« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/12/06

بسم الله الرحمن الرحيم

باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الشرط/ تداخل الأسباب والمسببات

 

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المفاهيم/ مفهوم الشرط/ تداخل الأسباب والمسببات

 

قاعدة عدم تداخل الأسباب والمسببات واستثناءها

 

كان الكلام في الوجه الذي ذكره الميرزا النائيني لعدم تداخل الأسباب أي لبقاء تعدد الجزاء والمسبب في الذمة كما مر بنا مرارا ان تداخل الأسباب او عدم تداخلها يقصد منه المسبب لا الأسباب. او قل تأثير السبب في المسبب أما ان الأسباب هي متعددة هذا مفروغ منه في هذا البحث. ومر بنا ان الاسناد مجازي او قل اسناد بلحاظ توابع الأسباب يعني المسبب.

كما ان تداخل المسببات يعني تداخل الامتثال والأداء للمسببات. وهذا على وتيرة واحدة لتداخل الأسباب وليس الاسناد حقيقيا كما مر بنا مرارا.

فالوجه الذي اعتمده الميرزا النائيني كما يقتضي عدم تداخل الأسباب كذلك يقتضي تعدد الأداء لان كل طلب يقتضي ناقضيةً خاصة لعدم الطبيعة. ولابد ان يتعدد الامتثال. فالقاعدة الأولية للامتثال هي التعدد. كل تكليف في الذمة يقتضي امتثالا مستقلا بحيال ذاته واجتماع تكاليف متعددة في امتثال واحد يحتاج الى دليل.

يضاف اليه بعض الضمائم يصبح هو مقتضى القاعدة في تداخل المسببات ان القاعدة عدم تداخلها.

لكن مر ان هذا الاقتضاء الذي ذكره الميرزا النائيني انما هو مقتضى الطبع العقلي وليس ممتنعا. يعني منوال الاحكام ومتعلقاتها فيمكن ان يدخل على الخط مانع او شرط او شيء يحول القاعدة الى التداخل لدليل خاص لان الاحكام العقلية كما ذكر في بحوث علم الأصول كثيرا منها احكام اقتضائية ويمكن ان تمانع.

هذه نكتة جدا مهمة. اذا كانت الاحكام العقلية اقتضائية فكيف بك بالاحكام الشرعية انها اقتضائية ولما تكون اقتضائية فلماذا يفرض التكاذب والتعارض والتناقض فيمكن حملها على الاقتضائية فلا تصل النوبة على التكاذب والتناقض. هذه نكات ثمينة في بحوث أصول القانون.

هذا مقتضى القاعدة في الحكم التكليفي والوضعي في الأسباب والمسببات. ومقتضى القاعدة عدم التداخل.

هنا يذكر الاعلام منهم السيد الخوئي استثناء في قاعدة عدم تداخل المسببات. يقول في موارد العموم والخصوص من وجه بين المسببين او السببين والدليلين. اذا كان هناك عموم وخصوص من وجه بين الدليلن والشرط الثاني ان يكون الحكم بدليا ليس انحلاليا استغراقيا.

فاذا كان الحكم في الطرفين بدليا مثل ما يقال «اكرم عالما» و «اكرم هاشميا» وبينهما عموم وخصوص من و جه ومحل ا لالتقاء العالم الهاشمي. هل مقتضى القاعدة تداخل المسببات. هنا يبني السيد الخوئي على ان القاعدة تداخل المسببات.

طبعا هذا الاستثناء ليس المراد منه ان تتداخل الأسباب والمسببات في هذا المورد. وليس المراد منه بالنحو الضروري. بل يمكن ان يمتثل الانسان بالامتثالين ويكرم عالما غير هاشمي ويكرم هاشمي غير عالم ولكنه يمكنه ان يكتفي بالعالم الهاشمي.

هذه نكتة مهمة: ان التداخل في المسببات في الموارد التي يقال فيها بالتداخل ليس بتيا وليس ضروريا بل يمكن ان يتعدد. كما ان الاغسال التي ورد النص في تداخلها. يكفيه لا يعني انه لا يشرع له تعدد الغسل له. ان المشروعية تبقى على حالها.

