية علم البلاغة والبيان والمعاني والنحو والصرف والاشتقاق فتعطيك مسار الاستنباط والتقنين وفي هذا الجانب غالبا يكون الحوزات الدينية اقوى من وسط الاكاديمي. الوسط الاكاديمي في علم القانون لا يكون متمرسين في عالم الدلالة وكيف يقرأ القانون الوضعي والدولي. نعم في البحث الاكاديمي التركيز يكون في متن القانون وهذه ميزة مهمة لهم ان المدلول ومنظومة المدلول وشبكة المدلول. هذه ميزة مهمة بمثابة عالم الثبوت للحكم.) بالتالي أي افراد من المتعلق يتعلق به الحكم؟ هل اول الوجود او الوجود البدلي او الوجود الاستغراقي الانحلالي؟ هذه يؤثر في نتائج الاستنباط وقالب الحكم. شبيه ما مر بنا مرارا و ان لم يأت بحثه بعد ان بحوث العام والخاص والمطلق والمقيد أيضا هي أخرى مؤثرة في الاستنباط. هذا البحث في الوجود البدلي والوجود الاستغراقي هو نوع من اشكال وانماط العموم. فبحوث العموم وأنواع العموم مبحث جدا مهم في قولبة وهندسة الحكم التكليفي او الوضعي. بالتالي محور مهم في قالب الحكم.

حينئذ يقال: اذا اتحد الجزاء في الدلالة مثل «ان التقى الختانان فاغتسل» و «ان كان يوم الجمعة فاغتسل» و «ان مسست ميتا فاغتسل» هل تعلق بأول الوجود؟ اذا تعلق بأول الوجود فلا محالة الأسباب المتعددة التي تسبب الاحكام المتعددة والمسببات المتعددة فتتوارد على اول الوجود.

في عالم الدلالة والمنطوق اللفظي اتحد الجزاء لفظا لا معنى. مر بنا ان اتحاد الجزاء يطلق على مراحل. اذا اتحد الجزاء لفظا فإذا كان المسبب والحكم يتعلق بأول الوجود فيكون متحدا معنا أيضا. لان اول الوجود لا يمكن ان يتعدد. فتتوارد الاحكام على وجود واحد فيكون تداخل الأسباب في عالم الذمة. لان هذه الاحكام المتعددة بسبب الأسباب المتعددة ستتوارد على اول الوجود قبل وجوده وهذا نوع من تداخل الأسباب بلحاظ المسبب يعني كانما الذمة مشتغلة بأول الوجود.

لماذا نعبر (وان كان الاعلام لم يذكر هذا المطلب هنا لكن في الفقه ذكروه) هنا هذا نمط من تداخل الأسباب ولماذا لا نقول هو تداخل الأسباب بقول مطلق؟ مر بنا امس ان تداخل الأسباب له أنماط وانحاء عديدة وليس على نمط وشاكلة واحدة.

مثلا هنا اول الوجود مجمع الاحكام. القضية القانونية على ثلاثة اضلاع على اقل تقدير الحكم والموضوع والمتعلق وهو اول افراد الطبيعة. هنا أسباب متعددة كالجنابة والاستحاضة والكبيرة ومس الميت. وجوب الغسل متعددة. السبب متعدد وكذلك المسبب وهو الوجوبات المتعددة. هذه الوجوبات تتوارد على فرد واحد من الطبيعة وفعل المكلف والمتعلق وهو اول الوجود لو كان المراد من الطبيعة اول الوجود.

ليس هذا تداخل الأسباب بقول مطلق. لان المسببات هنا أيضا متعددة وهي الوجوبات. اتحدت في المتعلق وليس في الامتثال. اتحدت قبل الامتثال في عالم الذمة.

لو كان المراد من المتعلق والفعل الذي يتعلق به الحكم اول الوجود ففي عالم الذمة وعالم الاعتبار والتقنين وعالم الثبوت الوجوبات متعددة لكن في عالم الذمة فيه اتحاد في متعلق المسببات والوجوبات. فليس اتحادا في نفس المسببات بل في متعلق المسببات. فهنا تداخلت الأسباب في متعلق المسببات لا في المسببات نفسها.