في موارد التداخل سواء لنص او لمقتضى ضابطة استثنائية ان القول بتداخل المسببات في الامتثال ليس بنحو الضرورة بل يمكن له ان يكتفي وله ان لا يكتفي.

طبعا بحث في تداخل الاغسال هل هو يكتفي اذا نوى الجميع او يكتفي حتى لو نوى احدها؟ وهل يختلف الثواب عن الأداء. مر بنا ان هناك فرق بين أداء التكليف وبين امتثال التكليف وبين سقوط التكليف. ثلاث عناوين. كل امتثال أداء وليس كل أداء امتثال وكل أداء للتكليف سقوط وليس كل سقوط أداء. اعمها السقوط وأخصها السقوط. ففيه فرق من حيث الدائرة بين هذه الثلاثة.

في باب الاغسال أيضا بحثوا عن ان الاغسال في الذمة تسقط مع نية الجميع وقصدها او تسقط ولو لم يقصد الا احدها؟ الصحيح ان الأدلة دالة على ان الاغسال تسقط ولو لم ينوها جميعا. على كل اختلاف الاقوال. بعضهم قال ان قصد الجنابة يكفي عن غيره ولكن نية غيره لا يكفي عن الجنابة. لكن الصحيح كفاية الكل عن الكل. هذا من البحوث الأخرى الفقهية بلحاظ باب الاغسال. وهذا بحث في تمام الاغسال حتى المستحب. هل يكفي غسل الجمعة عن الجنابة والأدلة دالة على ذلك.

اذا نوى الجميع اثيب للجميع وكان امتثالا للجميع واذا نوى احدها فهو امتثال لما نوى وأداء لما لم ينو. كما انه ورد ان الحائض اثناء الحيض لو كانت قبل ذلك جنبا فهي يمكنها ان تغتسل عن الجنابة وإن كان الحيض لا زال مستمرا. وهذا يدل على ان حدث الحيض غير حدث الجنابة ومن ثم بعض احكام الحائض يختلف عن بعض احكام الجنابة. مثل الطلاق ان المرأة الجنب تطلق لكن الحائض لا يصح طلاقها.

فبحث تداخل المسببات في الامتثال استثنى جملة من الاعلام منهم السيد اليزدي من التداخل اذا كانت النسبة بين دليلي الأسباب والمسببات عموم و خصوص من وجه وان يكون الحكم بدليا وليس استغراقيا. اذا كان استغراقيا لا انحلال في البين. اما اذا كان بدليا فالقاعدة هي التداخل.

لماذا؟ يستدلون بعموم الأدلة. عموم هذا الدليل وعموم ذلك الدليل حتى لموارد التلاقي من وجه بينهما.

قبل ان نواصل نضطر للانتباه لهذه النكتة. كيف مر بنا ان ما اعتمده الميرزا النائيني في عدم تداخل الأسباب مرتبط بمفاد الظهور والثبوت. الظهور يقودنا الى الثبوت على صعيد التنظير التقنيني الكلي. استدل الميرزا النائيني بهذا الثبوت الذي وصل اليه بالظهور لعدم تداخل الأسباب في المسببات. ومر بنا بعينه هو يقتضي عدم تداخل المسببات في الامتثال. لانه قال ناقضية عدم الطبيعة وهو يلاحظ في الوجود الخارجي. ولكن على صعيد التنظير. لان القضية الحقيقية التي يصفها الميرزا النائيني بالقضية الحقيقية الكلية التي هي مرحلة ثالثة للانشاء هذه القضية الحقيقية هي تنظيرية ذهنية اعتبارية لكن يلاحظ بها مقام الامتثال او مقام الوجود الخارجي. هذه نكتة لطيفة ان المرحلة الثالثة من الحكم الشرعي وهي مرحلة ثالثة للانشاء رغم انها تنظيرية وفي عالم الظهور لكنها مرآة يلاحظ بها الوجود الخارجي ومراحل الامتثال. هذه نكتة جدا مهمة. لذلك يعبرون عنها بمرحلة الفعلية التقديرية وليست فعلية خارجية. هذا نوع ربط بين المراحل بعضها مع البعض. مع اننا على صعيد التنظير لكنها يلاحظ به الوجود الخارجي.

هنا الاستثناء من عدم تداخل المسببات يلاحظ فيها البدلي يعني شيئا ما من الوجود الخارجي على صعيد التنظير.

تداخل الأسباب بحث تنظيري كلي بلا شك. لان الذمة مشغول بمسبب واحد او بمسببات وهذا بحث كلي ومرتبط بالمراحل الشرعية الكلية. فيا ترى تداخل المسببات بحث تنظيري كلي او بحث جزئي؟ بعبارة أخرى تداخل الأسباب بحث في أي مرحلة من مراحل الحكم؟ وتداخل المسببات بحث في أي مرحلة من مراحل الحكم؟

الأسباب لا ريب انه بحث في مراحل التنظير لانه بحث في الذمة وكلي. هل الذمة مشغول بمسبب واحد او مسببات؟ اما بحث تداخل المسببات هو بالدقة بحث مرتبط بمرحلتين وليس مرحلة واحدة. يعني حتى بحث تداخل الأسباب له علاقة بين مرحلتين من مراحل الحكم الشرعي. لذلك هذا الاسناد المجازي موجود. هو تداخل الأسباب في المسببات او تداخل مسببات الأسباب. الأسباب بحث تنظيري والمسببات بحث تنظيري في عالم الذمة. تداخل المسببات كذلك يعني تداخل المسببات في الامتثال يعني بحث ما بين الشيء في الذمة والوجود الخارجي. فبحث في العلاقة بين المرحلتين . بحث في التطابق او عدم التطابق بين المرحلتين مرحلة الذمة ومرحلة الأداء.

هذه العلاقة بين المرحلتين وليس بحثا في مرحلة واحدة. مثلا التزاحم بحث في مرحلة واحدة مرحلة الامتثال. والتعارض والتناقض بحث في مرحلة واحدة بين الحكمين والدليلين. وان كان بين الدليلين والحكمين لكنه في مرحلة واحدة.

اما تداخل الأسباب بحث في العلاقة بين المرحلتين وتداخل المسببات بحث في العلاقة بين المرحلتين.

ما مر بنا من كلمات الاعلام انه في مرحلة الفعلية التقديرية التي يقال عنها القضية الحقيقية يلاحظ بها مرحلة أخرى. يلاحظ بها المراحل اللاحقة. يعني فيها علاقة بالمراحل اللاحقة. هذه من النكات اللطيفة.

أيا ما كان فاذا الاستثناء الذي استثناه جماعة من الاعلام هو انه اذا كان الدليلان عموم وخصوص من وجه واذا كان العموم بدليا فمقتضى القاعدة هو تداخل المسببات في الامتثال. من ثم يمكن تداخل صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب فتأتي بركعتين من أربعة ركعات من نافلة مغرب بنية الغفيلة وبنية النافلة.

كذلك صلاة ركعتين من أيام العشرة الأولى من ذي الحجة فتتداخل الغفيلة والنافلة وهاتان الركعتان. في كلام السيد الخوئي هذا التقييد موجود. اما بين الواجب والمستحب او بين المستحب ومستحب وفيه تداخل. هل هذا شرط ثالث في كلام السيد الخوئي؟ لابد ان نراجع كلماته رحمه الله. الشرط الأول عموم وخصوص من وجه والشرط الثاني بدلي. الشرط الثالث ان يكون الواجب مع المستحب او يكون المستحب مع المستحب. اما الواجب مع الواجب لا تداخل في البين. لعل سياغ الكلام هذا. هذا البحث مهم.