لو كان المراد الوجود البدلي فكل مسبب يطلب وجودا مغايرا عن الوجود الآخر وكذلك اذا كان الوجود استغراقيا وانحلاليا فلا تتداخلت الأسباب ولا المسببات.

من الذي يعين ان المراد هو اول الوجود او الوجود البدلي او غيرهما؟ من الذي يعين ان الحكم استغراقي او بدلي او اول الوجود؟ ما الفرق بين الوجود البدلي وأول الوجود؟ فيه تشابه قريب جدا بين اول الوجود وبين الوجود البدلي.

مبنى الاعلام هو ان الذي يعين هو قرينة طبيعة الملاك التي تفهم من الأدلة. مثلا المفسدة طبيعتها انحلالي لكن المصلحة تترتب بفرد واحد. كذلك الوجود البدلي وأول الوجود أيضا يعين بنمط الملاك. فالملاك الذي تدل عليه الأدلة وطبيعته ودلالة الدليل على الحكم يستشم منه نمط الحكم.

هذه الأنواع هي قوالب هندسية للعموم ومر ان تعيين قالب هندسي للعموم مؤثر جدا في نتائج الاستنباط وهلم جرا.

مثلا قول جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: انظروا رجل منكم نظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا وروى حديثنا فاجعلوه حاكما فاني جعلته عليكم حاكما. هذه اعمال صلاحية من الائمة عليهم السلام.

من الناحية المقدسة عجل الله تعالى فرجه الشريف: اما الحوادث الواقعة فارجعوا الى رواة حديثنا. هل الرواة عموم مجموعي او استغراقي او بدلي او خصوص الاعلم؟ هذا البحث مهم. ان القضاء الذي جعلت شرعيته من قبل الائمة عليهم السلام باي نحو من العموم والفتوى كذلك والولاية التنفيذية أيضا كذلك. هذا من باب المثال والا البحوث في موارد عديدة أخرى.

صم للرؤية و أفطر للرؤية. هل المراد الوجود البدلي او اول الوجود؟ كل بلد لابد من رؤية الهلال. السيد الخوئي يقول صم للرؤية يعني صرف الوجود وأول الوجود ويكفي لكل العالم. بحث الهلال وصعوبته من استظهار نمط العموم.

نرجع الى قاعدة تداخل الأسباب. نعبر عن قاعدة أنواع العموم والاطلاق. مرارا مر بنا وسيأتي مفصلا بمشيئة الله ان الاطلاق ست أنواع او سبعة أنواع وكل له آثار. بحث الاطلاق وبحث العموم مؤثر كثيرا في نتائج الاستنباط.

فاذا تداخل الأسباب والمسببات له معاني.

هنا لم تتداخل الأسباب في مسبب واحد. بل المسبب أيضا متعدد. انما اتحدت في متعلق المسببات قبل الامتثال وفي عالم الذمة لو كان المراد اول الوجود.

فنفس عالم الذمة والقضية القانونية التشريعية فيها ثلاثة اركان على اقل تقدير الموضوع والمحمول والمتعلق. وكل له عناوين أخرى. هذه قبل عالم الامتثال وفي عالم الذمة.

حتى يقال ان اول الوجود هو اول الوجود التقديري في الذمة والوجود البدلي هو الوجود البدلي التقديري في الذمة. والوجود الاستغراقي الانحلالي التقديري في الذمة وكذلك الوجود المجموعي قبل الامتثال.

مثلا القتل لا يمكن ان يتعدد. رجل قاتل لرجل مقتول وهذا الرجل القاتل اتى بفاحشة تستوجب القتل لا سامح الله وتعددت أسباب القتل. القتل طبيعة تتعلق بأول الوجود ولا يمكن ان يتعدد. فالتداخل أنماط.