جملة من الموارد العديدة السيد اليزدي في أبواب الفقه في كتاب العروة حكم بالتداخل في المسببات ويترتب عليه بحث كثير في الخلل وغيره. مثلا لو اتى انسان بحج مندوب ونوى الحج المندوب. تتذكرون ان تداخل المسببات مع نية الجميع او نية الواحد؟ هل تتداخل اذا نوى جميعا او اذا نوى احدها محل خلاف بين الاعلام. كذلك هنا لو غفلة او جهلا لم يعلم المكلف انه مستطيع وظن ان عليه ديون متراكمة وظن انه ليس مستطيعا وحج بنية الندب. ثم ا تضح له انه مستطيع هل يجزي عن حجة الإسلام؟ السيد اليزدي يجزم بالاجزاء.

هذه الأمثلة كلها في المستحب والواجب. في باب الصيام لو كان عليه صيام واجب هل له ان ينوي الصيام المستحب ايضا او لا يصح؟ او ينوي بنية التعليق ان هذا صيام واجب عما في ذمتي من شهر رمضان ولو لم يكن في ذمتي صيام شهر رمضان لنويت صياما نافلة. هل هكذا يجمع بين النيتين؟ نية فعلية للواجب ونية تعليقية بالنسبة الى المستحب. حنيئذ يثاب على الاثنين. ربما جماعة من الاعلام قالوا ينوي الصيام الواجب وينوي الصيام المستحب. هل يمكن لصوم واحد ينوي بنيتين؟

كذلك لو كانت عليه صلوات قضاء واجبة اذا يصليها في التهجد في الليل هل يجزي عن صلاة الليل؟ هل يثاب بصلاة الليل اذا ينويها؟ او ينوي الواجب فقط؟ ينوي انه واجب وينوي المستحب بنحو تعليقي.

الصيام في الاعتكاف شرط الصحة فيه. أي صيام هذا الذي هو شرط في صحته؟ يقولون ليس خصوص الصيام المستحب بل يعم الصيام الواجب. أصلا تشريع النبي صلى الله عليه وآله ربما في بداية الاعتكاف شرع في شهر رمضان. لان النبي كان ديدنه الاعتكاف في العشرة الأخيرة من رمضان. وهذا يدل على ان كل هذه العشرة لها ارتباط بليلة القدر. هذه الظاهرة ان الصوم في الاعتكاف اعم هل هي تداخل الأسباب ام لا؟ هذه ظاهرة أخرى من الصور.

صورة أخرى: صلاة الطواف هل هي تداخل المسببات؟ باعتبار ان كل آن يستحب فيه النافلة والطواف حسب الأدلة سبب كالنذر في ايجاب الصلاة. المشهور عند القدماء وهو الصحيح عندهم صلاة الطواف ليس جزء من العمرة ولا جزء من الحج وهو الصحيح. صلاة الطواف واجبة ولكنها ليس جزءً وله آثار كثيرة في الحج والعمرة. اعمال المنى يوم الحادي عشر والثاني عشر كرمي الجمرات الثلاث والبيتوتة وعدم الخروج من منى والافاضة واجبة واذا تترك فعليه كفارة لكنها ليست جزءا من الحج أصلا. لا دخل لها بصحة الحج. ليس لها ارتباط وضعي بالحج بل تكليف مستقل. بحوث متعددة في بحث التداخل. هل هذه كلها تداخل في المسببات ام لا؟

هذه البحوث يجب ان ننقحها.

السيد اليزدي رحمه الله في صلاة جعفر الطيار في العروة والمسائل الأخيرة فيها قال يجوز ان تأتي بصلاة جعفر الطيار ضمن صلاة الليل وتعتد بها كلاهما.

ازيد منها قال ويجوز ان تأتي بصلاة جعفر الطيار في ضمن الصلاة الواجبة. وذكر ثلاث احتمالات صناعية في كيفية ادخال صلاة جعفر الطيار في الصلاة الواجبة سيما في الصورة الثالثة جزم بصحتها. وكذلك السيد الخوئي جزم وجل محشي العروة جزموا بصحتها. يعني ان زي الصلاة الواجبة تجعلها بزي صلاة جعفر الطيار. ليست بدعة وليست خلاف توقيفية الصلاة.

هذه البحوث كلها نبحثها ان شاء الله.

logo