لا نتوهم في التداخل انه على وتيرة واحدة. بل أنماط وأنواع. من ثم هنا في مثال القتل لو عفا أولياء الميت فبقية أسباب القتل والمسببات لا تسقط. بل اذا عفا واحد من أولياء الميت فالباقي لهم حق ان يقصوا. غاية الامر يعطون قدر من عفا من الدية. المقصود كيف هو اتحاد الأسباب والمسببات بقول مطلق او ليس بقول مطلق. فليس على نمط واحد.

مثلا عنوان الإفطار. من افطر في شهر رمضان فعليه كفارة إما ستين يوم صيام او اطعام ستين مسكينا او عتق رقبة. وان افطر على الحرام فعليه الجمع. الموضوع والسبب هو «من افطر» والمحمول و الحكم هو الوجوب ومتعلق الوجود الكفارة. والكفارة قابلة للتعدد اذا كان المراد هو الوجود البدلي. فلا تتداخلت الكفارات لان كل وجود يتعلق بفرد بدلي ما.

الميرزا النائيني يقول هنا ان القاعدة الأولية عدم التداخل خلافا لاستظهار صاحب الكفاية لان الطبيعة التي يتعلق بها الحكم هو الوجود البدلي لا اول الوجود. من ثم المفروض ان تعددت الكفارة.

الا ان في خصوص مادة «افطر والافطار» لغة شرعا انه لا يصدق الا على اول الوجود. اذا افطر من الصيام فالاكل الثاني والثالث ليس إفطارا. هو فعل حرام بحرمة الإفطار لكن عنوانا ليس إفطارا.

اذاً في العروة هنا نفس بحث عنوان السبب. هل العنوان «الإفطار» او العنوان «الاكل والجماع والشرب» هل السبب والشرط لوجوب الكفارة عنوان الإفطار او عنوان الأكل والشرب؟ اذا كان العنوان الإفطار فلا يتكثر. لان الإفطار يعني بطلان الصوم يحصل بأول الوجود. الوجود الثاني والثالث صوم منبطل ولا يبطل مرة ثانية. السيد اليزدي في العروة يدعي ويستظهر من الأدلة ان المراد من الأدلة ليس العنوان هو الإفطار. يقول: المراد من الإفطار تعبير كنائي يعني من اكل وشرب. ليس المراد «من ابطل صيامه» يقول «من افطر» المراد بذلك هو «من اكل وشرب» فإرشاد وكناية.

هذا بحث حساس في قاعدة تداخل الأسباب والمسبب. العنوان في السبب والعنوان في المسبب والعنوان في متعلق المسبب. عندنا ثلاثية عناوين في القضية القانونية.

«اقم الصلاة لدلوك الشمس» الدلوك سبب والصلاة متعلق وأقم هيئة الامر والحكم. هذه العناوين يجب على الباحث والمستنبط ان يدرسها. نمط السبب يؤثر ونمط المسبب يؤثر ونمط المتعلق يؤثر في قاعدة التداخل. هذه القاعدة ابتلائية في اكثر الأبواب. ان لم يدقق الباحث والمستنبط يتيه عليه الامر.

يقول السيد اليزدي ان عنوان «افطر» ارشادي وكنائي. هذا البحث مهم. ان العنوان المأخوذ في الأدلة اصلي جدي او ارشادي وكنائي وهو مرآة لعنوان آخر.

مثلا عندنا في الحج. « من افسد حجه بالجماع قبل الوقوف بعرفة فقد افسد حجه وعليه بعير وعليه ان يحج العام القادم وهلم جرا وكذلك يجب ان يتم حجه» الافساد ليس بمعنى ان يترك الحج. فالافساد بمعنى افساد ملاك الحج. فلو جامع مرة ثانية قبل العرفات كيف؟ ما المراد من الافساد؟ هل المراد اصلي او المراد كنائي عن ممارسة الجماع قبل العرفات؟

التدقيق في العناوين وكيفية تطبيق العناوين

 

logo